طـرابلس

تقع طرابلس، عاصمة لبنان الشمالي وثاني المدن اللبنانية، على بعد 85 كلم إلى الشمال من بيروت. وهي مدينة مضيافة امتزج فيها الحاضر بالتاريخ وتعايشت فيها الحركة الاقتصادية النشطة مع نمط عيش وديع.

تضم طرابلس عدداً كبيراً من البنى التاريخية والأثرية ومن بينها ما يزيد على أربعين بناء مسجلاً على لائحة جرد الأبنية الأثرية، من مساجد ومدارس وخانات وحمامات تعود بمعظمها إلى عصر المماليك، وبخاصة إلى أسواقها وخاناتها حيزاً عمرانياً مميزاً ما زال يحتفظ بعدد من الخصائص الموروثة منذ القرون الوسطى بحيث يجمع بين أصحاب الحرفة أو المهنة الواحدة من خياطين وصاغة وعطارين وباغين وصابونجيين وغيرهم.

التنقيبات الأثرية

لم تتمكن الحفريات الأثرية من مواكبة التوسع العمراني المتسارع الذي شهدته المدينة منذ أيام الاستقلال وحتى اليوم، وقد اقتصرت أعمال الحفر على مساحة صغيرة ضمن حدود مدينة الميناء التي ما تزال تغطي بقايا المدينة القديمة، منذ إنشائها في القرن التاسع ق.م. حتى سقوطها في أيدي المماليك في نهاية القرن الثالث للميلاد. وقد مكنت هذه الحفريات من تعرف جزء من المرفأ الجنوبي وبعض المنشآت المدنية التي تعود إلى ما بين القرنين الرابع والسادس ب.م. ، بالإضافة إلى جبانة تعود إلى نهايات العصر المتأغرق وبدايات العصر الروماني، أي إلى ما بين القرن الأول ق.م. والقرن الأول ب.م.

أما الحفريات المحدودة التي أجريت في ساحة القلعة الداخلية فقد أسفرت عن اكتشاف بقايا تعود إلى العصر البرونزي الحديث (القرن الرابع عشر ق.م.) وإلى العصر الحديدي (الألف الأول ق.م.) وبعض البقايا الأخرى التي تعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية والفاطمية، ناهيك عن بقايا الفترات اللاحقة التي تشكل بمجموعها حالة القلعة في عصرنا الحاضر.

جولة في أنحاء طرابلس

القلعة

تشرف قلعة طرابلس المعروفة باسم "قلعة صنجيل" على جميع أنحاء المدينة. وقد تعرضت هذه القلعة منذ إنشائها في أيام الصليبيين إلى أعمال توسيع وترميم كثيرة. ومن الممكن اليوم مشاهدة بنية مثمنة الأضلاع تعود إلى العصر الفاطمي، كانت في ما مضى مشهداً شيعياً يقوم في وسط جبانة عظيمة كانت تغطي التلة، وقد حوله "ريمون دي صنجيل" مؤسس كونتية طرابلس الصليبية إلى كنيسة على اسم "كنيسة القبر المقدس التي التي على تلة الحجاج"، وهو الاسم الذي كانت تعرف به "تلة أبي سمراء" في تلك الأيام. وفي القلعة أيضاً بعض البنى التي تعود إلى أيام الصليبيين، ومنها أساسات الجبهة الشرقية وبعض أجزاء الكنيسة التي تعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر، بالإضافة إلى البرج الكبير القائم في وسط القلعة. أما التعديلات التي طرأت على القلعة في أيام المماليك، فقد تناولت بشكل رئيسي جبهتيها الشمالية والجنوبي. وهناك أيضاً بعض التعديلات الطفيفة التي تعود إلى العهد العثماني، في بدايات القرن السادس عشر، والتي تتمثل بالبوابة الرئيسية التي أدخلت على البنية المملوكية. أما وضع القلعة الحاضر، فيعود إلى الترميمات والإصلاحات الجذرية التي قام بها متسلم طرابلس مصطفى آغا بربر في بدايات القرن التاسع عشر.

كنيسة القديس يوحنا على "تلة الحجاج"

في غضون السبعينات من هذا القرن، تم كشف أجزاء مهمة من هذه الكنيسة التي تقع على بعد نحو 200 متر إلى الجنوب من القلعة، داخل جبانة الموارنة القائمة على "تلة أبي سمرا". وقد حلت هذه الجبانة محل الجبانة الصليبية التي حلت بدورها محل الجزء الجنوبي من جبانة عصر بني عمّار. وتتألف هذه الكنيسة ذات العمارة البديعة من سوقين متلاصقين، أكبرهما ينتهي بمحراب نصف دائري، وأصغرهما بمحراب مستطيل الشكل.

الجامع المنصوري الكبير

شيد الجامع المنصوري الكبير بين عامي 1294 و1315 مكان كنيسة طرابلس الصليبية الكبرى التي كانت تعرف باسم "كنيسة العذراء ذات البرج". ويتألف الجامع من صحن فسيح يتوسطه حوض الوضوء وتحيط به الأروقة المعقودة ويفضي إلى قاعة الصلاة المقببة. وما زالت بعض أجزاء الجامع تحتفظ بعدد من الزخارف ذات النمط "الرومني". ومن بين أبرز المعالم المتبقية من هذا العصر الباب الشمالي وبرج المئذنة اللومبردي الطراز. وتزين جدران الجامع لوحات مرموقة تعود إلى عصر المماليك، بعضها تاريخي يفيد في مراحل البناء وبعضها الآخر تنظيمي يتضمن نصوص مراسيم تتعلق ببعض الأمور الحياتية اليومية.

جامع طينال

أقيم هذا الجامع مكان كنيسة الكرمليين الصليبية التي كانت بدورها تقوم على ما يبدو على أنقاض معبد روماني مكرس لعبادة "زوش القدوس" أو "البعل القدوس". وقد بناه عام 1336 الأمير سيف الدين طينال الذي ما يزال ضريحه على مقربة من قاعة الصلاة الداخلية. ويمتاز هذا الجامع بعدد من أعمدة الغرانيت ومن تيجان الأعمدة التي تعود إلى العصر الروماني المتأخر والتي أعيد استعمالها في قاعة الصلاة الخارجية. أما البوابة التي تفصل بين قاعتي الصلاة، بمقرنصاتها ومأطوراتها وكسوتها المرمرية الملونة، فتعتبر من أبدع منجزات الفن المملوكي في بلاد الشام.

الجامع المعلق

يعود تاريخ بناء هذا الجامع إلى أواسط القرن السادس عشر م. ويبدو أنه سمي بالمعلق لكونه أقيم فوق الطابق الأرضي ولا يفضي بالتالي إلى الطريق العام، كما كانت العادة تقضي بذلك. ويمتاز داخله ببساطة تصميمه وعدم تناظر أجزائه وتناسقها. ويحيط به من الخارج صحن وحديقة. وقد جهز الصحن بمحراب ليكون مصلى خارجياً.

مدرسة البرطاسي وجامعه

بني هذا المجمع الذي يضم مدرسة وجامعاً في الربع الأول من القرن الرابع عشر للميلاد، وهو مسقوف بقبب على مدليات ذات مقرنصات تمتاز ببساطتها. وقد كسي جداره القبلي بالرخام المتعدد الألوان فيما زين محرابه بالفسيفساء المذهبة. أما مئذنته المربة التي تنير واجهتها نوافذ متوأمة، فقد أقيمت فوق المدخل بشكل يدل على معرفة عميقة بقوانين الدفع الجانبي. وإلى يمين الداخل إليه يقوم ضريح واقف المدرسة "عيسى بن عمر البرطاسي".

المدرسة القرطاوية

بنيت هذه المدرسة في الربع الأول من القرن الرابع عشر. م. وهي تعتبر من أجمل مدارس طرابلس زخرفاً، وتتميز بوابتها بمقرنصاتها وبمأطوراتها الرخامية المتعددة  الألوان فيما تتميز قاعة صلاتها بقبتها البيضاوية الفريدة.

المدرسة الطواشية

أقيمت هذه المدرسة والضريح القائم إلى جانبها في غضون النصف الثاني من القرن الخامس عشر. م. وتتوسط واجهتها القبلية المقبلّقة بوابة تفضي يميناً إلى الضريح ويساراً إلى قاعة الصلاة، وتزين عقد هذه البوابة شعاعات متداخلة ضمن جوفة محارية الشكل، فوق صفوف المقرنصات والعميدات المفتولة.

الخانقاه

أقيم هذا البناء الفريد في غضون النصف الثاني من القرن الخامس عشر م. وكان في ما مضى معداً لإقامة الزهاد والمتعبدين. ثم تحول في فترة من الفترات إلى دار للعجزة. ويتألف البناء من فناء تتوسطه بركة ماء ويحيط به من جبهتيه الشرقية والشمالية عدد من الغرف الصغيرة. أما جهة الفناء القبلية فيشغلها إيوان مرتفع عن مستوى الفناء يزينه قوس مبلق يرتكز إلى عمودين من الغرانيت.

حمام عز الدين

أقام هذا الحمام نائب السلطنة في طرابلس الأمير عز الدين أيبك الموصلي الذي توفي عام 1298م. ودفن في ضريح ملاصق، وما تزال نافذته المطلة على الشارع العام تزين بين الحين والآخر بأغصان الريحان والزهور من قبل المارة. ويشغل بناء الحمام موقعاً كان يقوم عليه بيمارستان وكنيسة من العصر الصليبي على اسم "القديس يعقوب". وما تزال سقيفة الحمام تحمل لوحة رقم عليها اسم القديس باللغة اللاتينية بين محارتين ترمزان إلى "الحمل الفصحي". وقد تعرض هذا البناء للتدمير وهو اليوم قدي الترميم.

حمام العبد (قرب خان الصابون)

بني هذا الحمام في أواخر القرن السابع عشر، وهو البناء الوحيد من نوعه الذي ما زال يعمل حتى اليوم. ويتألف الحمام عادة من ثلاثة أٌسام رئيسية، بحسب التقاليد الموروثة من أيام الرومان والتي ما تزال معمتدة حتى يومنا هذا في ما يسمى ب "الحمامات التركية"، وهي المشلح، الذي يحتوي في وسطه بركة ماء  وتحيط بجوانبه الدواوين. والحجرة الفاترة التي تستعمل للتدليك وبين الحرارة. وجميع هذه الأقسام مغطاة بأقباء معقودة يدخلها نور الشمس عبر جامات من الزجاج.

الحمام الجديد

أنشئ هذا الحمام الذي يعتبر من أكبر حمامات طرابلس وأفخمها حول عام 1740، وقد قامت المديرية العامة للآثار بترميمه في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، وهو مقفل منذ ذلك الحين، ويمكن الحصول على مفتاحه من إحدى الدكاكين المجاورة.

خان الخياطين

على الرغم من وصفه بـ "الخان" فإن تصميم خان الخياطين يختلف جذرياً عن تصاميم الخانات الأخرى، بحيث يبدو وكأنه شارع مسقوف أقيمت على جانبيه الدكاكين. فقد أقيم هذا الخان في غضون النصف الأول من القرن الرابع عشر للميلاد. ويتألف من رواق طويل مسقوف يطل من على جانبيه عدد من الدكاكين التي تعلوها غرف النزلاء. وأمام مدخله الغربي عمودان من الغرانيت ما زال أحدهما يحتفظ بتاج كورنثي الطراز يعود إلى العصر الروماني المتأخر.

خان المصريين

أقيم هذا الخان على ما يبدو في غضون النصف الأول من القرن الرابع عشر للميلاد على المخطط التقليدي لمثل هذا النوع من البنى. فهو يتألف من فناء تتوسطه بركة ماء وتحيط به طبقتان، خصصت السفلى منهما للبهائم والبضائع فيما خصصت العليا للنزلاء. وتطل هذه الغرف على الفناء من خلال أروقة معومدة.

سوق الحراج

يرجع تاريخ إنشاء هذه البنية الفريدة على ما يبدو إلى القرن الرابع عشر، وترتكز قبابها على أربعة عشر عموداً من الغرانيت لتشكل سوقاً مسقوفاً يشغله اليوم المنجدون. وربما كان في ما مضى سوقاً للدلالة كما يدل على ذلك اسمه. وقد يكون هذا السوق قد حل محل بنية تعود إلى حقب سابقة.

برج السباع

يشكل هذا البرج واحداً من سلسلة أبراج وحصون أقيمت في عصر المماليك لحماية الساحل الطرابلسي من غزوات الفرنجة الذين استقروا في قبرص على أثر طردهم من الشاطئ الشامي في نهاية القرن الثالث عشر م. وقد أقيم في أواسط القرن الخامس عشر، وعلى الرغم من كون اسمه الأصلي ما يزال موضع أخذ ورد، فقد عرف بهذا الاسم بسبب الأسود المحفورة التي كانت تزين مدخله. ويتم ولوج البرج المؤلف من طبقتين عبر بوابة مبلقة. وتظهر في جدرانه أعمدة رومانية من الغرانيت كانت تستعمل كمرابط تربط البانية الخارجية بالبانية الداخلية لتمتين البنيان.

طرابلس اليوم

يتألف الحوز الطرابلسي اليوم من قسمين: الميناء، حيث المرفأ وحيث كانت تقوم المدينة القديمة حتى تاريخ تدميرها عام 1289. ومدينة طرابلس عينها التي أنشئت ابتداءا من تلك السنة على أنقاض ربض تغوص جذوره في عهود الصليبيين فالفاطميين فالبيزنطيين فالرومان..

ويسكن هذا الحوز حالياً ما يناهز نصف مليون نسمة.

ويشكل ما يعرف اليوم بالمدينة القديمة نواة طرابلس. فهي تقع على سفح تلة "أبي سمراء" التي تشرف عليها القلعة وتحتوي معظم معالم المدينة التاريخية وتحيط بها المتاجر والمصارف والمطاعم والمقاهي والمباني السكنية الحديثة. وتشكل ساحة التل التي يتوسطها برج الساعة العثماني الذي أقيم في بداية هذا القرن قلب الحوز الطرابلسي الذي يعج بجميع وسائل النقل التي تلتقي فيه أو تنطلق منه باتجاه مختلف أنحاء لبنان الشمالي. أما أكثر المطاعم والمقاهي شهرة، فمعظمها يطل على شارع عزمي ومن السهل بلوغها بسيارة الأجرة انطلاقاً من ساحة التل.

وإذا شئت التبضع في الأسواق القديمة فلا تنسى سوق الصاغة، ناهيك عن المحلات الأخرى المنتشرة في المدينة والتي تبيع المنتوجات الحرفية التي تشتهر بها عاصمة الشمال. ومن الحلويات إلى الصابون المطبب إلى الأراجيل أو الأواني المصنوعة من النحاس المطروق أو الزجاج المنفوخ.

معرض طرابلس الدولي

يحتل معرض طرابلس الدولي الذي وضع تصميمه المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير مركزاً مرموقاً، لا سيما وأنه يشهد موسمياً إقامة معارض تجارية وصناعية ذات شهرة واسعة.