نهر الكلب

تاريخ محفور في الصخر

فور عبور نفق نهر الكلب على طريق بيروت- طرابلس الدولية، تطالعك على يمينك طريق فرعية تسير بمحاذاة ضفة نهر الكلب، الذي كان يعرف قديماً باسم نهر الذئب. وكان يحد هذا النهر من الجهة الجنوبية رأس صخري هائل، يشبه بتكوينه رأس الشقعة الواقع إلى الشمال من مدينة البترون. وحتى بدايات القرن العشرين، لم يكن من الممكن تخطي هذا العائق إلا بتسلق درب ضيقة شقت بين صخوره. وبسبب وعورة الدرب وصعوبة عبورها، عمد الفاتحون الذين اضطرتهم ظروف معاركهم إلى اجتيازها باتجاه الشمال أو الجنوب، إلى نقش أنصاب على جنباتها تخليداً لهذا الإنجاز.

تنتشر أنصاب نهر الكلب جميعها على صخور ضفته اليسرى، باستثناء نصب يتيم أقامه الملك نابوقدنصر الثاني (604-562 ق.م) على ضفته اليمنى. ويحتوي هذا النصب نص الأنصاب المنقوشة على صور وادي بريصا في منطقة الهرمل البقاعية.

تشمل الضفة اليسرى ثلاثة أنصاب للفرعون رعمسيس الثاني (1279-1213 ق.م.)، منها واحد أزيلت معالمه في القرن الماضي ليحل محله رقيم يذكر بالحملة التي أمر بها إمبراطور فرنسا نابليون الثالث عام 1860-1861م. ولملوك الأشوريين خمسة أنصاب، من بينها واحد ما زالت معالمه المرموقة تشير بوضوح إلى الملك اسرحدّون (680-627 ق.م.). ومن العصر الروماني هناك نصب واحد باللغة اللاتينية يذكر بإصلاح الدرب الصخرية على يد جنود الفيلق الروماني الغالي الثالث في أيام الامبراطور كركلا (211-217 ب.م)، ونصبان باللغة اليونانية، درست معالم أحدهما، فيما يشير الثاني إلى أعمال تأهيل الدرب عام 382 ب.م. بهمة بروكلس والي فينيقيا في أيام الامبراطور ثيوذوسيوس الأول الكبير (379-395 ب.م.). ومن عصر المماليك نصب يذكر بإنشاء أو ترميم الجسر القديم في أيام السلطان الظاهر سيف الدين برقوق (1382-1399). ويعود هذا الجسر في حالته الحاضرة إلى عام 1809 في عهد الأمير بشير الشهابي الثاني.

ومن الفترة المعاصرة، تحمل صخور نهر الكلب نصباً يذكر بسقوط دمشق في يد جيوش المشرق الفرنسية بقيادة الجنرال غورو في 25 تموز 1920. وعليها نصب آخر يحمل رقيمين، أحدهما يعود إلى العام 1919 ويذكر باحتلال دمشق وحمص وحلب من قبل فيلق الصحراء البريطاني في تشرين الأول 1918؛ أما الثاني فيعود إلى عام 1930 ويذكر بالحدث عنيه، مضيفاً إلى الفيلق البريطاني الفرق الأوسترالية والنيوزيلندية والهندية والفرنسية وقوات الملك حسين (شريف مكة) العربية. وهناك نصب يذكر باحتلال بيروت وطرابلس من قبل الجيوش البريطانية والفرنسية في تشرين الأول عام 1918.

في هذه الأنصاب السبعة عشر التي تعود تواريخ رقمها إلى ما قبل الاستقلال، أضيف نصب الجلاء الذي يذكر بجلاء الجيوش الأجنبية عن لبنان في 31 كانون الأو ل1946 في عهد الشيخ بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية. كما أضيف إليها مؤخراً نصب أقيم سابقاً في جادة الفرنسيين في بيروت تخليداً لذكرى قتلى الجيوش الفرنسية.