المتين

معلم من عصر الإقطاع في لبنان

تعود جذور بلدة المتين أو المتن الأصغر على ما يبدو إلى القرون الأولى بعد الميلاد، بحسب ما تشير إليه بقايا الجبانات الرومانية والبيزنطية المحفورة في الجروف الصخرية المحيطة بها. بيد أن تاريخ البلدة الحديث لا يتضح بشكل مؤكد إلا في غضون القرنين السادس عشر أو السابع عشر. ففي تلك الفترة حلت في جبل لبنان جماعة جاءت من الجبل الأعلى، شرقي إنطاكية، واشتهرت بكنية أبي اللمع نسبة إلى أحد زعمائها، وأضحت المتين أحد مراكز نفوذها ومدفن عدد من مقدميها.

كان اللمعيون في الأصل من الموحدين الدروز، ثم ما لبثوا أن اعتنقوا المسيحية في مذهبها الماروني. وغداة انتصاره في عين دارة عام 1711 ، وبسبب بطشهم في المعركة إلى جانبه، رفعهم أمير جبل لبنان آنذاك حيدر الشهابي، إلى مرتبة الأمراء، ووسع نفوذهم في مقاطعة المتن، وشهدت المتين أيام عزها في ظل حكمهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

من هذه الحقبة الذهبية، ما تزال المتين تحتفظ بعدد من المنشآت التي اقامها اللمعيون فيها، أبرزها ثلاثة قصور تحيط بساحتها العامة المعروفة بـ الميدان حيث كانت تجري سباقات الفوارس الرماحين.

ومن تلك القصور، قصر العدل القديم الذي يشرف على الميدان ببنيته الحجرية المشيدة بحسب الأسلوب المعماري اللبناني التقليدي. فواجهة القصر جميلة على بساطة، تخترقها بوابة ذات قوسين تزينها حجارة صفراء وبيضاء وجانبها مقعدان حجريان على غرار ما كان شائعاً في عمارة تلك الفترة. أما الدور الأول، فتخترق واجهته ثالثة أبواب تعلوها أقواس فطسى، وهي أقواس لم تدخل على العمارة اللبنانية قبل القرن السابع عشر ثم شاع استعمالها في القرون اللاحقة. وتفضي هذه الأبواب إلى شرفة تحملها تسعة أزفار كانت تزينها في ما مضى أحواض الورد. وفي وسط الواجهة شباك بفتحتين توأمتين يعلوهما قوسان مشوشران. وعند أسفل الواجهة، على  مستوى أرضية الميدان، مقعد حجري يمتد على طول البناء، كان معداً لجلوس المتفرجين على السباقات والاحتفالات التي كانت تشهدها البلدة.

وعلى منحدر التلة خلف القصر الجنوبي، يقوم بناء مكعب الشكل تعلوه قبة ويحتوي عدداً من قبور مقدمي  اللمعيين الدروز.

وفي المتين أيضاً برج مراقبة يعرف ببرج المسيلكة ويعود إلى الحقبة عينها التي شهدت بناء القصور.

عام 1949 تم تسجيل ساحة الميدان وقصورها التاريخية على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية والأثرية في لبنان، وفي عام 1959 تم تسجيل برج المسيلكة ومنطقة الجبانات الرومانية البيزنطية على اللائحة عينها. وعام 1957 صدر مرسوم باعتبار بلدة المتين منطقة ذات صالح أثري، تعرض على مديرية الآثار جميع المشاريع الرامية إلى إلى تجميلها وتوسيعها. بيد أن الظروف لم تسمح بإعادة تأهيل آثار هذه البلدة العريقة على المستوى المطلوب.