مراكـش

مراكش، خالدة بمعالمها، شامخة شموخ الأطلس، متوغلة في التاريخ ، تنازع في شأنها عظماء الملوك وتعاقبت عليها السلالات الحاكمة، وشيّد بها العلماء والصناع التقليديون والمهندسون المعماريون والرسامون النحاتون عبر العصور أفخم القصور والمساجد والحدائق والمدارس..   

مراكش، المدينة التي أعارت اسمها للمغرب لفترة من فترات التاريخ. التقى بها الرحل وسكان الجبال، توافرت فيها كل السلع، ازدهرت بها الصناعة التقليدية وشيدت بها فنادق فخمة ومطاعم وملاعب الغولف والكازينوهات. مراكش، انها بحق عاصمة الجنوب المغربي. تستيقظ مراكش، على عادتها كل صباح منذ 800 سنة على الأذان من علو 70مترا بصومعة الكتبية، المنارة الروحية لمراكش.

وتشرق الشمس على مراكش. شرائح مختلفة من الناس تكتسح الأزقة الملتوية للمدينة العتيقة. رجال يسرعون في اتجاه مسجد ابن يوسف الملتصق بالمدرسة، أحد أبرز المآثر التاريخية بمراكش، مدرسة قرآنية رحبة ورائعة أسسها السلطان المريني ابو الحسن (1331-1349).

تقع مدينة مراكش عند سفوح
جبال أطلس على بعد 30 كم منها حيث يبلغ ارتفاعها 450 مترا عن سطح البحر، كما تبعد 4 كم جنوب الضفة اليسرى لنهر «تنسيفت» وبحكم موقعها الجغرافي فقد تنوعت درجات حرارتها مما أسهم في وجود بيئات نباتية تتسم بالغزارة والتنوع.

ويعود فضل تأسيس المدينة الى الملك الشهير يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين عام 1062. وكان يطلق على هذه المنطقة اسم «مراكش»، وهي كلمة بربرية تعني «مر بسرعة» اذ كانت محطة يتوقف عندها اللصوص وقطاع الطرق للإغارة على القوافل.

وفي عام 1147 اقتحمت جيوش الموحدين بوابات مراكش، وعندئذ دخلت المدينة عصرا جديدا من العظمة والمهابة، وباتت حاضرة المغرب العربي الاسلامية دون منازع. وقد خلف الموحدون كمًّا هائلا من الآثار الخالدة، ولعل الأثر الأكبر والأعظم الذي يميز هذه الفترة جامع «الكتبية» بمنارته الشهيرة والذي يعد أجمل وأشهر أثر في المغرب العربي قاطبة. المساجد القديمة كالقصبة مثلا تستقطب السياح والدارسين للمعالم الأثرية من جميع أنحاء العالم مثل قصور المدينة والتي من أشهرها قصر «البديع» وقصر «الباهية» ودار «السي سعيد» اضافة الى البيوت القديمة المسماة بـ «الرياض» والتي تجد اهتماما من قبل فنانين عالميين.

وتعتبر الحدائق مثل حدائق «المنارة» و«أكدال» وقبور السعديين وسوق السمارين، وآثار ساقية «اشرب وشوف» أساسا حيويا للبنية السياحية للمدينة. وقد راعت الاستثمارات السياحية الحفاظ على طابع المدينة وعدم تشويه صورتها التاريخية. فانتقال السائح من وسط المدينة الى أحياء حديثة مثل حي «الداوديات» لا يخلق لديه انطباعاً بأن هوة تفصل ما بين المنطقتين، وان كان سيشعر بأن وسائل البناء هي التي تطورت. أما الطرز المعمارية والزخارف والرسوم والنقوش فقد ظلت كما هي ويبدو ذلك واضحا في قصر «المؤتمرات» حيث لا يختلف عن المعمار «المرابطي» او «الموحدي» أو «المريني». 

وأحدثت هذه الاستمرارية المعمارية في الاستثمارات العصرية، سواء في الفنادق الفخمة والمخيمات السياحية والتجهيزات الترفيهية او في مراكز الجذب السياحي خارج المدينة مثل مناطق التزلج على الجليد في «اوكيمدن» و «أوريكا» ومراكز «إسني» و «الويدان» و «البرج» وغيرها، تكاملا سياحيا يدعمه سوق رائج للصناعة التقليدية والمطاعم والمقاهي والمتنزهات ووكالات السفر والسياحة ووسائل النقل السياحي والمدارس الفندقية والسياحية ومدارس تكوين المرشدين السياحيين.

ويعمل أكثر من ثلث سكان مراكش في أنشطة لها علاقة بالسياحة فمنهم سائق الكوتشي «الحنطور» وتجار وعاملون في البازار وأصحاب المقاهي والمطاعم والمستخدمون والمرشدون السياحيون، وصناع المنتوجات التقليدية من زرابي وأواني فضية ونحاسية وجلود وغيرها. ولا بد في نهاية المطاف من ان يتجول السائح في ساحة جامع «الفنا» وهي أشهر الساحات في المغرب وكانت تعلق فيها رؤوس المجرمين ومدبري الفتن، وصارت موسما دائما وعيدا يوميا للتراث الشفوي المغربي.

 في كل صباح يستوطن فيها الحكواتي ومدعية العلم بالغيب وطبيب الأعشاب البرية والكاتب العمومي وحاوي الأفاعي والبهلوان وغيرهم ممن يبسطون زربياتهم، وكأن الكل في مسرح مفتوح كبير يؤدي فيه أدوارا عديدة من عنترة بن شداد حتى يوسف بن تاشفين سيد الملثمين وباني المدينة.

وعند غروب الشمس بمراكش تحتضنك حدائق النخيل الباسقة حول المدينة لتتمتع بالشمس وهي تتسربل بحمرة الشفق وتنهار أمامك رويدا رويدا لتغيب خلف غابات النخيل.