تدمر حاضرة الشرق

 كان التدمريون من عرب البادية الذين استقروا في واحة تتمتع بموقع استراتيجي هام، وكانت تحكمهم أسرة حيران العربية. ومنذ أن أصبحت الأسرة السورية حاكمة في روما ابتدأ الاهتمام بسورية وبخاصة تدمر فأعلنها كاراكالا مستعمرة رومانية وأعفاها من الضرائب.

كان مركز تدمر التجاري سبب ازدهارها، فكانت البضائع من عاج وحرير وعطور تمر من الشرق عبرها، وكانت التماثيل والزجاجيات الفينيقية تصدر إلى الشرق عن طريقها وكانت مركزاً هاماً من مراكز طريق الحرير القادم من الصين.

وارتفع مستوى الحياة الاجتماعية فيها وازداد العمران وتعددت المنشآت تحمل الأسلوب الروماني مع بعض الملامح المتميزة وبخاصة في التماثيل والقبور. وكانت التماثيل التي اعتلت أعمدة الشارع المستقيم تنم عن ارتفاع مستوى الطبقة الحاكمة من قادة أو شيوخ، كذلك كانت تماثيل القبور توضح المستوى الراقي الذي كان عليه الشعب بلباسه وجواهره وطراز معيشته، وبتكريم الراحلين بإقامة أجمل التوابيت والقبور.

كانت تدمر زاهرة بحضارتها قوية بجيشها الذي استقطب المقاتلين في البادية، وكانت علاقتها الحسنة مع روما تدفعها إلى تقديم الفرسان والأدلاء لمؤازرة الجيوش الرومانية، بل كانت تدمر الثغر الحامي لأقصى شرق الإمبراطورية الرومانية من الخطر الساساني المتربص لروما دائماً. هكذا لعبت تدمر دوراً كبيراً في سياسة الشرق كله، وبخاصة بعد أن وصلت جيوشها إلى الأناضول والإسكندرية. ولكن طموحها بالوصول إلى روما لم يتحقق بل دفعت ثمن ذلك نهايتها القاسية المتمثلة بأطلالها القائمة حتى اليوم.