العصر العباسي

انتهت الدولة الأموية بعد معركة الزاب والقضاء على آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، وقد فتح العباسيون دمشق على يد عبد الله بن علي الذي أصبح والياً على الشام من قبل أبي العباس ابن أخيه. واستمرت الدولة العباسية مستغلة الخلافات القبلية التي كانت الشام مسرحاً لها. واستاء أهل الشام من سوء حكم العباسيين الذين ابتدأوا بالاعتماد على حاشية من الفرس أو الترك، مما مهّد إلى توسع نفوذ هؤلاء الدخلاء، فأقاموا حكماً مستقلاً في مصر بزعامة الطولونيين 870م ثم ظهرت الدولة الإخشيدية في مصر أيضاً، بينما كانت الدولة الحمدانية العربية في شمالي بلاد الشام 947هـ/1002م. وكان بين الدولتين نزاع، خمد بعد ظهور الفاطميين الذين أعلنوا خلافة في مصر امتدت إلى الشام والمغرب واليمن.

وإذا أهملت دمشق في عصر العباسيين فإن بعضاً من خلفاء العباسيين كالرشيد والمأمون كانوا يختلفون إليها، كما يذكر ابن عساكر، طلباً للصحة وحسن المنظر. فقد أقام بها المأمون وأجرى إليها قناة من نهر منين إلى معسكره بدير مران، وبنى القبة التي في أعلى الجبل وصيرها مرقباً يوقد في أعلاها النار لكي ينظر إلى ما في عسكره. وصارت هذه القباب بعد ذلك للإعلام عن تحركات العدو، وأقام أيضاً مرصداً فلكياً في الجبل.

ومن أهم القصور القديمة القصر الذي بناه المأمون بين دمشق وداريا، ولا يعرف اليوم محله، وفيه نزل المتوكل العباسي لما نقل دواوين الخلافة من بغداد إلى دمشق. وكان المأمون معجباً بما ترك الأمويون من الآثار ولاسيما جامعهم. وجعل يطوف على قصور بني أمية ويتتبع آثارهم، "فدخل صحناً من صحونهم فإذا هو مفروش بالرخام الأخضر كله، وفيه بركة يدخلها الماء ويخرج منها من عين تصب إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربعة زواياه سروات، كأنها قصت بمقراض من التفافها."

لم تكن بلاد الشام في العصر العباسي موضع اهتمام واضح وإن كان هارون الرشيد قد أقام في الرقة منشآت مازالت آثارها ظاهرة.

وتعاقب على بلاد الشام ظهور عدد من الدول المستقلة كانت سبباً في تفكك عرى الوحدة والنظام، وفي انشغالها بالفتن الداخلية وبالخصومات.

وفي شمالي
سورية كانت الدولة الحمدانية في حلب 947-1002م، والحمدانيون عرب من قبيلة تغلب. وكان الأمير الحمداني سيف الدولة أمير نصيبين ثم تطلع لحكم حلب عام 944م، فاستولى عليها وأنشأ فيها بلاطاً استدعى إليه كبار الشعراء مثل أبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني، وبعد وفاته لم يستقر الحكم طويلاً وانتهى عصر الحمدانيين، وبدأ حكم المرداسيين في عام 1020م واستمر حتى عام 1080م وكان صالح بن مرداس من الرحبة قد استولى على حلب ومن أولاده ثمال بن صالح الذي أقام في قلعة حلب بعد أن شيد فيها قاعات حديثة.

وفي عصر الحمدانيين، ظهر في مصر الفاطميون قادمين من تونس 968م بقيادة جوهر الصقلي وأسسوا فيها مدينة القاهرة المعزيّة. وكانت دمشق تعاني من ثورات داخلية، فاستطاع الفاطميون ضمها إليهم، ولكن حكمهم لم يستمر طويلاً 973-1166م.

في عام 1071م حاول السلطان السلجوقي التركي الب أرسلان احتلال مدينة حلب عبثاً، فلقد صده المرداسيون، ولكن أتسز بن أوق، دخل دمشق بعدما منحها الأمان 1076م وهكذا بدأ حكم السلاجقة في جنوبي البلاد.

ثم استولى ملك شاه على حلب عام 1086م. وكان بنو منقذ في شيزر وحماة قد لعبوا دوراً هاماً في ذلك التاريخ.