المنشآت الأولى في ساحة المرجة

كان والي دمشق كنج يوسف باشا أول من تنبه لأهمية هذه الساحة، فأنشأ فيها قصراً سنة 1807م تاركاً مقر المشيرية، ومتحدياً قصر الوالي أسعد باشا 1750م في دمشق القديمة. وكان القصر يقع إلى جهة الجنوب بينما كان جامع يلبغا المملوكي 1347م يقع إلى الشمال.

وفي عام 1866 تمت تغطية النهر في عصر الوالي محمد راشد باشا، وهكذا أصبحت المنطقة ميداناً فسيحاً سهلت فيه حركة القوافل والنقل، فتمركزت فيه بعض الفعاليات المؤقتة، مما دفع الوالي حسين ناظم باشا سنة 1895 إلى بناء دار البلدية التي كرست هذه الساحة مركزاً جديداً للمدينة، وفيها تزاحمت وسائط النقل من عربات خيل ودواب. وأطلق على الساحة اسم الميدان الكبير.

ومن المؤكد أن بنائين آخرين سبقا بناء دار البلدية أُنشأا أمام جامع يلبغا، هما بناء دار البرق والبريد ودار العدلية إضافة إلى بناء السجن في الطرف المقابل، وكانت بمجموعها نواة مركز المدينة الذي اتصل بأحياء أخرى بواسطة شوارع وطرق، من أهمها جادة السنجقدار من الشرق يوازيها مدخل سوق التبن وسوق علي باشا، وإلى الجنوب زقاق رامي وإلى الغرب جادة الشرابي وضفتا بردى، ومن الشمال زقاق البحصة البرانية المؤدي إلى حي سوق صاروجا وكانت تقطنه الطبقة الرفيعة من العثمانيين. وأطلق عليها اسم استانبول الصغيرة.

وفي عام 1900 فكر السلطان عبد الحميد وبتأثير من الألمان، بإنشاء خط حديدي يمتد من المدينة المنورة إلى دمشق الشام، ويصل إلى استانبول، ومنها إلى أوربا. وكان الوالي ناظم باشا في دمشق قد استقبل أمر السلطان بلهفة، فقام بالإشراف على بناء الخط من الأموال التي خصصت لذلك ومقدارها 283ألف ليرة ذهبية، واستطاع الوالي أن يقتصد بالإنفاق، إذ كلف الجنود بأعمال البناء فقام بتنفيذ منشآت هامة مستعيناً بالمهندسين والفنيين الألمان والنمساويين الذين قدموا إلى دمشق لتنفيذ المشروع، نذكر منهم مايسنر باشا ودارندا D'Aranda الذي أصبح المسؤول الفني عن أعمال البناء، وزاد عدد الفنيين الألمان عن نصف الفنيين العرب وخاصة المصريين.

وكان أضخم بناء أنشأه هذا الوالي خلف دار البلدية هو بناء الحكومة السرايا 1900م الذي أصبح مقراً للولاة عوضاً عن قصر كنج يوسف باشا، ثم صارت مقراُ للحكومة العربية في العصر الفيصلي 1920م وبعده، واستمرت مقراً لرئاسة الوزراء وجميع الوزارات إلى أن خصصت لوزارة الداخلية.

لقد كان طراز بناء السرايا مطابقاً لطراز دار البلدية، وهو الطراز الكلاسيكي المحدث، وكان قد انتشر في فرنسا وهو طراز مطور ومبّسط عن الروماني القديم، وهو دليل على أن الفنيين الأجانب قد نقلوا إلى دمشق الطراز المعماري الذي كان سائداً في بلادهم، والمختلف تماماً عن الطراز الذي عرفته دمشق في بناء قصر العظم، وقصر السعادة، وقصر كنج. لقد امتد هذا الطراز إلى بناء دائرة الشرطة وطبابة المركز المحاذية لدار البلدية، وبينهما كان كشك عثماني الطراز لبيع الطوابع المالية والتبغ وغيرها. واستكمل الميدان الكبير صفته مركزاً للمدينة عندما أنشئت أبنية في منطقة السجن القديم إلى الجنوب الغربي من الميدان، كما نهضت عند مدخل سوق على باشا من الغرب، منشآت تجارية وخان أي فندق ومسارح...

وعندما أقيم النصب التذكاري البرونزي في وسط الميدان الكبير في عام 1907 كان ذلك تأكيداً لأهمية هذا الميدان ومركزيته. وهذا النصب مؤلف من عمود ضخم تعلوه قاعدة عليها مجسم جامع يلدز الخاص بالسلطان، وتلتف حول العمود أسلاك رمزاً للاتصال البرقي بين المدينة المنورة ودمشق دعماً لعمليات النقل بقطارات خط الحجاز.