اللاذقية المدينة والتاريخ

إن أقدم اسم لمدينة اللاذقية هو راميتا، أو ياريموتا كما وردت في رسائل تل العمارنة، وكانت قرية صغيرة مبنية على تل صخري تبلغ مساحة سطحه حوالي هكتار ونصف. وأبانت الكسر الفخارية المكتشفة في التل أنه يعود إلى عصر البرونز الحديث 1600-1200ق.م. وكانت تابعة لمملكة أوغاريت. وكانت علاقاتها الدولية مرتبطة بعلاقات أوغاريت. وفي العصر الهلنستي بعد الإسكندر أي في عصر السلوقيين أصبحت تحمل اسم لاوذكيّة أو لاوديسة تيمناً باسم والدة سلوقوس نيكاتور. وألفت مع أنطاكية وسلوقية وأفاميا نوعاً من الاتحاد. وفي العصر الروماني 64ق.م-395م منحها يوليوس قيصر بعض الامتيازات.   

وفي عام 20ق.م اعتنى الإمبراطور أوكتافيان باللاذقية فأمر ببناء مدرج على هضبة الطابيات. وفي عام 194م توسعت شوارعها وصار لها شارعان رئيسيان مزينان بصفين من الأعمدة. ومن المرجح أن القوس الكبير الذي مازال قائماً في نهاية أحد الشوارع، أنشئ في ذلك العصر. وفي العصر البيزنطي أصيبت اللاذقية بزلزال 529م هدم أقساماً منها فأمر الإمبراطور جوستنيان بإعادة إعمارها.

وفي عام 636م كان الفتح الإسلامي وصارت اللاذقية تابعة لجند حمص. وكان العرب فيها ينتمون إلى قبائل يمنية، هي همدان وزبيد وسليح ويحصب.

وزار اللاذقية المتنبي وأبو العلاء المعري الذي حل ضيفاً على رهبان دير الفاروس وتتحدث المؤلفات عن هذا الدير بإعجاب، وقال عنه ابن بطوطة "أعظم دير بالشام ومصر".

وتمركز الصليبيون في اللاذقية بعد عام 1108م وأطلقوا عليها اسم لاليش، وأنشأوا فيها قلعة أو حصناً فوق الهضبة. وبدأ صلاح الدين الأيوبي حملته لتحرير اللاذقية بحصار القلعة في تموز 1188م. ثم حررها ثانية الأمير حسام الدين طرنطاي في نيسان 1287م.

الآثار المعمارية الباقية في اللاذقية

لم يبق من آثار الماضي سوى بقايا أبراج الميناء والقلاع وبعض القبور والحمامات والخانات، ومن أهم الآثار الرومانية، القوس المربع أو التترابيل في محلة الصليبة، وفي الجهة الشمالية من هذا القوس مازالت أربعة أعمدة غرانيتية تعود إلى معبد باخوس. ومن أشهر كنائس اللاذقية، كنيسة مارجرجس وتعود إلى عام 275م، وجددت مراراً، وكنيسة مارموسى الحبشي الذي مات قتيلاً سنة 400 م، ولقد أعيد بناؤها عام 1845م.

وفي مغارة عند نهاية شارع بغداد، عثر على تابوت بطول 2.87م وارتفاعه 1.82م وعرضه 1.39 يعود إلى القرن الثاني، وهو رخامي مزين بالأكاليل والملائكة.

من أقدم الجوامع التي مازالت قائمة الجامع المنصوري الكبير بني عام 607 هـ/1210م، ثم مسجد علاء الدين الخشاش المقابل لجامع الصليبة، بني عام 807هـ/31404، أما الجامع الجديد، فلقد أمر ببنائه سليمان باشا العظم عام 1139هـ/1726م وهو أكبر جوامع اللاذقية. ويمتاز بمئذنته الشامخة، ومحرابه ومنبره الخشبي المزخرف، وفي عام 1161هـ/1748 أنشئ جامع الميناء، أما الجامع المغربي فلقد انشئ على مراحل كان أخرها بناء مئذنته عام 1248هـ /1832م.

وفي العصر العثماني، انشئت حمامات كثيرة أهمها الحمام الجديد وحمام القيشاني وحمام العوافي ولقد أزيلت، كما أزيلت أسواق اللاذقية كسوق الدمياطي وسوق البازار وسوق البيلستان، وكان كل منها يضم عدداً من الأسواق، ولم يبق من الخانات إلا خان الحنطة الذي بني عام 1139 هـ/1726م، أما الخانات الأخرى مثل خان إسرب وخان نور الدين فلقد تحولت لأغراض أخرى.

تطور المدينة وتوسعها

في العصر العثماني، تمت زراعة التبغ في اللاذقية وبخاصة "دخان أبو ريحة" الذي أصبح مطلوباً في العالم. وفي أواخر القرن الثامن عشر ألف تجار اللاذقية شركة تحت اسم "شركة تجار التبغ"، وكان مقرها "خان الدخان" الذي اصبح منذ عام 1982 متحفاً لمدينة اللاذقية. وكانت الحكومة العثمانية قد حصرت زراعة التبغ في اللاذقية منذ عام 1874. 

في عام 1843 أصبحت اللاذقية مركز قائمقامية تابعة لطرابلس، وقسمت القائمقامية أربعة أقضية، وأصبحت اللاذقية قضاء على رأسها مدير. ثم أصبحت مركز متصرفية 1879م بأمر من مدحت باشا تابعة لولاية
بيروت.

وفي عصر الانتداب الفرنسي أصبحت اللاذقية وملحقاتها دولة مستقلة ثم توحدت مع بقية أجزاء سورية.

وضع أول مخطط تنظيمي لمدينة اللاذقية في عام 1926، وجرت إليها المياه العذبة من نبع ديفة. ومازالت في أقسامها القديمة محافظة على طابعها العمراني ضمن تجمعات سكنية شبه مغلقة تسمى حارات تسود فيها البيوت المتلاصقة الضيقة المكشوفة أو المقببة المظلمة، أما أقسامها الحديثة فلقد تجلت فيها العمارة الطابقية الإسمنتية.

وأصبحت في عام 1946 بعد الجلاء محافظة، وتطورت بعد إنشاء المرفأ العام سنة 1950. وشهدت المدينة اتساعاً كبيراً وامتدت أحياؤها الحديثة إلى الغرب والجنوب وفي الشمال حيث الأراضي الواسعة من السهل الساحلي ووصل التوسع حتى الحافة اليمنى لنهر الكبير الشمالي في الجهة الشرقية حيث مباني جامعة تشرين. وامتدت في المدينة الشوارع المستقيمة والعريضة والساحات، ونظمت الشواطئ ومثالها الشاطئ الأزرق والحدائق العامة. وفي الضواحي انتشرت الأحياء الصغيرة.

ولقد أصبحت اللاذقية أكبر مدينة رياضية بعد إقامة الدورة الرياضية العاشرة لدول حوض البحر البيض المتوسط عام 1987 وما رافق هذه الدورة من إنشاءات رياضية وثقافية وعمرانية أتاح لها إقامة مهرجانات فنية وثقافية سنوية، وتعزز مركزها الثقافي بعد إنشاء جامعة تشرين عام 1973 بفروعها المتعددة، إلى جانب المعاهد والمدارس العديدة.

تربطها بمدن القطر طرق دولية سريعة، ويصلها بحلب والجزيرة سكة حديدية. وكذلك تصلها بطرطوس و
حمص ودمشق سكة أخرى. وفيها مطار باسل الأسد في حميميم على بعد 20كم من المدينة.

متحف اللاذقية

في اللاذقية متحف أثري افتتح عام 1984 في مبنى قديم كان فندقاً عثمانياً، ثم أصبح خان الدخان، ثم جعلته فرنسا مركزاً لمندوبها، وبعد الجلاء أهمل قليلاً، ثم قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بإخلائه وتنظيفه وترميمه وتنظيم حديقته، وتزويده بالآثار القديمة، ومن أهمها نسخ عن تمثال المصارع لبولكليت والذي عثر عليه في مركز مدينة اللاذقية، والأصل في المتحف الوطني بدمشق مع تمثال مجسم للإله بعل ومكبر بارتفاع ستة أمتار نفذه متحف برلين بمناسبة إقامة معرض من إيبلا إلى دمشق فيها، وأهديت هذه النسخة ووضعت في حديقة المتحف، وحولها آثار حجرية وتوابيت. والبناء في طابقين ويحوي قسماً للصناعات الشعبية والتقاليد.

مرفأ اللاذقية

أنشئ مرفأ اللاذقية منذ العصر الفينيقي والسلوقي وتطور في العصر الروماني، وضعف دوره في العصر الإسلامي وبخاصة في عصر المماليك والعثمانيين.

وبعد الحرب العالمية الأولى، ابتدأ الاهتمام بمرفأ اللاذقية فأنشئ فيه رصيف شمالي بطول 276م وعمق يتراوح بين 4-4.5م وذلك لرسو السفن واحتوائها بعد أن كانت ترسو في عرض البحر.

وفي عام 1954 أنشئ رصيف آخر بطول 600م وعمق 9.5م، ثم رصيف ثالث شرقي بطول 27م وعمق 7م.

وفي عام 1981 تمت زيادة طول المكسر الرئيسي ب- 1730م وأصبح طوله 3162م، كما أصبح بإمكانه حماية حوض مائي مساحته 145هكتاراً. ثم نفذ بناء 14مربطاُ على المكسر لسور السفن.

وفي عام 1984 تم تنفيذ 14رصيفاً إضافياً بطول 2100م وبعمق 1180-1330م، وتشكيل حوض مائي مساحته 150ه، وإنشاء مساحات إضافية في المرفأ مساحتها 180ه.