ريف دمشق - طريق حلب

وباتجاه الشمال من دمشق نسير في طريق دولي مزدوج إلى عدرا التي أصبحت ضاحية صناعية، وفيها قبة العصافير ثم نتابع الطريق إلى مفرق بغداد حيث خان عياش وقد ننحرف غرباً إلى معلولا أو نتابع السير في الطريق الدولي باتجاه القطيفة، وهي مدينة في القلمون، مركز لمنطقة القطيفة.  

تبعد عن مدينة دمشق 40كم باتجاه الشمال الشرقي. اشتهرت في عصر الوالي العثماني سنان باشا وكانت من أهم مراكز الربط بين الشمال والجنوب تضم تكية وجامعاً وحماماً وسوقاً وتكثر حولها الخانات. وشماليها يقع خان العروس.

وقد ننعطف شرقاً لزيارة جيرود، وتقع في الهضبة الدنيا الشرقية للقلمون، وسط وادٍ بنيوي فسيح، وإلى شرقها منطقة قفراء تحوي مملحة جيرود، وحول المملحة مواقع أثرية تعود لما قبل التاريخ. تبعد 20كم شمالي شرق القطيفة، وهي بلدة قديمة تعود للعصر الآرامي، وذكرت في العصرين الروماني والبيزنطي. وذكرها ياقوت في معجمه باسم جرود، اكتشفت فيها حديثاً قناة فخارية أثرية.

وعند مفرق يبرود يقوم خان العروس ثم نتابع الطريق الدولي وقبل أن نصل إلى النبك ننعطف غرباً إلى يبرود، وهي كهوف وملاجئ لإنسان ما قبل التاريخ. وتقع هذه الكهوف والملاجئ على سفح جبلي قائم يدعى "جبل الشمس"، ارتفاعه 50م. ولقد دلّت التنقيبات الأثرية فيها على أنها كانت منطقة غنية بالماء، والحيوان، والنبات، وسكنت فترات متتالية، خلال العصور الحجرية "العصر القديم، والوسيط، والحديث". وتضمنت بقايا خمس وعشرين مجموعة بشرية، غالبيتها من جنس إنسان نياندرتال، أقامت في الملجأ من 200.000-40.000ق.م، وتركت كل واحدة منها آثاراً تدل عليها، من أبرزها الأدوات الصوانية، والمواقد المحاطة بأحجار كبيرة، وبقايا عظمية لحيوانات مختلفة. أما الملجأ الثاني فقد سكنته عشر مجموعات بشرية مختلفة، يميزها الإنسان العاقل الذي ظهر خلال الحقبة ما بين 40.000-10.000ق.م.

ثم نصل إلى النبك وهي منطقة إدارية في هضبة القلمون، وهي مدينة قديمة تعود إلى العصر  الآرامي، بدءاً من منتصف المسافة بين يبرود والنبك وإلى الشرق منها دير قديم هو دير "مار موسى الحبشي" يبعد بضعة كيلومترات على الطريق الذي يخترق الجبل الواقع في شرقها والواصل إلى طريق الخانات. وفيها مسجد يعود تاريخ بنائه لعصر الوالي العثماني صالح باشا الموستاري عام 1075 هـ ، إلى جانبه دار للحكومة "سرايا عثمانية" من الربع الأخير للقرن التاسع عشر. وفي عام 1917 تم بناء مستشفى أقامته البعثة الدانمركية.

ونعود إلى الطريق الدولي مروراً بدير عطية التي أصبحت بلدة نموذجية بمبانيها وعمرانها وخدماتها. ثم نصل إلى قارة، وهي قرية في هضبة القلمون، تتبع ناحية دير عطية، تقع على هضبة صغيرة إلى الشرق من جبال لبنان الشرقية حيث تقوم على قمم عالية حليمة قارة 2464م، وهي إلى الشمال من بلدة دير عطية بمسافة 6كم على طريق عام دمشق حمص، حيث تبعد عن هذه الأخيرة مسافة 65كم. تسميتها عربية قديمة ومعناها التل الصغير. أطلق عليها الرومان اسم "كورا" المحرّف.

من طريق القلمون، وباتجاه شمالي، ننطلق من دمشق في طريق صالحة إلى منين والتل، ومنين قرية في القلمون، وتقع إلى الشمال من مدينة التل على بعد 5كم. فيها آثار من العصر الروماني مثالها "دير ما تقلا" المؤلف من غرف منحوتة في الصخر وذات جدران مزينة بنقوش فنية، وبقايا سور، ودَرَج، كما تنتشر القبور الرومانية في جبل العين المحاذي للقرية من الشمالي الغربي.

ومنها إلى صيدنايا، وتقع على سفح جبل شاربين على بعد 14كم عن مدينة التل، باتجاه الشمال الشرقي. إعمارها قديم بدلالة مغارة حرارة التي تعود إلى نهاية العصر الحجري الحديث، إضافة إلى كهوف المدافن البيزنطية، ومجموعة الأديرة المتمثلة بدير سيدة صيدنايا الذي شُيّد فوق هضبة مرتفعة في عصر الإمبراطور البيزنطي جوستنيان، سنة 546م،وهو من أقدم أديرة بلاد الشام، إذ يتكون من عدة كنائس، ومقام للسيدة العذراء، وقسم لسكن الراهبات، وآخر للرئاسة، ومكتبة، إضافة إلى 360 غرفة أُعدت خصيصاً لسكن الزائرين، هذا ويمكن الصعود إليه بدرج مزدوج، إلى مدخلين. ومن أهم الآثار الموجودة في الدير: أيقونة للعذراء، ورسم لوقا الإنجيلي، ومجموعة نادرة من المخطوطات.

وتقول الرواية إن السيدة العذراء هي التي اشارت ببناء هذا الدير وقد بدت على شكل غزال وكان ثمة صياديهم بصيدها. وهناك عدة أديرة أخرى مثل شاربين، ماربطرس، جاورجيوس، خريستوفروس، وكلها تعود ببنائها إلى القرن الخامس الميلادي.

ونصل بعد إلى معلولا، إذا لم نزرها من مفرق الطريق الدولي قبل النبك عبر عين التينة، ومعلولا قرية في القلمون، تتبع ناحية مركز ومنطقة القطيفة، وتقع عند فج صخري في سلسلة القلمون الغربية على بعد 15كم عن مدينة القطيفة باتجاه الشمال الغربي. إعمارها قديم بدلالة اسمها الآرامي الذي يعني الفج في الجبل. سكنها الإنسان القديم أسفل المنحدر وفي بعض الكهوف الطبيعية. ثم تعاقبت عليها حضارات آرامية وهلنستية ورومانية وبيزنطية. وحوالي 175ق.م. وذكرت فيها عبادة هيليوس رب الشمس. وبفضل القديس بولس انتشرت فيها المسيحية وكثرت فيها الأديرة والمزارات. أهمها:

دير القديسة تقلا: يقع في الجانب الشرقي من معلولا وقد شيد في القرون الأولى الميلادية ويضم مغارة تحوي ذكريات القديسة تقلا التي اعتنقت المسيحية وهربت من أبيها في الأناضول متجهة إلى سورية فوجدت في معلولا الأمان. وفي هذا الدير كنيسة واسعة تعلوها قبة عالية وفيه عدة غرف سكن لإيواء الزائرين.

دير مار سركيس: بني هذا الدير على المرتفع المطل على قرية معلولا وبساتينها تحت حماية القديسين سركيس سرجيوس وباخوس اللذين كانا من منطقة الرصافة وقائدين في الجيش الروماني حكم عليهما بالموت لاعتناقهما المسيحية عام 297م. وقد شيدت الكنيسة في هذا الدير على أنقاض معبد وثني وطرازها بيزنطي. يدعم بناءها جسور خشبية وحجارة سقفها معقودة. وهيكلها أقدم شكل لهيكل مسيحي. تضم أيقونات أثرية وفنية هامة أشهرها من إبداع الرسام ميخائيل الكريتي.