الجزء الثاني - كتاب الدرة الثانية في أيام العرب ووقائعهم - باب من الشعر يخرج معناه في المدح والهجاء

باب من الشعر يخرج معناه في المدح والهجاء

قال الشاعر في خيّاط أعور يسمَّى عَمْراً‏:‏ خاط لي عَمرو قَباءْ ليت عينيه سواء فاسأل الناس جميعاً أمديحٌ أم هجاء ومثله قولُ حبيب في مَرثية بني حُميد حيث يقول‏:‏ لو خَر سيفٌ من العَيُّوق مُنصلتاً ما كان إلا على هاماتهم يَقَعُ فلو هُجي بهذا رجل على أنه أنجس خَلق الله لجاز فيه ولو مُدح به على مذهب قول الشاعر‏:‏ وإنا لتَستحلي المَنايا نُفوسُنا ونترك أخرى مُرةً ما تَذُوقها وقول الآخر‏:‏ ونحن أناس ما نَرى القَتل سُبَّةً إذا ما رأتْه عامرٌ وسَلُولُ يُقَرِّب حبّ المَوت آجالَنا لنا وتَكرهه آجالهمُ فتَطُول وما مات منّا سيّد في فِراشه ولا طُلّ مِنّا حيثُ كان قَتِيل تسيل على حَدِّ السيوف دماؤنا وليس على غَير السُّيوف تَسِيل انظر فحيثُ تَرى السُيوفَ لوامعاً أبداً ففَوْقَ رؤوسهم تتألّقُ ما قالوه في تثنية الواحد وجمع الاثنين والواحد وإفراد الجمع والاثنين وقال الفرزدق في تثنية الواحد‏:‏ وعندي حُساماً سيفه وحمائلُه وقال جرير‏:‏ لما تَذكَّرت بالدَّيْرين أرقني صوتُ الدَجاج وقَرْعٌ بالنَّواقيس وإنما هو دَيْر الوليد مَعروف بالشام وأراد بالدجاج‏:‏ الدَيكة‏.‏

وقال قَيس بن الخَطيم في الدِّرع‏:‏ مُضاعفة يَغشى الأناملَ رَيْعُها كأنّ قتيريْها عُيون الجَنادبِ يريد‏:‏ قَتيرها‏.‏

وقال آخر‏:‏ وقال لبَوَّابَيْه لا تُدخِلنَّه وسُدَا خَصاصَ الباب عن كل مَنْظرِ وقال أهِلُ التفسير في قول الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ ألْقِيَا في جَهَنَم كُلًّ كَفار عَنِيد ‏"‏ إنه إنما أراد واحداً فثنَّاه‏.‏

وكذلك قولُ معاوية للجِلْواز الذي كان وكلّه برَوْح بن زِنْباع لما اعتذر إليه رَوح واستعطفه‏:‏ خلِّيا عنه‏.‏

قولهم في جمع الاثنين والواحد قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ فإنْ كان له إخْوةٌ فلأمّه السُّدُس ‏"‏‏.‏

يريد أخوين فصاعدا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ إنّ الذين يُنَادونَك مِنْ وَرَاء الحجُراتِ أكْثرُهم لا يعْقِلُون ‏"‏ وإنما ناداه رجلٌ من بني تَميم وقوله‏:‏ ‏"‏ وألْقَى الألْوَاحَ ‏"‏ وإنما هما لَوْحان‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ لَوْ الرجاء لأمرٍ ليس يَعْلمه خَلْق سِوَاك لما ذَلَت لكم عُنُقِي ومثل هذا كثير في الشعر القديم والمُحدث‏.‏

وأمّا قولهم في إفراد الجمع فهو أقل من هذا الذي ذكرنا‏.‏

وكذلك في إفراد الاثنين‏.‏

فمن ذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ثُم يُخرِجكُم طِفْلاً ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فما مِنكم مِنْ أحِدِ عَنهُ حَاجِزين ‏"‏ وقال جرير‏:‏ وقال آخر‏:‏ وكأنّ بالعينين حَبَّ قَرَنْفُل أو فُلفلٍ كحِلت به فانهلّتِ وِلم يقل‏:‏ فانهلّتا‏.‏

وقال مُسلم بن الوليد‏:‏ ألا أنِف الكَواعبُ عَن وِصالي غداةَ بدَا لها شيبُ القَذال وقال جرير‏:‏ وقُلنا للنِّساء به أقيمي قولهم في تذكير المؤنث وتأنيث المذكر قال مالك بن أَسماء بن خارجة الفَزاريّ في شعره الذي أوله‏:‏ حَبَّذا ليلُنا بتلِّ بَوَناً ومَررنا بنِسْوة عطراتٍ وسَماع وقَرقَف فنزلْنَا ما لَهم لا يُبارك الله فيهم حين يُسألن مَنحنا ما فَعلنا وقال آخر‏:‏ وقد استشهد به سيبويه في كتابه‏.‏

فلا ديمة وَدقت وَدْقها ولا أرْضَ أَبقلَ إبقالهَا أنّ السماحةَ والمُروءة ضمنا قَبرًا بمَرْو على الطَّريق الوَاضح وقالت أعرابية‏:‏ قامتْ تُبكّيه على قَبرهِ مِن ليَ مِن بعدك يا عامر تركْتَني في الدار وحشيةً قد ذَلّ مَن ليس له ناصر وقال أبو نُواس‏:‏ كَمَن الشَّنآن فيه لَنا ككُمون النار في حِجرِهْ وإنما ذكرتُ هذا البابَ في كتاب الشعر لاحتياج الشاعر إليه في شعره واتساعه فيه