الجزء الثاني - كتاب الدرة الثانية في أيام العرب ووقائعهم - باب ما غلط فيه على الشعراء

باب ما غلط فيه على الشعراء

وأكثر مَا أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن ولكنّ أصحاب اللغة لا يُنصفونهم وربمَا غَلّطوا عليهم وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها‏.‏

فمن ذلك قولُ سيبويه واستشهد ببيت في كتابه في إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ وأخطأ فيه‏:‏ مُعاوِي إننا بَشر فأسْجح فَلَسنَا بالجبال ولا الحَدِيدَا كذا رواه سيبويه على النَّصب وزعم أنّ إعرابه على معنى الخبر الذي في ليس‏.‏

وإنما قاله الشاعر على الخَفض والشعر كله مخفوض فما كان يضطره أن ينصب هذا البيت ويحتال على إعرابه بهذه الحِيلة الضعيفة وإنما الشعر‏:‏ مُعاوي إنّنا بَشر فأَسْجِحْ فلسنا بالجبال ولا الحَديدَ أكلتُم أرضنا فَجَردْتُمُوها فهل من قَائمٍ أو من حَصِيد أتطمع في الخُلود إذا هَلكنا وليس لنا ولا لك من خُلود فهَبْنا أمةً هلكتْ ضَياعاً يزيدُ أميرُها وأبو يَزيد ونظير هذا البيت ما ذكره في كتابه أيضاً واحتج به في باب النون الخفيفة‏:‏ وهذا البيت للنَّجاشيَّ‏.‏

وقد ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في فخر قَحطان على عدنان‏.‏

في شعر كُله مخفوض وهو‏:‏ أيا راكباً إمّا عرضتَ فبلِّغن بني عامر عنّي يزيدَ بن صَعْصع نَبتم نَبات الخَيزرانيّ في الثرى حديثاً متى ما يأتك الخيرُ يَنفع ومثله‏:‏ قولُ محمد بن يزيدَ النحويّ المعروف بالمُبرّد في كتاب الروضة وأدركَ‏.‏

على الحسن بن هانئ قولَه‏:‏ وما لِبَكْرِ بن وائل عُصْم إلا بحمَقائها وكاذِبها فزعم أنه أراد بحَمقائها هَبنَّقة القَيسيّ‏.‏

ولا يقال في الرجل حَمقاء‏.‏

وإنما أراد دُغَة العِجليَّة وعِجْل في بكر وبها يُضرب المثل في الحُمق‏.‏