الجزء الثاني - كتاب الجمانة الثانية في المتنبئين والممرورين والبخلاء والطفيليين - باب من أخبار المحارفين الظرفاء

باب من أخبار المحارفين الظرفاء

منهم أبو الشمقمق الشاعر وكان أديباً طريقاً محارفاً وكان صعلوكاً متبرماً بالناس وقد لزم بيته في أطمار مسحوقة وكان إذا استفتح عليه أحد بابه خرج فينظر من فروج الباب فإن أعجبه الواقف فتح له وإلا سكت عنه‏.‏

فأقبل إليه يوماً بعض إخوانه الملطفين له فدخل عليه فلما رأى سوء حاله قال له‏:‏ أبشر أبا الشمقمق فإنا روينا في بعض الحديث‏:‏ إن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة‏.‏

فقال‏:‏ إن صح والله هذا الحديث كنت أنا في ذلك اليوم بزازاً ثم أنشأ يقول‏:‏ أنا في حال تعالى الله ربي أي حال ليس لي شيء إذا قي ل لمن ذا قلت ذا لي ولقد أفلست حتى محت الشمس خيالي ولقد أفلست حتى حل أكلي لعيالي وله‏:‏ أتراني أرى من الدهر يوماً لي فيه مطية غير رجلي حيث كنت لا أخاف رحيلاً من رآني فقد رآني ورحلي وقال أبو الشمقمق أيضاً‏:‏ لو قد رأيت سريري كنت ترحمني الله يعلم ما لي فيه تليس والله يعلم ما لي فيه شادكةٌ إلا الحصيرة والأطمار والديس وقال أيضاً‏:‏ برزت من المنازل والقباب فلم يعسر على أحد حجابي فمنزلي الفضاء وسقف بيتي سماء الله أو قطع السحاب فأنت إذا رأدت دخلت بيتي علي مسلماً من غير باب لأني لم أجد مصراع باب يكون من السحاب إلى التراب ولا انشق الثرى عن عود تخت أؤمل أن أشد به ثيابي ولا خفت الإباق على عبيدي ولا خفت الهلاك على دوابي ولا حاسبت يوماً قهرماني محاسبة فأغلط في حسابي وفي ذا راحة وفراغ بال فدأب الدهر ذا أبداً ودابي ولو أني وضعت ياقوتةً حم راء في راحتي لصارت زجاجا ولو أني وردت عذباً فراتاً عاد لا شك فيه ملحاً أجاجاً فإلى الله اشتكى وإلى الفض ل فقد أصبحت بزاتي دجاجا وقال عمرو بن الهدير‏:‏ وقفت فلا أدري إلى أين أذهب وأي أموري بالعزيمة أركب عجبت لأقدار علي تتابعت بنحس فأفنى طول عمري التعجب ولما التمست الرزق فانجد حبله ولم يصف لي في بحره العذب مشرب خطبت إلى الإعدام إحدى بناته لرفع الغنى إياي إذ جئت أخطب فزوجنيها ثم جاء جهازها وفيه من الحرمان تخت ومشجب فأولدتها الحرف النقي فما له على الأرض غيري والد حين ينسب فلو تهت في البيداء والليل مسبل علي جناحيه لما لاح كوكب ولو خفت شراً فاستترت بظلمة لأقبل ضوء الشمس من حيث تغرب وإن يقترف ذنباً ببرقة مذنب فإن برأسي ذلك الذنب يعصب وإن أر خيراً في المنام فنازح وإن أر شراً فهو مني مقرب ولم أغد في أمرٍ أريد نجاحه فقابلني إلا غراب وأرنب أمامي من الحرمان جيشٌ عرمرم ومنه ورائي جحفل حين أركب وقال آخر‏:‏ ليس إغلاقي لبابي أن لي فيه ما أخشى عليه السرقا إنما أغلقته كيلا يرى سوء حالي من يمر الطرقا منزل أوطنه الفقر فلو يدخل السارق فيه سرقا وقال الحسن بن هانئ في هذا المعنى‏:‏ الحمد لله ليس لي نشب فخف ظهري وقل زواري من نظرت عينه إلي فقد أحاط علماً بما حوت داري جهري في البيت كامنٌ وعلى مدرجة الرائحين أسراري وقال بعض المحارفين‏:‏