الجزء الثاني - كتاب الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان - صفة الكعبة وبيت الله الحرام

صفة الكعبة وبيت الله الحرام

بوسط المسجد كان ارتفاعه في عهد إبراهيم عليه السلام فيما يقال والله أعلم تسع أذرع وطوله في الأرض ثلاثون ذراعاً وعرضه اثنتان وعشرون ذراعاً‏.‏

وكان له ثلاثة سقوف ثم بنته قريش في الجاهلية فاقتصرت على قواعد إبراهيم ورفعته ثمان عشرة ذراعاً ونقصت من طوله في الأرض ست أذرع وشبراً تركته في الحجر فلما هدمه ابن الزبير رده على قواعد إبراهيم ورفعه سبعاً وعشرين ذراعاً وفتح له بابين‏:‏ باباً إلى الشرق وباباً إلى الغرب يدخل من الشرقي ويخرج من الغربي‏.‏

فكان كذلك حتى قتل‏.‏

فلما تغلب الحجاج على مكة استأذن عبد الملك بن مروان في هدم ما كان ابن الزبير زاده من الحجر في الكعبة‏.‏

فأذن له فرده فذرع وجهه القبلي اليوم من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعاً ووجهه الجنوبي من الركن العراقي إلى الركن الشامي وهو الذي يلي الحجر إحدى وعشرون ذراعاً‏.‏

ووجهه الشرقي من الركن الأسود إلى الركن العراقي خمس وعشرون ذراعاً‏.‏

ووجهه الغربي من الركن اليماني إلى الركن الشامي خمس وعشرون ذراعاً‏.‏

وحول البيت كله إلا موضع الركن الأسود درجة مجصصة يكون ارتفاعها عظم الذراع في عرض مثله وقاية للبيت من السيل‏.‏

وباب البيت في وجهه الشرقي على قدر القامة من الأرض طوله ست أذرع وعشر أصابع وعرضه ثلاث أذرع وثمان عشرة إصبعاً‏.‏

والبابان من ساج غلظ كل باب ثلاث أصابع ظاهرهما ملبس بالذهب وباطنهما بالفضة في كل باب ست عوارض ولها عروتان يضرب فيهما قفل من ذهب وحواجبه كلها مذهبة ما عدا الحاجب الأيمن فإن العلوي الثائر لما تغلب على مكة قلع ذهبه فترك على حاله‏.‏

وتحت العتبة العليا عتبة مذهبة والبابان من ورائهما والعتبة السفلى مستورة بالديباج إلى الأرض‏.‏

وبين الركن الأسود والباب خمس أذرع أو نحوها وهو الملتزم فيما يذكر عن ابن عباس‏.‏

والحجر الأسود على رأس صخرتين من وجه الأرض قد نحت من الصخر مقدار ما أدخل فيه الحجر وشقت الصخرة الثالثة عليهما مثل إصبعين‏.‏

والحجر أملس مجزع حالك السواد في قدر الكف المحنية قد لز من جوانبه بمسامير الفضة‏.‏

وفيه صدوع وفي جانب منه صفيحة فضة تحسبها شظية منه شظيت فجبرت بها‏.‏

وصخر الركن الأسود أحرش أكبر من صخرنا قليلاً‏.‏

وللبيت سقفان سقف دون سقف وفيهما أربع روازن ينفذ بعضها إلى بعض للضوء وللسقف الأسفل ثلاث جوائز من ساج منقشة مذهبة‏.‏

وفي داخل البيت في الحائط الغربي قبالة الباب الجزعة على ست أذرع من قاع البيت وهي سوداء مخططة ببياض طولها اثنتا عشرة إصبعاً في مثل ذلك وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع‏.‏

ذكر أن النبي ‏)‏جعلها على حاجبه الأيمن حين صلى في البيت‏.‏

والحجر بجوفي البيت محجور من الركن العراقي إلى الركن الشامي تحجيراً محنياً غير مرتفع‏.‏

قد انقطع طرفاه دون الركنين اللذين يليانه بمثل ذراعين للدخول والخروج يكون ما بين موسطة جنبي التحجير والبيت كما بين الركنين وارتفاع التحجير مثل نصف قامة‏.‏

وهو ملبس بالرخام من داخله وخارجه وأعلاه وجعل بين كل رخامتين عمود من رصاص لزازاً لهما وقاع الحجر كله مفروش بالرخام ومصب الميزاب فيه وقبلتنا إليه‏.‏

والميزاب موسطة أعلى جدار الكعبة خارجاً عنه مثل أربع أذرع في سعته وارتفاع حيطانه ثمان أصابع ملبس ظاهره وباطنه بصفائح الذهب‏.‏

والصفائح مسمرة بمسامير مروسة من ذهب‏.‏

والبيت كله مستور إلا الركن الأسود فإن الأستار تفرج عنه مثل القامة ونصف وإذا دنا وقت الموسم كسي القباطي وهو ديباج أبيض خراساني فيكون بتلك الكسوة ما كان للناس محرمين‏.‏

فإذا حل الناس وذلك يوم النحر حل البيت فكسى الديباج الأحمر الخراساني‏.‏

وفيه دارات مكتوبة فيها حمد الله وتسبيحه وتكبيره وتعظيمه فيكون كذلك إلى العام القابل‏.‏

ثم يكسى أيضاً على حال ما وصفت‏.‏

فإذا كثرت الكسوة فخشي على البيت من ثقلها خفف منها فأخذ ذلك سدنة البيت وهم بنو شيبة‏.‏

وذكر بعض المصريين أنه حضر كشف البيت سنة خمس وستين فرأى بلاطه الزعفران واللوبان‏.‏

وذكر أيضاً عن بعض المكيين حديثاً يرفعونه إلى مشايخهم أنهم نظروا إلى الحجر الأسود إذ هدم ابن الزبير البيت وزاد فيه فقدروا طوله ثلاث أذرع وهو ناصع البياض فيما ذكروا إلا وجهه الظاهر‏.‏

واسوداده فيما ذكروا والله أعلم لاستلام أهل الجاهلية إياه ولطخه بالدم‏.‏

والمقام بشرقي البيت على سبع وعشرين ذراعاً منه وجه المصلي خلفه مستقبل البيت إلى الغرب والركن العراقي على يمينه والباب والركن الأسود على يساره وهو فيما ذكر من رآه حجر غير مرفوع يكون ذراعاً في ذراع وفيه أثر قدم إبراهيم عليه السلام وطول القدم مثل عظم الذراع‏.‏

والحجر موضوع على منبر لئلا يمر به السيل فإذا كان وقت الموسم وضع عليه تابوت حديد مثقب لئلا تناله الأيدي‏.‏

وحول البيت كله سوارٍ ست غلاظ مربعة من حديد مذهبة ورؤوسها مذهبة أيضاً يوقد عليها بالليل للطائفين بين كل عمود منها والبيت نحو ما بين المقام والبيت‏.‏

وزمزم بشرقي الركن الأسود بينهما مثل الثلاثين ذراعاً وهي بئر واسعة تنورها من حجر مطوق أعلاه بالخشب وسقفها قبو مزخرف بالفسيفساء على أربعة أركان تحت كل ركن منها عمودا رخام متلاصقان قد سد ما بين كل ركنين منها بشرجب خشب ورد إلى باب من جهة المشرق‏.‏

وحول القبو كله رف مثل البرطلة وبشرقي زمزم بيت مقدر سقفه قبو مزخرف بالفسيفساء أيضاً مقفل عليه وشرقي هذا البيت بيت كبير مربع له ثلاثة أقباء وفي كل وجه منه باب‏.‏

وحمام المسجد كثير أنيس يكاد الإنسان أن يطأه بقدمه لأنسه بالناس وهو في لون حمام الأبرجة عندنا إلا أنه أقدر منه وليس منها حمامة تجلس على البيت ولا تطير عليه‏.‏

ولقد همني ذلك فرأيتها حين تكاد أن تحاذي البيت وهي مستعلية في طيرانها ذلك عكست حتى تصير دونه وأخذت عن يمينه أو يساره وذرقها ظاهر بارز على البيوت التي في المسجد إلا بيت الله الحرام فإنه نقي ليس فيه ولا عليه منه أثر فسبحان معظمه ومقدسه ومطهره وتعالى علواً كبيراً‏.‏

وبين باب الصفا - وهو بقبلي البيت - والصفا الشارع وهو بطن الوادي وبعد الشارع فناء غير كبير فيه الباعة ثم الصفا في أصل جبل أبي قبيس قد أحدق بها البناء إلا من الوجه الذي يرقى إليها منه والرقي إليها على ثلاث درج مبنية بالصخر‏.‏

والواقف على الصفا مستقبل الجوف بنظر إلى البيت من باب الصفا‏.‏

والمروة بشرقي المسجد وهي من الصفا بين المشرق والمغرب قد أحدق بها البناء أيضاً إلا من وجه المصعد إليها وهو من أعلى القصور بينها وبين المسجد الحرام الزقاق الضيق فالواقف على المروة مستقبل البيت تجاه الفرجة يرى الميزاب وما اتصل به من البيت وبين الصفا والمروة شبيه بما بين السقاية والمسجد الجامع‏.‏

والساعي بينهما إذا هبط من الصفا يريد المروة سلك في الشارع وهو مبطن الوادي عن يمينه القصور وعن يساره المسجد ثم يتعرضه بطن وادٍ إذ انصبت قدماه فيه أرقل حتى يخرج عن آخره وله علمان أخضران في جانبي الوادي أحدهما وهو الأول خلف باب الصفا لاصقاً بالسور والثاني أمامه بائن عن السور جعلا ليفهم بهما حد الوادي الذي يرمل فيه‏.‏

ومنى قرية بشرقي مكة تنحو إلى القبلة قليلاً خارجة عن الحرم على نحو الفرسخ منها وفيها بنيان وسقايات وأول ما يلقى منها الخارج من مكة إليها جمرة العقبة ثم الجمرتين اللتين ترميان مع جمرة العقبة بعد يوم النحر أيام التشريق‏.‏

وبها مسجد أكبر من جامع قرطبة وهو مسجد الخيف له مما يلي المحراب أربع بلاطات معترضة سقفها من جرائد النخل وعمدها مجصصة والمنبر عن يسار المحراب والباب الذي يخرج منه الإمام عن يمينه وفي موسطة صحن المسجد منارة وفي كل جانب منها سقيفة‏.‏

والمزدلفة وهي المشعر الحرام بين منى وعرفة وهي من منى على نحو الميلين ولها مسجد مصحر لا بناء فيه إلا الحائط الذي فيه المحراب وليس بها ساكن‏.‏

وعرفة بشرقي منى على نحو الفرسخين منها ليس بها ساكن ولا بناء إلا سقايات وقنوات يجري فيها الماء وليس بمسجدها بنيان إلا الحائط الذي فيه المحراب وموقف الناس يوم عرفة بعرفة في الجبل وما يليه مما تحته والجبل بين المشرق والجوف من مسجدها وفي الموضع الذي يقف فيه الإمام ماء جارٍ‏.‏

ومحراب منة وعرفة والمزدلفة إلى نحو المغرب‏.‏