كتاب الفريدة
الثانية في الطعام والشراب
فرش الكتاب قال الفقيه أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه: قد مضى قولنا في
بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان والنتف ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في
الطعام والشراب اللذين بهما نمو الغراسة وهما قوم الأبدان وعليهما بقاء
الأرواح.
قال المسيح عليه الصلاة والسلام في الماء: هذا أبي وفي الخبز هذا أمي.
يريد أنهما يغذيان الأبدان كما يغذيها الأبوان.
وهذا الكتاب جزآن جزء في الطعام وجزء في الشراب.
فالذي في الطعام منهما متقص جميع ما يتم ويتصرف به أغذية الطعام من المنافع
والمضار وتعاهد الأبدان بما يصلحها من ذلك في أوقاته وضروب حالاته واختلاف
الأغذية مع اختلاف الأزمنة بما لا يخلي المعدة وما لا يكظها فقد جعل الله
لكل شيء قدراً.
والذي في الشراب منهما مشتمل على صفوف الأشربة وما اختلف الناس فيه من
الأنبذة ومحمود ذلك ومذمومه فإنا نجد النبيذ قد أجازه قوم صالحون وكرهه قوم
صالحون.
وقد وضعنا لكل شيء من ذلك باب فيحتاط كل رجلٍ لنفسه بمبلغ تحصله ومنتهى
نظره فإن الرائد لا يكذب أهله.
أطعمة العرب الوشيقة من اللحم وهو أن يغلى إغلاءةً ثم يرفع يقال منه وشقت
أشق وشقا قال الحسن بن هانئ: حتى رفعنا قدرنا بضرامها واللحم بين موذم
وموشق والصفيف مثله ويقال: هو القديد يقال: صففته أصفة صفاً.
والربيكة: شيء يطبخ من بر وتمر ويقال: منه ربكته أربكه ربكاً.
والبسيسة: كل شيء خلطته بغيره مثل السويق بالأقط ثم تلته بالسمن أو
بالزيت أو مثل الشعير بالنوى للإبل يقال: بسسته أبسه بساً.
والعبيثة: بالعين غير معجمة: طعام يطبخ ويجعل فيه جراد وهو الغثيمة
أيضاً.
والبغيث والعليث: الطعام المخلوط بالشعير.
فإذا كان فيه الزؤان فهو المعلوث.
والبكيلة والبكالة جميعاً: وهي الدقيق يخلط بالسويق ثم يبل بماء أو سمن
أو زيت يقال: بكلته والفريقة: شيء يعمل من اللبن.
فإذا قطعت اللحم صغاراً قلت: كتفته تكتيفاً.
أبو زيد قال: إذا جعلت اللحم على الجمر قلت: حسحسته وهو أن تقشر عنه
الرماد بعد أن يخرج من الجمر.
فإذا أدخلته النار ولم تبالغ في طبخه قلت: ضهبته وهو مضهب.
والمضيرة سميت بذلك لأنها طبخت باللبن الماضر وهو الحامض والهريسة لأنها
تهرس.
والعصيدة لأنها تعصد أي تلوى واللفيتة لأنها تلفت.
والفالوذ: وهو السرطراط.
ومن أسماء الفالوذ أيضاً: السريط لأنه يسترط مثل يزدرد.
ويقال: " لا تكن حلوا فتسترط ولا مراً فتعقي ".
يقال: أعقى الشيء: اشتدت مرارته.
الرغيدة: اللبن الحليب يغلى ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط فيلعق لعقاً.
الحريرة: الحساء من الدسم والدقيق.
والسخينة: حساء كانت تعمله قريش في الجاهلية فسميت به قال حسان: زعمت
سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب والعكيس: الدقيق يصب عليه
الماء ثم يشرب: قال منظور الأسدي: تمذحت أي انتفخت.
أسماء الطعام الوليمة: طعام العرس.
والنقيعة: طعام الإملاك.
والإعذار: طعام الختان.
والخرس: طعام الولادة.
والعقيقة: طعام سابع الولادة.
والنقيعة: طعام يصنع عند قود الرجل من سفره يقال: أنقعت إنقاعاً.
والكيرة: طعام يصنع عند البناء يبنيه الرجل في داره.
والمأدبة: كل طعام يصنع لدعوة يقال: آدبت أودب إيداباً.
وأدبت أدباً.
قال طرفة: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر الآداب:
صاحب المأدبة.
والجفلى: دعوة العامة.
والنقري: دعوة الخاصة.
والسلفة: طعام يتعلل به قبل الغداء.
والقفي: الطعام الذي يكرم به الرجل يقال منه: قفوته فأنا أقفوه
قفواً.
والقفاوة: ما يرفع من المرق للإنسان قال الشاعر: ونقفي وليد الحي إن
كان جائعاً ونحسبه إن كان ليس بجائع صفة الطعام قال النبي صلى الله عليه
وسلم: أكرموا الخبز فإن الله سخر له السموات والأرض.
وكلوا سقط المائدة.
وقال الحسن البصري: ليس في الطعام سرف وتلا قوله تعالى: " ليس على
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ".
وقال الأصمعي: الكبادات أربعة: العصيدة والهريسة والحيس والسميذ.
أبو حاتم: والسويق طعام المسافر والعجلان والحزين والنفساء وطعام من لا
يشتهي الطعام.
أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو صوارة: الأرز الأبيض بالسمن المسلي
والسكر الطبرزذ ليس من طعام أهل الدنيا.
وقال مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أكل الخبيص يزيد في
الدماغ.
وقال الحسن لفرقد السبخي: بلغني أنك لا تأكل الفالوذج! قال: يا أبا
سعيد أخاف أن لا أؤدي شكره! قال: يا لكع وهل تؤدي شكر الماء البارد في
الصيف والحار في الشتاء أما سمعت قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ
تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ".
وسمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن
ما عاب هذا مسلم.
وقال رجل في مجلس الأحنف: ما شيء أبغض إلي من الزبد والكمأة.
فقال الأحنف: " رب ملوم لا ذنب له ".
ولد لعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام فصنع الأخبصة ودعا الناس وفيهم مساور
الوراق فلما أكلوا قال مساور الوراق: من لم يدمم بالثريد سبالنا بعد
الخبيص فلاهناه الفارس الرقاشي قال: أخبرنا أبو هفان أن رقبة بن مصقلة
طرح نفسه بقرب حماد الراوية في المسجد فقال له حماد: ما لك قال: صريع
فالوذج.
قال له حماد: عند من فطالما كنت صريع سمك مملوح خبيث.
قال: عند حكم في الفرقة وفصل في الجماعة.
قال: وما أكلتم عنده قال: أتانا بالأبيض المنضود والملوز المعقود
والذليل الرعديد والماضي المودود.
محمد بن سلام الجمحي قال: قال بلال بن أبي بردة وهو أمير على البصرة
للجاوود بن أبي سبرة الهذلي: أتحضر طعام هذا الشيخ يعني عبد الأعلى بن
عبد الله بن عامر قال: نعم.
قال: فصفه لي.
قال: نأتيه فنجده متصحباً يعني نائماً فنجلس حتى يستيقظ فيأذن لنا
فنساقطه الحديث فإن حدثناه أحسن الاستماع وإن حدثنا أحسن الحديث ثم يدعو
بمائدته وقد تقدم إلى جواريه وأمهات أولاده أن لا تلطفه واحدة منهن إلا إذا
وضعت مائدته ثم يقبل خبازه فيمثل بين يديه فيقول: ما عندك اليوم فيقول:
عندي كذا عندي كذا فيعدد كل ما عنده ويصفه يريد بذلك أن يحبس كل رجل نفسه
وشهوته على ما يريد من الطعام وتقبل الألطاف من هاهنا وهاهنا وتوضع على
المائدة ثم يؤتى بثريدة شهباء من الفلفل رقطاء من الحمص ذات حفافين من
العراق فنأكل معه حتى إذا ظن أن القوم قد كادوا يمتلئون جثا على ركبتيه ثم
استأنف الأكل معهم.
فقال أبو بردة: لله در عبد الأعلى ما أربط جأشه على وقع الأضراس.
وحضر أعرابي طعام عبد الأعلى فلما وقف الخباز بين يديه ووصف ما عنده قال:
أصلحك الله أتأمر غلامك يسقيني ماء فقد شبعت من وصف هذا الخباز.
وقال له عبد الأعلى يوماً: ما تقول يا أعرابي لو أمرت الطباخ فعمل لون
كذا ولون كذا قال: أصلحك الله لو كانت هذه الصفة في القرآن لكانت موضع
سجود.
أبو عبيدة قال: مر الفرزدق بيحيى بن المنذر الرقاشي فقال له: هل لك أبا
فراس في جدي رضيع ونبيذٍ صليب منشراب الزبيب قال: وهل يأبى هذا إلا ابن
المراغة.
وقال الأحوص لجرير لما قدم المدينة: ماذا ترى أن نعد لك قال: شواء
وطلاء وغناء.
قال: قد أعد لك.
وقال مساور الوراق في وصف طعام: اسمع بنعتي للملوك ولا تكن فيما سمعت
كميت الأحياء إني نعت لذيذ عيشي كله والعيش ليس لذيذه بسواء ثم اختصصت في
اللذيذ وعيشه صفة الطعام لشهوة الحلواء فبدأت بالعسل الشديد بياضه شهد
تباكره بماء سماء إني سمعت لقول ربك فيهما فجمعت بين مبارك وشفاء أيام أنت
هناك بين عصابة حضروا ليوم تنعم أكفاء لا ينطقون إذا جلست إليهم فيما يكون
بلفظةٍ عوراء متنسمين رياح كل هبوبة بين النخيل بغرفة فيحاء فقعدت ثم دعوت
لي بمبذرف متشمر يسعى بغير رداء قد لف على عضلاته قلص القميص مشمر سعاء
فأتى بخبز كالملاء منقط فبناه فوق أخاون الشيزاء حتى ملاها ثم ترجم عندها
بالفارسية داعياً بوحاء فإذا القصاع من الخلنج لديهم تبدن جوانبها مع
الوصفاء ومصوص دراج كثير طيب ونواهض يؤتى بهن شواء وثريدة ملمومة قد سقفت
من فوقها بأطايب الأعضاء وتزينت بتوابل معلومة وخبيصاتٍ كالجمان نقاء هذا
الثريد وما سواه تعلل ذهب الثريد بنهمتي وهوائي ولقد كلفت بنعت جدي راضع قد
صنته شهرين بين رعاء قال نال من لبن كثير طيب حتى تفتق من رضاع الشاء من كل
أحمر لا يقر إذا ارتوى من بين رقص دائم ونزاء متعكن الجنبين صافٍ لونه عبل
القوائم من غذاء رخاء فإذا مرضت فداوني بلحومها إني وجدت لحومهن دوائي ودع
الطبيب ولا تثق بدوائه ما خالفتك رواضع الجزاء إن الطبيب إذا حباك بشربة
تركتك بين مخافة ورجاء وإذا تنطع في دواء صديقه لم يعد ما في جونة الرقاء
ليست بآكلة الحشيش ولا التي يبتاعها الخناق في الظلماء