الجزء الأول - العرب وقبائلهم - تمحيص وخلاصة

تمحيص وخلاصة

والحاصل ان انتهاج العرب الى الجزيرة من ارض العراق ايام الكلدان او قبلهم او في اوائلهم غير مقطوع به، وان وجودهم في الجزيرة قديم العهد، وان التاريخ قد دوّن هجرات العرب الى العراق. وكذا المشاهد ان العرب استمرت هجرتهم الى العراق وسائر الارياف حينما كانت تتكاثر نفوسهم وكانت الجزيرة لا تفي بسكانها، او لاحوال اضطرارية فتعود مادتها لا تفي لسد الحاجة والعوز من قحط وغيره، او لتدافع آخر عدائي او اتفاقي مما لا تحصى اسبابه.. فنرى الوقائع التاريخية ونصوصها متضافرة في طريق الهجرة... لا للعراق وحده وان الانساب لا يعتمد دائماً على ماعينته من تسلسل الأجداد وعمودها... وإنما يجب أن يكتفي بالاجمال لارتباط القبائل واتصالها دون أن يعوّل على تعداد الأجداد وذكرها اعتماداً على الحافظة.. وسيرد من الأمثلة الكثيرة ما يؤيد قولنا من هذه الناحية...

ويلاحظ هنا ان العرب في انسابهم هذه، وترتيبها واستقرارها، واشتقاق قبائلها، والطريقة التي راعوها فيها صار معوّل جميع الأمم وعليه مشى أكثر المؤرخين للأقوام والشعوب الأخرى إجمالا أو تفصيلا فجعلوا اسم الأمة جداً أعلى فوصلوه بأولاد نوح (ع) ثم الأقوام التالية اعتبرت أولاد ذلك الجد، وان الفروع الأخرى أولاد أولاده... وهكذا حتى رتبوا أنسابهم بهذا الوجه.. فالعقلية العربية مشت على هذا النحو في أنسابها لما رأته من اشتقاق فروعها... ولما تناقلته من أنسابها بواسطة النسابة المعروفين لديها.. وان هذه يداخلها بعض الارتياب في الصعود والنزول من ناحية التفريعات للأسباب المذكورة، ولاختلاف أعمدة النساب بين هؤلاء.. وكذا القول في من تابعها على هذا النحو.. فهو يصدق من جهة الإجمال ويرتاب فيه من التوغل في التفصيلات والأحوال الأخرى... لقصر في الحافظة وبعد مدى في النقل.

ولا نرى صحة للقول بأن العرب اشتقوا من الكلدان والاثوريين.. وإنما المعروف أن هؤلاء نزحوا من جزيرة العرب فكانوا أول من حكم العراق منهم أو عرف انه حكم العراق، ثم تلاهم غيرهم وهكذا توالت الهجرات وآخرهم من نراهم اليوم وهم أكثر عرب العراق الحاضرين... فهم في اتصال به وارتباط دائم ومستمر... ولا يفسر القول بأنهم أصل العرب إلا أن يكون العرب ساروا بحذافيرهم من الجزيرة ولم يبق إلا القليل النادر فكان هؤلاء القليلون يحفظون أنسابهم بأنهم من أولئك. وهذا لم يقم عليه سند. في حين إن قدم الموجودين في الجزيرة مقطوع به...