الجزء الأول - القبائل وفروعها - القبيلة

القبيلة

وقد تتألف الجماعة العربية من عدة عشائر بان تكتسب ضخامة وسعة في تكوّنها.. وحينئذ يقال لها (القبيلة) وقد يتساهل في التعبير فتسمى العشيرة باسم القبيلة كما تقدم. وهذه لا تفترق عن العشيرة إلا في الرياسة العامة بأن يكون رؤساء العشائر منقادين لرئيس القبيلة، وقد يصح التعبير إذا قلنا ان القبيلة عشيرة موسعة، وبالغة حداً كبيراً من التفرع والتشعب... فهي لا تختلف في حكمها عن العشيرة وحينئذ تكون الكلمة واحدة وان كانت كل عشيرة تدار داخلياً من قبل رئيسها.. فالرؤساء هنا بمنزلة رؤساء الأفخاذ في العشيرة...

وهذه لا تكون المسؤولية العامة فيها إلا في المطالب العظمى والحالات الشاذة فهم متناصرون فيما بينهم. وكذا رئيس القبيلة هو واسطة التفاهم مع الحكومة دون رؤساء العشائر.. أو تتدخل الحكومة لحل النزاع بين فريق وفريق من العشائر المتخالفة ممن هم تحت سلطة رئيس القبيلة.. فيتفاهم معه، أو يتفاهم مع رؤساء العشائر المتخالفين...

وعلى كل حال ان هذه الحالة ضئيلة العلاقة. فليست كالفخذ في شدة ارتباطه ولا كالعشيرة في تكاتف افخاذها. وإنما هي سلطة عامة وغالبها اسميّ وتنفذ الأوامر على أيدي الرؤساء على العشائر فهي أشبه بالادارة العامة للولاية أو اللواء بالنظر للأقضية والنواحي في نظام المدن...

والفرق هو ان بين الحكومة وأفرادها عمومية وأما في هذه فلا يتولى الرياسة على العشيرة إلا من كان من بيت الرياسة، أو من أبدى مهارة بحيث رضيت عنه العشيرة فانتزعها ممن لا يصلح لها وهذا نادر جداً... وكذا يقال في الرياسة العامة فانها لا يتولاها على القبيلة إلا من كان من بيت الرياسة وما شذ عن هذه القاعدة فذاك لأسباب غالبها ظهور الخطر المهدد لكيان القبيلة، ووجود المقدرة وخمول بيت الرياسة... خصوصاً إذا علمنا ان الرياسة في العشائر تكون لمن هو أشجع من غيره، أو أكرم منه، أو جمعها معاً حتى ارتضته القبيلة من بيت الرياسة، أو من بيت آخر مالت إليه وعدلت من الأصل الذي كانت تعترف له.وهذا مشاهد كثيراً...

والحاصل ان القبائل تظهر قوة تكاتفها في أمور منها الدية، والمطالبة بالدم أو الثأر وبضمانات الجرائر... وكذا القيام بفورة الدم، ومعاونة الضعيف واعطائه (الحذية)..الخ.

وعلى كل حال لا يحصر أمر التعاون والتضافر ويتجلى عند منازعات القبائل وحروبها وغزواتها...

وأساس ذلك انه تراعى فيه الدرجات بالنظر للحوادث. وفي المثل يقال (ضم أخاك لابن عمك وابن عمك للغريب) وهكذا يقال عنهم في كافة أمورهم..

فمثلاً ان القبيلة التي تمت الى القربى مقدمة لديها دون غيرها ولو كانت القربى بعيدة جداً... وهذه الأحوال تلاحظ عند الملمات فتهيج كامن القربى والعداء مع القبائل الأخرى... وحينئذ تثير أمشاج القربى ووشيجة النسب فيتحرك وتر الشعور ودقات الاحساس فتدفعها لتيارها وتسوقها لغرضها.. وهكذا.

وهنا نرى البلاغة والتلاعب في جلب النفوس في الشعر فالحكايات والهوسات وهكذا كل ما يسلك طريقه فيها ويجذب رغبة.