الجزء الأول - قبائل العراق الى ايام الفتح الإسلامي - قبيلة اياد

قبيلة اياد

هذه القبيلة كان قد تنازعها نسابة اليمن من القحطانية ونسابة العدنانية. قال العدنانيون ان اياد بن نزار بن معد بن عدنان. واياد هذا سار باهله الى اطراف العراق... وأيدوا دعواهم بقول الشاعر وهو أبو دؤاد الايادي واسمه حارثة ابن الحجاج  وكان اشعر شعرائهم:

وفتو حسن اوجـهـهـم

 

من اياد بن نزار بن معد

وبقول الكميت بن زيد الاسدي:

اياد حين تنسب من مـعـد

 

وإن رغمت انوف الراغمينا

وكانوا في الذؤابة من نزار

 

وأهل لوائها متـرزنـينـا

وفي ابن هشام ان اياداً هو ابن معد واورد:

قومي اياد لـو انـهـم أمـم

 

أو لو أقاموا فتهزل النـعـم

قوم لهم ساحة الـعـراق إذا

 

ساروا جميعاً والقط والقلم

وهذا هو المشهور وأيده السمعاني في كتاب الأنساب. ومن بني أياد كعب ابن مامة الايادي وكان يضرب المثل بجوده، وقس بن ساعدة الأيادي وكان يضرب بفصاحته المثل. أما اليمانية فادعت ان اياد بن احاظة بن سعد بن حمير. وهذه القبيلة قديمة العهد في سكنى العراق. ولعلها من اقدم القبائل المعروفة. وكانت ديارها-على ما جاء في اليعقوبي- بعد اليمامة الحيرة ومنازلهم الخورنق وسدير وبارق ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم فانزلهم تكريت... ثم اخرجهم الى بلاد الروم. وقال ابن عبد البر: وقوم من الروم يزعمون انهم من اياد وانهم دخلوا مع هرقل إذ هزمهم المسلمون. وقيل انه رحل مع هرقل من اياد نحو سبعين ألفاً ونزلوا أنقرة. وقد ذكر ذلك الأسود بن يعفر في شعره إذ ذكر أنقرة فقال:

نزلوا بأنقرة يسـيل عـلـيهـم

 

ماء الفرات يجيء من اطواد

وقال ابن الأثير عند الكلام على العلائق الحربية بين العرب والفرس: "لما ملك سابور وكان صغيراً ذاع خبر صغره في الأطراف وكانت العرب أقرب الى بلاد فارس وسواحل اردشيرخُرّه وغلبوا أهلها على مواشيهم ومعايشهم واكثروا من الفساد وغلبت اياد على سواد العراق... فمكثوا حيناً لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم... فلما كبر سابور اوقع بالعرب فقتل واسر واكثر ثم قطع البحر الى الخط فقتل من بالبحرين... وسار الى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس وقصد اليمامة واكثر في اهلها القتل وغوّر مياه العرب وقصد بكراً وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق فقتل وسبى... وكان ينزع اكتاف الرؤساء ممن يظفر بهم فسموه ذا الاكتاف...
وكان لقيط الايادي معهم فكتب الى اياد:

سلام في الصحيفة من لقيط

 

الى من بالجزيرة من اياد

بان الليث كسرى قد اتاكـم

 

فلا يشغلكم سوى العتـاد

اتاكم منهم سبعون الـفـاً

 

يزجون الكتائب كالجـراد

فلم يقبلوا منه وداموا على الغارة فكتب اليهم:

ابلغ اياداً وخـلـل فـي سـراتـهـم

 

اني ارى الرأي ان لم اعص قد نصعا

فلم يحذروا واوقع بهم سابور وأبادهم قتلا إلا من لحق بارض الروم اه.

ومن وقائعهم مع الفرس (وقعة دير الجماجم) في ملك سابور بن سابور ذي الاكتاف. وكانت اياد تؤرخ بهذه الوقعة قال شاعرهم:

على رغم سابور بن سابور اصبحت

 

قباب أياد حولها الخيل والـنـعـم

كما كانوا يؤرخون خروجهم من العراق الى الجزيرة حين اوقع بهم سابور وقد تمثل بهذه الوقعة بعض الشعراء:

قلت والليل مطبق بـغـراب

 

أرقب النجم لا احس رقـادا

ان حياً يرى الصلاح فـسـاداً

 

ويرى الغي في الأمور رشادا

لقريب من الـهـلاك كـمـا

 

اهلك سابور بالعراق ايادا

قال اليعقوبي: "لما تفرق اهل اليمن قدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس حتى نزل أرض العراق في أيام ملوك الطوائف فاصاب قوماً من العرب من معد وغيرهم بالجزيرة فملكوه عشرين سنة، ثم قدم جذيمة الأبرش فتكهن وعمل صنمين يقال لهما الضيزنان فاستهوى أحياء من احياء العرب حتى صار بهم الى ارض العراق وبها دار اياد ابن نزار وكانت ديارهم بين ارض الجزيرة الى ارض البصرة فحاربوه حتى صار الى ناحية يقال لها بقة على شط الفرات بالقرب من الأنبار وكان تملك تلك الناحية امرأة يقال لها الزباء، وكانت شديدة الزهادة في الرجال. فلما صار جذيمة الى أرض الأنبار واجتمع له من اجناده ما اجتمع قال لاصحابه إني قد عزمت على أن أرسل الى الزباء فاتزوجها وأجمع ملكها الى ملكي فقال غلام له يقال له قصير ان الزباء لو كانت ممن تنكح الرجال لسبقت اليها فكتب اليها وكتبت إليه أن أقبل إليّ أزوجك نفسي فارتحل إليها فقال له قصير لم أر رجلاً يزف إلى امرأة قبلك وهذه فرسك العصا قد صنعتها فاركبها وانج بنفسك فلم يفعل فلما دخل عليها كشفت عن فخذها فقالت أدأب عروس ترى قال دأب فاجرة بظراء غادرة فقطعته الزباء وركب قصير الفرس العصا ونجا. ولما قتل جذيمة ملك مكانه ابن اخته عمرو بن عدي بن نصر..."اه وفي تاج العروس ما نصه: "واياد حي من معد وهم اليوم باليمن قال ابن دريد هما ايادان اياد بن نزار واياد بن سود بن الحجر بن عمار بن عمرو قال ابو دؤاد الايادي:

في فتو حـسـن أوجـهـهـم

 

من اياد بن نزار بن مضر"(1)

وقال صاحب اشتقاق الانساب: "واياد بطون... ومن اياد ابو البهاء الشاعر، ومنهم بنو علي بن سود لهم خطة بالبصرة وحوض. ومن بني علي سلم بن محمد بن حجر صاحب حوض بني علي بالبصرة.."اه فعد اياداً من قبائل طاحية بن سود ومن بطونهم اياد، وعلي، وعبدالله، وبهذا يكونون من القبائل القحطانية.. ولكل وجهة... اما اليوم فلا نشاهد قبيلة بهذا الاسم، تعد من بقاياهم بل ولا نعرف قبيلة في العراق تمت اليهم بنسب وقربى. وفي انساب السمعاني ذكر انها تنسب الى اياد بن نزار بن معد ابن عدنان وتشعبت منه القبائل ثم عدّ جماعة ممن اشتهروا بالنسبة الى هذه القبيلة فلا محل لا يرادها هنا، ونكتفي بالاشارة اليها. وان اياداً هذه حافظت على مكانتها وعلى اسمها الى ظهور اياس بن قبيصة الطائي ووقعة ذي قار فان هذه القبيلة كانت مع اياس امير العرب فارسلت الى بكر سراً بان أي الأمرين أحب اليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم فنفر حين تلاقوا القوم..! قالوا بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم بهم. ففعلوا ما ارادت بكر... وكانت الامارة فيهم قبل أن تأتيهم القبائل التنوخية الى العراق وبعد ان جاءوا الى العراق كانت لهم اليد في مقدرات هذه الامارة كما نرى ذلك في امارة عدي بن عمرو بن ربيعة من آل نصر اللخمي...

وفي كل هذه المدة حافظوا على انسابهم ولم يختلطوا بالاعاجم وسائر الفرس. ولكن بسبب مساكنتهم لتخوم الفرس ومخالطتهم لهم صار سائر العرب يكرهون قربهم من العجم ويعدّون ذلك ضياعاً لعربيتهم وعروبتهم. ولذا يرون منزلتهم نازلة، ومكانتهم حقيرة لحد انهم عدّوهم من العجم ونبزوهم بذلك واتقيت مداخلتهم.. ويبعّد هذا احتفاظهم بانسابهم... ولم يبالوا بالاعراب الذين يطعنون فيهم.. وفي اليعقوبي ذكر لجماهير قبائلهم فليراجع...! وكانوا في اوائل امرهم يناصرون الفرس والفرس يناصرونهم وذلك حينما كانت السلطة بايديهم...

ومما يشير الى ذلك بعض الوقائع التي من شأنها ان تولد البغضاء بين اياد وسائر العرب... فيقال انه في بعض الايام نزل رجل من قبائل بكر وتغلب ابني وائل بناحية قريبة من بلاد الفرس من منازل اياد ومعه ابنته وكانت من اجمل نساء العالم فوشى به رحيل من اياد لدى ملك الفرس فاغتصبها من ابيها ويقال انه عرض جميع المشتهيات وخوّفها بجميع العقوبات ومسّها بكثير من المؤلمات ليرى وجهها فأبت وخيرته بين ان يقتلها، أو يعيدها لأبيها، فلما يئس منها اسكنها في موضع واجرى عليها الوظائف الترفيهية واكتفى برؤية قامتها تحت ملابسها في بعض الأحيان. وبسبب ذلك نشبت حروب بين العرب والفرس وانقضى الأمر بقتل ملك الفرس وتخليص الفتاة. وهذه الوقعة بين المحفوظات التي لم يعلم تاريخها ولا وقتها. وعلى كل نرى لاياد يداً في الحصول عليها كما نرى لطيء اصبعاً في وقعة ذي قار..

وكان اسم هذه البنت (ليلى بنت لكيز). ومن كلامها اثناء ما حصل لها تحث اهلها والعرب على تخليصها والغريب ان تعد اياداً في جملة من تستصرخهم على ذلك وتطلب نفي العار عنهم...

وفي هذه القصيدة تعد القبائل المعروفة والمعوّل عليها آنئذ فتقول:

ليت للبراق عينـاً فـتـرى

 

ما ألاقي من بلاء وعـنـا

يا كليباً وعـقـيلا اخـوتـي

 

يا جنيداً اسعدوني بالـبـكـا

عذبت اختكـمـوا يا ويلـكـم

 

بعذاب النكر صبحاً ومسـا

غللوني قيدونـي ضـربـوا

 

ملمس العفة مني بالعصـا

يكذب الأعجم ما يقـربـنـي

 

ومعي بعض حشاشات الحيا

قيدوني غللوني وافـعـلـوا

 

كل ما شئتم جميعاً مـن بـلا

فأنـا كـارهة بـغـيكـم

 

ويقين الموت شيء يرتجـى

يا بني كهلان يا أهل الـعـلا

 

اتدلون عليّ الأعـجـمـا

يا أياداً خسـرت أيديكـمـوا

 

خالط المنظر من برد عمـى

فاصطباراً وعزاء حـسـنـاً

 

كل نصر بعد ضرّ يرتجـى

اصبحت ليلى يغلل كـفـهـا

 

مثل تغليل الملوك العظمـا

وتقيّد وتـكـبّـل جـهـرة

 

وتطالب بقبيحـات الـعـنـا

قل لعدنان هـديتـم شـمـروا

 

لبني مبغوض تشـمـير الـوفـا

واعقدوا الرايات في اقطـارهـا

 

واشهروا البيض وسيروا لي ضحا

يا بني تغلب سـيروا وانـصـروا

 

وذروا الغفلة عنكـم والـكـرى

احذروا العار على اعقابـكـم

 

وعليكم ما بقيتـم فـي الـدنـى

ومن ابياتها ان بني كهلان هم الذين دلوا عليها فتعاتبهم وتستصرخ اياداً، وكذا عدنان وبني تغلب منهم تطلب ان يشمروا لانقاذها.. وفي امثالها يسمع الكثير أيام الحروب، والأمور التي يهيج لها القوم للوقيعة بأعدائهم.. والظاهر أنها إن صحت في وقعة عامة ولذا تطلب معاونة عامة... وفيها تستنهض الهمم وتحرك الشعور والاحساس...

هذا. والمعروف من اياد بنو سُبين وهم بالحيرة منهم بقيلة صاحب القصر الذي يقال له قصر بني بقيلة بالحيرة. ومنهم عبد المسيح بن عمرو بن حيان ابن بقيلة الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان من المعمرين وهو الذي بعث به كسرى برويز الى سطيح الشام في رؤيا الموبذان... ومن مشاهير اياد ابنة الخس وجمعة بنت حابس منهم...