الكتاب الأحمر - كتاب القومية العربية

مقدمة للكتاب

في الثلاثينات من القرن الماضي تأسست حركة قومية عربية سرية في بيروت ما لبثت أن انتشرت في مختلف البلاد العربية وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ولم يكن لهذه الحركة إسماّ تعرف به ضمانا لسرية نشاطات أعضائها.

والكتاب الأحمر ، كتاب القومية العربية هو ميثاق هذه الحركة. وقد عرفت الحركة ، بعد أنكشافها ، باسم "الحركة العربية السرية —جماعة الكتاب الأحمر" تمييزا لها عن غيرها من الحركات والأحزاب والتشكيلات القومية العربية الأخرى.

بقي الكتاب كما الحركة سرياّ منذ التأسيس وحتى أنكشفت الحركة بعد سنة 1945. ومع الإنكشاف لم يلق الكتاب ولا الحركة رواجا إعلاميا بسبب السرية المطلقة التي أعتمدتها في تنظيمها الداخلي وبالتاليعدم معرفة الناس من صحافيين ومؤرخين بوجودها أصلاّ.

واليوم يأتي أحد أعضاء الحركة المؤسسين، الأستاذ شفيق جحا فيسرد لنا في كتابه الشيق والمستند إلى وثائق أصلية ومقابلات وأحاديث مع عدد من أعضائها ألأول فيطلعنا وبتفصيل جاذب على ما قامت به الحركة منذ تأسيسها في مختلف البلاد العربية والأجنبية وهيكليتها وأسماء أعضائها مما يجعل من هذا الكتاب المرجع الأول للحركة والحركات التي أنشأها عدد من الأعضاء الذين إنتموا إليها قبل أن يتوسعوا ويجولوا في تشكيلات سياسية أخرى في هذه المنطقة العربية.

كتاب الأستاذ شفيق جحا بعنوان: الحركة العربية السرية (جماعة الكتاب الأحمر) 1935-1945 نشرته في بيروت "الفرات للنشر والتوزيع" عام 2004 . (الحكواتي)

 

 

كتاب القومية العربية

ميثاق الحركة

 

في السياسة القومية

1- ما هي الفكرة العربية

الفكرة العربية أو القضية العربية: تعبير يطلق على الحركة التي يقوم بها العرب لتحرير انفسهم من الاستعمار والاستعباد والفقر والجهل وسائر ضروب الوهن. على أن يؤلفوا شملهم ويتحدوا في دولة قومية عربية قوية متحضرة، فيصونوا بذلك كيانهم المادي والمعنوي ويرفعوا شأنهم ويستمروا في تأدية رسالتهم إلى الانسانية والحضارة العالمية.

2- ما هي القومية العربية

هي مجموعة الصفات والمميزات والخصائص التي ألفت ما بين العرب وكونت منهم أمة:- كوحدة الموطن واللغة والثقافة والتاريخ والمطامح والآلام والجهاد المستمر والمصلحة المادية والمعنوية المشتركة.

والقومية العربية هي محل تقديس وفخار عند العرب لأنهم بها تميزوا عن سائر الأمم وامتازوا عليها خلال العصور وبها نهض مجدهم الحاضر وكفل لنفسه النمو والبقاء إلى الأبد.

3- العرب هم من كانت لغتهم العربية أو من يقطنون البلاد العربية وليست لهم في الحالتين أية عصبية تمنعهم من الاندماج في القومية العربية.

4- ما هي البلاد العربية

البلاد العربية هي جميع الأراضي التي تكلم أو يتكلم سكانها اللغة العربية في آسيا وأفريقيا. أي هذه الأراضي الواقعة في الحدود التالية:

من الشمال: جبال طوروس والبحر المتوسط.

من الغرب: المحيط الأطلسي والبحر المتوسط.

من الجنوب: بحر العرب وجبال الحبشة وصعيد السودان والصحراء الكبرى.

من الشرق: جبال بشتكوه والبختارية وخليج البصرة.

أما الجزر القريبة من الشواطئ العربية والتي يسكنها عرب فهي عربية.

5- لزوم العصبية العربية وحدها

يحرم العربي العصبيات التي تضعف العصبية العربية: كالعصبيات الطائفية والعنصرية والطبقية والاقليمية والقبلية والعائلية وأشباهها.

والعربي يعلم أن الأديان السماوية ليست في ذاتها عصبية دنيوية فهو لذلك يحترمها ولا يرى فيها ما يحمله على انقاص ولائه التام لقوميته العربية.

6- وحدة الهدف في الجهاد

يؤمن العربي بأن هدفه القومي في أصله وطبعه ومنتهاه واحد لا يتجزأ ولو تنوعت أساليب الوصول إليه، وبأنه إلى هذا الهدف يجب أن توجه كل الجهود الفردية والجماعية.

فالعربي يرى أن المساعي القومية التحريرية التي يقوم بها العرب في هذا القطر أو ذاك من أقطارهم، لا تؤدي ولا يجوز أن تؤدي إلا إلى التحرر والتوحد الشاملين.

فلكل عربي – بل عليه- ان يعمل في كل أرض عربية بما يجعل تحقيق هذه الغاية ويوطد اركانها ويكفل بقاءها.

7- الاختلاف والتنوع في أساليب الجهاد

ليست أقطار العرب اليوم سواء: في العلم و الجهل أو الغنى والفقر أو السيادة والاستعباد.

فلذلك جاز أن تتنوع أساليب الحركات السياسية والاجتماعية فيها وان تختلف باختلاف القطر، على أن يقوم بينها جميعا ضابط يؤلفها وينسقها ويوجهها توجيهاً يضمن فعلها في ايصال الأمة العربية إلى هدفها القومي العام بأقل التضحيات وأقصر الزمن.

8- التنظيم، ماهيته وخطورته

الضابط الذي يؤلف المساعي القومية ويوجهها هو التنظيم. فهو على ذلك جزء من أجزاء العقيدة ووجه من وجوهها. ولا يجوز أن يصدر إلا عن وحي الارادة العامة.

وهذا التنظيم يقوم على ضبط الخواطر والنزعات والارادات الشخصية الفردية أو الفطرية الاقليمية عند العرب، وتحصيل القوى منها وتسخيرها لخير القضية العربية الشامل.

9- تحتيم الانتظام والجهاد

قعود الفرد العربي واحجامه عن الانتظام في مواكب المجاهدين عار وضلال يشبهان الخيانة. ومثله الاخلال بالنظام بعد الانتظام.

وفي ميسور كل عربي أن يجاهد بيده وبنائه، فان لم يستطع فبلسانه وبيانه، وان لم يستطع فبقلبه وجنانه. ولا سيما اذ تكون الأمة في ساعات البعث أو الخطر.

10- تعميم الحركة بين جمهرة الشعب

تفرض الفكرة العربية لنجاحها أن تؤمن بها جمهرة الشعب وتعتنقها بعد أن آمن بها الأفراد واعتنقوها، لأن ذلك يسهل أعمال التنظيم في صفوفه ويصون اخلاقه القومية ويضاعف قدرته على الجهاد ويعظم نباهته فيه.

11- السلبية وشريعة القوة

ليس في مطامع العرب أن يعتدوا على أمة أو أرض ما اي اعتداء. فهم انسانيون متعاونون دولياً في حدود النظم والأعمال العالمية التي لا تؤذي نهضتهم وكيانهم ولا تمس بكرامتهم. ولكنهم يرون أن أكثر الأمم ليست على هذه الصفات، ولا سيما الأمم المستعمرة المتسلطة على بعض ديارهم بالقوة.

فهم اذن يعتبرون هذا التسلط اعتداء على كيانهم فيأخذون بشريعة القوة، ويعمدون إلى مقابلة الاعتداء بمثله حيثما استطاعوا، ويبررون عملهم بأنه دفاع مشروع عن الحياة.

12- السلبية كسياسة في الكفاح

إذا عجز العرب عن رد الاعتداء بالقوة فعليهم أن يقاوموه مقاومة سلبية تؤدي حتماً إلى تعطيل فعله في المستقبل قريباً كان أم بعيداً.

فالسلبية في الكفاح السياسي عندهم أصل. لأنها أقرب إلى العزة القومية وأصون لها وأقوى على ايجاد الوحدة والانسجام والمشابهة في أساليب الكفاح وخططه بين العرب عموماً ولو اختلفت ديارهم.

والوحدة والانسجام والمشابهة عوامل تضاعف القوة وتقرب آجال أثمارها.

13- الايجابية كسياسة في الكفاح

الايجابية أو الانتهازية- كخطة سياسية في الكفاح- أسلوب كثير المزالق عظيم الأخطار فإذا جاز اللجوء إليه في ظرف ما فانما يجب:

أولاً: ان تخلو مسالكه من شبهات التسليم والاستكانة للمعتدي أو المستعمر حتى لا تتعود الأمور الرخاوة فتسترخي حيث تجب الصلابة.

ثانياً: أن يكون النجاح فيه عاقبة مضمونة سلفاً، ابعاداً له عن صفا المغامرة.

ثالثاً: أن لا ينشأ من استعماله في قطر عربي ما، ضرر يلحق أثره بالمصلحة العربية العليا.

14- بطلان التنازل عن الحرية والوطن

لا يملك الفرد العربي أن يتنازل لأجنبي ما- سواء بالرضى أو بالارغام- عن كرامته أو عن حريته أو عن أرض من وطنه أو عن جزء من هذه الثروات جميعاً. ومثله العرب كجماعات. فكل تنازل أو عقد من هذا القبيل فاسد باطل ولا سيما ان كان قهرياً استلزمته الضرورة الآنية الموقوتة.

15- نجاة العرب بالعرب

يؤمن العربي ايماناً لا شك فيه بأنه ما من قطر عربي يستطيع النجاة العاجلة والآجلة من الفقر والجهل والاستعباد والاستعمال إلا بعروبته.

وإيمانه هذا منبثق من التجارب والعقل والعلم والتاريخ.

16- الأمة مصدر السيادة ومستقرها

السيادة للأمة وحدها أصلا ومالاً. أما المظاهر التي بها تتمثل السيادة كالحكم والتمثيل النيابي والتعامل الدولي- فللأمة أن تختار منها ما يلائمها وفقاً للظروف الزمانية والمكانية.

17- مصلحة الأمة أولاً

مصلحة الأمة أصل، ومصلحة الفرد تبع. فإذا تعارضتا وجبت التضحية بالثانية. فالأمة العربية وحدة قومية مستمرة مع التاريخ، يرث أجيالها النفع والخير ويورثونهما.

والقانون العادل الحازم يحول، على كل حال، دون ايذاء حقوق الأفراد ويضمن لهم المساواة والانصاف والطمأنينة.

18- النظام الاتحادي للدولة العربية

يحرم العرب العصبية القطرية والاقليمية. على أنهم لبواعث جغرافية وادارية يرضون مختارين بأن تكون أقطارهم مؤلفة الشمل في الدولة العربية على أساس نظام الاتحاد (فدراسيون).

والضرورة في قيام هذا النظام تبطل اذا ما زالت تلك البواعث.

19- بلاد العرب للعرب وحدهم

كل من سكن بلداً عربياً ولم يكن عربياً فهو ضيف أو لاجئ أو مهاجر أو طارئ، ولو انقضى على سكناه فيه أجيال. فتطبق معه قواعد الضيافة أو تجري عليه قوانين الالتجاء أو المهاجرة أو ما جرى مجراها.

وللدولة العربية أن تجلي عن أراضيها كل فرد أو جماعة يعصون هذه القواعد والقوانين أو يستعصي تطبيقا فيهم.

20- التعرب وشروطه

للساكن في البلد العربي أو في غيره أن يشرب وفقاً للنواميس القومية والأنظمة الدولية. وذلك:

- بأن يقطع صلته بأية عصبية قومية أخرى كل القطع.

- وأن يخلص للقومية العربية اخلاصاً يقوم عليه الدليل.

- وأن يتعلم اللغة العربية ويجعلها لغة بيته ومرتزقه.

- وأن يتخذ الجنسية العربية.

- وأن لا يؤذي الوطن العربي بشكل ما.

- وأن لا يكون سبباً في ايذائه.

 

في الثقافة

21- سهم العرب في الثقافة ونظرتهم اليها

الثقافة ثروة انسانية شائعة، يساهم العرب في خدمتها بوحي تقاليدهم. ولا سيما ما كفل منها لأفرادهم وجماعاتهم: وسائل العيش والعزة القومية والغذاء الروحي السامي ونفع الجنس البشري.

22- تكوين الثقافة العربية وأثرها القومي

تكفل الثقافة للعرب تحقيق غاياتهم القومية اذا استمدت عناصرها وحيويتها ومناهجها من مميزاتهم وخصائصهم النبيلة وتاريخهم المجيد ومطامحهم ومصلحتهم كأمة تامة، ثم توفرت على مضاعفة القوة والانتاج في هذه المنابع كلها.

23- الاعتداد بالمحامد القومية والجهاد لاصلاح العيوب

تفرض الثقافة القومية على العربي:

أولاً: أن يعرف حقيقة نفسه كفرد، فيعتد- من ناحية- بما عنده من خصال وفضائل. ويجاهد- من ناحية أخرى- لاصلاح ما فيه من عيوب يلاحظ شيوعها بين أفراد العرب: كطبائع الفردية المانعة للتعاون، والاتكالية، وضعف الثقة بالنفس، والاحجام عن تحمل التبعات، والافراد في الاشتغال بالمسائل الروحية.

ثانياً: أن يعرف حقيقة قومه كمجموع، فيعتز بتاريخهم وأمجادهم وسجاياهم، ويبث في نفسه شعور الاستقواء بهم، وينمي في خيالهم أنهم أمة المستقبل كما كانوا أمة الماضي.

24- العرب هم أولى الأمم بإبداع الثقافة الانسانية العليا

يرمي العرب في حاضرهم ومستقبلهم إلى انشاء ثقافة تستمد عناصرها من المدينتين: الروحية الشرقية والمادية الغربية. وهي الثقافة التي تنشدها الأمم لاعتبار أنها تخلق الطمأنينة الفردية والدولية، وتوجد الرقي المعنوي والرخاء المادي للجنس البشري.

ويؤمن العرب كل الايمان بأنهم من أقدر الأمم على إنشاء هذه الثقافة، يوم تقوم دولته المقبلة، لسببين:

أولهما جغرافي: فهم قاطنون دياراً تقع في النقطة الوسطى المعتدلة من الكرة الأرضية. فبلادهم لذلك قطب بين القارات وحلقة اتصال مثلى بين أمم الأرض.

وثانيهما تاريخي: فهم وارثون مدنية حلفت بالخصائص والمميزات اللازمة لتلك الثقافة المنشودة.

25- حرية البحث العلمي

يطلب العرب من العلوم والآداب ما صانهم كأمة، وحفظ خصائصهم ومزاياهم، وأعلى شأنهم، وأعانهم على الابتكار والتجويد ومضاعفة الانتاج العقلي والفني والاشتراك في نفع الانسانية.

وللبحث العلمي عندهم حرية لا يحد منها إلا مسلك الدفاع عن القومية العربية في طول نمائها وتحنقها.

فإذا جاز البحث في الأخطاء الطبيعية أو التاريخية التي تناولت هذه القومية فللتنبيه والاصلاح، لا للتشهير أو تبغيض العرب بتاريخهم وحاضرهم.

26- القومية العربية والثقافة الشعوبية

مصلحة العرب القومية هي أن يكونوا أمة مستقلة، لها شعائرها وخصائصها. فكل علم أو فن أو أدب يرمي إلى الشعوبية والميعان الأممي والرخاوة في العصبية العربية مفسد لكيانهم فهي حرب عليه.

27- الثقافة القومية أداة تعريب

تفرض القومية العربية أن لا يقيم في الوطن العربي جماعات ذات عنصرية أجنبية تتحسس بعصبية غير العصبية العربية، على الرغم من حملها جنسية الدولة.

فعلى هذه الجماعات أن تتعرب إذا شاءت البقاء في هذا الوطن، وعلى العرب أن يسهلوا لها ذلك استيفاءً للتوحيد والانسجام بين المواطنين جميعاً.

والثقافة القومية العربية وسيلة كفيلة بالتعريب المطلوب.

28- دوام الصلة الوطنية مع العرب المغتربين

الأمة العربية ضنينة بحياة أفرادها وبانتاجهم ونبوغهم. فيجب أن تقوم الثقافة العربية بقسطها في ابقاء العروبة على أبنائها الذين هاجروا إلى الديار الأجنبية في طلب الرزق أو دفع الظلم، حتى تحبب اليهم العودة إلى الوطن فيشتركوا بتعميره والدفاع عنه، أو تظل صلتهم به ناهضة متينة فيخدموا أمتهم من منازل هجرتهم.

29- بين الأدب العربي والآداب العالمية

يدرك العرب أحسن إدراك ما في الآداب والفنون العالمية من جمال وقوة. فهم لذلك يقيسون إلى آدابهم وفنونهم ما فاتهم منها، ويحاكونه، ويبتكرون على غراره، ليدعموا ثروتهم القومية الخاصة بالتجدد، ويغذوها بالتنويع، ويسابقوا غيرهم في الوصول إلى الغنى الأدبي والكمال الفني.

وتتضاعف رغبتهم في هذا الاتصال بالآداب العالمية حيث تكون الفنون وجدانية تصدر من الشعور الانساني الشامل الشائع- كما في الشعر والنحت والموسيقى والغناء.

30- التعليم: نوعه وتوحيد أصوله وتعميمه بالاجبارية المجانية

التعليم العام في الأصل عمل من أعمال الدولة، تمارسه الحكومة مباشرة أو بالواسطة، على أن يكون كله منطوياً ومنطبقاً على برنامجها القومي الموحد.

والتعليم الابتدائي يجب أن يكون عاماً اجبارياً. وعلى الحكومة أن تيسره بالمجانية في مدارسها، فإن فاتها ذلك في الحال فانما هذه خطتها المفروضة للمستقبل القريب.

ويشترط في هذه التعليم كله أن يستهدف الخلق المتين والوطنية الصحيحة والتنوير الذهني وتوفير أسباب العيش.

31- تعرب المعاهد الأجنبية أو خضوعها لقوانين المعارف

يجب على المعاهد الأجنبية القائمة في الوطن العربي أن تتعرف لتكفل رضى الحكومة والأمة وتعضيدها لها. فإن تعذر ذلك فعليها أن تخضع للبرنامج القومي الذي تفرضه عليها دوائر المعارف الرسمية وتنفذه تحت مراقبتها.

ويستوي في هذه القاعدة كل ما صح في معنى المعهد: كالمدرسة والكلية والجامعية والمصح والمستشفى والمصنع والملجأ ودار الموسيقى والسينما وبعثة التنقيب على الآثار وما شابه.

32- الأمية: أثرها وأساليب مكافحتها

الأمية بين العرب المعاصرين كارثة متوطنة عامة، لها في تأخير بعثهم الأثر الأعظم، فيجب أن كافح كما تكافح الأوبئة الاقليمية بجميع الطرائق والأساليب: كتعميم المدارس الليلية والكتاتيب النقالة، والزام التلاميذ والجنود بتعليم الأميين من زملائهم ومواطنيهم في فترات العطلة والراحة، وحرمان الأمي ممارسة الانتخاب للمجالس، وتفضيل الادارات العامة العامل القارئ على غيره حكماً حين طلبه الارتزاق من منشآتها- إلا في مهلة تحددها الدولة.

وبكلمة عامة: توجيه دوائر المعارف الحكومية وجمعيات الشبان المثقفين لحملات دورية منظمة استيفاء لذلك القصد "كما في مشاريع السنوات الخمس".

33- وسائل النشر اذا مست بالمقدسات القومية

لا يجوز في وسيلة من وسائل النشر- الأهلية- كالصحافة والتمثيل والسينما والاذاعة اللاسلكية والأغاني والصور والاعلانات والمهرجانات أن تكون ماسة بالآداب العامة أو الخصال القومية أو التاريخ العربي. بل على الدولة والجماعات الوطنية أن تراقب هذه الوسائل وتوجهها وجهة حسنة في حركة التحرير الوطنية وفي تمجيد القومية العربية.

أما اذا تعذر على الدولة والجماعات: المراقبة والزجر، يكون المساس قد حصل من نقر أجنبي في بلاد أجنبية، فان هذا الاعتداء يقابل بكل ما تيسر من ألوان القمع كأن تصادر المادة المنشورة وتتلف، وأن ينقطع التعامل المادي والمعنوي على أمة المعتدي.

34- أساليب نشر الثقافة في الشعب

على السلطات في الأمة أن تأخذ بجميع الوسائل لنشر الثقافتين العامة والقومية، فتنشئ المكتبات الثابتة والمتنقلة، والمتاحف والمعارض الدائمة الدورية، والصحف الفنية والنشرات، وتجعلها في متناول الكافة، وأن تستخدم الاذاعات اللاسلكية والسينما والتمثيل، لتنوير أذهان الشعب وتعليمه بسائط العلوم التي تتطلبها الحياة الحديثة كعلم الصحة والزراعة والتاريخ.

35- ضبط الوعظ الديني وتنظيمه وتوجيهيه

الصلاحية المعطاة لرجال الدين بالوعظ والارشاد قوة ذات فعل خطير في توجيه الارادة عند الشعب. فيجب أن تضبط هذه الصلاحية وتنظم لها القواعد بحيث لا تشذ عن خطوط الفكرة القومية السليمة.

ومن الشروط الأولى المفروضة في الواعظ المرشد أن يكون حسن الخلق كريم السمعة جيد الثقافة يفهم الوطنية على وجهها الصحيح.

36- اللغة العربية: مكانتها وقبولها للتجديد والتطور

اللغة العربية حصن العرب وشرفهم ومظهر وحدتهم. فلها كل أنواع التقديس والتكريم.

توضع القوانين والأنظمة لحفظها وتمجيدها، وتنشأ المجامع اللغوية، وتنظم اللجان لتأليف القاموس العام حتى تتهذب اللغة باستمرار وفق تطور الزمن. والاصلاح والتبسيط في قواعدها كله مقبول الا ما أخرجها عن كيانها كلغة مستقلة خاصة بأمة مستقلة تامة.

ومن عناصر الاصلاح الأولى أن يشرع في تقريب العامية من الفصحى لينشأ جيل يكتب كما ينطق وينطق كما يكتب. على أن يؤخذ من العامية ما هو موحد في جميع الأقطار العربية أو ما هان توحيده.

37- العرب المعاصرون واللغات الأجنبية

كانت اللغات الاجنبية عون المستعمرين على الاستعمار في بلاد العرب. فعلى أفراد الأمة أن يقصروا اهتمامهم باللغات على ما عز أو استحال نقله إلى لغتهم العربية، أو على ما رموا به إلى التعاون مع الأمم الأخرى وإلا الاطلاع على ثقافاتها ومدنياتها للاستفادة منها.

والعربية وحدها هي لغة دوائر الدولة والتعليم والتعامل الأهلي.

وهي محتومة في المؤسسات الأجنبية ومواطن النشر كالراديو والسينما والاعلان واللوحات والعلامات الفارقة المسجلة.

ويستثنى من هذا التحتيم ما تعطل معناه بالترجمة والتعريب كبعض المؤلفات الأدبية والألفاظ العلمية والآثار الفنية.

38- البعثات العلمية وكفالة الرزق للعلماء والموهوبين

تكفل الدولة الرزق والمعاش للعلماء والفنانين المجدين ذوي الكد، حتى لا يشغلوا به الاجادة والابداع والنبوغ. فهم ثروة قومية تغذى وتستغل لمصلحة الأمة.

وتنظم الدولة المجامع العلمية وتساعد المنظم منها بالمال وشتى أنواع المعونة. ودوائر الدولة تعمل بنصائح المجامع وتطبق اراشادتها وقراراتها.

وتوفد الدولة البعثات من العلماء والطلبة النابهين إلى الديار الأجنبية للاطلاع والاقتباس وتستوفد بعثات العلماء الاجانب إلى الوطن ليتكاتف أبناؤه بعهم على الأمر نفسه.

ويحسن أن تكون النسبة في الايفاد والاستيفاد كبيرة جداً خلال العهد الذي تتعجل فيه الأمة تمام نهضتها.

39- الرياضة تثقيف الزامي تؤيده الدولة

الرياضة البدنية عدة الصحة الحسنة وآية الرجولة. فتعاطيها الزامي لجميع العرب وفقاً للقواعد العصرية التي تجري عليها المؤسسات العامة كالحكومة والمدرسة والمحافل الرياضية.

وتعضد الدولة الأندية والأفراد الذين ينصرفون إلى التثقيف الرياضي، وتثيب الابطال المتفوقين، وتكافح الوهن في الصحة وتستأصل السقم والعلة كما تستأصل الأمية وتكافح الجهل: وذلك بمشاريع وقوانين يكفل تنفيذها الحازم أن ينشأ للوطن، في أقرب حين، جيل جديد سليم البنية مستكمل الرجولة.

40- الدعوة للروح العسكري وتعميم الجندية

يفرض البعث القومي على الأمة جمعاء أن تأخذ بالروح العسكري- الا ما انطوى منه على شهوة العدوان. ففي هذا الروح تتجمع خصال الرجولة والوطنية: كالشجاعة والبأس والسماحة والمروءة وترك الدنيا والصبر على المكاره والطاعة حيث تجب الطاعة وحب النظام واستساغته.

ويمهد هذا الروح للجندية العامة التي تقررها الدولة تمهيداً يجعلها مقبولة مرغوبة.

وفي الجندية عون على توحيد النزعات بين الأفراد، وتقريب لطبقات الناس بعضها من بعض، وحشد وتنظيم لعنصر القوة الكبرى في الأمة والوطن.

41- مرمى النهضة الاجتماعية

تستهدف النهضة الاجتماعية عند العرب ايقاظ الحيويات الكامنة فيهم- ما كان منها طبيعياً أو مكتسباً- وترمي إلى تهذيبها وتنسيقها وتوطيدها. وبذلك تتحصل لهم القوى المادية والأدبية التي بها تبنى قوميتهم ودولتهم.

وهذه النهضة الاجتماعية تنطوي على التطور التقدمي- فكل جمود اجتماعي- مناقض له، ومحكوم عليه بالزوال.

42- الكفاح الوطني والمذاهب الاجتماعية

ليس من مصلحة العرب- وهم في عهد نهضة كفاحية شاملة ضد الاستعمار الاجتماعي- ان يشغلوا عنها بالمشاحنة حول المذاهب الاجتماعية والاقتصادية للأخذ ببعضها ومحاربة البعض الآخر- اشغالاً يصرفهم عن تلك الضرورة الملحة الطارئة، ويلثم جبهتهم، ويوزعهم صفوفاً وطبقات متطاحنة ويوهن قواهم الكفاحية.

وانما يحل لهم التخير بين المذاهب والنضال في سبيلها- ان وجب النضال- يوم يظفرون باستقلالهم وسيادتهم ويؤلفون دولتهم ويعمدون إلى اصلاح شؤونهم الداخلية.

على أن هذه النهضة الاجتماعية لها بكل حال غرض أعلى لا يتبدل، تقصد اليه بشتى الطرق والوسائل: وهو توفير أكبر قدر ممكن من الخير لأكبر عدد ممكن من أفراد الأمة.

43- تكوين الهيئة الاجتماعية الموحدة

من مصلحة العرب ومن متممات نهضتهم العصرية أن تتألف من مجموعهم هيئة اجتماعية واحدة لا سبيل معها إلى بلواهم بما يعرف بالنضال الطبقي أو النضال الطائفي.

وسبيل ذلك أن يدفع النضال الطبقي باتخاذ الانصاف قاعدة في اثابة المجهود الشخصي أو الكفاءة الشخصية، وبرفع المستوى الأخلاقي حتى لا يألف الرجل المقتدر: الظلم والأذي، ولا الرجل المستضعف العاجز: الحسد والمكيدة.

ويدفع النضال الطائفي بنشر العلم الصحيح والفكرة القومية والتسامح الانساني واحترام العقائد الشخصية في الدين احتراماً مطلقاً في حدود الآداب والنظم العامة.

44- دولة قومية لا دولة دينية

الدولة العربية دولة قومية لا دولة دينية. والأديان عندها هي سبيل المرء إلى خالقه في العبادات. فهي مصونة ومحترمة ومقدسة وفاق ما يرد عنها في القوانين.

أما في الشؤون الدنيوية الخالصة كالارادة والأحكام المدنية والعقوبات والتجارة والمعارف فلا دخل للدين أصلاً، اذ الوازع فيها عرف مدني يجري عليه الناس أو قانون تسنه الدولة ويخضع له جميع العرب.

45- الحريات مصونة في حدود القانون

الحريات العامة كحرية التفكير والقول والكتابة والاجتماع، حق من الحقوق الأساسية للفرد وللمجموع. ولكن يسوغ للقانون أن يقيدها قيداً شاملاً عاماً أو قيداً آنياً موضعياً شرط أن يقع القيد لمصلحة الأمة لا لمصلحة الفرد وحده أو الجماعة دون الأخرى.

46- حرية التملك وقيودها

التملك حرٌ ومصون في جميع أنواع الثروة كالأرض والعقار. بل على السلطات في الدولة أن تدعو إليه دعوة ايجابية واسعة.

اذ من الخير للأمة أن يكون كل فرد من أفرادها ممتلكاً. لأن الملكية غالباً ما تنشئ في النفس فضيلة الاقتصاد وتروضها على تحمل التبعات وتوثق ارتباطها بالأرض- أي الوطن.

أما الحد من هذه الحرية على الأسلوب المعروف بالاستملاك والاجارة الجبرية أو الاستغلال القهري، فلا يجوز أن يساق الا لمصلحة الجماعة بالنسبة إلى الفرد، أو لمصلحة الكثرة بالنسبة إلى القلة أو لمصلحة الدولة العليا عموماً.

47- روح التعاون والعمل المشترك

ينزع العرب في الاصل إلى روح الفردية تعلقاً منهم بالحرية أو الاستقلالية. ولكن طبيعة الحياة العصرية بما فيها من قسوة وشدة وتكاليف، ومن تنافر في المصالح وتوزع في المعايش، طورتهم تطويراً، فاستساغوا روح التعاون المادي والأدبي، وتطبعوا بطباع الجماعات المتعاونة المتآلفة. وهذا التطور فيه خيرهم. فعليهم أن ينموه بحذق، شرط أن يستبعدوا أخطاره: كالاحتكار بدعوى تعاون رؤوس الأموال، وكالفوضى باسم الشورى.

48- القضاء العادل وشروطه

العدل خلق عربي، فالقضاء العربي عادل بالطبع. أما في الوضع أو في التطبيق فلا يكون كذلك إلا اذا اشتمل على الخصائص التالية:

أ، استقلاله عن السلطات التنفيذية تمام الاستقلال قولاً وفعلاً.

ب، اتجاهه إلى اجتهاد أعلى واحد في جميع أنحاء البلاد.

ج، بساطة اجراآته، أي أصوله ومراسمه.

د، حزمه وجزمه وسرعة أخذه بالرأي وبالتنفيذ.

هـ، خفضه النفقات والرسوم عن كاهل الناس عموماً، والغاؤه عن الفقراء.

49- مكافحة المفاسد الاجتماعية

كل لهوة مفسدة، ما لم يستهدف رياضة الذهن أو البدن رياضة الصحة. فالمحرمات الجنسية كما في البغاء، والمخدرات، والميسر، والمراهنة التي لم تصنف لقصد خيري: محرمة تحريماً يؤيده الأدب والشرع القومي والقانون.

50- الزواج

يشجع العرب الزواج لأنهم يعتبرونه من وسائل تكوينهم ومن متممات بعثهم القومي.

وهم يفرضون في ذلك فروضاً شتى: كاشتراط الشرعية والقانونية في ارتباط الجنسين، وسلامة الصحة في الخاطبين والمتزوجين، وتحديد تكاليف الزواج، ووضع ضريبة على العزوبية المتأخرة، وحماية المرأة الحانمل والمرضع، وكفالة اليتيم، وضبط الطلاق، وما إلى ذلك.

51- الصحة في العائلة

العائلة أساس الأمة وخليتها الأولى. فالمحافظة على سلامتها واجب من أخطر واجبات الدولة. فهي تعنى بحمايتها خاصة من الأمراض المعدية ولا سيما التناسلية منها، فتنشر الارشادات بمختلف الوسائل لمقاومتها وتيسر أمر معالجتها وتنزل أشد العقوبات بمن ينشرها أو يتعاون في مكافحتها.

52- تحضير البدو

البداوة مانعة لتوحيد الهيئة الاجتماعية العربية ومناقضة لمقتضيات الحياة المدنية. فعلى الدولة أن تزيلها، وذلك بأن تهيء للبدو وسائل الاستقرار والعيش الثابت، على أن يكون انتقالهم من البداوة إلى الحضارة المطلوبة تدريجياً لا يصيب المجموع العربي بأي اضطراب اجتماعي.

53- رفع مستوى الحياة في القرية

تحرض الدولة على أن تكون نهضة الأمة شاملة لجميع أفرادها وجماعاتها. لذلك هي تسعى لرفع مستوى القرية بأن تؤمن للفلاح عيشاً رضياً وتسهر على صحته وتهذبه تهذيباً كافياً يحفظ له أخلاقه ويبقيه متعلقاً بأرضه.

54- الانصاف في اثابة العمل والعامل

تعني الدولة بالطبقة العاملة التي تتكاثر ويعظم خطرها في ظل التمدن الحديث. وتحرص على أن لا يتعرض العامل العربي لما تعرض له العامل الغربي خلال النهضة الصناعية في سائر أنحاء العالم من المشاق والأضرار.

فهي لذلك تسن القوانين التي تكفل له نيل الأجور المتكافئة مع انتاجه وتحدد ساعات عمله وتضمن له العناية أو التعويض في حالات المرض والعاهة والعجز.

55- تحريم البطالة والجوع

لا بطالة في المجموع العربي ولا جوع. فعلى الدولة أن توجد العمل لجميع رعاياها أو توحد الرزق. وللفرد العربي على كل حال سهم شائع في مجموع الأموال العربية قدره ما يوازي ثمن القوت والدفء الضرورين للحياة.

والدولة تستوفي هذا السهم وتوزعه لقاء التبعة الملقاة عليها في ذلك.

56- البلاد العربية وحدة اقتصادية

البلاد العربية وحدة اقتصادية طبيعية، لا تنافس بين مرافقها وأقطارها ولا مضاربة. ينظم استغلال كل من ترباتها وفاق ما سوتها الطبيعة الجغرافية.

أما التعامل الاقتصادي مع البلاد الأجنبية فيجب أن يكون على اساس النفع المتبادل المشترك.

57- سياسة الاستقلال الاقتصادي

تتجه الدولة والأمة إلى سياسة الاستغناء بمرافها وبمنتجاتها لكي تكون كاملة القوة بذاتها ضامنة لاستقالها الاقتصادي جهد الطاقة.

58- مرافق البلاد العربية للعرب أولاً

مرافق البلاد العربية للعرب أولاً. فإذا فقد رأس المال العربي أو عجز عن استغلالها جاز استقراض المال أو استمداد الكفاءة من الأجنبي لقاء تمتعه المحدود بغلاتها على أن لا يمس ذلك بحق الرقبة العربي أو باستقلال الوطن أو بتقدمه.

وفي هذه الحالة يفضل الاستقراض والاستمداد من الدول والشعوب التي ليس لها في بلاد العرب مطامح فتح.

59- إجبار رأس المال الأجنبي على استخدام العرب

رؤوس الأموال الأجنبية واصحابها وشركاتها مجبرة على استخدام نصاب من الموظفين والمستخدمين والعمال العرب لا يقل عن الثلاثة أرباع من المجموع.

ذلك فضلاً عن خضوعها لقانون تفضيل العرب حيث تتساوى الكفاءات جملة.

60- تعميم الآلة

يقوم التمدن الحديث معظمه على الآلة. فالدولة تسعى لتعميم الحياة الاقتصادية على أساسها. لكنها تعمل على اتقان الاضطرابات والمضار التي أوقعتها الآلة بشعوب الغرب وتسعى لجلب منافعها دون مفاسدها.