شمسون

وكان من أهل قرية من قرى الروم؛ قد هداه الله لرشده، وكان قومه أهل أوثان يعبدونها فكان من خبره وخبرهم - فيما ذكر - ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن المغيرة بن أبي لبيد، عن وهب بن منبه اليماني: أن شمسون كان فيهم رجلاً مسلماً، وكانت أمه قد جعلته نذيرة، وكان من أهل قرية من قراهم، كانوا كفاراً يعبدون الأصنام، وكان منزله منها على أميال غير كثيرة، وكان يغزوهم وحده ويجاهدهم في الله، فيصيب منهم وفيهم حاجته، فيقتل ويسبي، ويصيب المال، وكان إذا لقيهم لقيهم بلحي بعير لا يلقاهم بغيره، فإذا قاتلوه وقاتلهم، وتعب وعطش انفجر له من الحجر الذي مع اللحي ماء عذب فيشرب منه حتى يروى، وكان قد أعطى قوةً في البطش، وكان لا يوثقه حديد ولا غيره، وكان على ذلك يجاهدهم في الله ويغزوهم، ويصيب منهم حاجته، لا يقدرون منه على شيء؛ حتى قالوا: لن تأتوه إلا من قبل امرأته، فدخلوا على امرأته، فجعلوا لها جعلاً، فقالت: نعم أنا أوثقه لكم، فأعطوها حبلاً وثيقاً، وقالوا: إذا نام فأوثقي يده إلى عنقه حتى نأتيه فنأخذه. فلما نام أوثقت يده إلى عنقه بذلك الحبل، فلما هب جلبه بيده، فوقع من عنقه، فقال لها: لم فعلت ؟ فقالت: أجرب به قوتك، ما رأيت مثلك قط ! فأرسلت إليهم أني قد ربطته بالحبل فلم أغن عنه شيئاً، فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، فقالوا: إذا نام فاجعليها في عنقه، فلما نام جعلتها في عنقه، ثم أحكمتها، فلما هب جذبها، فوقعت من يده ومن عنقه، فقال لها: لم فعلت هذا ؟ قالت: أجرب به قوتك؛ ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمسون ! أما في الأرض شيء يغلبك ! قال: لا، إلا شيء واحد، قالت: وما هو ؟ قال: ما أنا بمخبرك به، فلم تزل به تسأله عن ذلك - وكان ذا شعر كثير - فقال لها: ويحك ! إن أمي جعلتني نذيرة، فلا يغلبني شيء أبداً، ولا يضبطني إلا شعري فلما نام أوثقت يده إلى عنقه بشعر رأسه، فأوثقه ذلك، وبعثت إلى القوم، فجاءوا فأخذوه، فجدعوا أنفه وأذنيه، وفقئوا عينيه، ووقفوه للناس بين ظهراني المئذنة - وكانت مئذنةً ذات أساطين، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمسون، وما يصنع به - فدعا الله شمسون حين مثلوا به ووقفوه أن يسلطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المئذنة التي عليها الملك والناس الذين معه فيجذبهما، فجذبهما فرد الله عليه بصره وما أصابوا من جسده، ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس؛ فهلكوا فيها هدماً.