ذكر تزويج النبي خديجة

قال هشام بن محمد: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة؛ وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، قال: كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي امرأة تاجرةً، ذات شرف ومال، تستتجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريشٌ قوماً تجاراً؛ فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكم أخلاقه؛ بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشأم تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار؛ مع غلامٍ لها يقال له ميسرة.

فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في مالها ذلك؛ وخرج معه غلامها ميسرة؛ حتى قدما الشأم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان، فأطلع الراهب رأسه إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال له ميسرة: هذا رجلٌ من قريش، من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم باع رسول اله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة؛ ومعه ميسرة.

فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظللانه من الشمس، وهو يسير على بعيرة. فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به فأضعف، أو قريباً من ذلك. وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه - وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة؛ مع ما أراد الله بها من كرامته - فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له - فيما يزعمون -: يا بن عم، إنى قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك، وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك. ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً؛ كل قومهما كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليها.

فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه حمزة بن عبد المطلب عمه؛ حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها، فولدت له ولده كلهم إلا إبراهيم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم - وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم - والطاهر والطيب. فأما القاسم والطتاهر والطيب؛ فهلكوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن، وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم.

حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا محمد ابن عمر، قال: حدثنا معمر وغيره، عن ابن شهاب الزهري - وقد قال ذلك غيره من أهل البلد: إن خديجة إنما كانت استأجرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاً أخر من قريش إلى سوق حباشة بتهامة؛ وكان الذي زوجها إياه خويلد، وكان التي مشت في ذلك مولاةٌ مولدة من مولادات مكة.

قال الحارث: قال محمد بن سعد: قال الواقدي: فكطل هذا غلطقال والواقدي: ويقولون أيضاً إن خديجة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى نفسها - تعني التزويج - وكانت امرأة ذات شرف، وكان كل قريش حريصاً على نكاحها - قد بذلوا الأموال لو طمعوا بذلك، فدعت أباها فسسقته خمراً حتى ثمل، ونحرت بقرة وخلقته بخلوق، وألبسته حلةً حبرةً، ثم أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته، فدخلوا عليه، فزوجه، فلما صحا قال: ما هذا العقير ؟ وماهذا العبير ؟ وما هذا الحبير ؟ قالت: زوجتنى محمد بن عبد الله، قال: ما فعلت أنى أفعل هذا وقد خطبك أكابر قريش، فلم أفعل ! قال الواقدي: وهذا غلطٌ، والثبت عندنا المحفوظ من حديث محمد ابن عبد الله بن مسلم، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم. ومن حديث ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. ومن حديث ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أباها مات قبل الفجار.

قال أبو جعفر: وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي يعرف بها اليوم، فيقال: منزل خديجة، فاشتراه معاوية - فيما ذكر - فجعله مسجداً يصلى فيه الناس، وبناه على الذي هو عليه اليوم لم يغير. وأما الحجر الذي على باب البيت عن يسار من يدخل البيت فإن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحته يستتر به من الرمى إذا جاءه من دار أبي لهب، ودار عدي ابن حمراء الثقفي خلف دار ابن علقمة، والحجر ذراعٌ وشبر في ذراع.