ذكر اليوم الذي نبئ فيه رسول الله

ذكر اليوم الذي نبئ فيه رسول الله

صلى الله عليه وسلم من الشهر الذي نبئ فيه وما جاء في ذلك قال أبو جعفر: صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدثنا به ابن المثني، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن غيلان بن جرير، أنه سمع عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين ، فقال : ذلك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت - أو أنزل علي فيه .

حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا غيلان بن جرير المعولي قال : حدثنا عبد الله بن معبد الزماني ، عن أبي قتادة ، عن عمر رحمه الله أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، صوم يوم الإثنين ؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم أنزلت علي فيه النبوة.

حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس، قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم اثنين، واستنبئ يوم الإثنين.

قال أبو جعفر: وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم.

واختلفوا في أي الأثانين كان ذلك ؟ فقال بعضهم: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم لثماني عشرة خلت من رمضان.
ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن أيوب، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، أنه كان يقول - فيما بلغه وانتهى إليه من العلم: أنزل الفرقان على رسول الله صلى الله عليه وسلم لثماني عشرة ليلةً خلت من رمضان.

وقال آخرون: بل أنزل لأربع وعشرين ليلة خلت منه.

ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني من لا يتهم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة ابن دعامة السدوسي، عن أبي الجلد، قال: نزل الفرقان لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان.

وقال آخرون: بل نزل لسبع عشرة خلت من رمضان؛ واستشهدوا لتحقيق ذلك بقول الله عز وجل: " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "، وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر؛ وأن التقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر كان صبحة سبع عشرة من رمضان.

قال أبو جعفر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن يظهر له جبريل عليه السلام برسالة الله عز وجل إليه - فيما ذكر عنه - يرى ويعاين آثاراُ وأسباباً من آثار من يريد الله إكرامه واختصاصه بفضله؛ فكان من ذلك ما قد ذكرت فيما مضى من خبره عن الملكين اللذين أتياه فشقا بطنه، واستخرجا ما فيه من الغل والدنس؛ وهو عند أمه من الرضاعة حليمة، ومن ذلك أنه كان إذا مر في طريق لا يمر - فيما ذكر - عنه بشجرٍ ولا حجر فيه إلا سلم عليه.

حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن برة بنت أبي تجراة، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتاً، ويفضى إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجرٍ ولا شجرةٍ إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله، فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً.

قال أبو جعفر: وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة منها قومها بذلك؛ وقد حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال : حدثني علي بن عيسى الحكمي ، عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة ، قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل، ثم من بنى عبد المطلب ولا أراني أدركه؛ وأنا أومن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته، فأقرئه منى السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك ! قلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به، حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره؛ فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك؛ ويقولون: لم يبق نبيٌ غيره.

قال عامر: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول زيد ابن عمرو وأقرأته منه السلام، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن عبد الله بن كعب مولى عثمان، أنه حدث أن عمر بن الخطاب بينا هو جالس في الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أقبل رجلٌ من العرب داخل المسجد، يريد عمر - يعني ابن الخطاب - فلما نظر إليه عمر قال: إن الرجل لعلى شركه بعد، ما فارقه - أو لقد كان كاهناً في الجاهلية - فسلم عليه الرجل، ثم جلس فقال له عمر: هل أسلمت ؟ فقال: نعم، فقال: هل كنت كاهناً في الجاهلية ؟ فقال الرجل: سبحان الله ! لقد استقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ! فقال عمر: اللهم غفراً؛ قد كنا في الجاهلية على شرٍ من ذلك، نعبد الأصنام، ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله بالإسلام. فقال: نعم والله يا أمير المؤمنين؛ لقد كنت كاهناً في الجاهلية. قال: فأخبرنا ما أعجب ما جاءك به صاحبك. قال: جاءني قبل الإسلام بشهر - أو سنة - فقال لي: " ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها ! ".

قال: فقال عمر عند ذلك يحدث الناس: والله إني لعند وثنٍ من أوثان الجاهلية في نفرٍ من قريش؛ قد ذبح له رجل من العرب عجلاً فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتاً ما سمعت صوتاً قطً أنفذ منه؛ وذلك قبل الإسلام بشهر أو شيعه، يقول: يا آل ذريح؛ أمر نجيح، ورجلً يصيح؛ يقول: لا إله إلا الله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا علي بن مجاهد، عن ابن إٍسحاق، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب، مولى عثمان بن عفان، مثله.
حدثنا الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: كنا جلوساً عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر؛ نحرنا جزوراً؛ فإذا صائح يصيح من جوف واحدة: اسمعوا إلي العجب ! ذهب استراق الوحي، ونرمى بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب. قال: فأمسكنا، وعجبنا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثني أحمد بن سنان القطان الواسطي، قال : حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، أن رجلاً من بني عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرني الخاتم الذي بين كتفيك؛ فإن يك بك طبٌ داويتك، فإني أطب العرب، قال: أتحب أن أريك آية ؟ قال: نعم، ادع ذاك العذق، قال: فنظر إلى عذق في نخلة، فدعاه فجعل ينقز؛ حتى قام بين يديه، قال: قل له فليرجع، فرجع، فقال العامري: يا بني عامر، ما رأيت كاليوم أسحر ! قال أبو جعفر: والأخبار عن الدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى، ولذلك كتاب يفرد إن شاء الله.

ونرجع الآن إلى: