غزوة بني قينقاع

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا؛ فإنكم قد عرفتم أني نبيٌ مرسل تجدون ذلك في كتابكم؛ وفي عهد الله إليكم. قالوا: يا محمد؛ إنك ترى أنا كقومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة؛ إنا والله حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر: عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، أن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بني القينقاع كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة.

قال الزهري عن عروة: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليهما وسلم بهذه الآية: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء "، فلما فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخاف من بني قينقاع، قال عروة: فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية.

قال الواقدي: وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد. ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمة فيهم عبد الله بن أبي.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالاً - يعني تلوناً - ثم قال: ويحك أرسلني ! قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي. أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر؛ تحصدهم في غداة واحدة ! وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.

قال أبو جعفر: وقال محمد بن عمر في حديثه عن محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ! فأرسلوهم. ثم أمر بإجلائهم، وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال - ولم تكن لهم أرضون؛ إنما كانوا صاغةً - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم سلاحاً كثيراً وآلة صياغتهم؛ وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت، فمضى بهم حتى بلغ بهم دباب؛ وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى فالأقصى ! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.

قال أبو جعفر: وفيها كان أول خمس خمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس وسهمه، وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول خمسٍ قبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قنيقناع لواءً أبيض، مع حمزة بن عبد المطلب، ولم تكن يومئذ رايات. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحضرت الأضحى؛ فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وأهل اليسر من أصحابه، يوم العاشر من ذي الحجة، وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم، فذلك أول صلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بالمدينة بالمصلى في عيد، وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين - وقيل ذبح شاة.

قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل، من ولد رافع بن خديج، عن أبي مبشر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: لما رجعنا من بني قنينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وذبحنا في بني سلمة فعدت في بني سلمة سبع عشرة أضحية.

قال أبو جعفر ، وأما ابن إسحاق فلم يوقت لغزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزاها بني قنينقاع وقتاً، غير أنه قال: كان ذلك بين غزوة السويق وخروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة يريد غزوة قريش؛ حتى بلغ بني سليم وبحران، معدناً بالحجاز من ناحية الفرع.

وأما بعضهم، فإنه قال: كان بين غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً الأولى وغزوة بني قنينقاع ثلاث غزوات وسرية أسراها. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما غزاهم لتسع ليال خلون من صفر من سنة ثلاث من الهجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بعد ما انصرف من بدر، وكان رجوعه إلى المدينة يوم الأربعاء لثماني ليالٍ بقين من رمضان، وأنه أقام بها بقية رمضان. ثم غزا قرقرة الكدر حين بلغه اجتماع بني سليم وغطفان؛ فخرج من المدينة يوم الجمعة بعد ما ارتفعت الشمس، غرة شوال من السنة الثانية من الهجرة إليها.

وأما ابن حميد، فحدثنا عن سلمة ،عن ابن إسحاق، أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة، وكان فراغه من بدر في عقب شهر رمضان - أو في أول شوال - لم يقم بالمدينة إلا سبع ليال؛ حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم؛ يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بها بقية شوال وذا القعدة، وفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.

وأما الواقدي، فزعم أن غزوة النبي صلى الله عليه وسلم الكدر كانت في المحرم من سنة ثلاث من الهجرة، وأن لواءه كان يحمله فيها علي بن أبي طالب؛ وأنه استخلف فيها ابن أم مكتوم المعيصي على المدينة.

وقال بعضهم: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الكدر إلى المدينة، وقد ساق النعم والرعاء ولم يلق كيداً. وكان قدومه منها - فيما زعم - لعشر خلون من شوال، بعث غالب بن عبد الله الليثي يوم الأحد لعشر ليال مضين من شوال إلى بني سليم وغطفان في سرية، فقتلوا فيهم، وأخذوا النعم، وانصرفوا إلى المدينة بالغنيمة يوم السيت، لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة إلى ذي الحجة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا يوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة غزوة السويق.