غزوة السويق

قال أبو جعفر: وأما ابن إسحاق، فإنه قال في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الكدر إلى المدينة، أقام بها بقية شوال من سنة اثنين من الهجرة، وذا القعدة. ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة. قال: وولى تلك الحجة المشركون من تلك السنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ومن لا أتهم، عن عبيد الله ابن كعب بن مالك - وكان من أعلم الأنصار - قال: كان أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكة، ورجع فل قريش إلى مكة من بدر، نذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً. فخرج في مائتي راكب من قريش، ليبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدور قناة إلى جبل يقال له تبت، من المدينة على بريد أو نحوه. ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل، فأتى حيى بن أخطب، فضرب عليه، بابه فأبى أن يفتح له وخافه، فأبى فانصرف إلى سلام بن مشكم - وكان سيد النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم - فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه، وبطن له خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته، حتى جاء أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض، فحرقوا في أصوار، من نخل لها؛ ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين؛ ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم، حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعاً، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا من مزاود القوم ما قد طرحوه في الحرث؛ يتخففون منه للنجاة. فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنطمع أن تكون لنا غزوة ؟ قال: نعم.

وقد كان أبو سفيان قال وهو يتجهز خارجاً من مكة إلى المدينة أبياتاً من شعر يحرض قريشاً:

كروا على يثربٍ وجمعهـم                فإن ما جمعوا لكم نـقـل
إن يك يوم القليب كان لهـم            فإن ما بعـده لـكـم دول
آليت لا أقرب النـسـاء ولا               يمس رأسي وجلدي الغسل
حتى تبيروا قبائل الأوس وال          خزرج، إن الفؤاد مشتعـل

فأجابه كعب بن مالك:

تلهف أم المسـبـحـين عـلـى                      جيش ابن حربٍ بالحرة الفـشـل
إذ يطرحون الرجال من سئم الطير               ترقـى لـقـنة الـجـبـــل
جاءوا بجمعٍ لو قيس مـبـركـه                      كا كان إلا كمـفـحـص الـدئل
عارٍ من النصر والـثـراء ومـن                        أبطال أهل البطـحـاء والأسـل


وأما الواقدي فزعم أن غزوة السويق كانت في ذي القعدة من سنة اثنتين من الهجرة. قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من أصحابه من المهاجرين والأنصار. ثم ذكر من قصة أبي سفيان نحواً مما ذكره ابن إسحاق، غير أنه قال: فمر - يعنى أبا سفيان - بالعريض، برجل معه أجير له يقال له معبد بن عمرو، فقتلهما وحرق أبياتاً هناك وتبناً، ورأى أن يمينه قد حلت، وجاء الصريخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستنفر الناس، فخرجوا في أثره فأعجزهم. قال: وكان أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب الدقيق ويتخففون، وكان ذلك عامة زادهم؛ فلذلك سميت غزوة السويق.

وقال الواقدي: واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة ابن عبد المنذر.

قال أبو جعفر: ومات في هذه السنة - أعنى سنة اثنتين من الهجرة - في ذي الحجة عثمان بن مظعون، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وجعل عند رأسه حجراً علامة لقبره.

وقيل: إن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولد في هذه السنة.

قال أبو جعفر: وأما الواقدي، فإنه زعم أن ابن أبي سبرة حدثه عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر، أن علي بن أبي طالب عليه السلام بنى بفاطمة عليها السلام في ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً.

قال أبو جعفر: فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الأول باطل.

وقيل: إن هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل فكان معلقاً بسيفه.