غزوة حمراء الأسد

وكان رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم السبت؛ وذلك يوم الوقعة بأحد؛ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، قال: كان يوم أحد يوم السبت؛ للنصف من شوال؛ فلما كان الغد من يوم أحد - وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال - أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو؛ وأذن مؤذنه: ألا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع، وقال لي: يا بني؛ إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي؛ فتخلف على أخواتك. فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج معه، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم؛ ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان، أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أحداً، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين؛ فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل؛ فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنت أيسر جرحاً منه - فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة؛ حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى حمراء الأسد؛ وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثاً: الاثنين، والثلاثاء ، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة.

وقد مر به - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - معبدٌ الخزاعي، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عليه شيئاً كان بها - ومعبد يومئذ مشرك - فقال: يا محمد؛ أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك؛ ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم ! ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد؛ حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم؛ لنكرن على بقيتهم؛ فلفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبداً، قال ما وراءك يا معبد ؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمعٍ لم أر مثله قط يتحرمون عليكم تحرماً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك ما تقول ! قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم، قال: فإني أنهاك عن ذلك، فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتاً من شعر، قال: وماذا قلت ؟ قال: قلت:

كادت تهد من الأصوات راحلتي                 إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسدٍ كـرام لا تـنـابـلةٍ                     عند اللقاء ولا خرقٍ معـازيل
فظلت عدواً أظن الأرض مائلةً                   لما سموا برئيس غير مخـذول
فقلت ويل ابن حربٍ من لقائكـم               إذا تغطمطت البطحاء بالجيل !
إني نذيرٌ لأهل البسل ضـاحـيةً                لكل ذي إربةٍ منهم ومعـقـول
من جيش أحمد لا وخشٍ قنابلـه             وليس يوصف ما أنذرت بالقيل

قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر به ركبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون ؟ قالوا: نريد المدينة، قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم إبلكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا: نعم، قال: فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه، لنستأصل بقيتهم. فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: حسبنا الله ونعم الوكيل ! قال أبو جعفر: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد الثالثة؛ فزعم بعض أهل الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظفر في وجهه إلى حمراء الأسد بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وأبي عزة الجمحي؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف على المدينة حين خرج إلى حمراء الأسد ابن أم مكتوم.

وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث من الهجرة - ولد الحسن بن علي بن أبي طالب في النصف من شهر رمضان.

وفيها علقت فاطمة بالحسين صلوات الله عليهما. وقيل: لم يكن بين ولادتها الحسن وحملها بالحسين إلا خمسون ليلة.

وفيها حملت - فيما قيل - جميلة بنت عبد الله بن أبي بعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر في شوال.