غزوة ذات الرقاع

واختلف في التي كانت بعد غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير من غزواته، فقال ابن إسحاق في ذلك، ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع، وبعض شهر جمادى. ثم غزا نجداً - يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان - حتى نزل نخلاً، وهي غزوة ذات الرقاع؛ فلقى بها جمعاً من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب؛ وقد خاف الناس بعضهم بعضاً، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين صلاة الخوف، ثم انصرف بالمسلمين.

وأما الواقدي؛ فإنه زعم أن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع، كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة. قال: وإنما سميت ذات الرقاع؛ لأن الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة؛ فسميت الغزوة بذلك الجبل. قال: واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على المدينة عثمان بن عفان.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد - يعني ابن عبد الرحمن - عن عروة بن الزبير، عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد، حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل، لقى جمعاً من غطفان؛ فلم يكن بيننا قتال؛ إلا أن الناس قد خاوفهم، ونزلت صلاة الخوف، فصدع أصحابه صدعين، فقامت طائفة مواجهة العدو، وقامت طائفة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبروا جميعاً، ثم ركع بمن خلفه، وسجد بهم، فلما قاموا مشوا القهقري إلى مصاف اصحابهم، ورجع الآخرون، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم قاموا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وجلسوا، ورجع الذين كانوا مواجهين العدو، فصلوا الركعة الثانية، فجلسوا جميعاً، فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام، فسلم عليهم.

قال أبو جعفر: وقد اختلفت الرواية في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة ببطن نخل اختلافاً متفاوتاً، كرهت ذكره في هذا الموضع خشية إطالة الكتاب، وسأذكره إن شاء الله في كتابنا المسمى " بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام " في كتاب صلاة الخوف منه.

وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قنادة، عن سليمان اليشكري، أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة: أي يوم أنزل، أو في أي يوم هو ؟ فقال جابر: انطلقنا نتلقى عير قريش آتية من الشام؛ حتى إذا كنا بنخل جاء رجلٌ من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، قال: نعم، قال: هل تخافني ؟ قال لا، قال: فمن يمنعك مني ؟ قال: الله يمنعني منك، قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده. ثم نادى بالرحيل وأخذ السلاح. ثم نودي بالصلاة، فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم، وطائفة أخرى تحرسهم، فصلى بالذين يلونه ركعتين، ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم ، فقاموا في مصاف أصحابهم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، والآخرون يحرسونهم. ثم سلم، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتين ركعتين؛ فيومئذ أنزل الله عز وجل في إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال حدثني محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ أن رجلاً من بنى محارب يقال له فلان بن الحارث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمداً ؟ قالوا: نعم، وكيف تقتله ؟ قال: أفتك به. فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا ! قال :، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه ويهم به، فيكبته الله عز وجل.

ثم قال: يا محمد، أما تخافني ؟ قال: لا، وما أخاف منك ؟ قال: أما تخافني وفي يدى السيف ؟ قال: لا، يمنعني الله منك ! قال: ثم غمد السيف، فرده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: " يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم " .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل، فأصاب رجل من المسلمين امرأة من المشركين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً أتى زوجها وكان غائباً، فلما أخبر الخبر، حلف ألا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد دماً، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ؟ فانتدب رجلٌ من المهاجرين ورجلٌ من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: فكونا بفم الشعب - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا الشعب، من بطن الوادي - فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري: للمهاجري؛ أي الليل تحب أن أكفيكه ؟ أوله أو آخره ؟ قال: بلى اكفني أوله؛ فاضجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلي، وأتى زوج المرأة، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم، فرمى بسهم فوضعه فيه فنزعه، فوضعه وثبت قائماً يصلي. ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، فنزعه، فوضعه وثبت قائماً يصلي، ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه، فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبه، فقال: اجلس، فقد أتيت. قال: فوثب المهاجري، فلما رآهما الرجل، عرف أنهم قد نذروا به؛ ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله ! أفلا، أهببتني أول ما رماك ! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها؛ فلما تتابع على الرمي ركعت فآذنتك، وايم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها.