قدوم وفد الأزد

وفيها قدم وفد الأزد، رأسهم صرد بن عبد الله في بضعة عشر. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد ابن عبد الله الأزدي فأسلم فحسن إسلامه، في وفد من الأزد، فأمره رسول الله على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته المشركين من قبائل اليمن، فخرج صرد بن عبد الله يسير بأمر رسول الله في جيش حتى نزل بجرش؛ وهي يومئذ مدينة مغلقة، وفيها قبائل اليمن، وقد ضوت إليهم خثعم، فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين، فحاصروهم بها قريباً من شهر، وامتنعوا منهم فيها. ثم إنه رجع عنهم قافلاً؛ حتى إذا كان إلى جبل يقال له كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزماً؛ فخرجوا في طلبه؛ حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلاً؛ وقد كان أهل جرش قد بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة يرتادان وينظران؛ فبيناهما عند رسول الله عشية بعد العصر، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأي بلاد الله شكر؟ فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله؛ ببلادنا جبل يقال له جبل كثر؛ وكذلك تسميه أهل جرش، فقال: إنه ليس بكشر؛ ولكنه شكر قالا: فما له يا رسول الله؟ قال: إن بدن الله لتنحر عنده الآن. قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان، فقال لهما: ويحكما! إن رسول الله الآن لينعي لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال: اللهم ارفع عنهم؛ فخرجا من عند رسول الله راجعين إلى قومهما، فوجدا قومهما أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال؛ وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر؛ فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، وللراحلة، وللمثيرة تثير الحرث؛ فمن رعاها من الناس سوى ذلك فما له سحت، فقال رجل من الأزد في تلك الغزوة- وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية وكانوا يغزون في الشهر الحرام:

يا غزوة ما غزونا غير خـائبة                فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حميراً في مصانعهـا           وجمع خثعم قد ساغت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحملـه              فما أبالي أدانوا بعد أم كفـروا!

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن قال: وفيها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن في رمضان. فحدثنا أبو كريب ومحمد بن عمرو بن هياج، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأزجي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فكنت فيمن سار معه؛ فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، فإن أراد أحد ممن كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه تركه.

قال البراء: فكنت فيمن عقب معه؛ فلما انتهينا إلى أوائل اليمن، بلغ الفوم الخبر، فجمعوا له، فصلى بنا على الفجر، فلما فرغ صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ كتابه خر ساجداً، ثم جلس، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان! ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام.

قدوم وفد زبيد

قال أبو جعفر: وفيها قدم وفد زبيد على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معد يكرب في أناس من بني زبيد، فأسلم، وكان عمرو بن معد يكرب قد قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس؛ إنك سيد قومك اليوم؛ وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول، إني نبي؛ فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه؛ فإن كان نبياً كما يقول؛ فإنه لا يخفى عليك. إذا لقيناه اتبعناه ؛ وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فأبى عليه ذلك قيس بن مكشوح وسفه رأيه.

فركب عمرو بن معد يكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقه وآمن به؛ فلما بلغ ذلك قيساً أوعد عمراً، وتحفظ عليه ، وقال: خالفني وترك رأيي! فقال عمرو في ذلك:

أمرتك يوم ذي صنـعـا              ء أمـراً بـادياً رشـده
أمرتك بـاتـقـاء الـل                 ه والمعروف تاتـعـده
خرجت من المنى مثل ال      حمـار أعـاره وتـده
تمنانـي عـلـى فـرس            عليه جـالـسـاً أسـده
على مفاضة كـالـنـه              ى أخلص مـاءه جـدده
ترد الرمح مـثـنـى ال             سنان عوائراً قـصـده
فلو لا قـيتـنـي لاقـي            ت ليثاً فـوقـه لـبـده
تلاقي شنبثـاً شـثـن ال        براثن نـاشـزاً كـتـده
يسامي القـرن إن قـرن          تيممـه فـيعـتـضـده
فيأخـذه فـيرفـعــه                 فيخفضه فيقـتـصـده
فيدمغـه فـيحـطـمـه               فيخضـمـه فـيزد رده
ظلوم الشرك فيمـا أحـد        رزت أنـيابـــه ويده
متى ما يغـد أو يغـدى           به فـقـبـولـه بـرده
فيخطر مثل خطر الفـح        ل فوق جرانـه زبـده
فأمسى يعتـريه مـن ال       بعوض ممنعـاً بـلـده
فلا تتمنـنـى وتـمـن           غيري لـينـاً كـتــده
وبـوئنـىلـه وطـنـاً             كثـيراً حـولـه عـدده

قال: فأقام عمرو بن معد يكرب في قومه من بني زبيد؛ وعليهم فروة ابن مسيك المرادي، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو فقال حين ارتد:

وجدنا ملك فروة شر مـلـك            حماراً ساف منخره بـقـذر
وكنت إذا رأيت أبا عـمـير               ترى الحولاء من خبث وغدر

قدوم فروة بن مسيك المرادي وقد كان قدم على رسول الله في هذه السنة- أعني سنة عشر- قبل قدوم عمرو ابن معد يكرب، فروة بن مسيك المرادي مفارقاً لملوك كنده. فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال: قدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ، ومعانداً لهم ؛ وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ؛ حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له الرزم ؛ وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك ، ففضحهم يومئذ ، وفي ذلك يقول فروة بن مسيك :

فإن نغلب فغلابون قـدمـاً               وإن نهزم فغير مهزمينـا
وإن نقتل فلا جبن ولـكـن              منايانا وطعـمة آخـرينـا
كذاك الدهر دولته سـجـال              تكر صروفه حيناً فحـينـا
فبيناه يسـر بـه ويرضـى                 ولو لبست غضارته سنينـا
إذ انقلبت به كـرات دهـر                فألقى للأولى غبطوا طحينا
ومن يغبط بريب الدهر منهم            يجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذاً خلـدنـا               ولو بقي الكرام إذا بقـينـا
فأفني ذا كم سروات قومي              كما أفني القرون الأولينـا
ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة قال :

لما رأيت ملوك كندة أعرضـت             كالرجل خان الرجل عرق نسائها
يممت راحلتـي أؤم مـحـمـداً              أرجو فواضلها وحسن ثـرائهـا

قال : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله - فيما بلغني -: يا فروة ، هل ساءك ما أصاب قومك يومك يوم الرزم ؟ فقال : يا رسول الله ، ومن ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الرزم ؛ لا يسوءه ذلك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً . فاستعمله رسول الله على مراد وزبيد ومذحج كلها ؛ وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة ، وكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، قال : أخبرنا مجالد ، قال : حدثنا عامر ، عن فروة بن مسيك ، قال : قال رسول الله : أكرهت يومك ويوم همدان ؟ فقلت : إي والله ! أفنى الأهل والعشيرة ؛ فقال : أما إنه خير لمن بقي .

قدوم الجارود في وفد عبد القيس وفيها قدم وفد عبد القيس ، فحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلي ، أخو عبد القيس في وفد عبد القيس وكان نصرانياً .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن الحسن ، قال : لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه ؛ فعرض عليه الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه ، فقال : يا محمد ، إني قد كنت على دين ؛ وإني تارك ديني لدينك ؛ فتضمن لي ديني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه . قال : فأسلم وأسلم معه أصحابه ، ثم سألوا رسول الله الحملان ؛ فقال : والله ما عندي ما أحملكم عليه ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس ؛ أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : إياكم وإياها ؛ فإنما ذلك حرق النار . قال : فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه - وكان حسن الإسلام صلباً على دينه - حتى هلك ؛ وقد أدرك الردة ، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور ، المنذر ابن النعمان بن المنذر ، أقام الجارود فشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام ، فقال : يأيها الناس ؛ إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنهى من لم يشهد .

وقد كان رسول الله بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوي العبدي ، فأسلم فحسن إسلامه ؛ ثم هلك بعد وفاة رسول الله ، وقبل ردة أهل البحرين ، والعلاء أمير عنده لرسول الله على البحرين .

قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة وفيها قدم وفد بني حنيفة ؛ حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ؛ فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب ، فكان منزلهم في دار ابنة الحارث ؛ امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني بعض علمائنا من أهل المدينة ، أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله جالس في أصحابه ، ومعه عسيب من سعف النخل ، في رأسه خوصات ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله : لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك ! حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ؛ عن شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة ، قال : كان حديث مسيلمة على غير هذا ؛ زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم ؛ فلما أسلموا ذكروا له مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ؛ إنا قد خلفنا صاحباً لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا . قال : فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم ؛ وقال : أما إنه ليس بشركم مكاناً ، يحفظ ضيعة أصحابه ؛ وذلك الذي يريد رسول الله . قال : ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله ؛ فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال : إني قد أشركت في الأمر معه ، وقال لوفده : ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني : ((أما إنه ليس بشركم مكاناً)) ! ما ذلك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت معه ؛ ثم جعل يسجع السجعات ، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن : ((لقد أنعم الله على الحبلي ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق محشى)) ، ووضع عنهم الصلاة ؛ وأحل لهم الخمر والزنا ، ونحو ذلك . فشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي ، فأصفقت بنو حنيفة على ذلك ، فالله أعلم أي ذلك كان .

قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة قال أبو جعفر : وفيها وفد كندة ؛ رأسهم الأشعث بن قيس الكندي ؛ فحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ابن شهاب الزهري ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث ابن قيس في ستين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله مسجده ، وقد رجلوا جممهم ، وتكحلوا ، عليهم جبب الحبرة ؛ قد كففوها بالحرير ؛ فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى ، قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها فألقوه ، ثم قال الأشعث : يا رسول الله ؛ نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، فتبسم رسول الله ، ثم قال : ناسبوا بهذا النسب العباس ابن عبد المطلب وربيعة بن الحارث . قال : وكان ربيعة والعباس تاجرين ؛ فكانا إذا ساحا في أرض العرب فسئى من هما ؟ قالا : نحن بنو آكل المرار ؛ يتعززان بذلك ؛ وذلك أن كندة كانت ملوكاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ، ولا ننتفي من أبينا . فقال الأشعث بن قيس : هل عرفتم يا معشر كندة ! والله لا أسمع رجلاً قالها بعد اليوم إلا ضربته حده ثمانين .

قال الواقدي : وفيها قدم وفد محارب وفيها قدم وفد الرهاويين .

وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران ، فكتب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصلح .

قال : وفيها قدم وفد عبس .

وفيها قدم وفد صدف ، وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .

قال : وفيها قدم عدي بن حاتم الطائي ، في شعبان .

وفيها مات أبو عامر الراهب عند هرقل ، فاختلف كنانة بن عبد ياليل وعلقمة بن علاثة في ميراثه ، فقضى به لكنانة بن عبد ياليل . قال : هما من أهل المدر ، وأنت من أهل الوبر .

قدوم رفاعة بن زيد الجذامي قال : وفيها قدم وفد خولان ، وهم عشرة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيبي ؛ فأهدى لرسول الله غلاماً ، وأسلم فحسن إسلامه ، وكتب له رسول الله إلى قومه كتاباً ، في كتابه : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد ؛ إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم ، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله ؛ فمن أقبل فمن حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين. فلما قدم رفاعة على قومه ، أجابوا وأسلموا، ثم ساروا إلى الحره؛ حرة الرجلاء فنزلوها .

فحدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن رجال من جذام كانوا بها علماء، أن رفاعة بن زيد، لما قدم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له، لم يلبث أن أقبل دحيه بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم، حين بعثه رسول الله ومعه تجارة له؛ حتى إذا كان بواد من أوديتها، يقال له: شنار؛ أغار على دحية الهنيد بن عوض وابنه عوص بن الهنيد ، الضليعيان - والضليع بطن من جذام - فأصابا كل شيء كان معه؛ فبلغ ذلك نفراً من بني الضبيب قوم رفاعة ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضليعي ، فقال : أنا ابن لبنى ؛ ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته ، فقال حين أصابه : خذها وأنا ابن لبنى - وكانت له أم تدعى لبنى - قال : وقد كان حسان بن ملة الضبيبي قد صحب دحية بن خليفة الكلبي قبل ذلك ؛ فعلمه أم الكتاب ؛ فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه عوص ، فردوه على دحية ؛ فسار دحية حتى قدم على رسول الله ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ؛ فبعث إليهم رسول الله زيد بن حارثة - وذلك الذي هاج غزوة زيد جذاماً ، وبعث معه جيشاً - وقد وجهت غطفان من جذام كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله ؛ فنزلوا بالحرة ؛ حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ولم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب وسائر بني الضبيب بواد من ناحية الحرة مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ؛ فأغار بالفضافض من قبل الحرة ، وجمعوا ما وجدوا من مال وأناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ، ورجلاً من بني خصيب ؛ فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ، ركب حسان بن ملة على فرس لسويد بن زيد يقال لها العجاجة ، وأنيف بن ملة على فرس لملة ، يقال لها رغال ، وأبو زيد بن عمرو على فرس له يقال لها شمر ؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد لأنيف بن ملة : كف عنا وانصرف ؛ فإنا نخشى لسانك ، فانصرف فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه ؛ فجعل فرسه تبحث بيدها وتوثب ؛ فقال : لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ؛ فأرخى لها حتى أدركهما ؛ فقالا له : أما إذ فعلت ما فعلت ، فكف عنا لسانك ولا تشأمنا اليوم ، وتواطئوا ألا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ؛ وكانت بينهم كلمة في الجاهلية ؛ قد عرفوها ؛ بعضهم من بعض ؛ إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال : "ثوري" .

فلما برزوا على الجيش أقبل القوم يبتدرونهم ؛ فقال حسان : إنا قوم مسلمون ؛ وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم بائع رمحه يقول معرضه : كأنما ركزه على منسج فرسه جد وأعتق ؛ فأقبل يسوقهم ، فقال أنيف : "ثوري" ، فقال حسان : مهلاً ! فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال له حسان : إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد : فاقرأ أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة : نادوا في الجيش ، إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر ؛ و إذا أخت لحسان ابن ملة - وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب - في الأساري . فقال له زيد : خذها ، فأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضليعية : أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ! فقال أحد بني خصيب : إنها بنو الضبيب ! وسحرت ألسنتهم سائر اليوم ؛ فسمعها بعض الجيش ؛ فأخبر بها زيد بن حارثة ؛ فأمر بأخت حسان ؛ ففكت يداها من حقويه ، فقال لها : اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه ؛ فرجعوا ؛ ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه ، فأمسوا في أهليهم ؛ واستعتموا ذوداً لسويد بن زيد ؛ فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ؛ وكان ممن ركب إلى رفاعة تلك الليلة أبو زيد بن عمرو وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن عمرو ، ومخرية بن عدي ، وأنيف بن ملة ، حسان بن ملة ؛ حتى صبحوا رفاعة ابن زيد بكراع ربة بظهر الحرة على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة : إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام يجررن أساري قد غرها كتابك الذي جئت به ! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ؛ فجعل يشكل عليه رحله ؛ وهو يقول : هل أنت حي أو تنادي حيا ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ؛ فلما دخلوا انتهوا إلى المسجد ، ونظر إليه رجل من الناس ، فقال لهم : لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنها وهن قيام ؛ فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ، ألاح إليهم بيده : أن تعالوا من وراء الناس ؛ فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق قام رجل من الناس ، فقال : إن هؤلاء يا نبي الله قوم سحرة ؛ فرددها مرتين ؛ فقال رفاعة : رحم الله من لم يجزنا في يومنا هذا إلا خيراً ! ثم دفع رفاعة كتابه إلى رسول الله الذي كان كتبه له ، فقال : دونك يا رسول الله قديماً كتابه ، حديثاً غدره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ يا غلام وأعلن ؛ فلما قرأ كتابهم واستخبرهم فأخبروه الخبر ، قال رسول الله : كيف أصنع بالقتلى ؟ ثلاث مرات ؛ فقال رفاعة : أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ، ولا نحل لك حراماً ؛ فقال أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حياً ، ومن كان قد قتل فهو تحت قدمي هاتين . فقال رسول الله : صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي ، فقال علي : يا رسول الله ؛ إن زيداً لن يطيعني ، قال : خذ سيفي ، فأعطاه سيفه ، فقال علي : ليس لي راحلة يا رسول الله أركبها ، فحمله رسول الله على جمل لثعلبة بن عمرو ، يقال له المكحال ؛ فخرجوا ، فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها الشمر ؛ فأنزلوا عنها ، فقال : يا علي ما شأني ؟ فقال له علي : ما لهم عرفوه فأخذوه . ثم ساروا حتى لقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم من أموالهم ؛ حتى كانوا ينزعون لبد المرأة من تحت الرحل وفد بني عامر بن صعصعة حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر ؛ فيهم عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس بن مالك بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ؛ وكان هؤلاء الثلاثة رءوس القوم وشياطينهم .

فقدم عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به ؛ وقد قال له قومه : يا عامر ؛ إن الناس قد أسلموا فأسلم ؛ قال : والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ؛ أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ! ثم قال لأريد : إذا قدمت على الرجل فإني شاغل عنك وجهه ؛ فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف ؛ فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني ؛ قال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده ، قال : يا محمد خالني ، قال : وجعل يكلمه فينتظر من أربد ما كان أمره به ، فجعل أربد لا يحير شيئاً ، فلما رأى عامر ما يصنع أربد ، قال : يا محمد خالني ، قال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له . فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً حمراً ورجالاً ، فلما ولى قال رسول الله : اللهم اكفنى عامر بن الطفيل ، فلما خرجوا من عند رسول الله قال عامر لأربد : ويلك يا أربد ! أين ما كنت أوصيتك به ! والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف على نفسي عندي منك ، وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً . قال : لا تعجل علي لا أبا لك ! والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك ، أفأضربك بالسيف ! قال عامر بن الطفيل :

بعث الرسول بما ترى فكأنما              عمداً نسن على المقانب غارا
ولقد وردن بنا المدينة شزبـاً               ولقد قتلن بجوها الأنصـارا

وخرجوا راجعين إلى بلادهم ؛ حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله ؛ وإنه في بيت امرأة من بني سلول ؛ فجعل يقول : يا بني عامر ؛ أغدة كغدة البكر ؛ وموت في بيت امرأة من بني سلول ! ثم خرج أصحابه حين واووه ؛ حتى قدموا أرض بني عامر ؛ فلما قدموا أتاهم قومهم ، فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ قال : لا شيء ؛ والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بنبلي هذه حتى أقتله ؛ فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين ، معه جمل له يبيعه ؛ فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما . وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه .

قدوم زيد الخيل في وفد طيئ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ؛ فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فلما انتهوا إليه كلموه ؛ وعرض عليهم رسول الله الإسلام فأسلموا فحسن إسلامهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن رجال من طيئ : (( ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد الخيل ؛ فإنه لم يبلغ فيه كل ما فيه )) . ثم سماه زيد الخير ؛ وقطع له فيداً وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك . فخرج من عند رسول الله راجعاً إلى قومه ، فقال رسول الله : إن ينج زيد من حمى المدينة ! سماها رسول الله باسم غير الحمى وغير أم ملدم فلم يثبته - فلما انتهى من بلاد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى ؛ فمات بها ، فلما أحس زيد بالموت قال :

أمر تحل قومي المشارق غدوة          وأترك في بيت بفردة منجـد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني             عوائد من لم يبر منهن يجهـد

فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معها من كتبه التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار .

كتاب مسيلمة إلى رسول الله والجواب عنه وفي هذه السنة كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى أنه أشرك معه في النبوة . حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ؛ عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : كان مسيلمة بن حبيب الكذاب كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله . سلام عليك ؛ فإني قد أشركت في الأمر معك ؛ وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون .

فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن شيخ من أشجع قال ابن حميد : أما علي بن مجاهد فيقول : عن أبي مالك الأشجعي ، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، عن أبيه نعيم - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرآ كتاب مسيلمة: فما تقولان أنتما ؟ قالا : نقول كما قال ؛ فقال : أما والله لولا أم الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما .

ثم كتب إلى مسيلمة : بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . سلام على من اتبع الهدى ؛ أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . قال : وكان ذلك في آخر سنة عشر .

قال أبو جعفر : وقد قيل : إن دعوى مسيلمة ومن ادعى النبوة من الكذابين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما كانت بعد انصراف النبي من حجه المسمى حجة الوداع ؛ ومرضته التي مرضها التي كانت منها وفاته صلى الله عليه وسلم . حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري ، قال : حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال : حدثني سيف بن عمر - وكتب بذلك إلى السري يقول : حدثنا شعيب ابن إبراهيم التميمي ، عن سيف بن عمر التميمي الأسيدي - قال : حدثنا عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجذع الأنصاري ، عن عبيد مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي مويهبة مولي رسول الله ، قال : لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام ، فتحلل به السير ، وطارت به الأخبار لتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قد اشتكى ؛ فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة ؛ وجاء الخبر عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب طليحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي ، ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي توفاه الله فيه .

خروج الأمراء والعمال على الصدقات

قال أبو جعفر : وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع البلاد التي دخلها الإسلام عمالاً على الصدقات . فحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات ، على كل ما أوطأ الإسلام من البلدان ؛ فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء ؛ فخرج عليه العنسي وهو بها ، وبعث زياد بن لبيد أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت على صدقتها ، وبعث عدي بن حاتم على الصدقة ؛ صدقة طئ وأسد ، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة ، وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم ، وبعث العلاء بن الحضرمي على البحرين ، وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ، ويقدم عليه بجزيتهم ..