ثم دخلت سنة إحدى عشرة

ذكر الأحداث التي كانت فيها

قال أبو جعفر : ثم ضرب في المحرم من سنة إحدى عشرة على الناس بعثاً إلى الشأم ، وأمر عليهم مولاه وابن مولاه أسامة بن زيد بن حارثة ، وأمره - فيما حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عباس بن أبي ربيعة - أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون .

فينا الناس على ذلك ابتدئ صلى الله عليه وسلم شكواه التي قبضه الله عز وجل فيها إلى ما أراد به رحمته وكرامته في ليال بقين من ضفر ، أو في أول شهر ربيع الأول .

حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري ، قال : حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد بن ثابت ابن الجزع الأنصاري ، عن عبيد بن حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله ، قال : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام ، فتحلل به السير ، وضرب على الناس بعثاً ، وأمر عليهم أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ من آبل الزيت من مشارف الشأم الأرض بالأردن ، فقال المنافقون في ذلك ، ورد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم : "إنه لخليق لها - أي حقيق بالإمارة - وإن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل ؛ وإن كان لخليقاً لها". فطارت الأخبار بتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم أن النبي قد اشتكى ، فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة ؛ وجاء الخبر عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم . ثم وثب طليحة في بلاد أسد بعد ما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي قبضه الله تعالى فيه .

حدثنا ابن سعد ، قال : حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قال : أخبرنا سيف ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ؛ قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفاه الله به في عقب المحرم .

وقال الواقدي : بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه لليلتين بقيتا من صفر .

حدثنا عبيد الله بن سعد ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثنا سيف ابن عمر ، قال : حدثنا المستنير بن يزيد النخعي ، عن عروة بن غزية الدثيني ، عن الضحاك بن فيروز بن الديلمى ، عن أبيه ، قال : إن أول ردة كانت في الإسلام باليمن كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي ذي الخمار عبهلة بن كعب - وهو الأسود - في عامة مذحج . خرج بعد الوداع ؛ كان الأسود كاهناً شعبا ذا ، وكان يريهم الأعاجيب ، ويسبى قلوب من سمع منطقه ، وكان أول ما خرج أن خرج من كهف خبان ؛ وهي كانت داره ، وبها ولد ونشأ ؛ فكاتبته مذحج ، وواعدته نجران ؛ فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعد بن العاص وأنزلوه منزلهما ، ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد ، فأجلاه ونزل منزله ؛ فلم ينشب عبهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها ، وكتب بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ونزوله صنعاء ؛ وكان أول خبر وقع به عنه من قبل فروة بن مسيك ، ولحق بفروة من تم على الإسلام من مذحج ، فكانوا باأحسية ، ولم يكاتبه الأسود ولم يرسل إليه ، لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه ، وصفا له ملك اليمن .

حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرني عمي يعقوب ، قال : حدثني سيف ، قال : حدثنا طلحة بن الأعلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة فلم يستتب لوجع رسول الله ولخلع مسيلمة والأسود ؛ وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة ، حتى بلغه ؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس عاصباً رأسه من الصداع لذلك الشأن وانتشاره ، لرؤيا رآها في بيت عائشة : فقال : إني رأيت البارحة - فيما يرى النائم - أن في عضدي سوارين من ذهب ؛ فكرهتهما فنفختهما ، فطارا ، فأولتهما هذين الكذابين - صاحب اليمامة وصاحب اليمن - وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمارة أسامة ! ولعمري لئن قالوا في إمارته ، لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله ! وإن كان أبوه لخليقاً للإمارة ، وإنه لخليق لها ؛ فأنفذوا بعث أسامة . وقال : لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ! فخرج أسامة فضرب بالجرف ؛ وأنشأ الناس في العسكر ، ونجم طليحة وتمهل الناس ، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستتم الأمر ؛ ينظرون أولهم آخرهم ، حتى توفي الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم.

كتب إلى السرى بن يحيى ، يقول : حدثنا شعيب بن إبراهيم التميمي ، عن سيف بن عمر ، قال : حدثنا سعيد بن عبيد أبو يعقوب ، عن أبي ماجد الأسدي ، عن الحضرمي بن عامر الأسدي ، قال : سألته عن أمر طليحة ابن خويلد ؛ فقال : وقع بنا الخبر بوجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بلغنا أن مسيلمة قد غلب على اليمامة ، وأن الأسود قد غلبب على اليمن ؛ فلم يلبث إلا قليلاً حتى ادعى طليحة النبوة ، وعسكر بسميراء ، واتبعه العوام ؛ واستكثف أمره ؛ وبعث حبال ابن أخيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الموادعة ، ويخبره خبره . وقال حبال : إن الذي يأتيه ذو النون ؛ فقال : لقد سمى ملكاً ، فقال حبال : أنا ابن خويلد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قتلك الله وحرمك الشهادة ! وحدثني عبيد الله بن سعد ، قال : أخبرنا عمي يعقوب ، قال : أخبرنا سيف ، قال : وحدثنا سعيد بن عبيد ، عن حريث بن المعلي : أن أول من كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبر طليحة سنان بن أبي سنان ، وكان على بني مالك ؛ وكان قضاعي بن عمرو على بني الحارث .

حدثنا عبيد الله بن سعد ، قال : أخبرنا عمي ، قال : أخبرنا سيف ، قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسل ، قال : فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولاً ، وكتب إليهم أن يحاولوه ، وأمرهم أن يستنجدوا رجالاً - قد سماهم - من بني تميم وقيس ؛ وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم ، ففعلوا ذلك ؛ وانقطعت سبل المرتدة ، وطعنوا في نقصان وأغلقهم ، واشتغلوا في أنفسهم ، فأصيب الأسود في حياة رسول الله، وقبل وفاته بيوم أو بليلة ، ولظ طليحة ومسيلمة وأشباهم بالرسل ؛ ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله عز وجل والذب عن دينه ، فبعث وبربن يحنس إلى فيروز وجشيش الديلمي وداذويه الإصطخري ؛ وبعث جرير بن عبد الله إلى ذي القلاع وذي ظلم ، وبعث الأفرع بن عبد الله الحمير إلى ذي زود وذي مران ، وبعث فرأت بن حيان اعجلي إلى قمامة بن أسال ، وبعث أياد بن حنظل التميمة ثم اعمري إلى قيس بن عاصم والبر قان بن بدر ، وبعث سلسل بن شرحبيل إلى سبرة العنبري ووكيع الدارمي وإلى عمرو بن المحجوب العامري ، وإلى عمرو بن الخفاجي من بني عامر ، وبعث ضرار بن الأزور الأسدي إلى عوف الزرقاني من بني الصيداء وسنان الأسدي ثم الغنمي ، وقضاعي الدئلي ، وبعث نعيم بن مسعود الأشجعي إلى ابن ذي اللحية وابن مشيمصة الجبيري .

وحدثت عن هشام بن محمد ، عن أبي مخنف ، قال : حدثنا الصقعب ابن زهير ، عن فقهاء أهل الحجاز ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع وجعه الذي قبض في آخر صفر في أيام بقين منه ؛ وهو في بيت زينب بنت جحش .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة وعلي بن مجاهد ، عن محمد ابن إسحاق ، عن عبد الله بن عمر بن علي ، عن عبيد ين جبير ، مولي الحكم ابن أبي العاص ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل ، فقال لي : يا أبا مويهبة ، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع ؛ فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال : السلام عليكم أهل المقابر ؛ ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ! أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى . ثم أقبل علي فقال : يا أبا مويهبة ، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، خيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ، فاخترت لقاء ربي والجنة . قال : قلت : يأبي أنت وأمي ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة . فقال : لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنة ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجعه الذي قبض فيه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال :حدثنا محمد ابن إسحاق .

وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا علي بن مجاهد ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع ، فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي ، وأنا أقول : وارأساه ! قال : بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! ثم قال : ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك ، وصليت عليك ، ودفنتك ! فقلت : والله لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك ، قالت : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتتام به وجعه ؛ وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة ، فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي ، فأذن له .

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين من أهله : أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض ، عاصباً رأسه حتى دخل بيتي .

قال عبيد الله : فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس ، فقال : هل تدري من الرجل ؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب . ولكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع.

ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع ؛ فقال : أهريقوا على من سبع قرب من آبار شتى ؛ حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم ، قالت : فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ، ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم ، حسبكم ! .
فحدثني حميد بن الربيع الخراز ، قال : حدثنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن إياس الليثي ؛ ثم الأشجعي ، عن القاسم بن يزيد ، عن عبد الله بن قسيط ، عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن أخيه الفضل بن عباس ، قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إليه فوجدته موعوكاً قد عصب رأسه ، فقال : خذ بيدي يا فضل ، فأخذت بيده ؛ حتى جلس على المنبر ، ثم قال : ناد في الناس . فاجتمعوا إليه ، فقال : أما بعد أيها الناس ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ؛ وإنه قد دنا منى حقوق من بين أظهركم ، فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقيد منه ، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه ؛ ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ، ؛ ألا وإن أحبكم إلى من أخذ مني حقاً إن كان له ، أو حللني فلقيت الله وأنا أطيب النفس ؛ وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً .

قال الفضل : ثم نزل فصلى الظهر ، ثم رجع فجلس على المنبر ، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ؛ إن لي عندك ثلاثة دراهم ، قال : أعطه يا فضل ، فأمرته فجلس . ثم قال : أيها الناس ، من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا ، ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة . فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله ، قال : ولم غللتها ؟ قال : كنت إليها محتاجاً ، قال : خذها منه يا فضل . ثم قال : يأيها الناس ، من خشى من نفسه شيئاً فليقم أدع له . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إني لكذاب ، إني لفاحش ، وإني لنؤوم ؛ فقال : اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً ، وأذهب عنه النوم إذا أراد . ثم قام رجل فقال : والله يا رسول ا لله ، إني لكذاب وإني لمنافق ، وما شيء - أو إن شيء - إلا قد جنيته . فقام عمر بن الخطاب ، فقال : فضحت نفسك أيها الرجل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا بن الخطاب ، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً وصير أمره إلى خير .

فقال عمر كلمة . فضحك رسول الله ، ثم قال : عمر معي وأنا مع عمر ، والحق بعدي مع عمر حيث كان .

حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن أيوب بن بشير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصباً رأسه ؛ حتى جلس على المنبر ؛ ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ؛ وأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله . قال : ففهمها أبو بكر ، وعلم أن نفسه يريد ؛ فبكى ، وقال : بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال : على رسلك يا أبا بكر ! انظروا هذه الأبواب الشوارع اللافظة في المسجد فسدوها ؛ إلا ما كان من بيت أبي بكر ؛ فإني لا أعلم أحداً كان أفضل عندي في الصحبة يداً منه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلي ، أن رسول الله قال يومئذ في كلامه هذا : فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ؛ ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده .

وحدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثني عمي عبد الله ابن وهب ، قال : حدثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على المنبر ، فقال : إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء ، وبين ما عند الله ؛ فاختار ما عند الله ؛ فبكى أبو بكر ثم قال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ! قال : فتعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله عن عبد يخير ، ويقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ! قال : فكان رسول الله هو المخير ؛ وكان أبو بكر أعلمنا به ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر ؛ ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ؛ ولكن أخوة الإسلام ؛ لا تبق خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر .

حدثني محمد بن عمر بن الصباح الهمداني ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا مسلم بن جعفر البجلي ، قال : سمعت عبد الملك ابن الأصبهاني عن خلاد الأسدي ، قال : قال عبد الله بن مسعود : نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ؛ فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة ، فنظر إلينا وشدد ، فدمعت عينه ، وقال : مرحباً بكم ! رحمكم الله ! آواكم الله ! حفظكم الله ! رفعكم الله ! نفعكم الله ! وفقكم الله ! نصركم الله ! سلمكم الله ! رحمكم الله ! قبلكم الله ! أوصيكم بتقوى الله ، وأوصي الله بكم ، وأستخلفه عليكم ، وأؤديكم إليه ؛ إني لكم نذير وبشير ، لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ؛ فإنه قال لي ولكم : "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين" . وقال : "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" . فقلنا : متى أجلك ؟ قال : قد دنا الفراق ، والمنقلب إلى الله ، وإلى سدرة المنتهى . قلنا : فمن يغسلك يا نبي الله ؟ قال : أهلي الأدنى فالأدنى ، قلنا : ففيم نكفنك يا نبي الله ؟ قال : في ثيابي هذه إن شئتم ؛ أو في بياض مصر ، أو حلة يمانية ، قلنا : فمن يصلي عليك يا نبي الله ؟ قال : مهلاً غفر الله لكم ، وجزاكم عن نبيكم خيراً ! فبكينا وبكى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : إذا غسلموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا ، على شفير قبري ، ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول من يصلي على جليسي وخليلي جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل ، ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ، ثم ادخلوا على فوجاً فوجاً ، فصلوا علي وسلموا تسليماً ، ولا تؤذوني بتزكية ولا برنة ولا صيحة ، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتي ، ثم نساؤهم ، ثم أنتم بعد . أفرئوا أنفسكم مني السلام ؛ فإني أشهدكم أني قد سلمت على من بايعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة . قلنا : فمن يدخلك في قبرك يا نبي الله ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم .

حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان ابن أبي مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعه ، فقال : ائتوني أكتب كتاباً لا تضلوا بعدي أبداً . فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي أن يتنازع - فقالوا : ما شأنه ؟ أهجر ! استفهموه ؛ فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ؛ وأوصي بثلاث ؛ قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم ؛ وسكت عن الثالثة عمداً - أو قال : فنسيتها .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يوم الخميس ! ثم ذكر نحو حديث أحمد بن حماد ، غير أنه قال : ولا ينبغي عند نبي أن ينازع .

حدثنا أبو كريب وصالح بن سمال ، قال : حدثنا وكيع ، عن مالك ابن مغول ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! قال : ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتوني باللوح والدواة - أو بالكتف والدواة - أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده . قال : قالوا : إن رسول الله يهجر .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثني عمي عبد الله ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الله ابن كعب بن مالك ؛ أن ابن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئاً ، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب ، فقال : ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا ! وإني أرى رسول الله سيتوفي في وجعه هذا ؛ وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت ؛ فاذهب إلى رسول الله فسله فيمن يكون هذا الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا . قال علي : والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبداً ؛ والله لا أسألها رسول الله أبداً .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : خرج يومئذ علي بن أبي طالب على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ؛ غير أنه قال في حديثه : أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ؛ فانطلق بنا إلى رسول الله ؛ فإن كان هذا الأمر فينا علمنا ، وإن كان في غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس ؛ وزاد فيه أيضاً : فتوفى رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم .

حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدثنا أبي ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفرغوا على من سبع قرب من سبع آبار شتى ، لعلى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم .

قال محمد ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : : فصببنا عليه من سبع قرب ، فوجد راحة ، فخرج فصلى بالناس ، وخطبهم ، واستغفر للشهداء من أصحاب أحد ، ثم أوصى بالأنصار خيراً ، فقال : أما بعد يا معشر المهاجرين ، إنكم قد أصبحتم تزيدون ، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التي هي عليها اليوم ، والأنصار عيبتي التي أويت إليها ، فأكرموا كريمهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم . ثم قال : إن عبداً من عباد الله قد خير بين ما عند الله وبين الدنيا فاختار ما عند الله ؛ فلم يفقهها إلا أبو بكر ؛ ظن أنه يريد نفسه ، فبكى ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلك يا أبا بكر ! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر ؛ فإني لا أعلم امرأً أفضل يداً في الصحابة من أبي بكر .

حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ، عن عائشة ، قالت : لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، فقال : لا تلدوني ! فقلنا : كراهية المريض الدواء . فلما أفاق قال : لا يبقى منكم أحد إلا لد ؛ غير العباس فإنه لم يشهد كم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في حديثه الذي ذكرناه عنه ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل بيته ، وتتام به وجعه حتى غمر ، واجتمع عنده نساء من نسائه : أم سلمة ، وميمونة ، ونساء من نساء المؤمنين ؛ منهن أسماء بنت عميس ، وعنده عمه العباس بن عبد المطلب ، وأجمعوا على أن يلدوه ، فقال العباس : لألدنه ، قال : فلد ، فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من صنع بي هذا ؟ قالوا : يا رسول الله ، عمك العباس ، قال : هذا دواء أتى به نساء من نحو هذه الأرض - وأشار نحو أرض الحبشة - قال : ولم فعلتم ذلك ؟ فقال العباس : خشينا يا رسول الله أن يكون بك وجع ذات الجنب ، فقال : إن ذلك لداء ما كان الله ليعذبني به ، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمى . قال : فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ عقوبة لهم بما صنعوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، أن عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالوا : خشينا أن يكون بك ذات الجنب ، قال : إنها من الشيطان ؛ ولم يكن الله ليسلطها علي.

حدثت عن هشام بن محمد ، عن أبي مخنف ، قال : حدثني الصقعب ابن زهير ، عن فقهاء أهل الحجاز ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقل في وجعه الذي توفي فيه حتى أغمى عليه ؛ فاجتمع إليه نساؤه وابنته وأهل بيته والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وجميعهم ؛ وإن أسماء بنت عميس قالت : ما وجعه هذا إلا ذات الجنب ، فلدوه ، فلددناه ، فلما أفاق ، قال : من فعل بي هذا ؟ قالوا : لدتك أسماء بنت عميس ؛ ظنت أن بك ذات الجنب . قال : أعوذ بالله أن يبليني بذات الجنب ؛ أنا أكرم على الله من ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه أسامة ابن زيد ، قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة ، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت فلا يتكلم ، فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها على ، فعرفت أنه يدعو لي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما أسمعه ، وهو يقول : إن الله عز وجل لم يقبض نبياً حتى يخيره .

حدثنا أبو كيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا يونس بن عمرو ، عن أبيه ، عن الأرقم بن شرحبيل ، قال : سألت ابن عباس : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قلت : فكيف كان ذلك ؟ قال : قال رسول الله : ابعثوا إلى علي فادعوه ، فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ! وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ! فاجتمعوا عنده جميعاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا ، فإن تك لي حاجة أبعث إليكم ؛ فانصرفوا ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آن الصلاة ؟ قيل : نعم ، قال : فأمروا أبا بكر ليصلى بالناس ، فقالت عائشة : إنه رجل رقيق ، فمر عمر ، فقال : مروا عمر ، فقال عمر : ما كنت لأتقدم وأبو بكر شاهد ، فتقدم أبو بكر ، ووجد رسول الله خفة ، فخرج ، فلما سمع أبو بكر حركته تأخر ، فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه ، فأقامه مكانه ، وقعد رسول الله ، فقرأ من حيث انتهى أبو بكر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : و حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : حدثنا الأعمش ، وحدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه ، أذن بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ، فقلت : إن أبا بكر رجل رقيق ، وإنه متى يقوم مقامك لا يطيق ! قال : فقال : مروا أبا بكر يصلى بالناس ، فقلت مثل ذلك ، فغضب ، وقال : إنكن صواحب يوسف - وقال ابن وكيع : "صواحبات يوسف" - مروا أبا بكر يصلى بالناس ، قال : فخرج يهادي بين رجلين وقدماه تخطان في الأرض ؛ فلما دنا من أبي بكر ، تأخر أبو بكر ؛ فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم في مقامك ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى إلى جنب أبي بكر جالساً . قالت : فكان أبو بكر يصلى بصلاة النبي ، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر . اللفظ لحديث عيسى بن عثمان .

حدثت عن الواقدي ، قال : سألت ابن أبي سبرة : كم صلى أبو بكر بالناس ؟ قال : سبع عشرة صلاة ، قلت : من أخبرك ؟ قال أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وحدثنا ابن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن عكرمة ، قال : صلى بهم أبو بكر ثلاثة أيام .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، عن الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن موسى بن سرجس ، عن القاسم ، عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت ، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ، ثم يمسح وجه باماء ثم يقول : اللهم أعني على سكرة الموت ! حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن موسى بن سرجس ، عن القاسم بن محمد عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت . ثم ذكر مثله ؛ إلا أنه قال : أعني على سكرات الموت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، قال : حدثنا أنس بن مالك ، قال : لما كان يوم الاثنين ، اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر ، وفتح الباب ، فخرج رسول الله ؛ حتى قام بباب عائشة ، فكاد المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ؛ فرحا به ، وتفرجوا . فأشار بيده : أن اثبتوا على صلاتكم ، وتبسم رسول الله فرحاً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه نلك الساعة ؛ ثم رجع وانصرف الناس ، وهم يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه ، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ؛ وأبو بكر يصلي بالناس ؛ فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله في ظهره ، وقال : صل بالناس . وجلس رسول الله إلى جنبه ؛ فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ؛ فلما فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس وكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد ؛ يقول : يأيها الناس ، سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ! وإني والله لا تمسكون على شيئاً ؛ إني لم أحل لكم إلا ما أحل لكم القرآن ، ولم أحرم عليكم إلا ما حرم عليكم القرآن . فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه ، قال له أبو بكر : يا بني الله ؛ إني أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب ، واليوم يوم ابنة خارجة ، فآتيها . ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل على رجل من آل بكر في يده سواك أخضر . قالت : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يده نظراً عرفت أنه يريده ، فأخذته فمضغنه حتى ألنته ، ثم أعطيته إياه ؛ قالت : فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله ، ثم وضعه ؛ ووجدت رسول الله يثقل في حجري . قالت : فذهبت أنظر في وجهه ، فإذا نظره قد شخص ، وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة ! قالت : قلت : خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق ! قالت : وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد ، قال حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : سمعت عائشة تقول : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دوري ؛ ولم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهى وحداثة سني أن رسول الله قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ؛ وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي .

ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته قال أبو جعفر : أما اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار فيه أنه كان يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، غير أنه اختلف في أي الأثانين كان موته صلى الله عليه وسلم ؟ فقال بعضهم في ذلك ما حدثت عن هشام بن محمد بن السائب ، عن أبي مخنف ، قال : حدثنا الصقعب بن زهير ، عن فقهاء أهل الحجاز ، قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار يوم الاثنين ، لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول ، وبويع أبو بكر يوم الاثنين في اليوم الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الواقدي : توفي يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، ودفن من الغد نصف النهار حين زاعت الشمس ، وذلك يوم الثلاثاء .

قال أبو جعفر : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح وعمر حاضر . فحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب ، فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي وأن رسول الله والله ما مات ؛ ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ؛ ثم رجع بعد أن قيل قد مات ؛ والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات .

قال : وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وعمر يكلم الناس ؛ فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ؛ ورسول الله مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل حتى كشف عن وجهه ، ثم أقبل عليه فقبله ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ! أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن يصيبك بعدها موتة أبداً . ثم رد الثوب على وجهه ، ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فقال : على رسلك يا عمر ! فأنصت ، فأبى إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ؛ إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ؛ ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . ثم تلا هذه الآية : "وما محمد إلا رسول قد خلت من فبله الرسل...." إلى آخر الآية . قال : فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلاها أبو بكر يومئذ . قال : وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم .

قال أبو هريرة : قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ؛ ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله قد مات .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي معشر زياد بن كليب ، عن أبي أيوب ، عن إبراهيم ، قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر غائباً ، فجاء بعد ثلاث ، ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه ؛ حتى اربد بطنه ؛ فكشف عن وجهه ، وقبل بين عينيه ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ! طبت حياً وطبت ميتاً ! ثم خرج أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات . ثم قرأ : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" . وكان عمر يقول : لم يمت ؛ وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك .

فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : منا الأمراء ومنكم الوزراء .

ثم قال أبو بكر : إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر أو أبا عبيدة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا : أبعث معنا أميناً فقال : لأبعثن معكم أميناً حق أمين ؛ فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ؛ وأنا أرضى لكم أبا عبيدة . فقام عمر ، فقال : أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم ! فبايعه عمر وبايعه الناس ، فقالت الأنصار - أو بعض الأنصار ؛ لا نبايع إلا علياً .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد بن كليب ، قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لأحرقن عليكم أو لنخرجن إلى البيعة . فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه .

حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة ، فجاء فكشف الثوب عن مجهه فقبله ، وقال : فداك أبي وأمي ! ما أطيبك حياً وميتاً ! مات محمد ورب الكعبة ! قال : ثم انطلق إلى المنبر ، فوجد عمر ابن الخطاب قائماً يوعد الناس ، ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يمت ؛ وإنه خارج إلى من أرجف به ، وقاطع أيديهم ، وضارب أعناقهم ، وصالبهم . قال : فنكلم أبو بكر ، قال : أنصت . قال : فأبى عمر أن ينصت ، فتكلم أبو بكر ، وقال : إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : "إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" . "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ..." ؛ حتى ختم الآية ، فمن كان يعبد محمداً فقد مات إلهه الذي كان يعبده ، ومن كان يعبد الله لا شريك له ، فإن الله حي لا يموت .

قال : فخلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ما علمنا أن هاتين الآيتين نزلتا حتى قرأهما أبو بكر يومئذ ؛ إذ جاء رجل يسعى فقال : هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظلة بني ساعدة ، يبايعون رجلاً منهم ، يقولون : منا أمير ومن قريش أمير ، قال : فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتياهم ؛ فأراد عمر أن يتكلم ، فنهاه أبو بكر ، فقال : لا أعصى خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم مرتين .

قال : فتكلم أبو بكر ، فلم يترك شيئاً نزل في الأنصار ، ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره . وقال : لقد علمتم أن رسول الله قال : لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار ، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد : قريش ولاة هذا الأمر ، فبر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم . قال : فقال سعد : صدقت ، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء . قال : فقال عمر : ابسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك ؛ فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر ، فأنت أقوى لها منى . قال : وكان عمر أشد الرجلين ، قال : وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر وقال : إن لك قوتى مع قوتك . قال : فبايع الناس واستثبتوا للبيعة ، وتخلف على والزبير ، واخترط الزبير سيفه ، وقال : لا أغمده حتى يبايع على ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر ، فقال عمر : خذوا سيف الزبير ، فاضربوا به الحجر . قال : فانطلق إليهم عمر ، فجاء بهما تعباً ، وقال : لتبايعان وأنتما طائعان ، أو لتبايعان وأنتما كارهان ?! فبايعا .