حديث السقيفة

حدثني علي بن مسلم ، قال : حدثنا عباد بن عباد ، قال : حدثنا عباد بن راشد ، قال : حدثنا عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف القرآن ، قال : فحج عمر وحججنا معه ، قال : فإني لفي منزل بمنى إذ جاءني عبد الرحمن ابن عوف ، فقال : شهدت أمير المؤمنين اليوم ، وقام إليه رجل فقال : إني سمعت فلاناً يقول : لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً . قال : فقال أمير المؤمنين : إنى لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم . قال : قلت : يا أمير المؤمنين ؛ إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ؛ وإنهم الذين يغلبون على مجلسك ، وإنى لخائف إن قلت اليوم مقالة ألا يعوها ولا يحفظوها ، ولا يضعوها على مواضعها ، وأن يطيروا بها كل مطير ؛ ولكن أمهل حتى تقدم المدينة ، نقدم دار الهجرة والسنة ، وتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار ، فتقول ما قلت متمكناً فيعوا مقالنك ، ويضعوها على مواضعها . فقال : والله لأقومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة .

قال : فلما قدمنا المدينة ، وجاء يوم الجمعة هجرت للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن ؛ فوجدت سعيد بن زيد قد سبقنى بالتهجير ، فجلست إلى جنبه عند المنبر ، ركبتى إلى ركبته ؛ فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج ، فقلت لسعيد وهو مقبل : ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم تقل قبله . فغضب وقال : فأى مقالة يقول لم تقل قبله ! فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذنون ، فلما قضى المؤذن أذانه قام عمر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فإنى أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها ، من وعاها وعقلها وحفظها ، فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ، ومن لم يعها فإنى لا أحل لأحد أن يكذب علي . إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ؛ وكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فرجم رسول الله ورجمنا بعده ، وإنى قد خشيت أن يطول بالناس زمان ، فيقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وقد كنا نقول : لا ترغبوا عن آبائكم ؛ فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم . ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول : لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً ! فلا يغرن امرأً أن يقول : إن بيعة أبى بكر كانت فلتة ؛ فقد كانت كذلك ؛ غير أن الله وقى شرها ؛ وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبى بكر ! وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ، ونخلفت عنا الأبصار بأسرها ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم ؛ فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . قالا : فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم . فقلنا : والله لنأتينهم ، قال : فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة . قال : وإذا بين أظهرهم رجل مزمل ، قال : قلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة ، فقلت : ما شأنه ؟ قالوا : وجع ، فقام رجل منهم ، فحمد الله ، وقال : أما بعد ، فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا ؛ وقد دفت إلينا من قومكم دافة قال : فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر . وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بعض الحد ، وكان هو أوقر منى وأحلم ؛ فلما أردت أن أتكلم ، قال: على رسلك ! فكرهت أن أعصيه ؛ فقام فحمد الله وأثنى عليه ، فما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت ؛ إلا قد جاء به أو بأحسن منه . وقال : أما بعد يا معشر الأنصار ؛ فإنكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهل ؛ وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ؛ وهم أوسط العرب داراً ونسباً ، ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم . فأخذ بيدى وبيد أبي عبيدة بن الجراح . وإني والله ما كرهت من كلامه شيئاً غير هذا الكلمة ؛ إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلى من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر . فلما قضى أبو بكر كلامه ، قام منهم رجل ، فقال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ؛ منا أمير ومنكم أمير ؛ يا معشر قريش .

قال :فارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط ، فلما أشفقت الختلاف ، قلت لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ، وبايعه الأنصار . ثم نزونا على سعد ، حتى قال قائلهم : قتلتم سعد بن عبادة ! فقلت : قتل الله سعداً ! وإنا والله ما وجدنا أمراً هو أقوى من مبايعة أبي بكر ؛ خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما أن نتابعهم على ما نرضى ، أو نخالفهم فيكون فساد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، قال : إن أحد الرجلين اللذين لقوا من ؟ الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة ، عويم بن ساعدة والآخر معن بن عدى ؛ أخو بنى العجلان ، فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنهقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من الذين قال الله لهم : "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ! وأما معن فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله ، وقالوا : والله لوددنا أنا متنا قبله ؛ إنا نخشى أن نفتتن بعده . فقال معن بن عدي : والله ما أحب أنى مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً . فقتل معن يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب .

حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري ، قال : أخبرنا عمي يعقوب بن إبراهيم قال : أخبرني سيف بن عمر ، عن الوليد بن عبد بن أبي ظبية الجلي ، قال : حدثنا الوليد بن جميع الزهري ، قال : قال عمرو بن حرث لسعيد ابن زيد : أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، فال : فمتى بويع أبو بكر ؟ قال : يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة . قال : فخالف عليه أحد ؟ قال : لا إلا مرتد أو من قد كاد أن يرتد ، لولا أن الله عز وجل ينقذهم من الأنصار . قال : فهل قعد أحد من المهاجرين ؟ قال : لا ، تتابع المهاجرون على بيعته ، من غير أن يدعوهم .

حدثنا عبيد الله بن سعد ، قال : أخبرني عمي ، قال : أخبرني سيف ، عن عبد العزيز بن ساه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كان على في بيته إذ أتى فقيل له : قد جلس أبو بكر للبيعة ، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء ، عجلاً ، كراهية أن يبطئ عنها ، حتى بايعه . ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله ، ولزم مجلسه .

حدثنا أبو صالح الضرار ، قال : حدثنا عبد الرزاق بن همام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : أما آني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال . وآني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها على ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر . وكان لعلى وجه من الناس حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ؛ فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم توفيت .

قال معمر : فقال رجل للزهري : أفل يبايعه على ستة أشهر ! قال : لا ؛ ولا أحد من بني هاشم ؛ حتى بايعه علي . فلما رأى على انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ، فقال عمر : لآتتهم وحدك ، قال أبو بكر : ولله لآتينهم وحدي ، وما عسى أن يصنعوا بي ! قال : فانطلق أبو بكر ، فدخل على علي ، وقد جمع بنى هاشم عنده ، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإنه لم يمنعنا من أن نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ، ولا نفاس عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقاً ، فاستبددتم به علينا . ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم . فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر .

فلما صمت علي تشهد أبو بكر . فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ؛ فه الله لقرابة رسول الله أحب إلى أن أصل من قرابتي ؛ وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير ؛ ولكني سمعت رسول الله يقول : ((لا نورث ؛ ما تركنا فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال)) ؛ وإني أعوذ بالله لا أذكر أمراً صنعه محمد رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله .
ثم قال علي : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ، ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر ، ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر ، وذكر فضيلته وسابقته ، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه . قالت : فأقبل الناس إلى علي فقالوا : أصبت وأحسنت ، قالت : فكان الناس قريباً إلى علي حين قارب الحق والمعروف .

حدثني محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، قال : حدثنا أبو قتيبة ، قال : حدثنا مالك - يعني ابن مغول - عن ابن الحر ، قال : قال أبو سفيان لعلي : ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ! والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً ! قال : فقال علي : يا أبا سفيان ، طالما عاديت الإسلام وأهله فلم تضره بذاك شيئاً ! إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً .

حدثني محمد بن عثمان التقفي ، قال : حدثنا أمية بن خالد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، قال : لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان : ما لنا ولأبي فصيل ؛ إنما هي بنو عبد مناف ! قال : فقيل له : إنه قد ولى ابنك ، قال : وصلته رحم ! حدثت عن هشام ، قال : حدثني عوانة ، قال : لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان ؛ وهو يقول : والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ! يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم ! أين المستضعفان ! أين الأذلان علي والعباس ! وقال : أبا حسن ! ابسط يدك حتى أبايعك ، فأبى علي عليه ، فجعل يتمثل بشعر المتلمس :

ولن يقيم على خسـف يراد بـه             إلا الأذلان عير الحي والـوتـد
هذا على الخسف معكوس برمته         وذا يشج فلا يبكـي لـه أحـد

قال : فزجره علي ، وقال : إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة ؛ وإنك والله طالما بغيت الإسلام شراً ! لا حاجة لنا في نصيحتك .
قال هشام بن محمد : وأخبرني أبو محمد القرشي ، قال : لما بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان لعلي والعباس : أنتما الأذلان ! ثم أنشد يتمثل :

إن الهوان حمار الأهل يعرفـه               والحر ينكره والرسـلة الأجـد
ولا يقيم علـى ضـيم يراد بـه               إلا الأذلان عير الحي والـوتـد
هذا على الخسف معكوس برمته        وذا يشج فلا يبكـي لـه أحـد

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، قال : حدثنا أنس بن مالك ، قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة ؛ وكان الغد ، جلس أبو بكر على المنبر ، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر ؛ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس ؛ إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي ؛ وما وجدتها في كتاب الله ؛ ولا كانت عهداً عهده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا ؛ حتى يكون آخرنا ؛ وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله ؛ فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له ؛ وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ؛ صاحب رسول الله ، وثاني اثنين إذ هما في الغار ؛ فقوموا فبايعوا . فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة .

ثم تكلم أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ، ثم قال : أما بعد أيها الناس ؛ فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ؛ فإن أحسنت فأعينوني ؛ وإن أسأت فقوموني . الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوى عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله . لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله ؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ؛ فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله !

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد إسحاق ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته ؛ وهو عامد إلى حاجة له ، وفي يده الدرة ، وما معه غيري . قال وهو يحدث نفسه ، ويضرب وحشي قدمه بدرته ، قال إذ التفت إلى فقال : يا بن عباس ، هل تدري ما حملني على مقالتي هذه التي قلت حين توفي الله رسوله ؟ قال : قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين ؛ أنت أعلم ، قال : والله إن حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية : "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً" ؛ فو الله إني كنت لأظن أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ؛ فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت ذكر جهاز رسول اله صلى الله عليه وسلم ودفنه قال أبو جعفر : فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : كان ذلك من فعلهم يوم الثلاثاء ؛ وذلك الغد من وفاته صلى الله عليه وسلم .

وقال بعضهم : إنما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام ، وقد مضى ذكر بعض قائلي ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر وكثير بن عبد الله وغيرهما من أصحابه ، عمن يحدثه ؛ عن عبد الله بن عباس ، أن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل ابن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين ولوا غسله ، وإن أوس بن خولي أحد بني عوف ابن الخزرج ؛ قال لعلي بن أبي طالب : أنشدك الله يا علي ؛ وحظنا من رسول الله ! وكان أوس من أصحاب بدر ؛ وقال : ادخل ؛ فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره ، وكان العباس والفضل وقثم هم الذين يقبلونه معه ؛ وكان أسامة بن زيد وشقران مولياه هما اللذان يصبان الماء ، وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره ، وعليه قميصه يدلكه من ورائه ، لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يقول : بأبي أنت وأمي ! ما أطيبك حياً وميتاً ! ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يحيى ابن عباد ، عن أبيه عباد ، عن عائشة ، قالت : لما أرادوا أن يغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه ، فقالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ! فلما اختلفوا ألقي عليهم السنة حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدري من هو : أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه ؛ قالت : فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون عليه الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم .

قال : فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن جعفر ابن محمد بن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن حسين . قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن علي بن حسين ، قال : فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وبرد حبرة ؛ أدرج فيها إدراجا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة ، وكان يلحد - فدعا العباس رجلين ، فقال لأحدهما : اذهب إلى أبي عبيدة ، وللآخر : اذهب إلى أبي طلحة ؛ اللهم خر لرسولك ؛ قال : فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما فرغ من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ؛ وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ؛ فقال قائل : ندفنه في مسجده ، وقال قائل : يدفن مع أصحابه ؛ فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ما قبض نبي إلا يدفن حيث قبض)) ؛ فرفع فراش رسول الله الذي توفي عليه ؛ فحفر له تحته ؛ ودخل الناس على رسول الله يصلون عليه أرسالا ؛ حتى إذا فرغ الرجال أدخل النساء ، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ؛ ثم أدخل العبيد ؛ ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن فاطمة بنت محمد بن عمارة ، امرأة عبد الله - يعني ابن أبي بكر - عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء .

قال ابن إسحاق : وكان الذي نزل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقد قال أوس بن خولي : أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله ! فقال له : انزل فنزل مع القوم ؛ وقد كان شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وبني عليه ؛ قد أخذ قطيفة كان رسول الله يلبسها ويفترشها ؛ فقذفها في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً . قال : فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق : وكان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : أخذت خاتمي فألقيته في القبر ، وقلت : إن خاتمي قد سقط ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله ، فأكون آخر الناس به عهداً .

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبيه إسحاق بن يسار ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبد الله بن الحارث ابن نوفل ، عن مولاه عبد الله بن الحارث ، قال : اعتمرت مع علي بن أبي طالب في زمان عمر - أو زمان عثمان - فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته رجع وسكبت له غسلا فاغتسل ؛ فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق ؛ فقالوا ، يا أبا الحسن ؛ جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا به ! فقال : أظن المغيرة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ! قالوا : أجل ، عن ذا جئنا نسألك ! قال : كذب ؛ كان أحدث الناس عهداً برسول الله قثم بن العباس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشند به وجعه ، قالت : فهو يضعها مرة على وجهه ، ومرة يكشفها عنه ، ويقول : قاتل الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ! يحذر ذلك على أمته .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد اله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة ، قالت : كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يترك بجزيرة العرب دينان .

قالت : وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجراً فاستكمل في هجرته عشر سنين كوامل .

واختلف في مبلغ سنه يوم توفي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : كان له يومئذ ثلاث وستون سنة .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن أبي جمرة ، عن ابن عباس ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، وبالمدينة عشراً ؛ ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن أبي جمرة ، عن أبيه ، قال : عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين سنة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن المسيب ، يقول : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة ، وأقام بمكة عشراً ، وبالمدينة عشراً ، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين .
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا أبو جمرة الضبعي ، عن ابن عباس ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه ، وبالمدينة عشراً ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنى عمي عبد الله ، قال : حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين .

وقال آخرون : كان له يومئذ خمس وستون .

ذكر من قال ذلك : حدثني زياد بن أيوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن دغفل - يعني ابن حنظلة - أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة .

وقال آخرون : بل كان له يومئذ ستون سنة .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن عروة بن الزبير ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين ، ومات وهو ابن ستين .

حدثنا الحسين بن نصر ، قال : أخبرنا عبيد الله ، قال : أخبرنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : حدثتني عائشة وابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن ، وبالمدينة عشراً .