خبر أليس الصغرى

قال أبو جعفر: كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن محمد بن نويرة وطلحة وزياد وعطية، قالوا: وخرج جابان مراد انشاه حتى أخذا بالطريق، وهم يرون أنهم سيرفضون ولا يشعرون بما جاء ذا الحاجب من فرقة أهل فارس ، فلما ارفض أهل فارس. وخرج ذو الحاجب في آثارهم، وبلغ المثنى فعله جابان ومردانشاه؛ استخلف على الناس عاصم بن عمرو، وخرج في جريدة خيل يريدهما، فظنا أنه هارب، فاعترضاه فأخذهما أسيرين، وخرج أهل أليس على أصحابهعما، فأتوه بهم أسراء ؛ وعقد لهم بها ذمة وقد مهما، قال: أنتما غررتما أميرنا، وكذبتماه واستفززتماه. فضرب أعناقهما، وضرب أعناق الأسراء ؛ ثم رجع إلى عسكره وهرب أبو محجن من أليس؛ ولم يرجع مع المثنى ؛ وكان جرير بن عبد الله وحنظلة بن الربيع ونفر استأذنوا خالداً من سوى، فأذن لهم، فقدموا على أبي بكر، فذكر له جرير حاجته، فقال: أعلى حالنا? وأخره بها ، فلما ولى عمر دعاه بالبينة؛ فأقامها، فكتب له عمر إلى عماله السعادة في العرب كلهم: من كان فيه أحد ينسب إلى بجيلة في الجاهلية، وثبت عليه في الإسلام يعرف ذلك فأخرجوه إلى جرير. ووعدهم جرير مكاناً بين العراق والمدينة . ولما أعطى جرير حاجته في استخراج بجيلة من الناس فجمعهم فأخرجوا له، وأمرهم بالموعد ما بين مكة والمدينة والعراق، فتتاموا، قال لجرير: اخرج حتى تلحق بالمثنى، فقال: بل الشأم ، قال" بل العراق، فإن أهل الشأم قد قووا على عدوهم، فأبى حتى أكرهه ؛ فلما خرجوا له وأمرهم بالموعد عوضة إكراهه واستصلاحاً له، فجعل له ربع خمس ما أفاء الله عليهم في غزاتهم هذه له ولمن اجتمع إليه، ولمن أخرج له إليه من القبائل، وقال: اتخذونا طريقاً، فقدموا المدينة، ثم فصلوا منها إلى العراق ممدين للمثنى، وبعث عصمة بن عبد الله من بني عبد الحارث الضبي فيمن تبعه من بني ضبة ؛ وقد كان كتب إلى أهل الردة، فلم يواف شعبان أحد إلا رمى به المثنى.

البويب كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمدوطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وبعث المثنى بعد الجسر فيمن يليه من الممدين، فتوافوا إليه في جمع عظيم، أو بلغ رستم والفيرزان ذلك ، وأتتهم العيون به بما ينتظرون من الإمداد، واجتمعا على أن يبعثا مهران الهمذاني؛ حتى يريا من رأيهما، فخرج مهران في الخيول وأمرأه بالحيرة، وبلغ المثنى الخبر وهو معسكر بمرج السباخ بين القادسية وخفان في الذين أمدوه من العرب عن خبر بشير وكنانة - وبشير يومئذ بالحيرة - فاستبطن فرات بادقلي، وأرسل إلى جرير ومن معه: إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجلوا اللحاق بنا، وموعدكم البويب.

وكان جرير ممداً له، وكتب إلى عصمة ومن معه، وكان ممداً له بمثل ذلك، وإلى كل قائد أظله بمثل ذلك، وقال: خذوا على الجوف، فسلكوا القادسية والجوف، وسلك المثنى وسط السواد، فطلع على النهرين ثم على الخورنق، وطلع عصمة على النجف، ومن سلك معه طريقه، وطلع جرير على الجوف ومن سلك معه طريقه، فانتهوا إلى المثنى، وهو على البويب، ومهران من وراء الفرات بإزائه، فاجتمع عسكر المسلمين على البويب مما يلي موضع الكوفة اليوم؛ وعليهم المثنى وهم بإزاء مهران وعسكره. فقال المثنى لرجل من أهل السواد: ما يقال للرقعة للتي فيها مهران وعسكره؟ قال: بسوسيا. فقال: أكدى مهران وهلك نزل منزلاً هو البسوس؛ وأقام بمكانه حتى كاتبه مهران: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم ؛ فقال المثنى : اعبروا ؛ فعبر مهران، فنزل على شاطئ الفرات معهم في الملطاط، قال: المثنى - لذلك الرجل: ما يقال لهذ الرقعة التي نزلها مهران وعسكره ؟ قال: شوميا - ذلك في رمضان أ فنادى الناس: انهدوا لعدوكم، فتناهدوا، وقد كان المثنى عبى جيشه، فجعل على مجنبتيه مذعوراً والنسير، وعلى المجردة عاصماً، وعلى الطلائع عصمة ، واصطف الفريقان ؛ وقام المثنى فيهم خطيباً ؛ فقال: إنكم صوام ؛ والصوم مرقة ومضعفة ؛ وإني أرى من الرأي أن تفطروا ثم تقووا بالطعام على قتال عدوكم . قالوا: نعم فأفطروا ؛ فأبصر رجلاً يستوفز ويستنتل من الصف، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: هو ممن فر من الزحف يوم الجسر ؛ وهو يريد أن يستقتل، فقرعه بالرمح، وقال: لا أبالك? الزم موقفك، فإذا أتاك قرنك فأغنه عن صاحبك ولا تستقتل، قال: إني بذلك لجدير، فاستقر ولزم الصف.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن أبي إسحاق الشيباني بمثله.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن عطية. وعن سفيان الأحمري، عن المجالد، عن الشعبي، قالا: قال عمر حين استجم جمع بجيلة: اتخذونا طريقاً، فخرج سروات بجيلة ووفدهم نحوه، وخلفوا الجمهور، فقال: أي الوجوه أحب إليكم؟ قالوا: الشأم فإن أسلافنا بها فقال: بل العراق؛ فإن الشأم في كفاية؛ فلم يزل بهم، ويأبون عليه حتى عزم على ذلك ؛ وجعل لهم ربع خمس ما أفاء الله على المسلمين إلى نصيبهم من الفئ، فاستعمل عرفجة على من كان مقيماً على جديلة من بجيلة، وجريراً على من كان من بني عامر وغيرهم ؛ وقد كان أبو بكر ولاه قتال أهل عمان في نفر، وأقفله حين غزا في البحر، فولاه عمر عظم بجيلة، وقال : اسمعوا لهذا، وقال للآخرين: اسمعوا لجرير، فقال جرير لبجيلة: تقرون بهذا - وقد كانت بجيلة غضبت على عرفجة في امرأة منهم - وقد أدخل علينا ما أدخل علينا ما أدخل فاجتمعوا فأتوا عمر، فقالوا: أعفنا من عرفجة، فقال: لا أعفيكم من أقدمكم هجرة وإسلاماً، فقالوا: اعفنا من عرفجة فقال: لا أعفيكم من أقدمكم هجرة وإسلاماً، وأعظمكم بلاء وإحساناً، قالوا: استعمل علينا رجلاً منا، ولا يستعمل علينا نزيعاً فينا، فظن عمر أنهم ينفوفنه من نسبه، فقال: انظروا ما تقولون قالوا: نقول ما تسمع ؛ فأرسل إلى عرفجة ، فقال: إن هؤلاء استعفوني منك، وزعموا أنك لست منهم ؛ فما عندك؟ قال : صدقوا، وما يسرني أني منهم. أنا امرؤ من الأزد، ثم من بارق، في كهف لا يحصى عدده، وحسب غير مؤتشب . فقال عمر: نعم الحي الأزد? يأخذون نصيبهم من الخير والشر. قال عرفجة: إنه كان من شأني أن الشر تفاقم فينا، ودارنا واحدة؛ فأصبنا الدماء، ووتر بعضنا بعضا، فاعتزلتهم لما خفتم، فكنت في هؤلاء أسود وأقودهم، فحفظوأ على لأمر دار بيني وبين دهاقينهم، فحسدوني وكفروني. فقال: لا يضرك فاعتزلهم إذ كرهوك. واستعمل جريراً مكانه، وجمع له بجلية، وأرى جريراً وبجيلة أنه يبعث عرفجة إلى الشأم، فجبب ذلك إلى جرير العراق، وخرج جرير في قومه ممداً للمثنى بن حارثة، حتى نزل ذا قار، ثم ارتفع حتى إذا كان بالجل والمثنى بمرج السباخ، أتى المثنى الخبر عن حديث بشير وهو بالحيرة. فأرسل المثنى إلى قد بعثوا مهران، ونهض من المدائن شاخصاً نحو الحيرة. أن الأعاجم جرير وإلى عصمة بالحث، وقد كان عهد إليهم عمر ألا يعبروا بحراً ولا جسراً إلا بعد ظفر، فاجتمعوا بالبويب فاجتمع العسكران على شاطئ البويب الشرقي وكان البويب مغيضاً للفرات أيام المدود، وأزمان فارس، يصب في الجوف، والمشركون بموضع دار الرزق، والمسلمون بموضع السكون.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن عطية والمجالد بإسنادهما ، قالا: وقدما على عمر غزاة بني كنانة والأزد في سبعمائة جميعاً، فقال: أي الوجوه أحب إليكم؟ قالوأ: الشأم، أسلافنا أسلافنا? فقال: ذلك قد كفيتموه ؛ العراق العراق ذروا بلدة قد قلل الله شوكتها وعددها، واستقبلوا جهاد قوم قد حووا فنون العيش، لعل الله أن يورثكم بقسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس. فقال غالب بن عبد الله الليثي وعرفجة البارقي، كل واحد منهما لقومه ، وقاما فيهم يا عشيرتاه أجيبوا أمير المؤمنين إلى ما أرى وأراد. فدعا لهم عمر بخير وقاله لهم، وأمر على بني كنانة غالب بن عبد الله وسرحه، وأمر على الأزد عرفجة بن هرثمة وعامتهم من بارق، وفرحوا برجوع عرفجة إليهم. فخرج هذا في قومه، وهذا في قومه ، حتى قدما على المثنى.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وعمرو بإسنادهما، قالا: وخرج هلال بن علفة التيمي فيمن اجتمع إليه من الرباب حتى أتى عمر، فأمره عليهم وسرحه، فقدم على المثنى وخرج ابن المثنى الجشمى ؛ جشم سعد، حتى قدم عليه، فوجهه وأمره على بني سعد، فقدم على المثنى.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي وعطية بإسنادهما، قالا: وجاء عبد الله بن ذي السهمين في أناس من خثعم ، فأمره عليهم ووجهه إلى المثنى، فخرج نحوه حتى قدم عليه.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وعمرو بإسنادهما، قالا: وجاء ربعي في أناس من بني حنظلة، فأمره عليهم وسرحهم، وخرجوا حتى قدم بهم على المثنى، فرأس بعده ابنة شبث بن ربعى وقدم عليه أناس من بني عمرو، فأمر عليهم ربعي بن عامر بم خالد العنود، وألحقه بالمثنى، وقدم عليه قوم من بني ضبة، فجعلهم فرقتين، فجعل على إحدى الفرقتين ابن الهوبر، وعلى الأخرى المنذر بن حسان، وقدم عليه قرط بن جماح في عبد القيس، فوجهه. وقالوا جميعاً: اجتمع الفيرزان ورستم على أن يبعثا مهران لقتال المثنى واستأذنا بوران - وكانا إذا أرادا شيئاً دنوا من حجابها حتى يكلماها به - فقالا بالذي رأيا وأخبراها بعدد الجيش - وكانت فارس لا تكثر البعوث ؛ حتى كان من أمر العرب ما كان - فلما أخبراها بكثرة عدد الجيش، قالت : ما بال أهل فارس لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم ؟ وما لكما لا تبعثان كما لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم؟ ومالكما لا تبعثان كما كانت الملوك تبعث قبل اليوم قالا : إن الهيبة كانت مع عدونا يومئذ، وإنها فينا اليوم ؛ فما لأتهما وعرفت ما جاءاها به ، فمضى مهران في جنده حتى نزل من دون الفرات والمثنى وجنده على شاطئ الفرات؛ والفرات بينهما؛ وقدم أنس بن هلال النمري ممداً للمثنى في أناس من النمر نصارى وجلاب جلبوا خيلاً - وقدم ابن مردى الفهري التغلبي من أناس بن تغلب يصارى وجلاب خيلا- وهو عبد الله بن كليب بن خالد - وقالوا حين رأوا نزول العرب والعجم: نقاتل مع قومنا. وقال مهران: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم، فقال المسلمون: اعبروا إلينا، فارتحلوا من بسوسيا إلى شوميا، موضع دار الرزق.

كتب إلى السرى، عن شعيب بن سيف، عن عبيد الله بن محفز، عن أبيه، أن العجم لما أذن لهم في العبور نزلوا شوميا موضع دار الرزق، فتعبوا هنالك ؛ فأقبلوا إلى المسلمين في صفوف ثلاثة مع كل صف فيل، ورجلهم أمام فيلهم، وجاءوا ولهم زجل. فقال المثنى للمسلمين: إن الذي تسمعون فشل، فالزموا الصمت وائتمروا همساً. فدنوا من المسلمين وجاءوهم من قبل نهر بني سليم نحو موضع نهر بني سليم، فلما دنوا زحفوا، وصف المسلمين فيما بين نهر بني سليم اليوم وما وراءها.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وكان على مجنبتي المثنى بشير وبسرين أبي رهم، وعلى مجردته المعنى، وعلى الرجل مسعود، وعلى الطلائع قبل ذلك اليوم النسير، وعلى الردء مذعور؛ وكان على مجنبتي مهران ابن الآزاذبه مرزبان الحيرة ومردانشاه. ولما خرج المثنى طاف في صفوفه يعهد إليهم عهده، وهو على فرسه الشموس - وكان يدعى الشموس من لين عريكته وطهارته، فكان إذا ركبه قاتل ؛ وكان لا يركبه إلالقتال ويدعه ما لم يكن قتال - فوقف على الرايات راية راية يخضضهم، ويأمرهم بأمره، ويهزمهم بأحسن ما فيهم، تحضيضاً لهم، ولكلهم يقول: إني لأرجو ألا تؤتى العرب اليوم من قبلكم ؛ والله ما يسرني اليوم لنفسي شئ إلا وهو يسرني لعامتكم ؛ فيجيبونه بمثل ذلك. وأنصفهم المثنى في القول والفعل، وخلط الناس في المكروه والمحبوب ؛ فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولاً ولا عملاً. ثم قال: المكروه والمحبوب ؛ فلم يستطع أحد منهم أن يعيب له قولا ولا عملا. ثم قال: إني مكبر ثلاثاً فتهيئوا ؛ ثم احملوا مع الرابعة، فلما كبر أول تكبير أعجلهم أهل فارس وعاجلوهم فخالطوهم مع أول تكبير ؛ وركدت حربهم ملياً، فرأى المثنى خللاً في بعض صفوفه، فأرسل إليهم رجلاً، وقال: إن الأمير يقرأ عليكم السلام، ويقول: لا تفضحوا المسلمين اليوم، فقالوا : نعم، واعتدلوا، وجعلوا قبل ذلك يرونه وهو يمد لحيته لما يرى منهم ؛ فاعتنوا بأمر لم يجئ به أحد من المسلمين يومئذ فرمقوه، فرأوه يضحك فرحاً والقوم بنو عجل . فلما طال القتال واشتد ، عمد المثنى إلى أنس بن هلال، فقال: يا أنس، إنك امرؤ عربي، وإن لم تكن على ديننا ؛ فإذا رأيتني قد حملت على مهران فاحمل معي، وقال لأبن مردي الفهر مثل ذلك فأجابه. فحمل المثنى على مهران ؛ فأزاله حتى دخل في ميمنته، ثم خالطوهم ، واجتمع القلبان وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل ، لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم، لا المشركون ولا المسلمون، وارتث مسعود يومئذ وقواد من قواد المسلمين ؛ وقد كان قال لهم: إن رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه ؛ فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف ؛ الزموا مصافكم ، وأغنوا غناء من يليكم. وأرجع قلب المسلمين في قلب المشركين، وقتل غلام من التغلبيين نصراني مهراني واستوى على فرسه، فجعل المثنى سلبه لصاحبه خيله ؛ وكذلك إذا كان المشرك في خيل رجل فقتل وسلب فهو للذي هو أمير على من قتل ؛ وكان له قائدان: أحدهما جرير والآخر ابن الهوبر ؛ فاقتسما سلاحه.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفز، عن أبيه محفز بن ثعلبة ؛ قال: جلب فتية من بني تغلب أفراساً، فلما التقى الزحفان يوم البويب، قالوا: نقاتل العجم مع العرب، فأصاب أحدهم مهران يومئذ، ومهران على فرس له ورد مجفف بتجفاف أصفر، بين عبينيه هلال، وعلى ذنبه أهلة من شبه، فاستوى على فرسه، ثم انتمى: أنا الغلام التغلبي، أنا قتلت المرزبان ? فأتاه جرير وابن الهوبر في قومهما فأخذ برجله فأنزلاه.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، أن جريراً والمنذر اشتركا فيه فاختصما في سلاحه، فتقاضيا إلى المثنى، فجعل سلاحه بينهما والمنطقة والسوارين بينهما، وأفنوا قلب المشركين.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن أبي روق، قال: والله إن كنا لنأتي البويب، فنرى فيما بين موضع السكون وبني سليم عظاماً بيضاً تلولاً تلوح من هامهم وأوصالهم ؛ يعتبر بها. قال: وحدثني بعض من شهدها أنهم كانوا يحزرونها مائة ألف، وما عفى عليها حتى دفنها أدفان البيوت.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة ؛ قالا: وقف المثنى عند ارتفاع الغبار ؛ حتى أسفر الغبار، وقد فنى قلب المشركين، والمجنبات قد هز بعضها بعضاً، فملا رأوه وقد أزوال القلب، وأفنى أهله، قويت المجنبات - مجنبات المسلمين - على المشركين ، وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنى والمسلمون من القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل عليهم من يزحرهم، ويقول: إن المثنى يقول: عاداتكم في أمثالهم ؛ انصروا الله ينصركم ؛ حتى هزموا القوم، فسابقهم المثنى إلى الجسر فسبقهم وأخذ الأعاجم، فافترقوا بشاطئ الفرات مصعدين ومصوبين، واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم، ثم جعلوهم جثاً؛ فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رمة منها. ولما ارتث مسعود بن حارثة يومئذ - وكان صرع قبل الهزيمة، فتضعضع من معه، فرأى ذلك وهو دنف - قال: يا معشر بكر بن وائل، ارفعوا رايتكم، رفعكم الله لا يهولنكم مصرعي. وقاتل أنس بن هلال النمري يومئذ حتى ارتث، ارتثه للثنى، وضمه وضم مسعوداً إليه. وقاتل قرط بن جماح العبدي يومئذ حتى دق قناً ، وقطع أسيافاً. وقتل شهر براز من دهاقين فارس صاحب مجردة مهران.

قال: ولما فرغوا جلس المثنى للناس من بعد الفراغ يحدثونه، وكلما جاء رجل فتحدث قال له: أخبرني عنك ؛ فقال له قرط بن جماح: قتلت رجلاً فوجدت منه رائحة المسك، فقلت : مهران، ورجوت أن يكون إياه، فإذا هو صاحب الخيل شهر براز، فوالله ما رأيته إذ لم يكن مهران شيئاً.

فقال: المثنى: قد قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام ؛ والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد على من ألف من العرب، ولمائة اليوم من العرب أشد على من ألف من العجم ؛ إن الله أذهب مصدوقتهم، ووهن كيدهم ؛ فلا يروعنكم زهاء ترونه، ولا سواد ولا قسي فج ، ولا نبال طوال، فإنهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها، كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت.

وقال ربعي وهو يحدث المثنى: لما رأيت ركود الحرب واحتدامها، قلت: تترسوا بالمجان، فإنهم شادون عليكم ؛ فاصبروا لشدتين وأنا زعيم لكم بالظفر في الثالثة ؛ فأجابوني والله ؛ فوفى الله كفالتي.

وقال أبن ذي السهمين محدثاً: قلت لأصحابي: إني سمعت الأمير يقرأ ويذكر في قراءته الرعب ؛ فما ذكره إلا لفضل عنده ؛ اقتدوا برايتكم، وليحم راجلكم خيلكم، ثم احملوا فما لقول الله من خلف ؛ فأنجز الله لهم وعده، وكان كما رجوت.

وقال عرفجة محدثاً: حزنا كتبة منهم إلى الفرات، ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذن في غرقهم وسلى عنا بها مصيبة الجسر، فلما دخلوا في حد الإحراج، كروا علينا، فقاتلناهم قتالاً شديداً حتى قال بعض قومي: لو أخرت رايتك ? فقلت: على إقدامها، وحملت بها على حاميتهم فقتلته، فولوا نحو الفرات، فما بلغه منهم أحد فيه الروح.

وقال ربعي بن عامر بن خالد: كنت مع أبي يوم البويب - قال وسمى البويب يومي الأعشار - أحصى مائة رجل، قتل كل رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ، وكان عروة بن زيد الخيل من أصحاب التسعة، وغالب في بني كنانة من أصحاب التسعة ، وعرفجة في الأزاد من أصحاب التسعة.

وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم إلى شاطئ الفرات، ضفة البويب الشرقية ؛ وذلك أن المثنى بادرهم عند الهزيمة الجسر، فأخذه عليهم، فأخذوا يمنة ويسرة، وتبعهم المسلمون إلى الليل، ومن الغد إلى الليل، وندم المثنى على أخذه بالجسر، وقال: لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر وقطعة ؛ حتى أحرجتهم ؛ فإني غير عائد ؛ فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس، فإنها كانت منى زلة لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع. ومات أناس من الجرحى من أعلام المثنى، المسلمين منهم خالد بن هلال ومسعود بن حارثة فصلى عليهم المثنى وقدمهم على الأسنان والقرآن ؛ وقال: والله إنه ليهون على وجدى أن شهدوا البويب، أقدموا وصبروا، ولم يجرعوا ولم ينكلوا، وإن كان في الشهادة كفارة لتجوز الذنوب.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقد كان المثنى وعصمة وجرير أصابوا في أيام البويب على الظهر نزل مهران غنماً ودقيقاً وبقراً، فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن بالقوادس، وإلى عيالات أهل الأيام قبلهم ؛ وهم بالحيرة. وكان دليل الذين ذهبوا بنصيب العيالات الذين بالقوادس عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة، فلما رفعوا للنسوة فرأين الخيل، تصايحن وحسبنها غارة، فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد، فقال عمرو: هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش وبشروهن بالفتح، وقالوا: هذا أوله، وعلى الخيل التي أتتهم بالنزل النسير ؛ وأقام في خيله حامية لهم، ورجع عمرو بن عبد المسيح فبات بالحيرة. وقال المثنى يومئذ: من يتبع الناس حتى ينتهي إلى السبب؟ فقام جرير بن عبد الله في قومه، فقال: يا معشر بجيلة، إنكم وجميع من شهد هذا اليوم في السابقة والفضيلة والبلاء سواء، وليس لأحد منهم في هذا الخمس غداً من النفل مثل الذي لكم منه ؛ ولكم ربع خمسه نفلا من أمير المؤمنين؛ فلا يكونن أحد أسرع إلى هذا العدو ولا أشد عليه منكم للذي لكم منه، ونية إلى ما ترجون فإنما تنتظرون إحدى الحسنين: الشهادة والجنة أو الغنيمة والجنة.

ومال المثنى على الذين أرادوا أن يستقتلوا من منهزمة يوم الجسر، ثم قال: أين المستبسل بالأمس وأصحابه ! انتدبوا في آثار هؤلاء القوم إلى السيب، وابلغوا من عدوكم ما تغيظونهم به ، فهو خير لكم وأعظم أجراً ؛ واستغفروا الله أن الله غفور رحيم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن حمزة بن علي بن محفز، عن رجل من بكر بن وائل، قال: كان أول الناس انتدب يومئذ للمثنى واتبع آثارهم المستبسل وأصحابه ؛ وقد كان أراد الخروج بالأمس إلى العدو من صف المسلمين واستوفز واستنتل ، فأمر المثنى أن يعقد لهم الجسر ؛ ثم أخرجهم في آثار للقوم، واتبعهم بجيلة وخيول من المسلمين تغذ من كل فارس، فانطلقوا في طلبهم حتى بلغوا السيب، ولم يبق في العسكر جسرى إلا خرج في الخيل، فأصابوا من البقر والسبي وسائر الغنائم شيئاً كثيراً فقسمه المثنى عليهم، وفضل أهل البلاء من جميع القبائل، ونفل بجيلة يومئذ ربع الخمس بينهم بالسوية، وبعث بثلاثة أرباع مع عكرمة، وألقى الله الرعب في قلوب أهل فارس. وكتب القواد الذين قادوا الناس في الطلب إلى المثنى، وكتب عاصم وعصمة وجرير: إن الله عز وجل قد سلم وكفى، ووجه لنا ما رأيت، وليس دون القوم شئ ؛ فتأذن لنا في الإقدام؛ فأذن لهم، فأغاروا حتى بلغوا ساباط، وتحصن أهل ساباط منهم واستباحوا القربات دونها ؛ وراماهم أهل الحصن بساباط عن حصنهم، وكان أول من دخل حصنهم ثلاثة قواد: عصمة، وعاصم، وجرير ؛ وقد تبعهم أوزاع من الناس كلهم. ثم انكفؤا راجعين إلى المثنى.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عطية بن الحارث، قال: لما أهلك الله مهران استمكن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة فمخروها، لا يخافون كيداً، ولا يلقون فيها مانعاً، وانتقضت مسالح العجم، فرجعت إليهم ؛ واعتصموا بساباط، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة.

وكانت وقعة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة قتل الله عليه مهران وجيشه، وأفعموا جنبتى البويب عظاماً، حتى استوى وما عفى عليها إلا التراب أزمان الفتنة، وما يثار هنالك شئ إلا وقعوا منها على شئ ؛ وهو ما بين السكون ومر هبة وبنى سليم ؛ وكان مغيضاً للفرات أزمان الأكاسرة بصب في الجوف. وقال الأعور العبدي الشنى:

هاجت لأعور دار الحي أحزانا                واستبدلت بعد عبد القيس خفانا
وقد أرانا بها واشمل ومجتمـع                إذ بالنخيلة قتلى جند مهـرانـا
أزمان سار المثنى بالخيول لهم            فقتل الزحف من فرس وجيلانا
سما لمهران والجيش الذي معه            حتى أبادهم مثنـى ووحـدانـاً

قال أبو جعفر: وأما ابن إسحاق، فإنه قال في أمر جرير وعرفجة والمثنى وقتال المثنى مهران غير ما قص سيف من أخبارهم ؛ والذي قال في أمرهم ما حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما انتهت إلى عمر بن الخطاب مصيبة أصحاب الجسر، وقدم عليه فلهم ؛ قدم عليه جرير بن عبد الله البجلي من اليمن في ركب من بجيلة، وعرفجة بن هرثمة - وكان عرفجة يومئذ سيد بجيلة، وكان حليفاًي لهم من الأزد - فكلمهم عمر، فقال لهم: إنكم قد علمتم ما كان حليفاً لهم من إخوانكم بالعراق ؛ فسيروا إليهم وأنا أخرج إليكم من كان منكم في قبائل العرب فأجمعهم إليكم. قالوا: نفعل يا أمير المؤمنين، فأخرج لهم قيس كبة وسحمة وعرينة ؛ وكانوا في قبائل بني عامر بم صعصعة، وأمر عليهم عرفجة بن هرثمة، فغضب من ذلك جرير بن عبد الله البجلي، فقال لبجلية: كلموا أمير المؤمنين، فقالوا له: استعملت علينا رجلاً ليس منا، فأرسل إلى عرفجة، فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: صدقوا يا أمير المؤمنين، لست منهم، ولكني رجل من الأزد، كنا أصبنا في الجاهلية دماً في قومنا، فلحقنا بجلية فبلغنا فيهم من السؤدد ما بلغك. فقال له عمر: فاثبت على منزلتك، ودافعهم كما يدافعونك. قال: لست فاعلاً ولا سائراً معهم ؛ فسار عرفجة إلى البصرة بعد أن نزلت، وترك بجلية، وأمر عمر على بجيلة جرير بن عبد الله، فسار بهم مكانه إلى الكوفة، وضم إليه عمر قومه من بجلية، فأقبل جرير حتى إذا مر قريباً من المثنى بن حارثة، كتب إليه المثنى أن أقبل إلى ، فإنما أنت مدد لي. فكتب إليه جرير: إني لست فاعلاً إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين ؛ أنت أمير وأنا أمير.

ثم سار جرير نحو الجسر، فلقيه مهران بن باذان - وكان من عظماء فارس - عند النخيلة، قد قطع إليه الجسر، فاقتتلا قتالاً شديداً، وشد المنذر بن حسان بن ضرار الضبي على مهران فطعنه، فوقع عن دابته، فاقتحم عليه جرير فاختر رأسه فاختصما في سلبه اصطلحا فيه فأخذ جرير السلاح، وأخذ المنذر بن حسان منطقته.

قال: وحدثت أن مهران لما لقى جريراً قال:

إن تسألوني عنى فإني مهران               أنا لمن انكرني ابـن بـاذان

قال: فأنكرت ذلك حتى حدثني من لا أتهم من أهل العلم أنه كان عربياً نشأ مع أبيه باليمن إذ كان عاملا لكسرى. قال: فلم أنكر ذلك حين بلغني.

كتب المثنى إلى عمر يمحل بجرير، فكتب عمر إلى المثنى: إني لم أكن لأستعملك على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - يعني جريراً. وقد وجه عمر سعد بن بي وقاص إلى العراق في ستة آلاف، أمره عليهم ؛ وكتب إلى المثنى وجرير بن عبد الله أن يجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص، وأمر سعداً عليهما ؛ فسار سعد حتى نزل شراف ، وسار المثنى وجرير حتى نزلا عليه، فشتا بها سعد، واجتمع إليه الناس، ومات المثنى بن حارثة رحمه الله.