يوم ارماث

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن عبيد الله، عن نافع وعن الحكم، قالا: لما أراد رستم العبور أمر بسكر العتيق بحيال قادس، وهو يومئذ أسفل منها اليوم مما يلي عين الشمس، فباتوا ليلتهم حتى الصباح يسكرون العتيق بالتراب والقصب والبراذع حتى جعلوه طريقاً، واستتم بعد ما ارتفع النهار من الغد.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: ورأى رستم من الليل أن ملكاً نزل من السماء، فأخذ قسى أصحابه، فختم عليها، ثم صعد بها السماء ؛ فاستيقظ مهموماً محزوناً فدعا خاصته فقصها عليهم،وقال إن الله ليعظنا، لو أن فارس تركوني أتعظ ! أما ترون النصر قد رفع عنا ، وترون الريح مع عدونا، وأنا لا نقوم لهم في فعل ولا منطق، ثم هم يريدون مغالبة بالجبرية! فعبروا بأثقالهم حتى نزلوا على ضفة العتيق.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن الأغمش، قال: لما كان يوم السكر، لبس رستم درعين ومغفراً وأخذ سلاحه، وأمر بفرسه فأسرج، فأتى به فوثب ؛ فإذا هو عليه لم يمسه ولم يضع رجله في الركاب، ثم قال: غداً ندقهم دقاً، فقال له رجل: إن شاء الله، فقال: وإن لم يشأ! كتب إلى السرى، بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: قال رستم: إنما ضغا الثعلب حين مات الأسد أيذكرهم موت كسرى ثم قال لأصحابه: قد خشيت أن تكون هذه سنة القدود ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم، وجلس رستم على سريره وضرب عليه طيارة، وعبى في القلب ثمانية وسبعةعشرة فيلاً، عليها الصناديق والرجال، وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته والبيرزان بينه وبين ميسرته، ويقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين ؛ وكان يزدجرد وضع رجلاً على باب إيوانه، إذ سرح رستم، وأمره بلزومه وإخباره، وآخر حيث يسمعه من الدار، وآخر خارج الدار، وكذلك على كل دعوة رجلاً ؛ فلما نزل رستم، قال الذي بساباط: قد نزل، فقاله الآخر... حتى قاله الذي على باب الإيوان ؛ وجعل بين كل مرحلتين على كل دعوة رجلاً ؛ فكلما نزل وارتحل أو حدث أمر قاله ؛ فقاله الذي يليه، حتى يقوله الذي يلي باب الإيوان ؛ فنظم ما بين العتيق والمدائن رجالاً، وترك البرد، وكان ذلك هو الشأن .

وأخذ المسلمون مصافهم، وجعل زهرة وعاصم بين عبد الله وشرحبيل، ووكل صاحب الطلائع بالطرد، وخلط بين الناس في القلب والمجنبات، ونادى مناديه: ألا إن الحسد لا يحل إلا على الجهاد في أمر الله يأيها الناس ؛ فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد. وكان سعد يومئذ لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، به حبون ، فإنما هو على وجهه في صدره وسادة، هو مكب عليها، مشرف على الناس من القصر، يرمى بالرقاع فيها أمره ونهيه، إلى خالد بن عرفطة، وهو أسفل منه ؛ وكان الصف إلى جنب القصر، وكان خالد كالخليفة لسعد لو لم يكن سعد شاهداً مشرفاً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن أبيه عن أبي نمران، قال لما عبر رستم تحول زهرة والجالنوس جهل سعد الزهرة مكان ابن السمط وجعل رستم الجالنوس مكان الهرمزان، وكان بسعد عرق على الناس، فاختلف عليه الناس، فقال: احملوني، وأشرفوا بي على الناس والد ما قبل وكان إنما هو مكب فاستخلف خالد بن عرفطة على الناس، فاتقوا به، فأكب مطلعاً عليهم، والصف في أصل حائط قديس ؛ يأمر خالداً فيأمر خالد الناس، وكان ممن شغب عليه وجوه من وجوه الناس، فهم بهم سعد وشتمهم، وقال: أما والله لولا أن عدوكم بحضرتكم لجعلتكم نكالاً لغيركم! فحسبهم - ومنهم أبو محجن الثقفي - وقيدهم في القصر، وقال جرير: أما إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع وأطيع لمن ولاه الله الأمر وإن كان عبداً حبشياً ، وقال سعد: والله لا يعود أحد بعدها يحبس المسلمين عن عدوهم ويشاغلهم وهم بإزائهم إلا سنت به سنة يؤخذ بها من بعدي.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: إن سعداً خطب من يليه يومئذ ؛ وذلك يوم الإثنين في المحرم سنة أربع عشرة، بعد ما تهدم على الذين اعترضوا على خالد بن عرفطة فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله هو الحق لا شريك له في الملك ؛ وليس لقوله خلف، قال الله جل ثناؤه : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)، إن هذا ميراثكم وموعود ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج ؛ فأنتم تطعمون منها، وتأكلون منها، ونقتلون أهلها، يوتجبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع ؛ وأنتم وجوه العرب وأعيانهم، وخيار كل قبيلة ، وعز من وراءكم فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرب ذلك احداً إلى أجله، وإن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم، وتوبقوا آخرتكم.

وقام عاصم بن عمرو في المجردة ح فقال: إن هذه بلاد قد أحل الله لكم أهلها، وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين مالا ينالون منكم، وأنتم الأعلون والله معكم ؛ إن صبرتم وصدقتموهم الضرب والطعن فلكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم؛ وإن خرتم وفشلتم فالله لكم من ذلك جار وحافظ، لم يبق هذا الجمع منكم باقية ؛ مخافة أن تعودوا عليهم بعائدة هلاك . الله الله! اذكروا الأيام وما منحكم الله فيها خمر ولا وزر يعقل إليه، ولا يمتنع به! اجعلوا همكم الآخرة.

وكتب سعد إلى الرايات: إني قد استخلف عليكم خالد بن عرفطة، وليس يمنعني أن أكون إلا وجعي الذي يعودني وما بي من الحبون، فإني مكب على وجهي وشخصي لكم باد، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه إنما يأمركم بأمري، ويعمل برأي فقرى على الناس فزادهم خيراً، وانتهوا إلى رأيه، وقبلوا منه وتحاثوا على السمع والطاعة، وأجمعوا على عذر سعد والرضا بما صنع.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن حلام، عن مسعود، قال: وخطب أمير كل قوم أصحابه، وسير فيهم، وتحاضوا على الطاعة والصبر تواصوا ؛ ورجع كل أمير إلى موقفه بمن والاه من أصحابه عند المواقف ؛ ونادى منادى سعد بالظهر، ونادى رستم: باد شهان مرندر، أكل عمر كبدى أحرق الله كبده! علم هؤلاء حتى علموا.

كتب إلى السرى، عن شعيب، قال: حدثنا سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، قال: لما نزل رستم النجف بعث منها عيناً إلى عسكر المسلمين، فانغمس فيهم بالقادسية كبعض من ند منهم، فرآهم يستاكون عند كل صلاة ثم يصلون فيفترقون إلى مواقفهم، فرجع غليه فأخبره بخبرهم، وسيرتهم، حتى سأله: ما طعامهم؟ فقال: مكثت فيهم ليلة، لا والله ما رأيت أحداً منهم يأكل شيئاً إلا يمصوا عيداناً لهم حين يمسون، وحين ينامون، وقبيل أن يصبحوا . فلما سار فنزل بين الحصن والعتيق وافقهم وقد اذن مؤذن سعد الغداة ، فرآهم يتحشحشون ، فنادى في أهل فارس أن يركبوا، فقيل له: ولم ؟ قال: أما ترون إلى عدوكم ق نودى فيهم فتحشحشوا لكم! قال عينه: ذلك إنما تخشخشهم هذا للصلاة، فقال بالفارسية، وهذا تفسيره بالعربية: أتاني صوت عند الغداة، وإنما هو عمر الذي يكلم الكلاب فيعلمهم العقل، فلما عبروا توافقوا، وأذن نؤذن سعد للصلاة، فصلى سعد ، وقال رستم: أكل عمر كبدي! كتب إلى السرى، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وأرسل سعد الذين انتهى إليهم رأى الناس، والذين انتهت إليهم نجدتهم وأصناف الفضل منهم إلى الناس، فكان منهم من ذوي الرأى النفر الذين أتوا رستم المغيرة، وحذيفة، وعاصم ؛ وأصحابهم ؛ ومن أهل النجدة طليحة، وقيس الأسدي، وغالب، وعمرو بن معد يكرب وأمثالهم ؛ ومن الشعراء الشماخ والحطيئة، وأوس ين مغراء، وعبدة بن الطبيب ؛ ومن سائر الأصناف أمثالهم. وقال قبل أن يرسلهم: انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق عليهم عند مواطن البأس ؛ فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم، فسيروا في الناس، فذكروهم وحرضوهم على القتال، فساروا فيهم. فقال قيس بن هبيرة الأسدي: أيها الناس، احمدوا الله على ما هداكم له وأبلاكم يزدكم، واذكروا آلاء الله، وارغبوا إليه في عادته ؛ فإن الجنة أو الغنيمة أمامكم ؛ وإنه ليس وراء هذا القصر إلا العراء والأرض الفقر، والظراب الخشن، والفلوات التي لا تقطعها الأدلة.

وقال غالب: ايها الناس، احمدوا الله على ما أبلاكم، وسلوه يزدكم، وادعوه يجبكم ؛ يا معاشر معد ؛ ما علتكم اليوم وأنتم في حصونكم - يعنى الخيل أ ومعكم من لا يعصكم يعنى السيوف؟ اذكروا حديث الناس في غد ؛ فإنه بكم غداً يبدأ عنده، وبمن بعدكم يثنى.

وقال ابن الهذيل الأسدي: يا معاشر معد، اجعلوا حصونكم السيوف، وكونوا عليهم كأسود الأجم، وتربدوا لهم تربد النمور، وادرعوا العجاج، وثقوا بالله وغضبوا الأبصار، فإذا كلت السيوف فإنها مأمورة، فأرسلوا عليهم الجنادل، فإنها يؤذن لها فيما لا يؤذن للحديد فيه.
وقال بسرين أبي رهم الجهنى: احمدوا الله، وصدقوا قولكم بفعل، فقد حمدتم الله على ما هداكم له ووحدتموه ولا إله غيره، وكبرتموه، وىمنتم بنبيه ورسله فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ؛ ولا يكونن شئ بأهون عليكم من الدنيا، فإنها تأتى من تهاون بها، ولا تميلوا إليها فتهرب منكم لتميل بكم انصروا الله ينصركم.

وقال عاصم بن عمرو: يا معاشر العرب ؛ إنكم أعيان العرب، وقد صمدتم الأعيان من العجم ؛ وإنما تخاطرون بالجنة، ويخاطرون بالدنيا، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم. لا تحدثوا اليوم أمراً تكونون به شيئاً على العرب غداً.

وقال ربيع بن البلاد السعدي: يا معاشر العرب، قاتلوا للدين والدنيا ؛ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقي ، وإن عظك الشيطان عليكم الأمر، فاذكروا الأخبار عنكم بالمواسم ما دام للأخبار أهل.

وقال ربعي بن عامر: إن الله قد هداكم للإسلام، وجمعكم به، وأراكم الزيادة، وفي الصبر الراحة، فعودوا أنفسكم الصبر تعتادوه، ولا تعودوها الجزع فتعتادوه.

وقام كلهم بنحو من هذا الكلام، وتوائق الناس، وتعاهدوا، واهتاجوا لكل ما كان ينبغي لهم، وفعل أهل فارس فيما بينهم مثل ذلك، وتعاهدوا وتواصوا ؛ واقتربوا بالسلاسل ؛ وكان المقتربون ثلاثين ألفاً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي: إن أهل فارس كانوا عشرين ومائة ألف، معهم ثلاثون فيلاً، مع كل فيل أربعة آلاف.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن حلام، عن مسعود بن خراش، قال: كان صف المشركين على شفير العتيق، وكان صف المسلمين مع حائط قديس، الخندق من ورائهم. فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق. ومعهم ثلاثون ألف مسلسل، وثلاثون فيلا تقاتل، وفيلة عليها الملوك وقوف لا تقاتل. وأمر سعد الناس أن يقرءوا على الناس سورة الجهاد، وكانوا يتعلمونها.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: قال سعد: الزموا مواقفكم، لا تحركوا شيئاً حتى تصلوا الظهر ، فإذا صليتم الظهر فإنى مكبر تكبيرة، فكبروا واستعدوا. واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم، واعلموا أنما أعطيتموه تأييداً لكم. ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا ولتستتم عدتكم، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوكم؛ وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن الريان، عن مصعب بن سعد مثله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن زكرياء، عن أبي إسحاق، قال: ارسل يعد يوم القادسية في الناس: إذا سمعتم التكبير فشدوا شسوع نعالكم، فإذا كبرت الثانية فتهيئوا، فإذا كبرت الثالثة فشدوا النواجذ على الأضراس واحملوا.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد يإسنادهم، قالوا: لما صلى سعد الظهر أمر الغلام الذي كان ألزمه عمر إياه - وكان من القراء - أن يقرأ سورة الجهاد، وكان المسلمون يتعلمونها كلهم، فقرأ على الكتيبة الذين يلونه سورة الجهاد، فقرئت في كل كتبية، فهشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: لما فرغ القراء كبر سعد، فكبر الذين يلونه تكبيرة، وكبر بعض الناس بتكبير بعض، فتحشحش الناس، ثم ثنى فاستتم الناس، ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال، وخرج من أهل فارس أمثالهم، فاعتروا الطعن والضرب، وخرج غالب بن عبد الله الأسدي وهو يقول:

قد علمت واردة المسـائح                 ذات اللبان والبنان الواضح
أنى سمام البطل المشـايح             وفارج الأمر المهم الفادح

فخرج إليه هرمز - وكان من ملوك الباب، وكان متوجاً - فأسره غالب أسراً، فجاء سعداًن فأدخل، وانصرف عالب إلى المطاردة، وخرج عاصم ابن عمرو وهو يقول:

قد علمت بيضاء صفراء اللبـب                 مثل اللجين إذ تغشاه الـذهـب
أنى أنى امرؤ لا من تعبيه السبب           مثلى على مثلك يغريه العتـب

فطارد رجلاً من أهل فارس، فهرب منه اتبعه، حتى إذا خالط صفهم التقى بفارس معه بغلة، فترك الفارس البغل، واعتصم بأصحابه فمحوه، واستاق عاصم البغل والرحل، حتى أفضى به إلى الصف، فإذا هو خباز الملك وإذا الذي معه لطف الملك الأخبصة والعسل المعقود، فأتى به سعداً، ورجع إلى موقفه، فلما نظر فيه سعد، قال: انطلقوا به إلى أهل موقفه، وقال: إن الأمير قد نفلكم هذا فكلوه، فنفلهم إياه. قالوا: وبينا الناس ينتظرون التكبيرة الرابعة، إذ قام صاحب رجالة بني نهد قيس بن حذيم بن جرثومة، فقال: يا بني نهد انهدوا، إنما سميتم نهداً لتفعلوا، فبعث إليه خالد بن عرفطة: والله لتكفن أو لأولين عملك غيرك. فكف.

ولما تطاردت الخيل والفرسان خرج رجل من القوم ينادى: مرد ومرد، فانتدب له عمرو بن معد يكرب وهو بحياله، فبارزه فاعتنقه، ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس، فقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس. ثم تكتتب الكتائب من هؤلاء وهؤلاء.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: مر بنا عمرو بن معد يكرب وهو يحضض الناس بين الصفين، وهو يقول: إن الرجل من هذه الأعاجم إذا ألقى مزراقه، فإنما هو تيس ؛ فبينا هو كذلك يحرضنا إذ خرج إليه رجل من الأعاجم، فوقف بين الصفين فرمى بنشابة، فما أخطأت سية قوسه وهو متنكبها، فالتفت إليه فحمل عليه، فاعتنقه، ثم أخذ بمنطقته، فاحتمله فوضعه بين يديه، فجاء به حتى إذا دنا منا كسر عنقه، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه ؛ ثم ألقاه. ثم قال: هكذا فاصنعوا بهم ! فقلنا: يا أبا ثور، من يستطيع أن يصنع كما تصنع! وقال بعضهم غير إسماعيل: وأخذ سواريه ومنطقته ويلمق ديباج عليه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم ؛ أن الأعاجم وجهت إلى وجه الذي فيه بجيلة ثلاثة عشر فيلاً .

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: كانت - يعني وقعة القادسية - في المحرم سنة أربع عشرة في أوله. وكان قد خرج من الناس إليهم، فقال له أهل فارس: أحلنا، فأحالهم على بجيلة، فصرفوا إليهم ستة عشر فيلاً كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: لما تكتتبت الكتائب بعد الطراد حمل أصحاب الفيلة عليهم، ففرقت بين الكتائب، فابذعرت الخيل ؛ فكادت بجلية أن تؤكل ؛ فرت عنها خيلها نفاراً، وعمن كان معهم في مواقفهم ، وبقيت الرجالة من أهل المواقف، فأرسل سعد إلى بني أسد: ذببوا عن بجيلة ومن لافها من الناس ؛ فخرج طليخحة بن خويلد وحمال بني مالك وغالب بن عبد الله والربيل بن عمرو في كتائبهم، فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها ؛ وإن على كل فيل عشرين رجلاً.

كتب إلى السرى،عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بن طريف، أن طليحة قام في قومه حين استصرخهم سعد، فقال : يا عشيرتاه ؛ إن المنوه بإسمه، الموثوق به، وإن هذا لو علم أن أحداً أحق بإغاثة هؤلاء منكم استغاثهم ؛ ابتدءوهم الشدة، وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة ؛ فإنما سميتم أسداً لتفعلوا فعله ؛ شدوا ولا تصدوا، وكروا ولا تفروا، لله در ربيعة ! أي فرى يفرون ! وأي قرن يغنون ! هل يوصل إلى مواقفهم ! فأغنوا عن مواقفكم أعانكم الله! شدوا عليهم باسم الله ! فقال المعرور بن سويد وشقسيق. فشدوا والله عليهم فما زالوا يطعنونهم ويضربونهم حتى حسبنا الفيلة عنهم ؛ فأخرت ، وخرج إلى طليحة عظيم منهم فبارزه ؛ فما لبثه طليحة أن قتله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقام الأشعث بن قيس فقال: يا معشر كندة ؛ لله دربني أسد! أي فرى يفرون ! وأي هذ1 يهذون عن موقفهم منذ اليوم ! أغنى كل قوم ما يليهم ؛ وأنتم تنتظرون من يكفيكم البأس ! أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم العرب منذ اليوم، وإنهم ليقتلون ويقاتلون ؛ وأنتم جثاة على الركب تنظرون! فوثب إليه عدد منهم عشرة ؛ فقالوا: عثر الله جدك ! إنك لتؤبسنا جاهداً ، ونحن أحسن الناس موقفاً! فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسأنا إسوتهم فها نحن معك. فنهد ونهدوا، فأزالوا الذين بإزائهم ؛ فلما رأى أهل فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد رموهم بحدهم وبدر المسلمين الشدة عليهم ذو الحاجب والجالنوس، والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد، فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة، وقد ثبتوا لهم ؛ وقد كبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب تدور على أسد، وحملت الفيول على الميمنة والميسرة على الخيول ؛ فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد، وتلح فرسانها على الرجل يشمسون بالخيل؛ فكانت الخيول تحجم عنها وتحيد ، وتلح فرسانها على الرجل يشمسون بالخيل ؛ فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو، فقال: يا معشر بني تميم ؛ ألستم أصحاب الإبل والخيل ! أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة! قالوا: بلى والله ؛ ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة ، فقال لهم: يا معشر الرماة ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل، وقال: يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة فقطعوا وضنها ؛ وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد، وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد ؛ واقبل أصحاب عاصم على الفيلة، فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها، فقطعوا وضنها ، وارتفع عواؤهم ؛ فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أعرى، وقتل أصحابها، وتقابل الناس ونفس عن أسد، وردوا فارس عنهم إلى مواقفهم ؛ فاقتتلوا حتى غربت الشمس. ثم حتى ذهبت هدأة من الليل ؛ ثم رجع هؤلاء وهؤلاء ؛ وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة ؛ وكانوا ردءاً للناس ؛ وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم ؛ وهذا يومها الأول وهو يوم أرماث.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن الغصن، عن القاسم، عن رجل من بني كنانة، قال: حالت المجنبات ودارت على أسد يوم أرماث فقتل تلك العشية منهم خمسمائةو رجل ؛ فقال عمرو بن شأس الأسدى:

جلبنا الخيل من أكنـاف نـيق                   إلى كسرى فوافقها رعـالا
تركن لهم على الأقسام شجواً                وبالحقـوين أيامـاً طـوالا
وداعية بفارس قد تـركـنـا                        تبكىكلمـا رأت الـهـلالا
قتلنا رستما وبنـية قـسـراً                       تثير الخيل فوقهم الـهـيالا
تركنا منهم حيث الـتـقـينـا                      فئاماً ما يريدون ارتـحـالا
وفر البيرزان ولم يحـامـى                       وكان على كتيبـتـه وبـالا
ونجى الهرمزان حذار نفـس                     وركض الخيل موصلة عجلا