ليلة القادسية

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وأصبحوا ليلة القادسية ؛ وهي صبحة ليلة الهرير، وهي تسمى ليلة القادسية، من بين تلك الأيام والناس حسرى، لم يغمضوا ليلتهم كلها، فسار القعقاع في الناس، فقال: إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر. فآثروا الصبر على الجزع ؛ فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء وصمدوا لرستم، حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح، ولما رات ذلك القبائل قام فيها رجال، فقام قيس بن عبد يغوث والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وابن ذي السهمين الخثعمى وابن ذي البردين الهلالي، فقالوا: لا يكونن هؤلاء أجد في أمر الله منكم، ولا يكونن هؤلاء - لأهل فارس - أجرأ على الموت منكم ؛ ولا اسخى أنفساً عن الدنيا، تنافسوها. فحملوا مما يليهم حتى خالطوا الذين يإزائهم وقام في ربيعة رجال، فقالوا: أنتم أعلم الناس بفارس وأجرؤهم عليهم فيما مضى ؛ فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم بالجرأة! فكان أول من زال حين قام قائم الظهيرة الهزمزان والبيرزان، فتأخرا وثبتا حيث انتهيا، وانفرج القلب حين قام قائم الظهيرة، وركد عليهم النقع، وهبت ريح عاصف، فقلعت طيارة رستم عن سريره، فهوت في العتيق ؛ وهي ذبور، ومال الغبار عليهم، وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير فعثروا به، وقد قام رستم عنه حين طارت الريح بالطيارة إلى بغال قد قدمت عليه بمال يومئذ فهي واقفة، فاستظل في ظل بغل وحمله، وضرب هلال بن علفة الحمل الذي رستم تحته ؛ فقطع حباله، ووقع عليه أحد العدلين، ولا يراه هلال ولا يشعر به ؛ فأزال من ظهره فقاراً، ويضربه ضربه فنفحت مسكاً، ومضى رستم نحو العتيق فرمى بنفسه فيه، واقتحمه هلال عليه ؛ فتناوله وقد عام ؛ وهلال قائم، فأخذ برجله، ثم خرج به إلى الجد ، فضرب جبينه بالسيف حتى قتله، ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال، وصعد السرير، ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة ؛ إلى ؛ فأطافوا به وما يحسون السرير ولا يرونه ؛ وكبروا وتنادوا، وانبت قلب المشركين عندها وانهزموا ، وقام الجالنوس على الردم، ونادى أهل فارس إلى العبور، وانسفر الغبار ؛ فأما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق، فوخزهم المسلمون برماحهم فما أفلت منهم مخبر، وهم ثلاثون ألفاً، وأخذ ضرار بن الخطاب درفش كابيان، فعوض منها ثلاثين ألفاً وكانت قيمتها ألف ألف ومائتي ألف، وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتلوا في الأيام فبله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عطية، عن عمرو بن سلمة، قال: قتل هلال بن علفة رستم يوم القادسية.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن ابن مخراق، عن أبي كعب الطائي، أبيه قال: أصيب من الناس قبل ليلة الهرير ألفان وخمسمائة، وقتل ليلة الهرير ويم القادسية ستة آلاف من المسلمين، فدفنوا في الخندق بحيال مشرق.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: لما انكشف أهل فارس ؛ فلم يبق منهم بين الخندق والعتيق أحد، وطبقت القتلى ما بين قديس والعتيق أمر سعد زهرة باتباعهم، فنادى زهرة في المقدمات، وأمر القعقاع بمن سفل، وشرحبيل بمن علا، وأمر خالد بن عرفطة بسلب القتلى وبدفن الشهداء، فدفن الشهداء ، شهداء ليلة الهرير ويوم القادسية ، حول قديس ألفان وخمسمائة وراء العتيق بحيال مشرق، ودفن شهداء ما كان قبل ليلة الهرير على مشرق، وجمعت الأسلاب والأموال فجمع منها شئ لم يجمع قبله ولا بعده مثله ؛ وأرسل سعد إلى هلال، فدعا له، فقال: أين صاحبك؟ قال: رميت به تحت أبغل ؛ قال: اذهب فجئ به، فذهب فجاء به، فقال: جرده إلا ما شئت، فأخذ سلبه فلم يدع عليه شيئاً، ولما رجع القعقاع وشرحبيل قال لهذا: أغد فيما طلب هذا، وقال لهذا: أغد فيما طلب هذا ؛ فعلا هذا، وسفل هذا، حتى بلغا مقدار الحرارة من القادسية، وخرج زهرة بن الحوية في آثارهم، وانتهى إلى الردم وقد بثقوه ليمنعوهم به من الطلب، فقال زهرة: يا بكير، أقدم، فضرب فرسه، وكان يقاتل على الإناث، فقال: ثبي أطلال، فتجمعت وقالت: وثبا وسورة البقرة! ووثب زهرة - وكان عن حصان - وسائر الخيل فاقتحمته، وتتابع على ذلك ثلثمائة فارس، ونادى زهرة حيث كاعت الخيل: خذوا أيها الناس على القنطرة، وعارضونا، فمضى ومضى الناس إلى القنطرة يتبعونه، فلحق بالقوم والجالنوس في آخرهم يحميهم، فشاوله زهرة، فاختلفا ضربتين، فقتله زهرة، وأخذ سلبه، وقتلوا ما بين الحرارة إلى السيلحين، إلى النجف؛ وأمسوا فرجعوا فباتوا بالقادسية.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن شبرمة، عن شقيق، قال: اقتحمنا القادسية صدر النهار، فتراجعنا وقد أتى الصلاة ؛ وقد أصيب المؤذن، فتشاح الناس في الأذن حتى كادوا أن يجتلدوا بالسيوف، فأقرع سعد بينهم ؛ فخرج سهم رجل فأذن.

ثم رجع الحديث. وتراجع الطلب الذين طلبوا من علا على القادسية ومن سفل عنها، وقد أنى الصلاة وقد قتل المؤذن فتشاحوا على الأذن، فأقرع بينهم سعد، وأقاموا بقية يومهم ذلك وليلتهم حتى رجع زهرة، وأصبحوا وهم جميع لا ينتظرون أحداً من جندهم ؛ وكتب سعد بالفتح وبعدة من قتلوا ومن أصيب من المسلمين، وسمى لعمر من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: دعاني سعد، فأرسلني أنظر له في القتلى، وأسمى له رءوسهم، فأتيته فأعلمته، ولم أر رستم في مكانه، فأرسل إلى رجل من التيم يدعى هلالاً، فقال: ألم تبلغني أنك قتلت رستم ! قال: بلى، قال: فما صنعت به؟ قال: ألقته تحت قوائم الأبغل، قال: فكيف قتله؟ فأخبره، حتى قال: ضربت جبينه وأنفه. قال: فجئنا به، فأعطاه سلبه، وكان قد تخفف حين وقع إلى الماء، فباع الذي عليه بسبعين ألفاً، وكانت قيمة قلنسوته مائة ألف لو ظفر بها. وجاء نفر من العباد حتى دخلوا على سعد، فقالوا: أيها الأمير ؛ رأينا جسد رستم على باب قصرك وعليه رأس غيره ؛ وكان الضرب قد شوهه ؛ فضحك.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقال الديلم ورؤساء أهل المسالح الذين استجابوا للمسلمين، وقاتلوا معهم على غير الإسلام: إخواننا الذين دخلوا في هذا الأمر من أول الشأن أصوب منا خير، ولا والله لا يفلح اهل فارس بعد رستم إلا من دخل في هذا الأمر منهم ؛ فأسلموا ؛ وخرج صبيان العسكر في القتلى، ومعهم الأداوى يسقون من به رمق من المسلمين، ويقتلون من به رمق من المشركين، وانحدروا من العذيب مع العشاء. قال: وخرج زهرة في طلب الجالنوس، وخرج القعقاع وأخوة وشرحبيل في طلب من ارتفع وسفل، فقتلوهم في كل قرية وأجمة وشاطئ نهر، ورجعوا فوافوا صلاة الظهر، وهنأ الناس أميرهم، وأثنى على كل حي خيراً، وذكره منهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، قال: خرج زهرة حتى أدرك الجالنوس ؛ ملكاً من ملوكهم ؛ بين الحرارة والسيلحين، وعليه يارقان وقلبان وقرطان على برذون له قد خضد، فحمل عليه، فقتله. قال: والله إن زهرة يومئذ لعلى فرس له ما عنانها إلا من حبل مضفور كالمقود، وكذلك حزامها شعر منسوج، فجاء بسلبه إلى سعد، فعرف الأسارى الذين عند سعد سلبه، فقالوا: هذا سلب الجالنوس، فقال له سعد: هل أعانك عليه أحد؟ قال: نعم، قال: من ؟ قال: الله، فنفله سلبه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبيدة، عن إبراهيم، قال: كان سعد استكثر له سلبه، فكتب فيه إلى عمر، فكتب إليه عمر: إني قد نفلت من قتل رجلاً سلبه ؛ فدفعه إليه فباعه بسبعين ألفاً.

وعن سيف، عن البرمكان، والمجالد عن الشعبي، قالك لحق به زهرة، فرفع له الكرة فما يخطئها بنشابة، فالتقيا فضربه زهرة فجد له - ولزهرة يومئذ ذاؤبه وقد سود في الجاهلية، وحسن بلاؤه في الإسلام وله سابقة، وهو يومئذ شاب - فتذرع زهرة ما كان على الجالنوس، فبلغ بضعة وسبعين ألفاً. فلما رجع إلى سعد نزع سلبه، وقال: ألا انتظرت إذني! وتكاتبا، فكتب عمر إلى سعد: تعمد إلى مثل زهرة - وقد صلى بمثل ما صلى به، وقد بقى عليك من حربك ما بقى - تكسر قرنه، وتفسد قلبه! أمض له سلبه، وفضله على أصحابه عند العطاء بخمسمائة.

وعن سيف، عن عبيد، عن عصمة، قال: كتب عمر إلى سعد: أنا أعلم بزهرة منك، وإن زهرة لم يكن ليغيب من سلب سلبه شيئاً ؛ فإن كان الذي سعى به إليك كاذباً فلقاه الله مثل زهرة، في عضديه يا رقان ؛ وإني قد نفلت كل من قتل رجلاً سلبه ؛ فدفعه إليه فباعه بسبعين ألفاً.

وعن سيف، عن عبيدة، عن إبراهيم وعامر، أن أهل البلاء يوم القادسية فضلوا عند العطاء بخمسمائة خمسمائة في أعطياتهم، خمسة وعشرين رجلاً ؛ منهم زهرة، وعصمة الضبى، والكلج. وأما أهل الأيام، فإنه فرض لهم على ثلاثة آلاف فضلوا على أهل القادسية.

وعن سيف، عن عبيدة، عن يزيد الضخم، قال: فقيل لعمر: لو ألحقت بهم أهل القادسية! فقال: لم أكن لألحق بهم من لم يدركهم. وقيل له في أهل القادسية. لو فضلت من بعدت داره على من قاتلهم بفنائه! قال: وكيف أفضلهم عليهم على بعد دارهم، وهم شجن العدو، وما سويت بينهم حتى استطبتهم ؛ فهلا فعل المهاجرون بالأنصار إذ قاتلوا بفنائهم مثل هذا! وعن سيف، عن المجالد، عن الشعبي، وسعيد بن المرزبان عن رجل من بني عبس، قال: لما زال رستم عن مكانه ركب بغلاً، فلما دنا منه هلال نزع له نشابة، فأصاب قدمه فشكها في الركاب، وقال: بيابه ، فأقبل عليه هلال. فنزل فدخل تحت البغل، فلما لم يصل إليه قطع عليه المال، ثم نزل إليه ففلق هامته.

وعن سيف، عن عبيدة، عن شقيق، قال: حملنا على الأعاجم يوم القادسية حملة رجل واحد، فهزمهم الله، فلقد رأيتني أشرت إلى أسوار منهم فجاء إلى وعليه التام، فضربت عنقه، ثم أخذت ما كان عليه.

وعن سيف، عن سعيد بن المرزبان، عن رجل من بني عبس، قال: أصاب أهل فارس يومئذ بعد ما انهزموا ما أصاب الناس قبلهم ؛ قتلوا حتى إن كان الرجل من المسلمين ليدعوا الرجل منهم فيأتيه حتى يقوم بين يديه، فيضرب عنقه، وحتى إنه ليأخذ سلاحه فيقتله به، وحتى إنه ليأمر الرجلين أحدهما بصاحبه ؛ وكذلك في العدة.

وعن سيف، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عمن شهدها، قال: أبصر سلمان بن ربيعة الباهلي أناساً من الأعاجم تحت راية لهم قد حفروا لها، وجلسوا تحتها، وقالوا لا نبرح حتى نموت، فحمل عليهم فقتل من كان تحتها وسلبهم. وكان سلمان فارس الناس يوم القادسية وكان أحد الذين مالوا بعد الهزيمة على من ثبت، والآخر عبد الرحمن بن ربيعة ذو النور، ومال على آخرين قد تكتبوا، ونصبوا للمسلمين فطحنهم بخيله.

وعن سيف، عن الغصن، عن القاسم، عن البهى، أن الشعبي قال: كان يقال: لسلمان أبصر بالمفاصل من الجازر بمفاصل الجزور. فكان موضع المحبس اليوم دار عبد الرحمن بن ربيعة، والتي بينها وبين دار المختار دار سليمان ؛ وإن الأشعث بن قيس استقطع فناء كان قدامها، هو اليوم في دار المختار، فأقطعه فقال له: ما جرأك على يا أشعث؟ والله لئن حزتها لأضربنك بالجنثى - يعنى سيفه - فانظر ما يبقى منك بعد فصدف عنها ولم يتعرض لها.

وعن سيف، عن المهلب ومحمد وطلحة وأصحابه، قالوا: وثبت بعد الهزيمة بضع وثلاثون كتيبة، واستقتلوا واستحيوا من الفرار، فأبادهم الله، فصمد لهم بضعةوثلاثون من رؤساء المسلمين، ولم يتبعوا فاله القوم، فصمد سلمان بن ربيعة لكتبية وعبد الرحمن بن ربيعة ذو النور لأخرى ؛ وصمد لكل كتيبة منها رأس من رؤساء المسلمين. وكان قتال أهل هذه الكتائب، من أهل فارس على وجهين ؛ فمنهم من كذب فهرب، ومنهم من ثبت حتى قتل ؛ فكان ممن هرب من أمراء تلك الكتائب الهرمزان وكان بإزاء عطارد، وأهود وكان بإزاء حنظلة بن الربيع، وهو كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وزاد بن بهيش وكان بإزاء عاصم بن عمرو، وقارن وكان بإزاء القعقاع بن عمرو ؛ وكان ممن استقتل شهريار بن كنار وكان بإزاء سلمان. وابن الهربذ وكان بإزاء عبد الرحمن، والفرخان الأهوازي بإزاء يسر بن أبي رهم الجهني، وحشر وشنوم والهمذاني وكان بحيال ابن الهذيل الكاهلي.

ثم إن سعداً أتبع بعد ذلك القعقاع وشرحبيل من صوب في هزيمته أو صعد عن العسكر وأتبع زهرة بن الحوية الجالنوس.

ذكر حديث ابن سحاق: قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: ومات المثنى بن حارثة، وتزوج سعد بن أبي وقاص امرأته سلمى ابنة خصفة وذلك في سنة أربع عشرة. وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب. ودخل أبو عبيدة بن الجراح تلك السنة دمشق، فشتا بها، فلما أصافت الروم سار هرقل في الروم حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم وجذام وبلقين وبلى وعاملة، وتلك القبائل من قضاعة، غسان بشر كثير ؛ ومعه من أهل أرمينية مثل ذلك، فلما نزلها أقام بها، وبعث الصقلار ؛ خصياً له، فسار بمائة ألف مقاتل، معه من أهل أرمينة اثنا عشر ألفاً، عليهم جرحة، ومعه من المستعربة من غسان وتلك القبائل من قضاعة اثنا عشر ألفاً عليهم جبلة بن الأيهم العساني، وسائرهم من الروم ؛ وعلى جماعة الناس الصقلار خصى هرقل ؛ وسار إليهم المسلمون وهم أربعة وعشرون ألفاً عليهم أبو عبيدة بن الجراح، فالتقوا باليرموك في رجب سنة خمس عشرة ؛ فاقتتل الناس قتالاً شديداً حتى دخل عسكر المسلمين، وقاتل نساء من نساء قريش بالسيوف حين دخل العسكر - منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام - حتى سابقن الرجال، وقد كان انضم إلى المسلمين حين ساروا إلى الروم ناس من لخم وجذام ؛ فلما رأوا جد القتال فروا ونجوا إلى ما كان قربهم من القرى، وخذلوا المسلمين.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محي بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: قال قائل من المسلمين حين رأى من لخم وجذام ما رأى:

القوم لخم وجذام في الهـرب          ونحن والروم بمرج نضطرب

فإن يعودوا بعدها لا نصطحب حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب ابن كيسان، عن عبد الله بن الزبير، قال: كنت مع أبي الزبير عام اليرموك؛ فلما تعبى المسلمون للقتال، لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله بن الزبير معكما في الرحل ؛ فإنه غلام صغير. قال: ثم توجه فدخل في الناس ؛ فلما اقتتل الناس والروم نظرت إلى ناس وقوف على تل لا يقاتلون مع الناس. قال: فأخذت فرساً للزبير كان خلفه في الرحل فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك الناس فوقفت معهم ؛ فقلت: أنظر ما يصنع الناس ؛ فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخة من قريش من مهاجرة الفتح وقوفاً لا يقاتلون ؛ فلما رأوني رأوا غلاماً حدثا، فلم يتقوني. قال: فجعلوا والله إذا مال المسلمون وركبتهم الحرب، للروم يقولون: إيه بلأ صفر ! فإذا مالت الروم وركبهم المسلمون، قالوا: يا ويح بلأ صفر! فجعلت أعجب من قولهم، فلما هزم الله الروم ورجع الزبير، جعلت أحدثه خبرهم. قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبوا إلا ضغناً! ماذا لهم إن يظهر علينا الروم! لنحن خير لهم منهم.

ثم إن الله تبارك وتعالى أنزل نصره، فهزمت الروم وجموع هرقل التي جمع فأصيب من الروم أهل إرمينية والمستعربة سبعون ألفاً، وقتل الله الصقلار وباهان ؛ وقد كان هرقل قدمه مع الصقلار حين لحق به، فملا هزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية، فصالحه أهلها على الجزية، ثم انصرف ، ولما سمع هرقل بذلك بعث إلى مقاتلتها ومن فيها، فساقهم إليه، وأمر بملطية فحرقت. وقتل من المسلمين يوم اليرموك من قريش من بني أمية بن عبد شمس عمرو بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص ؛ ومن بني مخزوم عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد، ومن بني سهم سعيد بن الحارث بن قيس.

قال: وفي آخر سنة خمس عشرة، قتل الله رستم بالعراق ؛ وشهد أهل اليرموك حين فرغوا منه يوم القادسية مع سعد بن أبي وقاص، وذلك أن سعداً حين حسر عنه الشتاء، سار من شراف يريد القادسية، فسمع به رستم، فخرج إليه بنفسه ؛ فلما سمع بذلك سعد وقف، وكتب إلى عمر يستمده ؛ فبعث إليه عمر المغيرة بن شعبة الثقفي في أربعمائة رجل مدداً من المدينة، وأمده بقيس بن مكشوح المرادي في سبعمائة، فقدموا عليه من اليرموك، وكتب إلى أبي عبيدة: أن أمد سعد بن أبي وقاص أمير العراق بألف رجل من عندك ؛ ففعل أبو عبيدة، وأمر عليهم عياض بن غنم الفهري ؛ وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب سنة خمس عشرة.

وقد كان لكسرى مرابطة في قصر بني مقاتل، عليها النعمان بن قبيصة ؛ وهو ابن حية الطائي ابن عم قبيصة بن إياس بن حية الطائي صاحب الحيرة ؛ فكان في منظرة له، فلما سمع بسعد بن أبي وقاص سأل عنه عبد الله بن سنان ابن جرير الأسدي ؛ ثم الصيداوى، فقيل له: رجل من قريش، فقال: أما إذ كان قرشياً فليس بشئ ؛ والله لأجاهدنه القتال ؛ إنما قريش عبيد من غلب ؛ والله ما يمنعون خفيراً، ولا يخرجون من بلادهم إلا بخفير ؛ فغضب حين قال ذلك عبد الله بن سنان الأسدي، فأمهله حتى إذا دخل عليه وهو نائم، فوضع الرمح بين كتفيه فقتله، ثم لحق بسعد فأسلم. وقال في قتله النعمان بن قبيصة:

لقد غادر الأقوام ليلة أدلـجـو              بقصر العبادى ذا الفعال مجدلا
دلفت له تحت العجاج بطعـنة             فأصبح منها في النجيع مرملاً
أقول له والرمح في نغض كتفه            أبا عامر عنك اليمين تحـلـلا
سقيت بها النعمان كأسـاً روية           وعاطيته بالرمح سماً مثـمـلاً
تركت سباع الجو يعرفن حوله             وقد كان عنها لأبن حية معزلا
كفيت قريشاً إذ تغيب جمعـهـا            وهدمت للنعمان عزاً مـؤثـلا

ولما لحق سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة وقيس بن مكشوح فيمن معهما، سار إلى رستم حين سمع به حتى نزل قادس - قرية إلى جانب العذيب - فنزل الناس بها، ونزل سعد في قصر العذيب، وأقبل رستم في جموع فارس ستين ألفاً مما أحصى لنا في ديوانه، سوى التباع والرقيق، حتى نزل القادسية وبينه وبين الناس جسر القادسية، وسعد في منزله وجع، قد خرج به قرح شديد، ومعه أبو محجن بن حبيب الثقفي محبوس في القصر، حبسه في شرب الخمر، فلما أن نزل بهم رستم بعث إليهم أن ابعثوا إلى رجلاً منكم جليداُ أكلمه، فبعثوا إليه المغيرة بن شعبة، فجاءه وفد فرق رأسه أربع فرق: فرقة من بين يديه إلى قفاه، وفرقة إلى أذنيه، ثم عقص شعره، ولبس برداً له، ثم أقبل حتى انتهى إلى رستم، ورستم من وراء الجسر العتيق مما يلي العراق، والمسلمون من ناحيته الأخرى مما يلي الحجاز فيما بين القادسية والعذيب، فكلمه رستم، فقال: إنكم معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد، وكنتم تأتوننا من بين تاجر وأجير ووافد، فأكلتم من طعامنا، وشربتم من شرابنا، واستظللتم من طلالنا ؛ فذهبتم فدعوتم أصحابكم، ثم أتيتمونا بهم، وإنما مثلكم مثل رجل كان له حائط من عنب، فرأى فيه ثعلباً واحداً، فقال: ما ثعلب واحد ! فانطلق الثعلب، فدعا الثعالب إلى الحائط ؛ فلما اجتمعن فيه جاء الرجل فسد الجحر الذي دخلن منه، ثم قتلهن جميعاً. وقد أعلم أن الذي حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي قد أصابكم ؛ فارجعوا عنا عامكم هذا، فإنكم قد شغلتمونا عن عمارة بلادنا، وعن عدونا، ونحن نوقر لكم ركائبكم قمحاً وتمراً، ونأمر لكم بكسوة، فارجعوا عنا عافاكم الله! فقال المغيرة بن شعبة: لا تذكر لنا جهداً إلا وقد كنا في مثله أو أشد منه ؛ أفضلنا في أنفسنا عيشاً الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ ماله فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزل كذلك حتى بعث الله فينا نبياً، وأنزل عليه الكتاب، فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به، فصدقه منا مصدق، وكذبه منا آخر، فقاتل من صدقه من كذبه، حتى دخلنا في دينه من بين موقن به، وبين مقهور؛ حتى استبان لنا أنه صادق، وأنه رسول من عند الله. فأمرنا أن نقاتل من خالفنا ، وأخبرنا أن من قتل منا على دينه فله الجنة، ومن عاش ملك وظهر على من خالفه ؛ فنحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله، وتدخل في ديننا، فإن فعلت كانت لك بلادك، لا يدخل عليك فيها إلا من أحببت، وعليك الزكاة والخمس، وإن أبيت ذلك فالجزية ؛ وإن أبيت ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك.

قال له رستم: ما كنت أظن أنى أعيش حتى حتى أسمع منكم هذا معشر العرب. لا أمسى غداً حتى أفرغ منكم وأقتلكم كلكم. ثم بالعتيق أن يسكر، فبات ليلته يسكر بالبراذع والتراب والقصب حتى أصبح، وقد تركه طريقاً مهيعاً وتعبى له المسلمون، فجعل سعد على جماعة الناس خالد بن عرفطة حليف بني أمية بن عبد شمس، وجعل على ميمنة الناس جرير بن عبد الله البجلي، وجعل على ميسرتهم قيس بن المكشوح المرادي.

ثم زحف إليهم رستم، وزحف إليه المسلمون، وما عامة جننهم - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله ابن أبي بكر - غير براذع الرحال، قد عرضوا فيها الجريد، يترسون بها عن أنفسهم، وما عامة ما وضعوه على رءوسهم إلا أنساع الرحال، يطوى الرجل نسع رحله على رأسه يتقى به، والفرس فيما بينهم من الحديد واليلامق ؛ فاقتتلوا قتالاً شديداً، وسعد في القصر ينظر، معه سلمى بنت خصفة ؛ وكانت قبله عند المثنى بن حارثة، فجالت الخيل، فرعبت سلمى حين رأت الخيل جالت، فقالت : وامثنياه ولا مثنى لي اليوم !فغار سعد فلطم وجهها، فقالت: أغيرة وجبناً! فلما رأى أبو محجن ما تصنع الخيل حين جالت، وهو ينظر من قصر العذيب وكان مع سعد فيه، قال:

كفى حزناً أن تردى الخيل بالقنا            وأترك مشدوداً على وثـاقـيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقـت           مصاريع دوني لا تجيب المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخـوة                 فقد تركوني واحداً لا أخا لـيا

فكلم زبراء أم ولد سعد - وكان عندها محبوساً، وسعد في رأس الحصن ينظر إلى الناس - فقال: يا زبراء، أطلقينى ولك على عهد الله وميثاقه، لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلى الحديد في رجلى، فأطلقته وحملته على فرس لسعد بلقاء وخلت سبيله، فجعل يشد على العدو وسعد ينظر. فجعل سعد يعرف فرسه وينكرها، فلما أن فرغوا من القتال ؛ وهزم الله جموع فارس، رجع أبو محجن إلى زبراء، فأدخل رجله في قيده، فلما نزل سعد من رأس الحصن رأى فرسه تعرق، فعرف أنها قد ركبت، فسأل عن ذلك زبراء، فأخبرته خبر أبي محجن فخلى سبيله..

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: وقد كان عمرو بن معد يكرب شهد القادسية مع المسلمين.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود النخعي، عن أبيه، قال: شهدت القادسية ؛ فلقد رأيت غلاماً منا من النخع يسوق ستين أو ثمانين رجلا من أبناء الأحرار. فقلت: لقد أذل الله أبناء الأحرار??! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي خالد، مولى بجيلة، عن قيس بن ابي حازم البجلي - وكان ممن شهد القادسية مع المسلمين - قال: كان معنا يوم القادسية رجل من ثقيف، فلحق بالفرس مرتداً، فأخبرهم أن بأس الناس في الجانب الذي به بجيلة. قال: وكنا ربع الناس ؛ فوجهوا إلينا ستة عشر فيلا وإلى سائر الناس فيلين، وجعلوا يلقون تحت أرجل خيولنا مسك الحديد، ويرشفوننا بالنشاب، فكأنه المطر علينا، وقرنوا خيلهم بعضها إلى بعض لئلا يفروا. قال: وكان عمرو بن معد يكرب يمر بنا فيقول: يا معشر المهاجرين، كونوا أسوداً، فإنما الأسد من أغنى شأنه ؛ فإنما الفارس تيس إذا ألقى نيزكه.

قال: وكان أسوار منهم لا يكاد تسقط له نشابة، فقلنا له: يا أبا ثور، اتق ذلك الفارس فإنه لا تقع له نشابة ؛ فتوجه إليه ورماه الفارس بنشابة فأصاب قوسه، وحمل عليه عمرو فاعتنقه فذبحه، واستلبه سوارين من ذهب ومنطقة من ذهب ويلمقاً من ديباج، وقتل الله رستم، وأفاء على المسلمين عسكره وما فيه، وإنما المسلمون ستة آلاف أو سبعة آلاف، وكان الذي قتل رستم هلال بن علفة التيمي رآه فتوجه إليه، فرماه رستم بنشابة فأصاب قدمه وهو يتبعه، فشكها إلى ركاب سرجه، ورستم يقول بالفارسية: بيابه، أي كما أنت ؛ وحمل عليه هلال بن علفة فضربه فقتله، ثم احتز رأسه فعلقه، وولت الفرس فأتبعهم المسلمون يقتلونهم ؛ فلما بلغت الفرس الحرارة نزلوا فشربوا من الخمر، وطعموا من الطعام، ثم خرجوا يتعجبون من رميهم، وأنه لم يعمل في العرب. وخرج جالنوس فرفعوا له كرة فهو يرميها ويشكها بالنشاب، ولحق بهم فرسان من المسلمين وهم هنالك ، فشد على جالنوس زهرة بن حوية التيمي فقتله، وانهزمت الفرس، فلحقوا بدير قرة وما وراءه، ونهض سعد بالمسلمين حتى نزل بدير قرة على من هنالك من الفرس ؛ وقد قدم عليهم وهم بدير قرة عياض بن غنم في مدده من أهل الشأم، وهم ألف رجل، فأسهم له سعد ولأصحابه مع المسلمين فيما أصابوا بالقادسية، وسعد وجع من قرحته تلك، وقال جرير بن عبد الله:

أنا جرير كنيتي أبو عـمـرو          قد نصر الله وسعد في القصر

وقال رجل من المسلمين أيضاً:

نقاتل حتى أنزل الله نصره            وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثـيرة           ونسوة سعد ليس فيهن أيم

قال: ولما بلغ ذلك من قولهما سعداً، خرج إلى الناس فاعتذر إليهم، ورأاهم ما به من القرح في فخذيه وأليتيه، فعذره الناس، ولم يكن سعد لعمري يجبن ؛ فقال سعد يجيب جريراً فيما قال:

وما أرجو بجلـية غـير أنـى               أومل أجرهم يوم الحـسـاب
فقد لقيت خـيولـهـم خـيولا             وقد وقع الفوارس في ضراب
وقد دلفت بعرصتـهـم فـيول              كأن زهاءهـا إبـل جـراب

ثم أن الفرس هربت من دير قرة إلى المدائن يريدون نهاوند، واحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والفرند والحرير والسلاح وثياب كسرى وبناته، وخلوا ما سوى ذلك، وأتبعهم سعد الطلب من المسلمين، فبعث خالد بن عرفطة حليف بني أمية، ووجه معه عياض بن غنم في أصحابه، وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي، وعلى ميسرتهم زهرة بن حوية التيمي ؛ وتخلف سعد لما به من الوجع ؛ فلما أفاق سعد من وجعه ذلك اتبع الناس بمن بقى معه من المسلمين ؛ حتى أدركهم دون دجلة على بهر سير، فلما وضعوا على دجلة العسكر والأثقال طلبوا المخاضة، فلم يهتدوا لها ؛ حتى أتى سعداً علج من أهل المدائن، فقال: أدلكم على طريق تدركونهم قبل أن يمعنوا في السير! فخرج بهم على مخاضة بقطر بل، فكان أول من خاض المخاضة هاشم بن عتبة في رجله، فلما جاز اتبعه خيلة، ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله، ثم أجاز عياض بن غنم نجيلة، ثم تتابع الناس فخاضوا حتى أجازوا فزعموا أنه لم يهتد لتلك المخاضة بعد.ثم ساروا حتى انتهوا إلى مظلم ساباط، فأشفق الناس أن يكون به كمين للعدو، فتردد الناس، وجبنوا عنه ؛ فكان أول من دخله بجيشه هاشم بن عتبة، فلما أجاز ألاح للناس بسيفه، فعرف الناس أن ليس به شئ يخافونه ، فأجازوا بهم خالد بن عرفطة، ثم لحق سعد بالناس، حتى انتهوا إلى جاولاء وبها جماعة من الفرسفكانت وقعة جلولاء بها، فهزم الله الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفئ أفضل مما أصابوا بالقادسية، وأصيب ابنة لكسرى، يقال لها منجانة ؛ ويقال: بل ابنة ابنة. وقال شاعر ن المسلمين:

يا رب مر حسن مطـهـم              يحمل أثقال الغلام المسلم
ينجو إلى الرحمن من جهنم        يوم جلولاء ويوم رسـتـم
ويم زحف الكوفة المقـدم             ويم لاقى حنيقة مـهـزم

ثم كتب إلى سعد إلى عمر بما فتح الله بلى المسلمين ؛ فكتب إليه عمر: أن قف ولا تطلبوا غير ذلك. فكتب إليه سعد أيضاً: إنما هي سربة واتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحراً. فنزل سعد بالناس الأنبار، فاجتووها وأصابتهم بها الحمى، فلم توافقهم، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك، فكتب إلى سعد أنه لا تصلح العرب إلا حيث يصلح البعير والشاة في منابت العشب ؛ فانظر فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزلا.

قال: فسار سعد حتى نزل كويفة عمرو بن سعد، فلم توافق الناس مع الذباب والحمى. فبعث سعد رجلاً من الأنصار يقال له الحارث بن سلمة - ويقال: بل عثمان بن حنيف، أخابني عمرو بن عوف - فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس، وخط مسجدها، وخط فيها الخطط للناس.

وقد كان عمر بن الخطاب خرج في تلك السنة إلى الشأم فنزل الجابية، وفتحت عليه إيلياء ؛ مدينة بيت المقدس، وبعث فيها أبو عبيدة بن الجراح حنظلة بن الطفيل السلمى إلى حمص، ففتحها الله على يديه، واستعمل سعد بن أبي وقاص على المدائن رجلاً من كندة، يقال له شرحبيل بن السمط ؛ وهو الذي يقول فيه الشاعر:

ألا ليتني والمرء سعد بـن مـالـك          وربراء وابن السمط في لجة البحر

ذكر أحوال أهل الواد كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، قال: قال رجل منا يوم القادسية مع الفتح:

 نقاتل حتى أنزل الله نصره        وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثـيرة        ونسوة سعد ليس فيهن أيم

فبعث بها في الناس، فبلغت سعداً، فقال: اللهم إن كان كاذباً، أو قال الذي رياء وسمعه وكذباً، فاقطع عنى لسانه ويده.

وقال قبيضة: فو الله إنه لواقف بين الصفين يومئذ ؛ إذا أقبلت نشابة لدعوة سعد، حتى وقعت في لسانه فيبس شقة ؛ فما تكلم بكلمة حتى لحق الله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المقدام بن شريح الحارثى، عن أبيه، قال: قال جرير يومئذ:

أنا جرير كنيتي أبو عـمـرو           قد نصر الله وسعد في القصر

فأشرف عليه، فقال:

وما أرجو بجـيلة غـير أنـى            أؤمل أجرها يوم الـحـسـاب
وقد لقيت خـيولـهـم خـيولاً           وقد وقع الفوارس في الضراب
فلولا جمع قعقاع بن عـمـرو         وحمال للجوا فـي الـكـذاب
هم منعوا جموعكم بـطـعـن         وضرب مثل تشقـيق الإهـاب
ولولا ذاك ألـفـيتـم رعـاعـاً            تشل جموعكم مثـل الـذبـاب

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن سليم بن عبد الرحمن السعدي، عن عثمان بن رجاء السعدي، قال: كان سعد بن مالك أجرأ الناس وأشجعهم ؛ إنه نزل قصراً غير حصين بين الصفين، فأشرف منه على الناس، ولو أعراه الصف فواق ناقة أخذ برمته ؛ فوالله ما أكرثه هول تلك الأيام ولا أقلقه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن سليمان بن بشير، عن أم كثير ؛ امرأة همام بن الحارث النخعي، قالت: شهدنا القادسية مع سعد مع أزواجنا، فلما أتانا أن قد فرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا، وأخذنا الهراوى، ثم أتينا القتلى ؛ فما كان من المسلمين سقيناه ورفعناه؛ وما كان من المشركين أجهزنا عليه، وتبعنا الصبيان نوليهم ذلك ، ونصرفهم به.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عطية - وهو ابن الحارث - عمن أدرك ذلك ؛ قال: لم يكن من قبائل العرب أحد أكثر امرأوة يوم القادسية من بجلية والنخع، وكان في النخع سبعمائة امرأة فارغة، وفي بجيلة ألف، فصاهر هؤلاء ألف من أحياء العرب، وهؤلاء سبعمائة، وكانت النخع تسمى أصهار المهاجرين، وبجيلة، وإنما جرأهم على الإنتقال بأثقالهم توطئة خالد، والمثنى بعد خالد، وأبي عبيد بعد المثنى، وأهل الأيام، فلا قوا بأساً بعد ذلك شديداً.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد والمهلب وطلحة، قالوا: وكان بكير بن عبد الله الليثي وعتبة بن فرقد السلمى وسماك بن خرشة الأنصاري - وليس بأبي دجانة - قد خطبوا امرأة يوم القادسية، وكان مع الناس نساؤهم ؛ وكانت مع النخع سبعمائة امرأة فارغة ؛ وكانوا يسمون أختان المهاجرين حتى كان قريباً ؛ فتزوجهن المهاجرون قبل الفتح وبعد الفتح ؛ حتى استوعبهن، فصار إليهن سبعمائة رجل من الأفناء ؛ فلما فرغ الناس خطب هؤلاء النفر هذه المرأة - وهي أروى ابنة عامر الهلالية - هلال النخع ؛ وكانت أختها هنيدة تحت القعقاع بن عمرو التيمي، فقالت لأختها: استشيري زوجك أيهم يراه لنا ! ففعلت ؛ وذلك بعد الوقعة وهم بالقادسية ؛ فقالك القعقاع: سأصفهم في الشعر فانظرى لأختك، وقال:

إن كنت حاولت الداراهم فانكحـى           سماكاً أخا الأنصار أو إبن فـرقـد
وإن كنت حاولت الطعان فيمـمـى            بكيراً إذا ما الخيل جالت عن الردى
وكلهم في ذروة الـمـجـد نـازل                فشأنكم إن الـبـيان عـن الـغـد

وقالوا: وكانت العرب توقع وقعة العرب وأهل فارس في القادسية فيما بين العذيب إلى عدن أبين، وفيما بين الأبلة وأيلة ؛ يرون أن ثبات ملكهم وزواله بها، وكانت في كل بلد مصيخة إليها، تنظر مايكون من أمرها ؛ حتى إن كان الرجل ليريد الأمر فيقول :لا أنظر فيه حتى أنظرما يكون من أمر القادسية. فلما كانت وقعة القادسية سارت بها الجن فأتت بها ناساً من الإنس، فسبقت أخبار الإنس إليهم ؛ قالوا: فبدرت امرأة ليلاً على جبل بصنعاء، لا يدري من هي ؟ وهي تقول:

حييت عنا عكرم ابـنة خـالـد                وما خير زاد بالقليل المصـرد
وحيتك عنى الشمس عند طلوعها       وحياك عنى كل ناج مـفـرد
وحيتك عنى عصبة نـخـعـية                 حسان الوجوه آمنوا بمحـمـد
أقاموا لكسرى يضربون جنـوده              بكل رقيق الشفرتين مـهـنـد
إذا ثوب الداعي أناخوا بكلـكـل              من الموت تسود الغياطل مجرد

وسمع أهل اليمامة مجتازاً يغنى بهذه الأبيات:

وجدنا الأكثرين بني تـمـيم                 غداة الروع أصبرهم رجالاً
هم ساروا بأرعن مكفهـر                   إلى لجب فزرتهم رعـالا
بحور للأكاسير من رجـال                  كأسد الغاب تحبهم جـبـالاً
تركن لهم بقادس عز فخـر                 وبالخيفـين أيامـاً طـوالا
مقطعة أكفـهـم وسـوق                    بمردى حيث قابلت الرجالا

قال: وسمع بنجو ذلك في عامة بلاد العرب.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد والمهلب وطلحة، قالوا: وكتب سعد بالفتح وبعدة من قتلوا وبعدة من أصيب من المسلمين ؛ وسمى لعمر من يعرف مع سعد بن عميله الفزارى، وشاركهم النضر بن السرى عن ابن الرفيل بن ميسور ؛ وكان كتابه: أما بعد ؛ فإن الله نصرنا على أهل فارس، ومنحهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم، بعد قتال طويل وزلزال شديد، وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الراءون مثل زهائها فلم ينفعهم الله بذلك، بل سلبهموه ونقله عنهم إلى المسلمين، واتبعهم المسلمون على الأنهار وعلى طفوف الآجام وفي الفجاج ؛ وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ، وفلان، وفلان، ورجال من المسلمين لاتعلمهم، الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل ذوى النحل، وهم آساد الناس؛ لا يشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقى إلا بفضل الشهادة إذ لم تكتب لهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد بن سعيد، قال: لما أتى عمر بن الخطاب نزول رسم القادسية، كان يستخبر الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتضاف النهار، ثم يرجع إلى أهله ومنزله. قال: فلما لقى البشير سأله من أين ؟ فأخبره، قال: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو ، وعمر يخب معه ويستخبره والآخر يسير على ناقته ولا يعرفه ؛ حتى دخل المدينة، فإذا الناس يسلمون عليه بإمره المؤمنين، فقال: فهلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين! وجعل عمر يقول: لا عليك يا أخي! كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وزيادة، قالوا: وأقام المسلمون في انتظار بلوغ البشير وأمر عمر، يقومون أقباضهم، ويحزرون جندهم، ويرمون أمروهم. قالوا: وتتابع أهل العراق من أصحاب الأيام الذين شهدوا اليرموك ودمشق، ورجعوا ممدين لأهل القادسية ؛ فتوافوا بالقادسية من الغد ومن الغد، وجاء أولهم يوم أغواث، وآخرهم من بعد الغد من يوم الفتح، وقدمت أمداد فيها مراد وهمدان، ومن أفناء الناس، فكتبوا فيهم إلى عمر يسألونه عما يسألونه عما ينبغي أن يسار به فيهم - وهذا الكتاب الثاني بعد الفتح - مع نذير بن عمرو. ولما أتى عمر الفتح قام الناس فقرأ عليهم الفتح ، وقال: إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تآسينا في عيشنا حتى نستوى في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل ؛ إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم، وإنما أنا عبد الله عرض على الأمانة، فإن أبيتها ورددتها عليكم واتبعتكم وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبقها إلى بيتي شقيت ؛ ففرحت قليلا، وحزنت طويلاً، وبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب.

قالوا: وكتبوا إلى عمر مع أنس بن الحليس: إن أقواماً من أهل السواد أدعوا عهوداً، ولم يقم على عهد أهل الأيام لنا، ولم يف به أحد علمناه إلا أهل بانقياً وبسماً وأهل أليس الآخرة وادعى أهل السواد أن فارس أكرهوهم وحشروهم ؛ فلم يخالفوا إلينا ؛ ولم يذهبوا في الأرض.

كتب مع أبي الهياج الأسدي - يعنى ابن مالك - إن أهل السواد جلوا، فجاءنا من أمسك بعهده ولم يجلب علينا ؛ فتممنا لهم ما كان بين المسلمين قبلنا وبينهم ؛ وزعموا أن أهل السواد قد لحقوا بالمدائن، فأجدث إلينا فيمن تم وفيمن جلا وفيمن ادعى أنه استكره وحشر فهرب ولم يقاتل، او استسلم ؛ فإنا بأرض رغيبة ، والأرض خلاء من أهلها، وعددنا قليل، وقد كثر أهل صلحنا ؛ وإن عمر لنا وأوهن لعدونا تألفهم. فقام عمر في الناس فقال:إنه من يعمل بالهوى والمعصية يسقط حظه ولا بضر إلا نفسه، ومن يتبع السنة وينته إلى الشرائع، ويلزم السبيل النهج ابتغاء ما عند الله لأهل الطاعة ؛ أصاب أمره، وظفر بحظه، وذلك بأن الله عز وجل يقول: (ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا) ، وقد ظفر أهل الأيام والقوادس بما يليهم، وجلا أهله، وأتاهم من أقام على عهدهم، فما رأيكم فيمن زعم أنه استكره وحشر ؛ وفيمن لم يدع ذلك ولم يقم وجلا، وفيمن أقام ولم يدع شيئاً، ولم يجل، وفيمن استسلم. فأجمعوا على أن الوفاء لمن أقام وكف لم يزده غابه إلا خيرا، وأن من ادعى فصدق أو وفى فبمنزلتهم، وإن كذب نبذ إليهم وأعادوا صلحهم ؛ وأن يجعل أمر من جلا إليهم، فإن شاءوا وادعوهم وكانوا لهم ذمة، وإن شاءوا تموا على منعهم من أرضهم ولم يعطوهم إلا القتال ؛ وأن يخيروا من أقام واستسلم: الجزاء، أو الجلاء، وكذلك الفلاح.

وكتب جواب كتاب أنس بن الحليس: أما بعد ؛ فإن الله جل وعلا أنزل في كل شئ رخصة في بعض الحالات إلا في أمرين: العدل في السيرة والذكر ؛ فأما الذكر فلا رخصة فيه في حالة، ولم يرضى منه إلا بالكثير، وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدة ولا في رخاء، والعدل - وإن رئى ليناً - فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور، وإن رئى شديداً فهو أنكش للكفر ؛ فمن تم على عهده من أهل السواد، ولم يعن عليكم بشئ ؛ فلهم الذمة، وعليهم الجزية ؛ وأما من ادعى أنه استكره ممن لم يخالفهم إليكم أو يذهب في الأرض ؛ فلا تصدقوهم بما ادعوا من ذلك إلا أن تشاءوا ؛ وإن لم تشاءوا فانبذوا إليهم، وأبلغوا مأمنهم.

وأجابهم في كتاب أبي الهياج: أما من أقام ولم يجل وليس له عهد فلم ما لأهل العهد بمقامهم لكم وكفهم عنكم إجابة، وكذلك الفلاحون إذا فعلوا ذلك ؛ وكل من ادعى ذلك فصدق فلهم الذمة ؛ وإن كذبوا نبذ إليهم ؛ وأما من أعان وجلا ؛ فذلك أمر جعله الله لكم ؛ فإن شئتم فادعوهم إلى أن يقيموا لكم في أرضهم، ولهم الذمة وعليهم الجزية ؛ وإن كرهوا ذلك فاقسموا ما أفاء الله عليكم منهم.

فلما قدمت كتب عمر على سعد بن مالك والمسلمين عرضوا على من يليهم ممن جلا وتنحى عن السواد أن يتراجعوا، ولهم الذمة وعليهم الجزية، فتراجعوا وصاروا ذمة كمن تم وازم عهده ؛ إلا أن خرجوا أثقل ؛ فأنزلوا من ادعى الإستكراه وهرب منزلتهم وعقدوا لهم، وأنزلوا من أقام منزلة ذي العهد وكذلك الفلاحين، ولم يدخلوا في الصلح ما كان لآل كسرى، ولا ما كان لمن خرج معهم، ولم يجبهم إلى واحدة من اثنتين: الإسلام، أو الجزاء، فصارت فيئاً لمن أفاء الله عليه ؛ فهي والصوافى الأولى ملك لمن أفاء الله عليه، وسائر السواد ذمة وأخذوهم بخراج كسرى، وكان خراج كسرى على رءوس الرجال على ما في أيديهم من الحصة والأموال، وكان مما أفاء الله عليهم ما كان لآل كسرى، ومن صوب معهم وعيال من قاتل معهم وماله، وما كان لبيوت النيران والآجام ومستنقع المياه، وكا كان للسكك، وما كان لآل كسرى، فلم يتأت قسم ذلك الفئ الذي كان لآل كسرى ومن صوب معهم ؛ لأنه كان متفرقاً في كل السواد، فكان يليه لأهل الفئ من وثقوا به، وتراضوا عليه ؛ فهو الذي يتداعاه أهل الفئ لآعظم السواد؛ وكانت الولاة عند تنازعهم فيها بقسمة بينهم ؛ فذلك الذي شبه على الجهلة أمر السواد، ولكن الحلماء أبوا، فتابع الولاة الحلماء، وترك قول السفهاء. كذلك صنع على رحمه الله، وكل من طلب إليه قسم ذلك فإنما تابع الحلماء، وترك قول السفهاء، وقالوا: لئلا يضرب بعضهم وجوه بعض.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن عامر الشعبي، قال: قلت له: السواد ما حاله؟ قال: أخذ عنوة، وكذلك كل أرض إلا الحصون، فجلا أهلها ؛ فدعوا إلى الصلح والذمة، فأجابوا وتراجعوا، فصاروا ذمة، عليهم الجزاء، ولهم المنعة، وذلك هو السنة، كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدومة، وبقى ما كان لآل كسرى ومن خرج معهم فيئاً لمن أفاء الله عليه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة وسفيان، عن ماهان، قالوا: فتح الله السواد عنوة - وكذلك كل أرض بينهما وبين نهر بلخ - إلا حصناً، ودعوا إلى الصلح، فصاروا ذمة، وصارت لهم أرضوهم ولم يدخلوا في ذلك أموال آل كسرى ومن اتبعهم، فصارت فيئاً لمن أفاءه الله عليه، ولا يكون شئ من الفتوح فيئاً حتى يقسم ؛ وهو قوله: (ما غنمتم من شيء) ؛ مما اقتسمتم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: عامة ما أخذ المسلمون عنوة فدعوهم إلى الرجوع والذمة، وعرضوا عليهم الجزاء فقبلوه ومنعوهم.

وعن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قال: قلت له: إن أناساً يزعمون أن أهل السواد عبيد، فقال: فعلام يؤخذ الجزاء من العبيد؟ أخذ السواد عنوة، وكل أرض علمتها إلا حصناً في جبل أو نحوه. فدعوا إلى الرجوع، وقبل منهم الجزاء، وصاروا ذمة ؛ وإنما يقسم من الغنائم ما تغنم ؛ فأما ما لم يغنم وأجاب أهله إلى الجزاء من قبل أن يتغنم، فلهم جرت السنة بذلك.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي ضمرة، عن عبد الله بن المستورد، عن محمد بن سيرين، قالك البلدان كلها أخذت عنوة إلا حصون قليلة، عاهدوا قبل أن ينزلوا. ثم دعوا - يعنى الذين أخذوا عنوة - إلى الرجوع والجزاء، فصاروا ذمة أهل السواد، والجبل كله أمر لم يزل يصنع في أهل الفئ، وإنما عمل عمر والمسلمون في هذا الجزاء والذمة على إجرايا ما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد كان بعث خالد بن الوليد من تبوك إلى دومة الجندل، فأخذها عنوة، وأخذ ملكها أكيدر بن عبد الملك أسيراً، فدعاه إلى الذمة والجزاء، وقد أخذت بلاده عنوة، وأخذ أسيراً؛ وكذلك فعل با بني عريض ، وقد أخذا فادعيا أنهما أوداؤه، فعقد لهما على الجزية والذمة، وكذلك كان أمر يحنه ابن رؤية صاحب أيلة. وليس المعمول به من الأشياء كرواية الخاصة، من روى غير ما عمل به الأئمة العدول المسلمون، فقد كذب وطعن عليهم.

وعن سيف، عن حجاج الصواف، عن مسلم مولى حذيفة، قال: تزوج المهاجرون والأنصار في أهل السواد - يعنى في أهل الكتابين منهم، ولو كانوا عبيداً لم يستحيوا ذلك، ولم يحل لهم أن ينكحوا إماء أهل الكتاب ؛ لأن الله تعالى يقول: (ومن لم يستطع منكم طولاً ...) الآية، ولم يقل: "فتياتهم من أهل الكتابين".

وعن سيف، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، قال: بعث عمر بن الخطاب إلى حذيفة بعدما ولاه المدائن وكثر المسلمات: إنه بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلقها. فكتب إليه: لا أفعل حتى تخبرني: أحلال أم حرام، وما أردت بذلك! فكتب إليه: لا بل حلال، ولكن في نساء الأعاجم خلابة، فإن أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم. فقال: الآن ؛ فطلقها.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أشعث، بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: شهدت القادسية مع سعد، فتزوجنا نساء أهل الكتاب، ونحن لا نجد كثير مسلمات، فلما قفلنا ؛ فمنا من طلق، ومنا من أمسك.

وعن سيف، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، قال: أخذ السواد عنوة، فدعوا إلى الرجوع والجزاء، فأجابوا إليه، فصاروا ذمة، إلا ما كان لآل كسرى، وأتباعهم، فصار فيئاً لأهله، وهو الذي يتحجى أهل الكوفة إلى أن أجهل ذلك، فحسبوه السواد كله، وأما سوادهم ؛ فذلك.

وعن سيف، عن المستنير بن يزيد، عن إبراهيم بن يزيد النخعى، قال: أخذ السواد عنوة، فدعوا إلى الرجوع، فن أجاب فعليه الجزية وله الذمة، ومن أبى صار ماله فيئاً، فلا يحل بيع شئ من ذلك الفئ فيما بين الجبل إلى العذيب من أرض السواد ولا في الجبل.

وعن سيف، عن محمد بن قيس، عن الشعبي، بمثله: لا يحل بيع شئ من ذلك الفئ فيما بين الجبل والعذيب.

وعن سيف، عن عمرو بن محمد، عن عامر، قال: أقطع الزبير وخباب وابن مسعود وابن ياسر وابن هبار أزمان عثمان، فإن يكن عثمان أخطأ فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأ ؛ وهم الذين أخذنا عنهم ديننا. وأقطع عمر طلحة وجرير بن عبد الله والربيل بن عمرو، وأقطع أبا مفرزردار الفيل في عدد ممن أخذنا عنهم، وإنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله.وكتب عمر إلى عثمان بن حنيف مع جرير: أما بعد ؛ فأقطع جرير ابن عبد الله قدر ما يقوته لا وكس ولا شطط فكتب عثمان إلى عمر: إن جريراً قدم على بكتاب منك تقطعه ما يقوته ما يقوته، فكرهت أن أمضى ذلك حتى أراجعك فيه. فكتب إليه عمر: أن قد صدق جرير، فأنفذ ذلك، وقد أحسنت في مؤامرتي وأقطع أبا موسى. وأقطع على رحمه الله كردوس بن هانئ الكردوسية، وأقطع سويد بن غفلة الجعفى.

وعن سيف، عن ثابت بن هريم، عن سويد بن غفلة، قال: استقطعت علياً رحمه الله، فقال: اكتب : هذا ما أقطع على سويداً أرضاً لداذويه ؛ ما بين كذا إلى كذا وما شاء الله.

وعن سيف، عن المستنير، عن ابراهيم بن يزيد، قال: عمر: إذا عاهدتم قوماً فأبرءوا إليهم من معرة الجيوش. فكانوا يكتبون في الصلح لمن عاهدوا: ((ونبرأ إليكن من معرة الجيوش)).

وقال الواقدي: كانت وقعة القادسية وافتتاحها ست عشرة، وكان بعض أهل الكوفة يقول: كانت وقعة القادسية سنة خمس عشرة.
قال: والثبت عندنا أنها كانت في سنة عشرة.

وأما محمد بن إسحاق فإنه قال: كانت سنة خمس عشرة، وقد مضى ذكرى الرواية عنه بذلك .