ثم دخلت سنة سبع عشرة

ففيها اختطّت الكوفة، وتحولّ سعد بالناس من المدائن إليها في قول سيف بن عمر وروايته.

ذكر سبب تحوّل من تحوّل من المسلمين من المدائن

إلى الكوفة وسبب اختطاطهم الكوفة في رواية سيف

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: لما جاء فتح جلولاء وحلوان ونزول القعقاع بن عمرو بحلوان فيمن معه، وجاء فتح تكريت والحصنين، ونزول عبد الله بن المعتمّ وابن الأفكل الحصنين فيمن معه؛ وقدمت الوفود بذلك على عمر، فلمّا رآهم عمر قال: والله ما هيئتكم بالهيئة التي أبدأتم بها؛ ولقد قدمت وفودالقادسيّة والمدائن وإنهم لكما أبدءوا، ولقد انتكيّم فما غيّركم؟ قالوا: وخومة البلاد. فنظر في حوائجهم، وعجل سراحهم؛ وكان في وفود عبد الله بن المعتمّ عتبة بن الوعل، وذو القرط، وابن ذي السّنينة، وابن الحجير وبشر، فعاقدوا عمر على بنى تغلب، فعقد لهم؛ على أنّ من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ومن أبى فعليه الجزاء؛ وإنما الإجبار من العرب على من كان في جزيرة العرب. فقالوا: إذا يهربون وينقطعون فيصيرون عجما؛ فأمر أجمل الصّدقة؛ فقال: ليس إلاّ الجزاء، فقالوا: تجعل جزيتهم مثل صدقة المسلم، فهو مجهودهم، ففعل على ألاّ ينصّروا وليدا ممن أسلم آباؤهم، فقالوا: لك ذلك، فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن أطاعهم من النمريّين والأدياديّين إلى سعد بالمدائن وخطّوا معه بعد بالكوفة، وأقام من أقام في بلاده على ما أخذوا لهم على عمر مسلمهم وذميّهم.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن ابن شبرمة، عن الشعبيّ، قال: كتب حذيفة إلى عمر: إنّ العرب قد أترفت بطونها، وخفّت أعضادها، وتغيّرت ألوانها. وحذيفة يومئذ مع سعد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأصحابهما، قالوا: كتب عمر إلى سعد: أنبئني ما الذي غيّر ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: إنّ العرب خدّدهم وكفى ألوانهم وخومة المدائن ودجلة؛ فكتب إليه: إن العرب لا يوافقها إلاّ ما وافق إبلها من البلدان، فابعث سلمان رائدا وحذيفة - وكانا رائدي الجيش - فليرتادا منزلا برّيّا بحريّا، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، ولم يكن بقى من أمر الجيش شئ إلا وقد أسنده إلى رجل، فبعث سعد حذيفة وسلمان، فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار، فسار في غربيّ الفرات لا يرضى شيئا، حتى أتى الكوفة. وخرج حذيفة في شرقيّ الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، والكوفة على حصباء - وكلّ رملة حمراء يقال لها سلهة، وكلّ حصباء ورمل هكذا مختلطين فهو كوفة - فأتيا عليها، وفيها ديرات ثلاثة: دير حرقة، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وخصاص خلال ذلك، فأعجبتهما البقعة، فنزلا فصليّا، وقال كلّ واحد منهما: اللهمّ ربّ السماء وما أظلّت، وربّ الأرض وما أقلت، والريح وما ذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما جرت، والشياطين وما أضلّت، والخصائص وما أجنّت؛ بارك لنا في هذه الكوفة، واجعله منزل ثبات. وكتب إلى سعد بالخبر.

حدّثني محمد بن عبد الله بن صفوان، قال: حدّثنا أميّة بن خالد، قال: حدّثنا أو عوانة، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: لما هم الناس يوم جلولاء، رجع سعد بالناس، فلمّا قدم عمار خرج بالناس إلى المدائن فاجتووها؛ قال عمّار: هل تصلح بها الإبل؟ قالوا: لا؛ إنّ بها البعوض، قال: قال عمر: إنّ العرب لا تصلح بأرض لا تصلح بها الإبل. قال: فخرج عمار بالناس حتى نزل الكوفة.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن مخلد بن قيس، عن أبيه، عن النسير بن ثور، قال: ولما اجتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلناها وآذاهم الغبار والذّباب، وكتب إلى سعد في بعثه روّادا يرتادون منزلا بريّا بحريّا، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح البعير والشاة؛ سأل من قبله عن هذه الصفة فيما بينهم، فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللّسان - وظهر الكوفة يقال له اللسان، وهو فيما بين النهرين إلى العين، عين بنى الحذاء، كانت العرب تقول: أدلع البرّ لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط، وما كان يلي الطين منه فهو النّجاف - فكتب إلى سعد يأمره به: كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: ولما قدم سلمان وحذيفة على سعد، وأخبراه عن الكوفة، وقدم كتاب عمر بالذي ذكرا له، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو: أن خلّف على الناس بجلولاء قباذ فيمن تبعكم إلى من كان معه من الحمراء. ففعل وجاء حتى قدم على سعد في جنده، وكتب سعد إلى عبد الله بن المعتمّ: أن خلّف على الموصل مسلم بن عبد الله الذي كان أسر أيام القادسيّة فيمن استجاب لكم من الأساورة، ومن كان معكم منهم. ففعل، وجاء حتى قدم على سعد في جنده، فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في المحرّم سنة سبع عشرة. وكان بين وقعة المدائن ونزول الكوفة سنة وشهران، وكان بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر؛ اختطّت سنة أربع من إمارة عمر في المحرّم سنة سبع عشرة من التأريخ، وأعطوا العطايا بالمدائن في المحرّم من هذه السنة قبل أن يرتحلوا. وفي بهرسير، في المحرّم سنة ستّ عشرة، واستقرّ بأهل البصرة منزلهم اليوم بعد ثلاث نزلات قبلها، كلها ارتحلوا عنها في المحرّم سنة سبع عشرة، واستقرّ باقي قرارهما اليوم في شهر واحد.

وقال الواقديّ: سمعت القاسم بن معن يقول: نزل الناس الكوفة في آخر سنة سبع عشرة.

قال: وحدّثني ابن أبي الرّقاد، عن أبيه، قال: نزلوها حين دخلت سنة ثماني عشرة، في أوّل السنة.

رجع الحديث إلى حديث سيف. قالوا: وكتب عمر إلى سعد بن مالك وإلى عتبة بن غزوان أن يتربّعا بالناس في كلّ حين ربيع في أطيب أرضهم، وأمر لهم بمعاونهم في الربيع من كلّ سنة، وبإعطائهم في المحرّم من كلّ سنة، وبفيئهم عند طلوع الشّعرى في كلّ سنة؛ وذلك عند إدراك الغلاّت، وأخذوا قبل نزول الكوفة عطاءين.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن مخلد بن قيس، عن رجل من بني أسد يدعى المغرور، قال: لما نزل سعد الكوفة، كتب إلى عمر: إنىّ قد نزلت بكوفة منزلا بين الحيرة والفرات برّيا بحريا، ينبت الحلّى والنّصىّ، وخيّرت المسلمين بالمدائن، فمن أعجبه المقام فيها تركته فيها كالمسلحة. فبقى أقوام من الأفناء، وأكثرهم بنو عبس.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد والمهلب، قالوا: ولما نزل أهل الكوفة الكوفة، واستقرّت بأهل البصرة الدار، عرف القوم أنفسهم، وثاب إليهم ما كانوا فقدوا. ثمّ إنّ أهل الكوفة استأذنوا في بنيان القصب، واستأذن فيه أهل البصرة، فقال عمر: العسكر أجدّ لحربكم وأذكى لكم، وما أحبّ أن أخالفكم، وما القصب؟ قالوا: العكرش إذا روى قصّب فصار قصبا، قال: فشأنكم؛ فابتنى أهل المصرين بالقصب.

ثم إنّ الحريق وقع بالكوفة وبالبصرة، وكان أشدّهما حريقا الكوفة، فاحترق ثمانون عريشا، ولم يبق فيها قصبة في شوّال، فما زال الناس يذكرون ذلك. فبعث سعد منهم نفرا إلى عمر يستأذنون في البناء باللبن، فقدموا عليه بالخبر عن الحريق، وما بلغ منهم - وكانوا لا يدعون شيئا ولا يأتونه إلاّ وآمروه فيه - فقال: افعلوا؛ ولا يزيدنّ أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان، والزموا السنّة تلزمكم الدولة. فرجع القوم إلى الكوفة بذلك. وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة بمثل ذلك؛ وعلى تنزيل أهل الكوفة أو الهيّاج بن مالك، وعلى تنزيل أهل البصرة عاصم ابن الدّلف أبو الجرباء.

قال: وعهد عمر إلى الوقد وتقدّم إلى الناس إلاّ يفعوا بنيانا فوق القدر.

قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقرّبكم من السّرف، ولا يخرجكم من القصد.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: لما أجمعوا على أن يضعوا بنيان الكوفة، أرسل سعد إلى أبي الهيّاج فأخبره بكتاب عمر في الطّرق، أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا، وما يليها ثلاثين ذراعا، وما بين ذلك عشرين، وبالأزّفة سبع أذرع، ليس دون ذلك شئ، وفي القطائع ستين ذراعا إلاّ الذي لبنى ضبّة. فاجتمع أهل الرأى للتقدير؛ حتى إذا أقاموا على شئ قسّم أبو الهيّاج عليه؛ فأوّل شئ خطّ بالكوفة وبنى حين عزموا على البناء المسجد، فوضع في موضع أصحاب الصابون والتّمارين من السوق، فاختطوه، ثم قام رجل في وسطه، رام شديد النّزع، فرمى عن يمينه فأمر من شاء أن يبنى وراء موقع السهمين. فترك المسجد في مرّبعة غلوة من كلّ جوانبه، وبنى ظلّة في مقدمه، ليست لها مجنّبات ولا مواخير، والمربعة لاجتماع الناس لئلا يزدحموا - وكذلك كامن المساجد ما خلا المسجد الحرام، فكانوا لا يشبّهون به المساجد تعظيما لحرمته، وكانت ظلّته مائتى ذراع على أساطين رخام كانت للأكاسرة، سماؤها كأسمية الكنائس الرّومية، وأعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان، وبنوا لسعد دارا بحياله بينهما طريق منقب مائتى ذراع، وجعل فيها بيوت الأموال، وهي قصر الكوفة اليوم، بنى ذلك له بوزبه من آجرّ بنيان الأكاسرة بالحيرة، ونهج في الودعة من الصحن خمسة مناهج، وفي قبلته أربعة مناهج، وفي شرقيّه ثلاثة مناهج، وفي غربيّه ثلاثة مناهج، وعلّمها، فأنزل في ودعة الصحن سليما وثقيفا مما يلي الصحن على طريقين، وهمدان على طريق، وبجيلة على طريق آخر، وتيم اللاّت على آخرهم وتغلب، وأنزل في قبلة الصحن بنى أسد على طريق، وبين بنى أسد والنّخع طريق، وبي النّخع وكندة طريق، وبين كندة والأزد طريق، وأنزل في شرقىّ الصحن الأنصار، ومزينة على طريق، وتميما ومحاربا على طريق، وأسدا وعامرا على طريق، وأنزل في غربىّ الصحن بجالة وبجلة على طريق، وجديلة وأخلاطا على طريق، وجهينة وأخلاطا على طريق، فكان هؤلاء الذين يلون الصحن وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك. واقتسمت على السّهمان؛ فهذه مناهجها العظمى. وبنوا مناهج دونها تحاذى هذه ثم تلاقيها، وأخر تتبعها، وهي دونها في الذّرع، والمحالّ من ورائها؛ وفيما بينها، وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن، ونزل فيها الأعشار من أهل الأيّام والقوادس، وحمى لأهل الثغور والموصل أماكن حتى يوافوا إليها؛ فلما ردفتهم الروادف؛ البدء والثّناء، وكثروا عليهم، ضيّق الناس المحالّ فمن كانت رادفته كثيرة شخص إليهم وترك محلّته، ومن كانت رادفته قليلة أنزلوهم منازل من شخص إلى رافته لقلته إذا كانوا جيرانهم؛ وإلاّ وسعوا على روادفهم وضيّقوا على أنفسهم؛ فكان الصحن على حاله زمان عمر كله، لا تطمع في القبائل؛ ليس فيه إلا المسجد والقصر، والأسواق في غير بنيان ولا أعلام. وقال عمر: الأسواق على سنّة المساجد، من سبق إلى مقعد فهو له؛ حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه؛ وقد كانوا أعدّوا مناخا لكل رادف؛ فكان كلّ من يجئ سواء فيه - وذلك المناخ اليوم دور بنى البكّاء - حتى يأتوا بالهيّاج، فيقوم في أمرهم حتى يقطع لهم حيث أحبّوا. وقد بنى سعدفي الذين خطّوا للقصر قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، فشيّده، وجعل فيه بيت المال، وسكن ناحيته. ثم إنّ بيت المال نقب عليه نقبا، وأخذ من المال، وكتب سعد بذلك إلى عمر، ووصف له موضع الدّار وبيوت المال من الصّحن مما يلي ودعة الدار. فكتب إليه عمر: أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار، واجعل الدّار قبلته؛ فإنّ للمسجد أهلا بالنهار وبالليل؛ وفيهم حصن لما لهم، فنقل المسجد وأراغ بنيانه، فقال له دهقان من أهل همذان؛ يقال له روزيبه بن بزرجمهر: أنا أبنيه لك، وأبنى لك قصرا فأصلهما، ويكون بنيانا واحدا. فخطّ قصر الكوفة على ما خطّ عليه، ثم أنشأه من نقض آجرّ قصر كان للأكاسرة في ضواحى الحيرة على مساحته اليوم، ولم يسمح به، ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال منه إلى منتهى القصر، يمنة على القبلة، ثم مدّ به عن يمين ذلك إلى منقطع رحبة علىّ بن أبي طالب عليه السلام، والرحبة قبلته، ثم مدّ به فكانت قبلة المسجد إلى الرّحبة وميمنة القصر، وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكسرى بكنائس بغير مجنّبات؛ فلم يزل على ذلك حتى بنى أزمان معاوية بن أبي سفيان بنيانه اليوم؛ على يدى زياد. ولما أراد زياد بنيانه دعا ببنّائين من بنّائي الجاهليّة، فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يشتهى من طوله في السماء، وقال: أشتهى من ذلك شيئا لا أقع على صفته؛ فقال له بنّاء قد كان بنّاء لكسرى: لا يجئ هذا إلا بأساطين من جبال أهواز، تنقر ثم تثقب، ثم تحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد، فترفعه ثلاثين ذراعا في السماء، ثم تسقّفه، وتجعل له مجنّبات ومواخير؛ فيكون أثبت له. فقال: هذه الصّفة التي كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبرها. وغلّق باب القصر، وكانت الأسواق تكون في موضعه بين يديه، فكانت غوغاؤهم تمنع سعدا الحديث؛ فلمّا بنى ادّعى الناس عليه ما لم يقل، وقالوا: قال سعد: سكّن عنى الصّويت. وبلغ عمر ذلك، وأنّ الناس سيمّونه قصر سعد، فدعا محمد بن مسلمة، فسّرحه إلى الكوفة، وقال: اعمد إلى القصر حتى تحرق بابه، ثم ارجع عودك على بدئك؛ فخرج حتى قدم الكوفة، فاشترى حطبا، ثم أتى به القصر، فأحرق الباب، وأتى سعد فأخبر الخبر، فقال: هذا رسول أرسل لهذا من الشأن، وبعث لينظر من هو؟ فإذا هو محمد بن مسلمة، فأرسل إليه رسولا بأن ادخل، فأبى فخرج إليه سعد، فأراده على الدخول النزول، فأبى، وعرض عليه نفقة فلم يأخذ، ودفع كتاب عمر إلى سعد: بلغني أنك بنيت قصرا اتّخذته حصنا ، ويسمى قصر سعد، وجعلت بينك وبين الناس بابا؛ فليس بقصرك؛ ولكنه قصر الخبال؛ انزل منه منزلا مما يلي بيوت الأموال وأغلقه، ولا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله وتنفيهم به عن حقوقهم، ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت؛ فحلف له سعد ما قال الذي قالوا. ورجع محمد بن مسلمة من فوره؛ حتى إذا دنا من المدينة فنى زاده، فتبلّغ بلحاء نمت لحاء الشجر، فقدم على عمر، وقد سنق فأخبره خبره كله، فقال: فهلا قبلت من سعد! فقال: لو أردت ذلك كتبت لي به، أو أذنت لي فيه، فقال عمر: إنّ أكمل الرّجال رأيا من إذا لم يكن عنده عهد من صاحبه عمل بالحزم، أو قال به، ولم ينكل؛ وأخبره بيمين سعد وقوله، فصدّق سعدا وقال: هو أصدق ممن روى عليه ومن أبلغني.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عطاء أبي محمد، مولى إسحاق بن طلحة، قال: كنت أجلس في المسجد الأعظم قبل أن يبنيه زياد؛ وليست له مجنّبات ولا مواخير، فأرى منه دير هند وباب الجسر.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن ابن شبرمة، عن الشعبيّ، قال: كان الرجل يجلس في المسجد فيرى منه باب الجسر.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمر بن عيّاش، أخى أبي بكر بن عيّاش، عن أبي كثير، أن روزبه بن بزرجمهر بن ساسان كان همذانيّا، وكان على فرج من فروج الرّوم، فأدخل عليهم سلاحا، فأخافه الأكاسرة، فلحق بالرّوم، فلم يأمن حتى قدم سعد بن مالك، فبنى له القصر والمسجد. ثم كتب معه إلى عمر، وأخبره بحاله، فأسلم، وفرض له عمر وأعطاه، وصرفه إلى سعد مع أكريائه - والأكرياء يومئذ هو العباد - حتى إذا كان بالمكان الذي يقال له قبر العبادىّ مات، فحفروا له ثم انتظروا به من يمرّ بهم ممن يشهدونه موته، فمرّ قوم من الأعراب، وقد حفروا له على الطريق، فأروهموه ليبرءوا من دمه، وأشهدوهم ذلك، فقالوا: قبر العبادىّ - وقيل قبر العبادىّ لمكان الأكرياء - قال أبو كثير: فهو والله أبى، قال: فقلت: أفلا تخبر الناس بحاله! قال: لا.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد وزياد، قالوا: ورجح الأعشار بعضهم بعضا رجحانا كثيرا، فكتب سعد إلى عمر في تعديلهم، فكتب إليه: أن عدّ لهم، فأرسل إلى قوم من نسّاب العرب وذوى رأيهم وعقلائهم منهم سعيد بن نمران ومشعلة ابن نعم، فعدّلوهم عن الأسباع، فجعلوهم أسباعا، فصارت كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وغيرهم، وجديلة - وهم بنو عمرو بن قيس عيلان - سبعا، وصارت قضاعة - ومنهم يومئذ غسان بن شبام - وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت، والأزد سبعا، وصارت مذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعا، وصارت تميم وسائر الرّباب وهوزان سبعا، وصارت أسد وغطفان ومحارب والنّمر وضبيعة وتغلب سبعا، وصارت إياد وعكّ وعبد القيس وأهل هجر والحمراء سبعا، فلم يزالوا بذلك زمان عمر وعثمان وعلىّ، وعامّة إمارة معاوية، حتى ربّعهم زياد.