ذكر خبر حمص

حين قصد من فيها من المسلمين صاحب الروم وفي هذه السنة قصدت الرّوم أبا عبيدة بن الجرّاح ومن معه من جند المسلمين بحمص لحربهم؛ فكان من أمرهم وأمر المسلمين ما ذكر أبو عبيدة؛ وهو فيما كتب به إلىّ السرىّ عن شعيب، عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد - قالوا: أوّل ما أذن عمر للجند بالانسياج؛ أن الرّوم خرجوا، وقد تكاتبوا هم وأهل الجزيرة يريدون أبا عبيدة والمسلمين بحمص، فضّم أبو عبيدة إليه مسالحه، وعسكروا بفناء مدينة حمص، وأقبل خالد من قنسرين حتى انضّم إليهم فيمن انضم من أمراء المسالح، فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة أو التحصّن إلى مجئ الغياث، فكان خالد يأمره أن يناجزهم، وكان سائرهم يأمرونه بأن يتحصّن ويكتب إلى عمر، فأطاعهم وعصى خالدا، وكتب إلى عمر يخبره بخروجهم عليه، وشغلهم أجناد أهل الشأم عنه، وقد كان عمر اتّخذ في كلّ مصر عل قدره خيولا من فضول أموال المسلمين عدّة لكون إن كان، فكان بالكوفة من ذلك أربعة آلاف فرس. فلمّا وقع الخبر لعمر كتب إلى سعد ابن مالك: أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرّحهم من يومهم الذي يأتيك في كتابي إلى حمص؛ فإنّ أبا عبيدة قد أحيط به، وتقدّم إليهم في الجدّ والحثّ.

وكتب أيضا إليه أن سرّح سهيل بن عديّ إلى الجزيرة في الجند وليأت الرقة فإنّ أهل الجزيرة. هم الذين استثاروا الرّوم على أهل حمص؛ وإن أهل قرقيسياء لهم سلف. وسرّح عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، فإن أهل قرقيسياء لهم سلف، ثم لينفضا حرّان والرّهاء. وسرّح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ وسرّح عياضا؛ فإن كان قتال فقد جعلت أمرهم جميعا إلى عياض بن غنم - وكان عياض من أهل العراق الذين خرجوا مع خالد بن الوليد ممدّين لأهل الشأم، وممّن انصرف أيام انصرف أهل العراق ممدّين لأهل القادسيّة، وكان يرافد أبا عبيدة - فمضى القعقاع في أربعة آلاف من يومهم الذي أتاهم فيه الكتاب نحو حمص؛ وخرج عياض بن غنم وأمراء الجزيرة فأخذوا طريقة الجزيرة على الفراض وغير الفراض؛ وتوجّه كلّ أمير إلى الكورة التي أمّر عليها. فأتى الرّقة، وخرج عمر من المدينة مغيثا لأبى عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية. ولما بلغ أهل الجزيرة الذين أعانوا الرّوم على أهل حمص واستثاروهم وهم معهم مقيمون عن حديث من بالجزيرة منهم بأنّ الجنود قد ضربت من الكوفة، ولم يدروا: ألجزيرة يريدون أم حمص! فتفرّقوا إلى بلدانهم وإخوانهم، وخلّوا الرّوم. ورأى أبو عبيدة أمرا لما انفضّوا غير الأوّل، فاستشار خالدا في الخروج، فأمره بالخروج، ففتح الله عليهم. وقدم القعقاع بن عمرو في أهل الكوفة في ثلاث من يوم الوقعة، وقدم عمر فنزل الجابية، فكتبوا إلى عمر بالفتح وبقدوم المدد عليهم في ثلاث، وبالحكم في ذلك. فكتب إليهم أن أشركوهم، وقال: جزى الله أهل الكوفة خيرا! يكفون حوزتهم ويمدّون أهل الأمصار.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن زكرياء بن سياه، عن الشعبىّ، قال: استمدّ أبو عبيدة عمر، وخرجت عليه الرّوم، وتابعهم النصارى فحصروه، فخرج وكتب إلى أهل الكوفة، فنفر إليهم في غداة أربعة آلاف على البغال يجنبون الخيل، فقدموا على أبى عبيدة في ثلاث بعد الوقعة، فكتب فيهم إلى عمر، وقد انتهى إلى الجابية، فكتب إليه: أن أشركهم، فإنهم قد نفروا إليكم، وتفرّق لهم عدوّكم.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كان لعمر أربعة آلاف فرس عدّة لكون إن كان، يشتّيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته؛ ومن أجل ذلك يسمّى ذلك المكان الآرىّ إلى اليوم، ويربّعها فيما بين الفرات والأبيات من الكوفة مما يلي العاقول، فسمّته الأعاجم آخر الشاهجان، يعنون معلف الأمراء، وكان قيّمه عليها سلمان ابن ربيعة الباهلىّ في نفر من أهل الكوفة، يصنّع سوابقها، ويجريها في كلّ عام، وبالبصرة نحو منها، وقيّمه عليها جزء بن معاوية، وفي كلّ مصر من الأمصار الثمانية على قدرها، فإن نابتهم نائبة ركب قوم وتقدّموا إلى أن يستعدّ الناس.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن حلاّم، عن شهر ابن مالك بنحو منه. فلما فرغوا رجعوا.