ذكر الخبر عن وفاة عمر

وفي هذه السنة كانت وفاته

ذكر الخبر عن مقتله حدّثني سلم بن جنادة، قال: حدّثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: حدّثنا أبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة. - وكانت أمّه عاتكة بنت عوف - قال: خرج عمر بن الخطاب يوماً يطوف في السوق، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة؛ وكان نصرانيّاً، فقال: يا أمير المؤمنين، أعدني على المغيرة بن شعبة؛ فإنّ عليّ خراجاً كثيراً، قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان في كلّ يوم، قال: وأيشٍ صناعتك؟ قال: نجّار، نقّاش، حدّاد، قال: فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال؛ قد بلغني أنك تقول: لو أردت أن أعمل رحاً تطحن بالريح فعلت، قال: نعم؛ قال: فاعمل لي رحاً، قال: لئن سلمت لأعملنّ لك رحاً يتحدّث بها من بالمشرق والمغرب، ثم انصرف عنه؛ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لقد توعّدني العبد آنفاً! قال: ثمّ انصرف عمر إلى منزله؛ فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد، فإنك ميّت في ثلاثة أيام؛ قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عزّ وجلّ التوراة، قال عمر: آلله إنك لتجد عمر ابن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهمّ لا؛ ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فني أجلك - قال: وعمر لا يحسّ وجعاً ولا ألماً - فلما كان من الغد جاءه كعب، فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يومان وبقي يوم وليلة؛ وهي لك إلى صبيحتها. قال: فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة؛ وكان يوكّل بالصّفوف رجالا؛ فإذا استوت جاء هو فكبّر. قال: ودخل أبو لؤلؤة في الناس، في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ستّ ضربات، إحداهنّ تحت سرّته؛ وهي التي قتلته؛ وقتل معه كليب ابن أبي البكير الليثيّ - وكان خلفه - فلما وجد عمر حرّ السلاح سقط، وقال: أفي الناس عبد الرحمن بن عوف؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، هو ذا؛ قال: تقدّم فصلّ بالناس، قال: فصلى عبد الرحمن بن عوف، وعمر طريح، ثم احتمل فأدخل داره، فدعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: إني أريد أن أعهد إليك؛ فقال: يا أمير المؤمنين نعم؛ إن أشرت عليّ قبلت منك؛ قال: وما تريد؟ قال: أنشدك الله؛ أتشير عليّ بذلك؟ قال: اللهم لا، قال: والله لا أدخل فيه أبداً، قال: فهب لي صمتاً حتى أعهد إلى النّفر الذين توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. ادع لي عليّاً وعثمان والزبير وسعداً. قال: وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم؛ أنشدك الله يا عليّ إن وليت من أمور الناس شيئاً أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس؛ أنشدك الله يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئاً أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس؛ أنشك الله يا سعد إن وليت من أمور الناس شيئاً أن تحمل أقاربك على رقاب الناس؛ قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم؛ وليصلّ بالناس صهيب.

ثم دعا أبا طلحة الأنصاريّ، فقال: قم على بابهم؛ فلا تدع أحداً يدخل إليهم؛ وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان، أن يحسن إلى محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم؛ وأوصى الخليفة من بعدي بالعرب؛ فإنها مادّة الإسلام، أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فيوضع في فقرائهم، وأوصى الخليفة من بعدي بذمّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يوفي لهم بعهدهم، اللهم هل بلّغت! تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة؛ يا عبد الله بن عمر اخرج فانظر من قتلني؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة؛ يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر، يا عبد الله بن عمر، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر؛ وإن كانوا ثلاثة وثلاثة فاتّبع اعلحزب الذي فيه عبد الرحمن؛ يا عبد الله ائذن للناس، قال: فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه، ويقول لهم: أعن ملأ منكم كان هذا؟ فيقولون: معاذ الله! قال: ودخل في الناس كعب، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول:

فأوعدني كعب ثـلاثـاً أعـدّهـا               ولا شكّ أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت إنّي لـمـيّت          ولكن حذار الذّنب يتبعه الـذّنـب

قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين لو دعوت الطبيب! قال: فدعى طبيب من بني الحارث بن كعب، فسقاه نبيذاً فخرج النبيذ مشكّلاً، قال: فاسقوه لبناً، قال: فخرج اللبن محضاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين، اعههد، قال: قد فرغت.

قال: ثم توفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين. قال: فخرجوا به بكرة يوم الأربعاء، فدفن في بيت عائشة مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر. قال: وتقدّم صهيب فصلّى عليه، وتقدّم قبل ذلك رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: عليّ وعثمان، قال: فتقدّم واحد من عند رأسه، والآخر من عند رجليه؛ فقال عبد الرحمن: لا إله إلا الله؛ ما أحرصكما على الإمرة! أما علمتما أنّ أمير المؤمنين قال: ليصلّ بالناس صهيب! فتقدّم صهيب فصلّى عليه. قال: ونزل في قبره الخمسة.

قال أبو جعفر: وقد قيل إن وفاته كانت في غرّة المحرّم سنة أربع وعشرين.

ذكر من قال ذلك: حدّثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: طعن عمر رضي الله تعالى عنه يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرّم سنة أربع وعشرين؛ فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة، من متوفّى أبي بكر، على رأس اثنتين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوماً من الهجرة. وبويع لعثمان بن عفان يوم الاثنين لثلاث مضين من المحرم.

قال: فذكرت ذلك لعثمان الأخنسيّ، فقال: ما أراك إلا وهلت؛ توفّيَ عمر رضي الله تعالى عنه لأربع ليال بقين من ذي الحجة، وبويع لعثمان بن عفّان لليلة بقيت من ذي الحجّة، فاستقبل بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين.

وحدّثني أحمد بن ثابت الرازيّ، قال: حدّثنا محدّث، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة تمام سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام؛ ثم بويع عثمان بن عفان.

قال أبو جعفر: وأما المدائنيّ، فإنه قال فيما حدّثني عمر عنه، عن شريك، عن الأعمش - أو عن جابر الجعفيّ - عن عوف بن مالك الأشجعيّ وعامر بن أبي محمد، عن أشياخ من قومه؛ وعثمان بن عبد الرحمن، عن ابني شهاب الزّهريّ، قالوا: طعن عمر يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة. قال: وقال غيرهم: لستّ بقين من ذي الحجة.

وأما سيف، فإنه قال فيما كتب إليّ به السريبّ يذكر أن شعيباً حدّثه عنه، عن خليد بن ذفرة ومجالد، قال: استخلف عثمان لثلاث مضين من المحرم سنة أربع وعشرين، فخرج فصلّى بالناس العصر؛ وزاد: ووفّد فاستنّ به.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبيّ، قال: اجتمع أهل الشورى على عثمان؛ لثلاث مضين من المحرّم؛ وقد دخل وقت العصر، وقد أذّن مؤذن صهيب، واجتمعوا بين الأذان والإقامة، فخرج فصلّى بالناس، وزاد الناس مائة؛ ووفّد أهل الأمصار، وصنع فيهم. وهو أوّل من صنع ذلك.

وحدّثت عن هشام بن محمد، قال: قتل عمر لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام.

ذكر نسب عمر رضي الله عنه حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق. وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر وهشام ابن محمد. وحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، قالوا جميعاً في نسب عمر: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ. وكنيته أبو حفص، وأمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

تسميته بالفاروق قال أبو جعفر: وكان يقال له الفاروق.

وقد اختلف السلف فيمن سمّاه بذلك، فقال بعضهم: سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ذكر من قال ذلك: حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان، قال: قلت لعائشة: من سمّى عمر الفاروق؟ قالت: النبيّ صلى الله عليه وسلّم.

وقال بعضهم: أوّل من سمّاه بهذا الاسم أهل الكتاب.

ذكر من قال ذلك: حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق؛ وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم؛ ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذكر من ذلك شيئاً.

ذكر صفته حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيش، قال: خرج عمر في يوم عيد - أو في جنازة زينب - آدم طوالاً أصلع أعمر يسراً، يمشي كأنه راكب.

حدّثنا هنّاد؛ قال: حدّثنا شريك، عن عاصم، عن زرّ، قال: رأيت عمر يأتي العيد ماشياً حافياً أعمر أيسر متلبّباً برداً قطريّاً، مشرفاً على الناس كأنه على دابّة؛ وهو يقول: أيّها الناس؛ هاجروا ولا تهجّروا.

وحدثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد؛ قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: رأيت عمر رجلاً أبيض أمهق، تعلوه حمرة، طوالاً أصلع.

وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا شعيب بن طلحة، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، قال: سمعت ابن عمر يصف عمر يقول: رجل أبيض، تعلوه حمرة، طوال، أشيب، أصلع.

وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قال: أخبرنا خالد بن أبي بكر، قال: كان عمر يصفّر لحيته، ويرجّل رأسه بالحنّاء.

ذكر مولده ومبلغ عمره حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: ولدت قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين.

قال أبو جعفر: واختلف السلف في مبلغ سني عمر، فقال بعضهم: كان يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة.

ذكر بعض من قال ذلك: حدّثني زيد بن أخزم الطائي، قال: حدّثنا أبو قتيبة، عن جرير ابن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قتل عمر بن الخطّاب وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وحدّثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدّثنا نعيم ابن حمّاد، قال: حدّثنا الدراورديّ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: توفي عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وحدّثت عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن ابن شهاب أنّ عمر توفي على رأس خمس وخمسين سنة.

وقال آخرون: كان يوم توفّي ابن ثلاث وخمسين سنة وأشهر.

ذكر من قال ذلك: حدّثت بذلك عن هشام بن محمد بن الكلبيّ.

وقال آخرون توفّي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

ذكر من قال ذلك: حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عامر، قال: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وقال آخرون: توفّي وهو ابن إحدى وستين سنة.

ذكر من قال ذلك: حدّثت بذلك، عن أبي سلمة التّبوذكيّ، عن أبي هلال، عن قتادة.

وقال آخرون: توفيّ وهو ابن ستّين سنة.

ذكر من قال ذلك: حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: توفّي عمر وهو ابن ستين سنة.

قال محمد بن عمر: وهذا أثبت الأقاويل عندنا؛ وذكر عن المدائنيّ أنه قال: توفّي عمر وهو ابن سبع وخمسين سنة.

ذكر أسماء ولده ونسائه حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة، عن عليّ بن محمد والحارث، عن محمد بن سعد؛ عن محمد بن عمر. وحدّثت عن هشام بن محمد - اجتمعت معاني أقوالهم، واختلفت الألفاظ بها - قالوا: تزوّج عمر في الجاهلية زينب ابنة مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة.

وقال عليّ بن محمد: وتزوّج مليكة ابنة جرول الخزاعيّ في الجاهليّة، فولدت له عبيد الله بن عمر، ففارقها في الهدنة، فخلف عليها بعد عمر أبو الجهم بن حذيفة.

وأما محمّد بن عمر، فإنه قال: زيد لأصغر وعبيد الله الذي قتل يوم صفّين مع معاوية، أمّهما أمّ كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيّب بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشيّة بن سلول بن كعب ابن عمرو بن خزاعة؛ وكان الإسلام فرّق بينها وبين عمر.

قال عليّ بن محمد: وتزوّج قريبة ابنة أبي أميّة المخزوميّ في الجاهليّة، ففارقها أيضاً في الهدنة، فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.

قالوا: وتزوّج أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم في الإسلام؛ فولدت له فاطمة فطلّقها. قال المدائنيّ: وقد قيل: لم يطلقها.

وتزوج جميلة أخت عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - واسمه قيس بن عصمة بن مالك بن ضبيعة بن زيد بن الأوس من الأنصار في الإسلام - فولدت له عاصماً، فطلّقها وتزوّج أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب؛ وأمّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأصدقها - فيما قيل - أربعين ألفاً، فولدت له زيداً ورقيّة.

وتزوّج لهيّة، امرأة من اليمن، فولدت له عبد الرحمن. قال المدائنيّ: ولدت له عبد الرحمن الأصغر. قال: ويقال كانت أمّ ولد. قال الواقديّ: لُهيّة هذه أم ولد. وقال أيضاً: ولدت له لهيّة عبد الرحمن الأوسط. وقال: عبد الرّحمن الأصغر أمه أمّ ولد.

وكانت عنده فكيهة، وهي أمّ ولد وفي أقوالهم فولدت له زينب. وقال الواقديّ: هي أصغر ولد عمر.

وتزوّج عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل؛ وكانت قبله عند عبد الله ابن أبي بكر؛ فلمّا مات عمر تزوّجها الزبير بن العوّام.

قال المدائنيّ: وخطب أمّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك، فقالت أمّ كلثوم: لا حاجة لي فيه؛ فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين! قالت: نعم؛ إنه خشن العيش، شديد على النساء؛ فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أكفيك؛ فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين؛ بلغني خبر أعيذك بالله منه، قال: وما هو؟ قال: خطبت أمّ كلثوم بنت أبي بكر! قال: نعم؛ أفرغبت بي عنها، أم رغبت بها عني؟ قال: لا واحدة؛ ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أمّ المؤمنين في لين ورفق؛ وفيك غلظة، ونحن نهابك، وما ننقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك؛ فكيف بها إن خالفتك في شيء، فسطوت بها! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليك. قال: فكيف بعائشة وقد كلّمتها؟ قال: أنا لك بها؛ وأدلّك على خير منها، أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، تعلق منها بسبٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

قال المدائنيّ: وخطب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة، فكرهته، وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً، ويخرج عابساً.

ذكر وقت إسلامه قال أبو جعفر: ذكر أنه أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة.

ذكر من قال ذلك: حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني محمد بن عبد الله، عن أبيه، قال: ذكرت له حديث عمر، فقال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: أسسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة.
ذكر بعض سيره حدّثني أبو السائب، قال: حدّثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن حصين المرّيّ، قال: قالعمر: نما مثل العرب مثل جمل أنفٍ اتبع قائده، فلينظر قائده حيث يقوده؛ فأمّا أنا فوربّ الكعبة لأحملنّهم على الطريق.

وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: إذا كنت في منزلة تسعني وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوةً للناس.

حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: حدّثنا النّضر بن شميل، قال: أخبرنا قطن، قال: حدّثنا أبو يزيد المدينيّ، قال: حدّثنا مولىً لعثمان ابن عفان، قال: كنت رديفاً لعثمان بن عفان؛ حتى أتى على حظيرة الصدقة في يوم شديد الحرّ شديد السّموم؛ فإذا رجل عليه إزار ورداء، قد لفّ رأسه برداء يطرد الإبل يدخلها الحظيرة؛ حظيرة إبل الصدقة؛ فقال عثمان: من ترى هذا؟ قال: فانتهينا إليه؛ فإذا هو عمر بن الخطاب، فقال: هذا والله القويّ الأمين.

حدّثني جعفر بن محمد الكوفيّ وعباس بن أبي طالب؛ قالا: حدّثنا أبو زكرياء يحيى بن مصعب الكلبيّ، قال: حدّثنا عمر بن نافع، عن أبي بكر العبسيّ، قال: دخلت حير الصّدقة مع عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب، قال: فجلس عثمان في الظلّ يكتب، وقام على رأسه يملّ عليه ما يقول عمر، وعمر في الشمس قائم في يوم حارّ شديد الحرّ، عليه بردان أسودان؛ متّزراً بواحد، وقد لفّ على رأسه آخر، يعدّ إبل الصدقة، يكتب ألوانها وأسنانها، فقال عليّ لعثمان - وسمعته يقول: نعت بنت شعيب في كتاب الله: "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين"، ثم أشار عليّ بيده إلى عمر، فقال: هذا القويّ الأمين! حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسماعيل، عن يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: لئن عشت إن شاء الله لأسيرنّ في الرعيّة حولاً، فإني أعلم أنّ للناس حوائج تقطع دوني؛ أما عمّالهم فلا يرفعونها إليّ؛ وأمّا هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشأم، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، والله لنعم الحول هذا! حدثنى محمد بن عوف، قال: حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، قال حدثنى أبو المخارق زهير ابن سالم، أنّ كعب الأحبار، قال: نزلت على رجل يقال له مالك - وكان جاراً لعمر بن الخطاب - فقلت له: كيف بالدخول على أمير المؤمنين؟ فقال: ليس عليه باب ولا حجاب، يصلي الصلاة ثم يقعد فيكلمه من شاء.

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال حدثنا سفيان، عن يحيى، قال أخبرني سالم، عن أسلم، قال: بعثني عمر بإبل من إبل الصدقة إلى الحمى، فوضعت جهازي على ناقة منها؛ فلما أردت أن أصدرها، قال: اعرضها عليّ، فعرضتها عليه، فرآى متاعي على ناقة منها حسناء، فقال: لا أم لك! عمدت إلى ناقة تغني أهل بيت المسلمين! فهلاّ ابن لبون بوّالاً، أو ناقةً شصوصاً! حدثنى عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمدانى، قال: حدثنا أبو معاوية عن أبى حيان، عن أبى الزنباع، عن أبى الدهقانة، قال: قيل لعمر بن الخطاب: إن ها هنا رجلاً من أهل الأنبار له بصر بالديوان؛ لو اتخذته كاتباً?! فقال عمر: لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين! حدثنى يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن جدّه، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خطب الناس، فقال: والذى بعث محمداً بالحق؛ لو أنّ جملا هلك ضياعاً بشطّ الفرات خشيت أن يسأل الله آل الخطاب. قال أبو زيد: آل الخطاب يعنى نفسه، مايعنى غيرها.

حدثنا ابن المثنى، قال حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن أبي عمران الجونيّ، قال: كتب عمر إلى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم؛ فأكرم من قبلك من وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف من العدل؛ أن ينصف فى الحكم وفى القسم.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرّفاً عن الشعبي، قال: أتى أعرابيّ عمر، فقال: إن ببعيري نقباً ودبراً فاحملني؛ فقال له عمر، ما ببعيرك نقب ولا دبر، قال: فولى وهو يقول:

أقسم بالّله أبو حفص عمر              ما مسّها من نقبٍ ولا دبرٍ

فاغفر له اللهم إن كان فجر

فقال: اللهم اغفر لي! ثم دعا الأعرابيّ فحمله.

وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا أيّوب، عن محمد، قال: نبّئت أن رجلاً كان بينه وبين عمر قرابة، فسأله فزبره، وأخرجه فكلم فيه، فقيل: يا أمير المؤمنين؛ فلان سألك فزبرته وأخرجته، فقال: إنه سألني من مال اللّه؛ فما معذرتي إن لقيته ملكاً خائناً! فلولا سألني من مالى! قال: فأرسل إليه بعشرة آلاف. وكان عمر رحمه الله إذا بعث عاملاً له على عمل يقول - ما حدّثنا به محمد بن المثّنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: حدثنا شعبة، عن يحيي بن حضين، سمع طارق بن شهاب يقول: قال عمر فى عماله: اللهم إني لم أبعثهم ليأخذوا أموالهم، ولا ليضربوا أبشارهم، من ظلمه أميره فلا إمرة عليه دوني.

وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة؛ أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة، فقال: اللهمّ إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلّموا الناس دينهم وسنّة نبيّهم؛ وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا؛ فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إليّ.

وحدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاش، قال: سمعت أبا حصين، قال: كان عمر إذا استعمل العمّال خرج معهم يشيّعهم فيقول: إنّي لم أستعملكم على أمة محمد صلى الله عليه وسلّم على أشعارهم، ولا على أبشارهم؛ إنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل؛ وإنّي لم أسلّطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم؛ ولا تجلدوا العرب فتذلّوها، ولا تجمّروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها؛ جرّدوا القرآن، وألقّوا الرواية عن محمّد صلى الله عليه وسلّم؛ وأنا شريككم. وكان يقتصّ من عمّاله، وإذا شكي إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه؛ فإن صحّ عليه أمرٌ يجب أخذه به أخذه به.

وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا سعيد الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي فراس، قال: خطب عمر ابن الخطاب، فقال: يا أيها الناس؛ إني والله ما أرسل إليكم عمّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم؛ ولكني أرسلهم إليكم ليعلّموكم دينكم وسنّتكم؛ فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليّ؛ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه. فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين؛ أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيّة، فأدّب بعض رعيّته، إنك لتقصّه منه! قال: إي والذي نفس عمر بيده إذاً لأقصّنّه منه، وكيف لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقصّ من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيّعوهم.

وكان عمر رضي الله عنه - فيما ذكر عنه - يعسّ بنفسه، ويرتاد منازل المسلمين، ويتفقّد أ؛والهم بيديه.

ذكر الخبر الوارد عنه بذلك: حدّثنا ابن بشّار، قال: حدّثنا أبو عامر، قال: حدّثنا قرّة بن خالد، عن بكر بن عبد الله المزنيّ، قال: جاء عمر بن الخطاب إلى باب عبد الرحمن بن عوف فضربه، فجاءت المرأة ففتحته؛ ثم قالت له: لا تدخل حتى أدخل البيت وأجلس مجلسي، فلم يدخل حتى جلست، ثم قالت: ادخل، فدخل، ثم قال: هل من شيء؟ فأتته بطعام فأكل، وعبد الرحمن قائم يصلّي، فقال له: تجوّز أيّها الرجل؛ فسلم عبد الرحمن حينئذ، ثم أقبل عليه، فقال: ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ قال: رفقة نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سرّاق المدينة، فانطلق فلنحرسهم؛ فانطلقا فأتيا السوق، فقعدا على نشزٍ من الأرض يتحدّثان، فرفع لهما مصباح، فقال عمر: ألم أنه عن المصابيح بعد النوم! فانطلقا، فإذا هم قوم على شراب لهم، فقال: انطلق فقد عرفته؛ فلما أصبح أرسل إليه فقال: يا فلان، كنت وأصحابك البارحة على شراب؟ قال: وما علمك يا أمير المؤمنين؟ قال: شيء شهدته؛ فقال: أو لم ينهك الله عن التجسّس! قال: فتجاوز عنه.

قال بكر بن عبد الله المزنيّ: وإنّما نهى عمر عن المصابيح، لأن الفأرة تأخذ الفتيلة فترمي بها في سقف البيت فيحترق، وكان إذ ذاك سقف البيت من الجريد.

وحدّثني أحمد بن حرب، قال: حدّثنا مصعب بن عبد الله الزبيريّ، قال: حدّثني أبي، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حرّة واقم، حتى إذا كنا بصرار؛ إذا نار تؤرّث؛ فقال: يا أسلم؛ إني أرى هؤلاء ركباً قصّر بهم الليل والبرد؛ انطلق بنا؛ فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها، وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون؛ فقال عمر: السّلام عليكم يا أصحاب الضّوء - وكره أن يقول: يا أصحاب النار - قالت: وعليك السلام؛ قال: أأدنو؟ قالت: ادن بخير أو دع؛ فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصّر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: وأيّ شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء أسكّتهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! قال: أيْ رحمك الله، ما يدري عمر بكم! قالت: يتولّى أمرنا ويغفل عنّا! فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا؛ فخرجنا نهرول؛ حتى أتينا دار الدقيق؛ فأخرج عدلاً فيه كبّة شحم؛ فقال: احمله عليّ، فقلت: أنا أحمله عنك، قال: احمله عليّ؛ مرتين أو ثلاثاً، كلّ ذلك أقول: أنا أحمله عنك؛ فقال لي في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة، لا أمّ لك! فحمّلته عليه؛ فانطلق وانطلقت معه نهرول، حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذرّي عليّ، وأنا أحرّك لك؛ وجعل ينفخ تحت القدر - وكان ذا لحية عظيمة - فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها، وقال: ابغني شيئاً، فأتته بصحفة فأفرغها فيها، ثمّ جعل يقول: أطعميهم، وأنا أسطّح لك؛ فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلّى عندها فضل ذلك، وقام وقمتت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً! أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين! فيقول: قولي خيراً، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاشء الله. ثم تنحى ناحية عنها؛ ثم استقبلها وربض مربض السّبع، فجعلت أقول له: إنّ لك شأناً غير هذا، وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدءوا، فقام وهو يحمد الله، ثم أقبل عليّ فقال: يا أسلم؛ إنّ الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألاّ أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم.

وكان عمر إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه صلاحهم بدأ بأهله، وتقدّم إليهم بالوعظ لهم، والوعيد على خلافهم أمره كالذي حدّثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاش، قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر بالمدينة، عن سالم، قال: كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنّ الناس ينظرون إليكم نظر الطير - يعني إلى اللحم - وأقسم بالله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة.

قال أبو جعفر: وكان رضي الله عنه شديداً على أهل الرّيب، وفي حقّ الله صليباً حتى يستخرجه، وليّناً سهلا فيما يلزمه حتى يؤدّيه، وبالضعيف رحيماً رءوفاً. حدّثني عبيد الله بن سعيد الزّهريّ، قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عجلان، أنّ زيد بن أسلم حدّثه عن أبيه، أنّ نفراً من المسلمين كلّموا عبد الرحمن بن عوف، فقالوا: كلّم عمر بن الخطاب؛ فإنه قد أخشانا حتى والله ما نستطيع أن نديم إليه أبصارنا. قال: فذكر ذلك عبد الرحمن بن عوف لعمر، فقال: أوقد قالوا ذلك! فوالله لقد لنت لهم حتى تخوّفت الله في ذلك؛ ولقد اشتددت عليهم حتى خشيت الله في ذلك، وايم الله لأنا أشدّ منهم فرقاً منهم منّي! وحدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا أبو بكر، عن عاصم، قال: استعمل عمر رجلاً على مصر، فبينا عمر يوماً مارّ في طريق من طرق المدينة إذ سمع رجلاً وهو يقول: الله يا عمر! تستعمل من يخون وتقول: ليس عليّ شيشء، وعاملك يفعل كذا! قال: فأرسل إليه، فلما جاءه أعطاه عصاً وجبّة صوف وغنماً، فقال: ارعها - واسمه عياض بن غنم - فإن أباك كان راعياً، قال: ثم دعاه، فذكر كلاماً، فقال: إن أنا رددتك! فردّه إلى عمله، وقال: لي عليك ألاّ تلبس رقيقاً، ولا تركب برذوناً! حدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عبد الله بن الوليد، عن عاصم، عن ابن خزيمة بن ثابت الأنصاريّ، قال: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له عهداً، وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين والأنصار، واشترط عليه ألاّ يركب برذوناً، ولا يأكل نقيّاً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يتخذ باباً دون حاجات الناس.

وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، عن سلاّم بن مسكين، قال: حدّثنا عمران، أنّ عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال، فاستقرضه؛ قال: فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه، فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه.

وعن أبي عامر العقديّ، قال: حدّثنا عيسى بن حفص، قال: حدّثني رجل من بني سلمة، عن ابن البراء بن معرور أن عمر رضي الله عنه خرج يوماً حتى أتى المنبر، وقد كان اشتكى شكوى له، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلاّ فهي عليّ حرام.

تسمية عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين قال أبو جعفر: أوّل من دعي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ ثم جرت بذلك السنّة، واستعمله الخلفاء إلى اليوم.

ذكر الخبر بذلك: حدّثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاريّ، قال: حدّثتني أمّ عمرو بنت حسّان الكوفيّة، عن أبيها، قال: لما ولي عمر قيل: يا خليفة خليفة رسول الله، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أمر يطول، كلّما جاء خليفة قالوا: يا خليفة خليفة خليفة رسول الله! بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم؛ فسمّيَ أمير المؤمنين.

قال أحمد بن عبد الصمد: سألتها كم أتى عليك من السنين؟ قالت: مائة وثلاث وثلاثون سنة.

حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا يحيى بن واضح، قال: حدّثنا أبو حمزة، عن جابر، قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: يا خليفة الله، قال: خالف الله بك! فقال: جعلني الله فداءك! قال: إذاً يهينك الله! وضعه التأريخ قال أبو جعفر: وكان أوّل من وضع التأريخ وكتبه - فيما حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر - في سنة ستّ عشرة في شهر ربيع الأول منها، وقد مضى ذكري سبب كتابه ذلك؛ وكيف كان الأمر فيه.

وعمر رضي الله عنه أوّل من أرّخ الكتب، وختم بالطين. وهو أوّل من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التراويح في شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمرهم به، وذلك - فيما حدّثني به الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر - في سنة أربع عشرة، وجعل للناس قارئين: قارئاً يصلّي بالرجال وقارئاً يصلّي بالنساء.

حمله الدّرّة وتدوينه الدواوين وهو أوّل من حمل الدّرّة، وضرب بها؛ وهو أوّل من دوّن للناس في الإسلام الدواوين، وكتب الناس على قبائلهم، وفرض لهم العطاء.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: حدّثنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث، عن جبير بن الحويرث بن نقيد، أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الدواوين، فقال له عليّ بن أبي طالب: تقسم كلّ سنة ما اجتمع إليك من مال، فلا تمسك منه شيئاً. وقال عثمان بن عفان: أرى مالاً كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى تعرف من أخذ ممن لم يأخذ، خشيت أن ينتشر الأمر. فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين قد جئت الشأم، فرأيت ملوكها قد دوّنوا ديواناً، وجنّدوا جنداً، فدوّن ديواناً، وجند جنداً. فأخذ بقوله، فدعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم، وكانوا من نسّاب قريش - فقال: اكتبوا الناس على منازلهم؛ فكتبوا فبدءوا ببني هاشم؛ ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة؛ فلما نظر فيه عمر قال: لوددت والله أنه هكذا؛ ولكن ابدءوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله.

حدّثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عرض عليه الكتاب، وبنو تيم على أثر بني هاشم وبنو عديّ على أثر بني تيم، فأسمعه يقول: ضعوا عمر موضعه، وابدءوا بالأقرب فالأقرب من رسول الله، فجاءت بنو عديّ إلى عمر، فقالوا: أنت خليفة رسول الله، قال: أو خليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله، قالوا: وذاك، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم! قال: بخ بخ بني عديّ! أردتم الأكل على ظهري؛ وأن أذهب حسناتي لكم! لا والله حتى تأتيكم الدعوة، وإن أطبق عليكم الدّفتر ولو أ، تكتبوا في آخر الناس؛ إن لي صاحبين سلكا طريقاً، فإن خالفتهما خولف بي؛ والله ما أدركنا الفضل في الدنيا، ولا نرجو ما نرجو من الآخرة من ثواب الله على ما عملنا إلاّ بمحمّد صلى الله عليه وسلّم؛ فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب؛ إن العرب شرفت برسول الله، ولعلّ بعضها يلقاه إلى آباء كثيرة، وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبه ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء كثيرة، وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبه ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسيرة؛ مع ذلك والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال، وجئنا بغير عمل، فهم أولى بمحمّد منّا يوم القيامة، فلا ينظر رجل إلى قرابة، وليعمل لما عند الله، فإنّ من قصّر به عمله لم يسرع به نسبه.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني حزام بن هشام الكعبيّ، عن أبيه، قال: رأيت عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديداً، فنأتيه بقديد، فلا يغيب عنه ارمأة بكر ولا ثيّب، فيعطيهنّ في أيديهنّ، ثم يروح فينزل عسفان، فيفعل مثل ذلك أيضاً حتى توفّيَ.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني عبد الله بن جعفر الزهريّ وعبد الملك بن سليمان، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عمر ابن الخطاب، يقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ ثلاثاً؛ ما من أحد إلاّ له في هذا المال حقّ أعطيه أو منعه؛ وما أحد أحقّ به من أحد إلاّ عبد مملوك؛ وما أ،ا فيه إلاّ كأحدهم؛ ولكنّا على منازلنا من كتاب الله، وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والرجل وبلاؤه في الإسلام، والرّجل وقدمه في الإسلام، والرّجل وغناؤه في الإسلام، والرّجل وحاجته؛ والله لئن بقيت ليأتينّ الراعي بجبل صنعاء حظّه من هذا المال وهو مكانه.

قال إسماعيل بن محمد: فذكرت ذلك لأبي، فعرف الحديث.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني محمد بن عبد الله عن الزهريّ، عن السائب بن يزيد، قال: رأيت خيلاً عند عمر بن الخطاب موسومة في أفخاذها: حبيس فس سبيل الله.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب؛ عن زاذان، عن سلمان؛ أنّ عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقلّ أو أكثر؛ ثمّ وضعته في غير حقه؛ فأنت ملك غير خليفة؛ فاستعبر عمر.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني أسامة بن زيد، قال: حدّثني نافع مولى آل الزبير، قال: سمعت أبا هريرة يقول: يرحم الله ابن حنتمة! لقد رأيته عام الرّمادة؛ وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكّة زيت في يده؛ وإنه ليعتقب هو وأسلم؛ فلمّا رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً؛ فأخذت أعقبه؛ فحملناه حتى انتهينا إلى صرار؛ فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد؛ وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويّاً كانوا يأكلونه، ورمّة العظام مسحوقة كانوا يستفّونها؛ فرأيت عمر طرح رداءه، ثم اتّزر، فمازال يطبخ لهم حتى شبعوا، فأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة، ثم كساهم. وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن هشام بن خالد، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول: لا تذرّنّ إحداكنّ الدقيق حتى يسخن الماء ثم تذرّه قليلاً قليلا، وتسوطه بمسوطها، فإنه أريع له؛ وأحرى ألاّ يتقرّد.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن مصعب القرقسانيّ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن راشد بن سعد؛ أنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أتي بمال؛ فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس؛ حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدّرّة، وفال: إنّك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض؛ فأحببت أن أعلمك أنّ سلطان الله لن يهابك.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عمر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبيه، قال: قالت الشّفا ابنة عبد الله - ورأيت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلّمون رويداً، فقالت: ما هذا؟ قالوا: نسّاك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلّم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، هو والله النّاسك حقاً.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، قال: حدّثنا عبد الله ابن عامر، قال: أعان عمر رجلاً على حمل شيء، فدعا له الرجل، وقال: نفعك بنوك يا أمير المؤمنين! فقال: بل أغناني الله عنهم.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، عن عمر بن مجاشع. قال: قال عمر بن الخطاب: القوّة في العمل ألاّ تؤخّر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية؛ واتّقوا الله عزّ وجلّ، فإنما التقوى بالتّوقّي، ومن يتّق الله يقه.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن عوانة، عن الشعبيّ - وغير عوانة زاد أحدهما على الآخر - أنّ عمر رضي الله تعالى عنه كان يطوف في الأسواق، ويقرأ القرآن، ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن محمد بن صالح، أنه سمع موسى بن عقبة يحدّث أنّ رهطاً أتوا عمر، فقالوا: كثر العيال، واشتدّت المؤونة، فزدنا في أعطياتنا، قال: فعلتموها، جمعتم بين الضرائر، واتّخذتم الخدم في مال الله عزّ وجلّ! أما والله لوددت أني وإيّاكم في سفينة في لجّة البحر، تذهب بنا شرقاً وغرباً، فلن يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم؛ فإن استقام اتّبعوه، وإن جنف قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلت: إن تعوّج عزلوه! فقال: لا، القتل أنكل لمن بعده؛ احذروا فتى قريش وابن كريمها الذي لا ينام إلاّ على الرضا، ويضحك عند الغضب؛ وهو يتناول من فوقه ومن تحته.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن عبد الله بن داود الواسطيّ، عن زيد بن أسلم، قال: قال عمر: كنا نعدّ المقرض بخيلاً، إنما كانت المواساة.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن ابن دأب، عن أبي معبد الأسلميّ، عن ابن عباس، أنّ عمر قال لناس من قريش: بلغني أنكم تتّخذون مجالس؛ لا يجلس اثنان معاً حتى يقال: من صحابة فلان؟ من جلساء فلان؟ حتى تحوميت المجالس؛ وايم الله إنّ هذا لسريع في دينكم، سريع في شرفكم، سريع في ذات بينكم؛ ولكأني بمن يأتي بعدكم يقول: هذا رأي فلان، قد قسموا الإسلام أقساماً؛ أفيضوا مجالسكم بينكم، وتجالسوا معاً؛ فإنّه أدوم لألفتكم، وأهيب لكم في الناس. اللهمّ ملّوني ومللتهم، وأحسست من نفسي وأحسّوا مني؛ ولا أدري بأيّنا يكون الكون، وقد أعلم أن لهم قبيلاً منهم؛ فاقبضني إليك.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد، عن أبيه، قال: اتّخذ عبد الله بن أبي ربيعة أفراساً بالمدينة، فمنعه عمر بن الخطاب، فكلّموه في أن يأذن له، قال: لا آذن له، إلاّ أن يجيء بعلفها من غير المدينة. فارتبط أفراساً، وكان يحمل إليها علفاً من أرض له باليمن.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا أبو إسماعيل الهمدانيّ، عن مجالد، قال: بلغني أنّ قوماً ذكروا لعمر بن الخطاب رجلاً؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ فاضل لا يعرف من الشرّ شيئاً، قال: ذاك أوقع له فيه! ذكر بعض خطبه رضي الله تعالى عنه حدّثني عمر، قال: حدّثني عليّ، عن أبي معشر، عن ابن المنكدر وغيره، وأبي معاذ الأنصاريّ عن الزّهريّ، ويزيد بن عياض عن عبد الله ابن أبي بكر، وعليّ بن مجاهد عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عياض، عن عبد الله بن أبي إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أنّ عمر رضي الله تعالى عنه خطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكّر الناس بالله عزّ وجلّ واليوم الآخر، ثم قال: يأيّها الناس؛ إني قد ولّيت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدّكم استضلاعاً بما ينوب من مهمّ أموركم، ما تولّيت ذلك منكم؛ ولكفيَ عمر مهماً محزناً انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها؛ وبالسير فيكم كيف أسير! فربّي المستعان؛ فإنّ عمر أصبح لا يثق بقوّة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عزّ وجلّ برحمته وعونه وتأييده.

ثم خطب فقال: إن الله عزّ وجلّ قد ولاّني أمركم، وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم؛ وإني أسأل الله أن يعينني عليه، وأن يحرسني عنده، كما حرسني عند غيره، وأن يلهمني العدل في قسمكم كالذي أمر به؛ وإنّي امرؤ مسلم وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله عزّ وجلّ، ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئاً إن شاء الله؛ إنما العظمة لله عزّ وجلّ، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولنّ أحد منكم: إنّ عمر تغيّرمنذ ولي. أعقل الحق من نفسي وأتقدم؛ وأبيّن لكم أمري؛ فأيّما رجل كانت له حاجة أو ظليم مظلمة، أو عتب علينا في في خلق؛ فليؤذنّي، فإنّما أ،ا رجل منكم؛ فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم، وحرماتكم وأعراضكم؛ وأعطوا الحقّ من أنفسكم؛ ولا يحمل بعضكم بعضاً على أن تحاكموا إليّ؛ فإنّه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة؛ وأنا حبيب إليّ صلاحكم، عزيز عليّ عتبكم. وأنتم أناس عامّتكم حضر في بلاد الله؛ وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع إلاّ ما جاء الله به إليه.

وإنّ الله عزّوجلّ قد وعدكم كرامة الله كثيرة، وأنا مسئول عن أمانتي وما أ،ا فيه؛ ومطّلع على ما بحضرتي بنفسي إن شاء الله؛ لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلاّ بالأمناء وأهل النصح منكم للعامّة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله.

وخطب أيضاً، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلّم : أيها الناس، إنّ بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غني، وإنكم تجمعون مالا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وأنتم مؤجلون في دار غرور. كنتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم تؤخون بالوحي، فمن أسرّ شيئاً أخذ بسريرته، ومن أعلن شيئاً أخذ بعلانيته؛ فأظهروا لنا أحسن أخلاقكم؛ والله أعلم بالسرائر؛ فإنه من أظهر شيئاً وزعم أن سريرته حسنة لم نصدّقه، ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننّا به حسناً. واعلموا أنّ بعض الشح شعبة من النفاق، فأنفقوا خير لأنفسكم، مومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

أيها الناس، أطيبوا مثواكم، وأصلحوا أموركم؛ واتقوا الله ربكم، ولا تلبسوا منساءكم القباطي؛ فإنه إن لم يشفّ فإنه يصف.

أيها الناس؛ إني لوددت أن أنجو كفافاً لا لي ولا عليّ، وإني لأرجو إن عمّرت فيكم يسيراً أو كثيراً أن أعمل بالحقّ فيكم إن شاء الله، وألاّ يبقى أحد من المسلمين وإن كان قال: يبيتهإلاّ أتاه حقه ونصيبه من مال ه، ولا يعمل إليه نفسه؛ ولم ينصب إليه يوماً. وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله؛ ولقليل في رفق خير من كثير في عنف، والقتل حتف من الحتوف، يصيب البرّ والفاجر، والشهيد من احتسب نفسه. وإذا أراد أحدكم بعيراً فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه بعصاه؛ فإن وجده حديد الفؤاد فليشترّه.

قالوا: وخطب أيضاً فقال: إنّ الله سبحانه وبحمده قد استوجب عليكم الشكر، واتّخذ عليكم الحجّ فيماآتاكم من كرامة الآخرة والدنيا؛ عن غير مسألة منكم له، ولا رغبة منكم فيه إليه، فخلفكم تبارك وتعالى ولم تكونوا شيئاً لنفسه وعبادته، وكان قادراً أن يجعلكم لأهون خلقه عليه، فجعل لكم عامّة خلقه، ولم يجعلكم لشيء غيره، وسخّر لكم ما في السّموات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظماهرة وباطنة، وحملكم في البرّ والبحر، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون.

ثم جعل لكم سمعاً وبصراً. ومن نعم الله عليكم نعم عمّ بها بني آدم؛ ومنها نعم اختصّ بها أهل دينكم؛ ثم صارت تلك النعم خواصّها وعوامّها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم؛ وليس من تكل النعم نعمة وصلت إلى امريء خاصة إلاّ لو قسم ما وصل إليه منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها، وفدحهم حقها، إلاّ بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله؛ فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلاّ أمّتان؛ أمّة مستعبدة للإسلام وأهله، يجزون لكم، يستصوفن معايشهم وكدائحهم ورشح جباههم؛ عليهم المؤونة ولكم المنفعة، وأمّة تنتظر وقائع الله وسطواته في كلّ يوم وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعباً؛ فليس لهم معقل يلجئون إليه، ولا مهرب يتّقون به، قد دهمتهم جنود الله عزّ وجلّ ونزلت بساتهم، مع رفاغة العيش، واستفاضة المال، وتتابع البعوث، وسدّ الثغور بإذن الله، مع العافية الجليلة العامة التي لم تكن هذه الأمة على أحسن منها مذ كان الإسلام؛ والله المحمود، مع الفتوح العظام في كلّ بلد. فما عسى أن يبلغ معهذا شكر الشاكرين وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين؛ مع هذه النعم التي لا يحصى عددها، ولا يقدر قدرها، ولا يسستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفهّ فنسأل الله الذي لا إله إلا هو الذي أبلانا هذا، أن يرزقنا العمل بطاعته؛ والمسارعة إلى مرضاته.

واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم، واستتمّوا نعمة الله عليكم وفي مجالسكم مثنى وفرادى، فإنّ الله عزّ وجلّ قال لموسى: "أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله" فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق، تؤمنون بها، وتستريحون إليها؛ مع المعرفة بالله ودينه، وترجون بها الخير فيما بعد الموت؛ لكان ذلك؛ ولكنكم كنتم أشدّ الناس معيشة، وأثبتهم بالله جهالة. فلو كان هذا الذي استشلاكم به لم يكن معه حظّ في دنياكم؛ غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد والمنقلب؛ وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه أحرياء أن تشحّوا على نصيبكم منه، وأن تظهروه على غيره؛ فبله ما إنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا وكرامة الآخرة، ومن شاء أن يجمع له ذلك منكم؛ فأذكركم الله الحائل بين قلوبكم إلا ما عرفتم حقّ الله فعملتم له، وقسرتم أنفسكم على طاعته، وجمعتم مع السرور بالنعم خوفاً لها ولا نتقالها، ووجلاً منها ومن تحويلها، فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإنّ الشكر أمنٌ للغير، ونماء للنعمة؛ واستيجاب للزيادة، هذا لله عليّ من أركم ونهيكم واجب.