بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة

بعثة عليّ بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن

وعمّار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة

حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: حدّثنا بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج هاشم بن عتبة إلى عليّ بالرّبذة؛ فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي موسى، فقال: لقد أردت عزله، وسألني الأشتر أن أقرّه فردّ عليّ هاشماً إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى: إنّي وجّهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس فإنّي لم أولّك الذي أنت به إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ. فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعريّ، فقال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك، قال: لكني لا أرى ذلك. فكتب هاشم إلى عليّ: إني قد قدمت على رجل غال مشاقّ ظاهر الغلّ والشنآن. وبعث بالكتاب مع المحلّ بن خليفة الطائيّ. فبعث عليّ الحسن بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاريّ أميراً على الكوفة، وكتب معه: إلى أبي موسى: أما بعد، فقد كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعل الله عزّ وجلّ لك منه نصيباً سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً على المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك، فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آراباً.

فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل، ودخل الحسن وعمار المسجد فقالا: أيّها الناس، إنّ أمير المؤمنين يقول: إني خرجت مخرجي هذا ظالماً أو مظلوماً؛ وإني أذكّر الله عزّ وجلّ رجلاً رعى لله حقّاً إلا نفر، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالماً أخذ مني، والله إنّ طلحة والزّبير لأوّل من بايعني، وأوّل من غدر، فهل استأثرت بمال، أو بدّلت حكماً! فانفروا، فمروا بمعروف وانهوا عن منكر.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: حدّثنا أبو مخنف، عن جابر، عن الشعبيّ، عن أبي الطّفيل، قال: قال عليّ: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل، فقعدت على نجفة ذي قار، فأحصيتهم فما زادوا رجلاً، ولا نقصوا رجلاً.

حدّثني عمر، قال: حدّثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج إلى عليّ اثنا عشر ألف رجل، وهم أسباع: على قريش وكنانة وأسد وتميم والرّباب ومزينة معقل بن يسار الرّياحيّ، وسبع قيس عليهم سعد بن مسعود الثقفيّ، وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج الذّهلي، وسبع مذحج والأشعرين عليهم حجر ابن عديّ، وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم مخنف بن سليم الأزديّ.

نزول عليّ الزاوية من البصرة

حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، عن مسلمة بن محارب، عن قتادة، قال: نزل عليّ الزاوية وأقام أياماً، فأرسل إليه الأحنف: إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه عليّ: كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال! قال: إنّ من الوفاء لله عزّ وجلّ قتالهم، فأرسل إليه: كفّ من قدرت على كفّه. ثم سار عليّ من الزّاوية، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله - أو عبد الله - بن زياد، فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبديّ: أن اخرج، فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر عليّ. فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل، فعدلوا إلى عسكر أمير المؤمنين، فقال الناس: من كان هؤلاء معه غلب، ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلى مولىً له يقال له: رشراشة، فأرسل إليه وعلة بن محدوج الذّهلي: ضاعت الأحساب، دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة، فأرسل شقيق: أن أغن شأنك؛ فإنا نغني شأننا. فأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال، يرسل إليهم عليّ، ويكلّمهم ويردعهم.

حدّثنا عمر، قال: حدّثنا أبو بكر الهذليّ، عن قتادة، قال: سار عليّ من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يريدون علياً فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس، فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعليّ: هذا الزبير؛ قال: أما إنه أ؛رى الرّجلين إن ذكّر بالله أن يذكره، وخرج طلحة، فخرج إليهما عليّ، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم، فقال عليّ: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتّقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً. ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما! فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟ قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان رضي الله عنه، قال عليّ: "يومئذ يوفّيهم الله دينهم الحقّ ويعلمون أنّ الله هو الحقّ المبين"؛ يا طلحة، تطلب بدم عثمان رضي الله عنه! فلعن الله قتلة عثمان. يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بني غنم، فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "صه، إنه ليس به زهو، ولتقاتلنه وأنت له ظالم"؟ فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبداً.

فانصرف عليّ إلى أصحابه، فقال: أمّا الزّبير فقد أعطى الله عهداً ألاّ يقاتلكم، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلاّ وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تضنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب؛ فقال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين، حتى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب! أحسست رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد؛ قال: إني قد حلفت ألاّ أقاتله، وأحفظه ما قال له، فقال: كفّر عن يمينك، وقاتله، فدعا بغلام له يقال له مكحول، فأعتقه، فقال عبد الرحمن بن سليمان التيميّ:

لم أر كالـيوم أخـا إخـوان                 أعجب من مكفّر الأيمـان
بالعتق في معصية الرّحمن

وقال رجل من شعرائهم:

يعتق مكحولا لصون دينـه              كفّارة للـه عـن يمـينـه
والنّكث قد لاح على جبينه

رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة: فأرسل عمران ابن حصين في الناس يخذّل من الفريقين جميعاً، كما صنع الأحنف، وأرسل إلى بني عديّ فيمن أرسل، فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم: ألا إنّ أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام، ويقول لكم: والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز خضر وضأن، أجزّ أصوافها، وأشرب ألبانها، أحبّ إليّ من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم، فقالت بنو عديّ جميعاً بصوت واحد: إنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلّم لشيء - يعنون أمّ المؤمنين.

حدّثنا عمرو بن عليّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريع، قال: حدّثنا أبو نعامة العدويّ، عن حجير بن الربيع، قال: قال لي عمران بن حصين: سر إلى قومك أجمع ما يكونون، فقم فيهم قائماً، فقل: أرسلني إلأيكم عمران بن حصين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ويحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو، لأن يكون عبداً حبشياً مجدّعاً يرعى أعنزاً حضنيّات في رأس جبل حتى يدركه الموت، أحبّ إليّ من أن يرمي بسهم واحد بين الفريقين؛ قال: فرفع شيوخ الحيّ رءوسهم إليه، فقالوا: إنا لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلّم لشيء أبداً.

رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة: وأهل البصرة فرق: فرقة مع طلحة والزبير، وفرقة مع عليّ، وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين، وجاءت عائشة رضي الله عنها من منزلها الذي ساحتهم، ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان، فقال له كعب بن سور: إنّ الجموع إذا تراءوا لم تستطع، وإنما هي بحور تدفّق، فأطعني ولا تشهدهم، واعتزل بقومك، فإني أخاف ألاّ يكون صلح، وكن وراء هذه النطفة، ودع هذين الغارين من مضر وربيعة، فهما أخوان، فإن اصطلحا فالصّلح ما أردنا، وإن اقتتلا كنا حكّاماً عليهم غداً - وكان كعب في الجاهليّة نصرانيّاً - فقال صبرة: أخشى أن يكون فيك شيء من النصرانيّة؛ أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس، وأن أخذل أم المؤمنين وطلحة والزبير إن ردّوا عليهم الصلح، وأدع الطلب بدم عثمان! لا والله لا أفعل ذلك أبداً، فأطبق أهل اليمن على الحضور.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن الضّريس البجليّ، عن ابن يعمر، قال: لما رجع الأحنف بن قيس من عند عليّ لقيه هلال بن وكيع بن مالك بن عمرو، فقال: ما رأيك؟ قال: الاعتزال، فما رأيك؟ قال: مكانفة أمّ المؤمنين، أفتدعنا وأنت سيّدنا! قال: إنما أكون سيّدكم غداً إذا قتلت وبقيت؛ فقال هلال: هذا وأنت شيخنا! فقال: أنا الشيخ المعصيّ، وأنت الشابّ المطاع. فاتّبعت بنو سعد الأحنف، فاعتزل بهم إلى وادي السباع، واتّبعت بنو حنظلة هلالاً، وتابعت بنو عمرو أبا الجرباء فقاتلوا.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان، قال: لما أقبل الأحنف نادى: يا لأدّ، اعتزلوا هذا الأمر، وولّوا هذين الفريقين كيسه وعجزه، فقام المنجاب بن راشد فقال: يال الرّباب! لا تعتزلوا، واشهدوا هذا الأمر، وتولوا كيسه، ففارقوا. فلما قال: يال تميم؛ اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه، قام أبو الجرباء - وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم - فقال: يال عمرو، لا تعتزلوا هذا الأمر وتولّوا كيسه. فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم، والمنجاب بن راشد على بني ضبّة، فلما قال: يال زيد مناة، اعتزلوا هذا الأمر، وولّوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قال هلال بن وكيع: لا تعتزلوا هذا الأمر؛ ونادى: يال حنظلة توّلوا كيسه؛ فكان هلال على حنظلة، وطاوعت سعد الأحنف، واعتزلوا إلى وادي السباع.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان على هوازن وعلى بني سليم والأعجاز مجاشع بن مسعود السّلميّ، وعلى عامر زفر بن الحارث، وعلى غطفان أعصر بن النعمان الباهليّ، وعلى بكر بن وائل مالك بن مسمع، واعتزلت عبد القيس إلى عليّ إلاّ رجلاً فإنه أقام، ومن بكر بن وائل قيّام، واعتزل منهم مثل من بقي منهم، عليهم سنان، وكانت الأزد على ثلاثة رؤساء: صبرة بن شيمان، ومسعود، وزياد ابن عمرو، والشواذب عليهم رجلان: على مضر الخرّيت بن راشد، وعلى قضاعة والتوابع الرّعبي الجرميّ - وهو لقب - وعلى سائر اليمن ذو الآجرة الحميريّ.

فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزّابوقة، في موضع قرية الأرزاق، فنزلت مضر جميعاً وهم لا يشكّون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم جميعاً وهم لا يشكّون في الصّلح، ونزلت اليمن جميعاً أسفل منهم، وهم لا يشكّون في الصلح، وعائشة في الحدّان، والناس في الزّابوقة، على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفاً، وردّوا حكيماً ومالكاً إلى عليّ؛ بأنّا على ما فارقنا عليه القعقاع فاقدم. فخرجا حتى قدما عليه بذلك، فارتحل حتى نزل عليهم بحيالهم، فنزلت القبائل إلى قبائلهم؛ مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن، وهم لا يشكّون في الصلح، فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض، ولا يذكرون ولا ينوون إلاّ الصّلح، وخرج أمير المؤمنين فيمن معه، وهم عشرون ألفاً، وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار، وعبد القيس على ثلاثة رؤساء: جذيمة وبكر على ابن الجارود، والعمور على عبد الله بن السّوداء، وأهل هجر على ابن الأشجّ، وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث بن نهار، وعلى دنور بن عليّ الزّط والسيابجة، وقدم عليّ ذا قار في عشرة آلاف، وانضمّ إليه عشرة آلاف.

حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن فطر بن خليفة، عن منذر الثوريّ، عن محمد بن الحنفيّة، قال: أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل، وخرج إلينا من حولنا ألفان، أكثرهم بكر بن وائل، ويقال: ستة آلاف.

رجع الحديث إلى حديث محمد وطلحة: قالا: فلما نزل الناس واطمأنوا، خرج عليّ وخرج طلحة والزبير، فتواقفوا، وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصّلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع، وأنه لا يدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع عليّ إلى عسكره، وطلحة والزبير إلى عسكرهما.

أمر القتال وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وبعث عليّ من العشيّ عبد الله بن عبّاس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشيّ محمد بن طلحة إلى عليّ، وأنم يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمسوا - وذلك في جمادى الآخرة - أرسل طلحة والزّبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الّذين هضّوا عثمان، فباتوا على الصّلح، وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنّزوع عمّا اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ما ركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلّها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السرّ، واستسرّوا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشرّ، فغدوا مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالا، وعليهم ظلمة، فخرج مضريّهم إلى مضريّهم، وربعيهم إلى ربعيّهم، ويمانيهم إلى يمانيّهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كلّ قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم، وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة، وهم ربيعة يعبؤها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيّد، وثبتا في القلب، فقال: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلاً، فقالا: قد علمنا أنّ عليّاً غير منته حتى يسفك الدماء، ويستحلّ الحرمة، وأنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة، وقصف أهل البصرة، أولئك حتى ردّوهم إلى عسكرهم، فسمع عليّ وأهل الكوفة الصوت، وقد وضعوا رجلاً قريباً من عليّ ليخبره بما يريدون، فلما قال: ما هذا؟ قال: ذاك الرّجل ما فجئنا إلاّ وقوم منهم بيّتونا، فرددناهم من حيث جاءوا، فوجدنا القوم على رجل فركبونا، وثار الناس، وقال عليّ لصاحب ميمنته: ائت الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: ائت الميسرة، ولقد علمت أنّ طلحة والزّبير غير منتهيين حتى يسفكا الدّماء، ويستحلاّ الحرمة، وأنهما لن يطاوعانا، والسّبئيّة لا تفتر إنشاباً. ونادى عليّ في الناس: أيها الناس، كفّوا فلا شي، فكان من رأيهم جميعاً في تلك الفتنة ألاّ يقتتلوا حتى يبدءوا؛ يطلبون بذلك الحجّة، ويستحقون على الآخرين، ولا يقتلوا مدبراً، ولا يجهزوا على الحجّة، ويستحقون على الآخرين، ولا يقتلوا مدبراً، ولا يجهزوا على جريح، ولا يتبعوا. فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي عمرو، قالوا: وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها، فقال: أدركي فقد أبى القوم إلاّ القتال، لعلّ الله يصلح بك. فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، وكان جملها يدعى عسكراً، حملها عليه يعلى بن أميّة، اشتراه بمائتي دينار، فلما برزت من البيوت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت، فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجّة العسكر؛ قالت: بخير أو بشرّ؟ قالوا: بشرّ. قالت: فأيّ الفريقين كانت منهم هذه الضجّة فهم المهومون. وهي واقفة، فوالله ما فجئها إلاّ الهزيمة، فمضى الزبير من سننه في وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب يخلّ ركبته بصفحة الفرس، فلما امتلأ موزجه دماً وثقل قال لغلامه: اردفني وأمسكني، وابغني مكاناً أنزل فيه، فدخل البصرة وهو يتمثّل مثله ومثل الزبير:

فإن تـكـن الــحـــوادث أقـــدتـــنـــي                وأخـطـأهـنّ سـهـمــي حـــين أرمـــى
فقـد ضـيّعـت حـين تـبـعـت سـهـــمـــاً             سفـاهـاً مّـا سـفـهـت وضـلّ حـلــمـــي
ندمت ندامة الكسعيّ لمّا شريت رضا بني سهمٍ برغمي

أطعتهم بـفـرقة آل لأيٍ             فألقوا للسّباع دمي ولحمي