ذكر الخبر عن مقتل علي بن أبي طالب

ذكر الخبر عن مقتل علي بن أبي طالب

وفي هذه السنة قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واختلف في وقت قتله، فقال أبو معشر ما حدثني به أحمد بن ثابت، قال: حدثت عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: قتل علي في شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه سنة أربعين، وكذلك قال الواقدي، حدثني بذلك الحارث، عن ابن سعد عنه، وأما أبو زيد فحدثني عن علي بن محمد أنه قال: قتل علي بن أبي طالب بالكوفة يوم الجمعة لإحدى عشرة. قال: ويقال: لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين. قال: وقد قيل في شهر ربيع الآخر سنة أربعين.

ذكر الخبر عن سبب قتله ومقتله

حدثني موسى بن عثمان بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عبد الرحمن الحراني أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا إسماعيل بن راشد، قال: كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا، فتذاكروا أمر الناس، وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهر، فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً! إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم، فأرحنا منهم البلاد، وثأرنا بهم إخواننا! فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب - وكان من أهل مصر - وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان؛ وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فأخذوا أسيافهم، فسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب.

فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة، فخرج فلقي أصحابه بالكوفة، وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئاً من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحاباً من تيم الرباب - وكان عليٌّ قتل منهم يوم النهر عشرةً - فذكروا قتلاهم، ولقي من يومه ذلك امرأةً من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنة - وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال - فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها؛ ثم خطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشفى لي قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاث آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب، قال: هو مهرٌ لك، فأما قتل عليٍّ فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني! قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خيرٌ من الدنيا وزينتها وزينة أهلها؛ قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سالت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وردان فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب؛ قال: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً، كيف تقدر على علي! قال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خيرٌ من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير عليٍّ لكان أهون علي، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي صلى الله عليه وسلم وما أجدني أن أنشرح لقتله. قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين! قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه - فجاءوا قطام - وهي في المسجد الأعظم معتكفة - فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل علي؛ قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني، ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها علي سنة أربعين - فقال: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه، فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به، وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيبٌ بالسيف. فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق، وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف، وهرب وردان حتى دخل منزله، فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره، فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه، وجثم عليه الحضرمي، فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه، وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه، فتركه، ونجا شبيب في غمار الناس، فشدوا على ابن ملجم فأخذوه، إلا أن رجلاً من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بالناس الغداة، ثم قال علي: علي بالرجل، فأدخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، ألم أحسن إليك! قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه؛ فقال رضي الله عنه: لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلقه.

وذكروا أن ابن ملجم قال قبل أن يضرب علياً - وكان جالساً في بني بكر ابن وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار، وكان نصرانياً، والنصارى حوله، وأناس مع حجار لمنزلته فيهم يمشون في جانب وفيهم شقيق ابن ثور - فقال ابن ملجم: ما هؤلاء؟ فأخبر الخبر، فأنشأ يقول: لئن

كان حجار بن أبجر مسلمـاً               لقد بوعدت منه جنازة أبـجـر
وإن كان حجار بن أبجر كافـراً             فما مثل هذا من كفورٍ بمنكـر
أترضون هذا أن قيساً ومسلـمـاً         جميعاً لدى نعشٍ، فيا قبح منظر!
فلولا الذي أنوي لفرقت جمعهـم         بأبيض مصقول الدياس مشهـر
ولكننـي أنـوي بـذاك وسـيلةً             إلى الله أو هذا فخـذ ذاك أو ذر

وذكر أن محمد بن الحنفية، قال: كنت والله إني لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي في المسجد الأعظم، في رجال كثير من أهل المصر، يصلون قريباً من السدة، ما هم إلا قيام وركوعٌ وسجود، وما يسأمون من أول الليل إلى آخره، إذ خرج علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أيها الناس، الصلاة الصلاة! فما أدري أخرج من السدة فتكلم بهذه الكلمات أم لا! فنظرت إلى بريق، وسمعت: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فرأيت سيفاً، ثم رأيت ثانياً، ثم سمعت علياً يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عليه من كل جانب. قال: فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على علي، فدخلت فيمن دخل من الناس، فسمعت علياً يقول: النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي.؟ وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما حدث من أمر علي، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوفٌ بين يديه، إذ نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي: أي عدو الله، لا بأس على أبي، والله مخزيك! قال: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد.

وذكر أن جندب بن عبد الله دخل على علي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك - ولا نفقدك - فنبايع الحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. فرد عليه مثلها، فدعا حسناً وحسيناً، فقال: أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوي عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأغيثا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم ناصراً، واعملا بما في الكتاب، ولا تأخذ كما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية، فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك، لعظيم حقهما عليك، فاتبع أمرهما، ولا تقطع أمراً دونهما. ثم قال: أوصيكما به، فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه. وقال للحسن: أوصيك أي بني بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلاة من مانع زكاة، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش.

فلما حضرته الوفاة أوصى، فكانت وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين؛ ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"! انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام، فلا تعنوا أفواههم، ولا يضيعن بحضرتكم. والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم، ما زال يوصي به حتى ظننا أنه سيورثه. والله الله في القرآن؛ فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم فلا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم يناظر، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة، فإنها تطفىء غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم، والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم، يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم. وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم. أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.

ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض رضي الله عنه، وذلك في شهر رمضان سنة أربعين، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات، ثم ولي الحسن ستة أشهر.

وقد كان عليٌّ نهى الحسن عن المثلة، وقال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين! ألا لا يقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن، إن أنامت من ضربته هذه فاضربه ضربةً بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "إياكم والمثلة، ولو أنها بالكلب العقور". فلما قبض رضي الله عنه بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله ما أعطيت الله عهداً إلا وفيت به، إني كنت قد أعطيت الله عهداً عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه، ولك الله علي إن لم أقتل - أو قتلته ثم بقيت - أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. فقال له الحسن: أما والله حتى تعاين النار فلا. ثم قدمه فقتله، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري، ثم أحرقوه بالنار.

وأما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة التي ضرب فيها عليٌّ قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته، فأخذ، فقال: إن عندي خيراً أسرك به، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم؛ قال: إن أخاً لي قتل علياً في مثل هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر على ذلك! قال: بلى، إن علياً يخرج ليس معه من يحرسه؛ فأمر به معاوية فقتل. وبعث معاوية إلى الساعدي - وكان طبيباً - فلما نظر إليه قال: اختر إحدى خصلتين: إما أن أحمي حديدةً فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربةً تقطع منك الولد، وتبرأ منها، فإن ضربتك مسمومة، فقال معاوية: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني. فسقاه تلك الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد.

وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة، فلم يخرج، وكان اشتكى بطنه، فأمر خارجة بن حذافة، وكان صاحب شرطته، وكان من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلي، فشد عليه وهو يرى أنه عمرو، فضربه فقتله، فأخذه الناس، فانطلقوا به إلى عمرو يسلمون عليه بالإمرة، فقال: من هذا؟ قالوا: عمرو؛ قال: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة بن حذافة، قال: أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك، فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، فقدمه عمرو فقتله، فبلغ ذلك معاوية، فكتب إليه:

وقتلٌ وأسباب المنـايا كـثـيرةٌ           منية شيخٍ من لؤي بن غـالـب
فيا عمرو مهلاً إنما أنت عـمـه         وصاحبه دون الرجال الأقـارب
نحوت وقد بل المرادي سـيفـه         من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
ويضربني بالسيف آخر مثـلـه          فكانت علينا تلك ضـربة لازب
وأنت تنـاغـي كـل يوم ولـيلةٍ          بمصرك بيضاً كالظباء السوارب

ولما انتهى إلى عائشة قتل علي - رضي الله عنه - قالت:

فألقت عصاها واستقرت بها النوى          كما قر عيناً بالإياب المسـافـر

فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد؛ فقالت:

فإن يك نائياً فلقد نـعـاه          غلامٌ ليس في فيه التراب

فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني. وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري. وقال ابن أبي مياس المرادي في قتل علي:

ونحن ضربنا يا لك الخير حيدراً            أبا حسنٍ مأمومةً فـتـفـطـرا
ونحن خلعنا ملكه من نظـامـه           ضربة سيفٍ إذعلا وتجـبـرا
ونحن كرامٌ في الصبـاح أعـزةٌ            إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا

وقال أيضاً:

ولم أر مهراً ساقه ذو سـمـاحةٍ            كمهر قطامٍ من فصيحٍ وأعجـم
ثلاثة آلافٍ وعـبـدٌ وقـــينةٌ                   وضرب علي بالحسام المصمـم
فلا مهر أغلى من عليٍّ وإن غلا         ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجـم

وقال أبو الأسود الدؤلي:

ألا أبلغ معاوية بن حـربٍ               فلا قرت عيون الشامتينـا
أفي شهر الصيام فجعتمونـا          بخير الناس طراً أجمعينـا!
قتلتم خير من ركب المطايا          ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها        ومن قرأ المثاني والمبينـا
إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ      رأيت البدر راع الناظرينـا
لقد علمت قريشٌ حيث كانت        بأنك خيرها حسبـاً ودينـا

واختلف في سنة يوم قتل، فقال بعضهم: قتل وهو ابن تسع وخمسين سنة.

وحدثت عن مصعب بن عبد الله، قال: كان الحسن بن علي يقول: قتل أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

وحدثنا عن بعضهم، قال: قتل وهو ابن خمس وستين سنة.

وحدثني أبو زيد، قال: حدثني أبو الحسن، قال: حدثني أيوب بن عمر بن أبي عمرو، عن جعفر بن محمد، قال: قتل عليٌّ وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال: وذلك أصح ما قيل فيه.

حدثني عمر، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، قال: قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وقال هشام: ولي عليٌّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر؛ وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، ثم قتله ابن ملجم - واسمه عبد الرحمن ابن عمرو - في رمضان لسبع عشرة مضت منه، وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر، وقتل سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وحدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، ودفن عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة.

حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: ضرب علي رضي الله عنه ليلة الجمعة، فمكث يوم الجمعة وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا علي بن عمر وأبو بكر السبري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول سنة الجحاف حين دخلت سنة إحدى وثمانين هذه ولي خمسٌ وستون سنة، قد جاوزت سن أبي؛ قيل: وكم كانت سنه يوم قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وقال الحارث: قال ابن سعد: قال محمد بن عمر كذلك، وهو الثبت عندنا.

ذكر الخبر عن قدر مدة خلافته حدثني أحمد بن ثابت، قال: حدثت عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: كانت خلافة علي خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

وحدثني الحارث، قال: حدثني ابن سعد قال: قال محمد بن عمر: كانت خلافة علي خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

حدثني أبو زيد، قال: قال أبو الحسن: كانت ولاية علي أربع سنين وتسعة أشهر، ويوماً أو غير يوم.

ذكر الخبر عن صفته حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي، قلت: ما كانت صفة علي رضي الله عنه؟ قال: رجلٌ آدم شديد الأدمة ثقل العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، هو إلى القصر أقرب.

ذكر نسبه رضي الله عنه هو علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

ذكر الخبر عن أزواجه وأولاده فأول زوجةٍ تزوجها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده، وكان لها منه من الولد: الحسن والحسين، ويذكر أنه كان لها منه ابنٌ آخر يسمى محسناً توفي صغيراً، وزينب الكبرى، وأم كلثوم الكبرى.

ثم تزوج بعد أم البنين بنت حزام - وهو أبو المجل بن خالد بن ربيعة ابن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب - فولد لها منه العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، قتلوا مع الحسين رضي الله عنه بكربلاء، ولا بقية لهم غير العباس.

وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمي بن جندل ابن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فولدت له عبيد الله وأبا بكر. فزعم هشام بن محمد أنهما قتلا مع الحسين بالطف. وأما محمد بن عمر فإنه زعم أن عبيد الله بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار، وزعم أنه لا بقية لعبيد الله ولا لأبي بكر ابني علي رضي الله عنه.

وتزوج أسماء ابنة عميس الخثعمية، فولدت له - فيما حدثت عن هشام بن محمد - يحيى ومحمداً الأصغر، وقال: لا عقب لهما.

وأما الواقدي فإنه قال فيما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا الواقدي أن أسماء ولدت لعليٍّ يحيى وعوناً ابني علي. ويقول بعضهم: محمد الأصغر لأم ولد، وكذلك قال الواقدي في ذلك؛ وقال: قتل محمد الأصغر مع الحسين.

وله من الصهباء - وهي أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة ابن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن مرو ابن غنم بن تغلب بن وائل، وهي أم ولد من السبي الذين أصابهم خالد ابن الوليد حين أغار على عين التمر على بني تغلب بها - عمر بن علي، ورقية ابنة علي، فعمر عمر بن علي حتى بلغ خمساً وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث علي رضي الله عنه، ومات بينبع.

وتزوج أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ابن عبد مناف، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له محمداً الأوسط.

وله محمد بن علي الأكبر، الذي يقال له: محمد بن الحنفية، أمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، توفي بالطائف فصلى عليه ابن عباس.

وتزوج أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى.

وكان له بنات من أمهات شتى لم يسم لنا أسماء أمهاتهن؛ منهن أم هانىء، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة بنات علي رضي الله عنه؛ أمهاتهن أمهات أولادٍ شتى.

وتزوج محياة ابنة امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ابن عليم من كلب، فولدت له جارية، هلكت وهي صغيرة. قال الواقدي: كانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول وه، وه - تعني كلباً.

فجميع ولد علي لصلبه أربعة عشر ذكراً، وسبع عشرة امرأة.

حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي، قال: كان النسل من ولد علي الخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية.

ذكر ولاته وكان واليه على البصرة في هذه السنة عبد الله بن العباس، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك، وإليه كانت الصدقات والجند والمعاون أيام ولايته كلها، وكان يستخلف بها إذا شخص عنها على ما قد بينت قبل.

وكان على قضائها من قبل علي أبو الأسود الدؤلي، وقد ذكرت ما كان من توليته زياداً عليها، ثم إشخاصه إياه إلى فارس لحربها وخراجها، فقتل وهو بفارس، وعلى ما كان وجهه عليه.

وكان عامله على البحرين وما يليها واليمن ومخاليفها عبدي الله بن العباس، حتى كان من أمره وأمر بسر بن أبي أرطاة ما قد مضى ذكره.

وكان عامله على الطائف ومكة وما اتصل بذلك قثم بن العباس.

وكان عامله على المدينة أبو أيوب الأنصاري، وقيل: سهل بن حنيف، حتى كان من أمره عند قدوم بسر ما قد ذكر قبل.

ذكر بعض سيره رضي الله عنه حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن عباس بن الفضل مولى بني هاشم، عن أبيه، عن جده ابن أبي رافع، أنه كان خازناً لعلي رضي الله عنه على بيت المال، قال: فدخل يوماً وقد زينت ابنته، فرأى عليها لؤلؤةً من بيت المال قد كان عرفها، فقال: من أين لها هذه؟ لله علي أن أقطع يدها؛ قال: فلما رأيت جده في ذلك قلت: أنا والله يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة أخي، ومن أين كانت تقدر عليها لو لم أعطها! فسكت.

حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن ناجية القرشي، عن عمه يزيد بن عدي بن عثمان، قال: رأيت علياً رضي الله عنه خارجاً من همدان، فرأى فئتين يقتتلان، ففرق بينهما، ثم مضى فسمع صوتاً. يا غوثا بالله! فخرج يحضر نحوه حتى سمعت خفق نعله وهو يقول: أتاك الغوث؛ فإذا رجل يلازم رجلاً، فقال: يا أمير المؤمنين، بعت هذا ثوباً بتسعة دراهم، وشرطت عليه ألا يعطيني مغموزاً ولا مقطوعاً - وكان شرطهم يومئذ - فأتيته بهذه الدراهم ليبدلها لي فأبى، فلزمته فلطمني، فقال: أبد له؛ فقال: بينتك على اللطمة؛ فأتاه بالبينة، فأقعده ثم قال: دونك فاقتص؛ فقال: إني قد عفوت يا أمير المؤمنين، قال: إنما أردت أن أحتاط في حقك، ثم ضرب الرجل تسع درأت، وقال: هذا حق السلطان.

حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: حدثنا المسعودي، عن ناجية، عن أبيه، قال: كنا قياماً على باب القصر، إذ خرج عليٌّ علينا، فلما رأيناه تنحينا عن وجهه هيبةً له، فلما جاز صرنا خلفه، فبينا هو كذلك إذ نادى رجل يا غوثا بالله! فإذا رجلان يقتتلان، فلكز صدر هذا وصدر هذا، ثم قال لهما: تنحيا، فقال أحدهما: يا أمير المؤمنين، إن هذا اشترى مني شاةً، وقد شرطت عليه ألا يعطيني مغموزاً ولا محذفاً، فأعطاني درهماً مغموزاً، فرددته عليه فلطمني؛ فقال للآخر: ما تقول؟ قال: صدق يا أمير المؤمنين، قال: فأعطه شرطه، ثم قال للاطم: اجلس، وقال للملطوم: اقتص. قال: أو أعفو يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إليك؛ قال: فلما جاز الرجل قال علي: يا معشر المسلمين، خذوه؛ قال: فأخذوه، فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب، ثم ضربه خمس عشرة درة، ثم قال: هذا نكالٌ لما انتهكت من حرمته.

حدثني ابن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سكين ابن عبد العزيز، قال: أخبرنا حفص بن خالد، قال: حدثني أبي خالد بن جابر قال: سمعت الحسن يقول: لما قتل علي رضي الله عنه وقد قام خطيباً، فقال: لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة فيها نزل القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم عليه السلام، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد يكون بعده، واله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة - أو سبعمائة - أرصدها لخادمه.