باب النهي عن تمني الموت و الدعاء به لضر نزل في المال و الجسد التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب في الوعظ والإرشاد جمع فيه المصنف آيات وأحاديث في ذكر الموت وأحوال الموتى وذكر الحشر والنشر والجنة والنار والفتن والأشراط، وقد رتب كتابه على الأبواب وجعل عقب كل باب فصلا أو فصولا يذكر فيها ما يحتاج إليه من بيان غريب أو فقه في حديث، أو إيضاح مشكل لتكمل فائدته ويعظم نفعه .

باب النهي عن تمني الموت و الدعاء به لضر نزل في المال و الجسد

روى مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي و توفني إذا كانت الوفاة خيراً لي أخرجه البخاري ، و عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يتمنين أحدكم الموت و لا يدع به من قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، و إنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً .

و قال البخاري : لا يتمنين أحدكم الموت : إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً ، و إما مسيئاً فلعله أن يستعتب .

البزار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد ، و إن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة .

فصل : قال العلماء : الموت ليس بعدم محض و لا فناء صرف و إنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن و مفارقته و حيلولة بينهما ، و تبدل حال و انتقال من دار إلى دار ، و هو من أعظم المصائب ، و قد سماه الله تعالى مصيبة ، و في قوله فأصابتكم مصيبة الموت فالموت هو المصيبة العظمى و الرزية الكبرى .

قال علماؤنا : و أعظم منه الغفلة عنه ، و الإعراض عن ذكره ، و قلة التفكر فيه ، و ترك العمل له ، و إن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر و فكرة لمن تفكر ، و في خبر يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم : لو أن البهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلت منها سميناً .

و يروى أن إعرابياً كان يسير على جمل له فخر الجمل ميتاً ، فنزل الأعرابي عنه و جعل يطوف به و يتفكر فيه و يقول : مالك لا تقوم ؟ مالك لا تنبعث ، هذه أعضاؤك كاملة و جوارحك سالمة . ما شأنك ؟ ما الذي كان يحملك ؟ ما الذي كان يبعثك ؟ ما الذي صرعك ؟ ما الذي عن الحركة منعك ؟ ثم تركه و انصرف متفكراً في شأنه . متعجباً من أمره . و أنشدوا في بعض الشجعان مات حتف أنفه :

جائته من قبل المنون إشارةً فهوى صريعاً لليدين و للفم