باب يختار للميت قوم صالحون يكون معهم التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب يختار للميت قوم صالحون يكون معهم

خرج أبو سعيد الماليني في كتاب المؤتلف و المختلف ، و أبو بكر الخرائطي في كتاب القبور، من حديث سفيان الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن الحنفية ، عن علي رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ندفن موتانا وسط قوم صالحين . فإن الموتى يتأذون بالجار السوء كما يتأذى به الأحياء .

و عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا مات لأحدكم الميت فحسنوا كفنه ، و عجلوا إنجاز وصيته ، و أعمقوا له في قبره و جنبوه جار السوء قيل : يا رسول الله : و هل ينفع الجار الصالح في الآخرة ؟ قال : هل ينفع في الدنيا قالوا : نعم . قال : كذلك ينفع في الآخرة . ذكره الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار .

و خرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن أنس عن عمه نافع بن مالك ، عن أبيه عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أدفنوا موتاكم وسط قوم صالحين . فإن الميت يتأذى بالجار السوء .

فصل قال علماؤنا : و يستحب لك ـ رحمك الله ـ أن تقصد بميتك قبور الصالحين . و مدافن أهل الخير . فندفنه معهم، و تنزله بإزائهم ، و تسكنه في جوارهم ، تبركا بهم ، و توسلاً إلى الله عز و جل بقربهم ، و أن تجتنب به قبور من سواهم ، ممن يخاف التأذي بمجاورته ، و التألم بمشاهدة حاله حسب ما جاء في الحديث .

يروى أن امرأة دفنت بقرطبة ـ أعادها الله ـ فأتت أهلها في النوم فجعلت تعتهم و تشكوهم و تقول : ما وجدتم أن تدفنوني إلا إلى فرن الجير ؟ فلما أصبحوا نظروا فلم يروا في ذلك الموضع كله و لا بقربه فرن جير . فبحثوا و سألوا عن من كان مدفوناً بإزائها ؟ فوجدوه رجلاً سيافاً كان لابن عامر و قبره إلى قبرها . فأخرجوها من جواره . ذكر هذا أبو محمد عبد الحق في كتاب العاقبة له .

و عن أعرابي أنه قال لوالده : ما فعل الله بك ؟ قال : ما ضرني إلا أني دفنت بإزاء فلان ، و كان فاسقاً قد روعني ما يعذب به من أنواع العذاب .

و روى أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي في كتاب الديباج له و حدثني أبو الوليد رباح بن الوليد الموصلي . قال : و حدثت عن عبد الملك بن عبد العزيز عن طاووس بن ذكوان اليماني ، أنه أخبرهم أنه قدم حاجاً فمر بالأبطح عند المقابر مع رفقاء له فقال : بينما أنا أصلي في جوف الليل و علي برد لي أحرش أخذته باليمن بسبعين ديناراً و قبر قريب مني محفور . إذ رأيت شمعاً قد أقبل به مع جنازة . فإذا قائل يقول في قبر قريب من القبر المحفور : اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء . قال : فركعت ثم سجدت و سلمت . ثم خرجت حتى لقيت أصحاب الجنازة فسلمت و قلت : لا تقربونا و تنحوا عنا ـ عافاكم الله ـ قالوا : ما نستطيع ذلك . و قد حفرنا قبرنا هذا. و لا نستطيع أن نذهب إلى غيره . فقلت : من أولى بالجنازة ؟ فقالوا : هذا ابنه . فقلت له : هل لك أن تتنحى عنا و تناولني ثوبك هذا الذي عليك فألبسه و أعطيك بردي هذا ، فإني قد أخذته باليمن بسبعين ديناراً و هو ها هنا خير من سبعين ؟ فإن كان على أبيك دين قضيته عنه . و إن لم يكن ، انتفع بذلك الورثة . و تكف عنا ما نكره . قال: فأنكر القوم قولي أن يكون على رجل برد يلتف به ثمنه سبعون ديناراً . فاحتجت إلى أن أخبرهم من أنا ؟ فقلت : تعرفون طاووس اليماني ؟ قالوا : نعم . قلت : فأنا طاووس اليماني و ما قلت في البرد إلا حقاً . فناولني الرجل رداءه و أخذ ردائي و انصرف عنا ، و أقبلت حتى وقفت على صاحب القبر . فقلت : ما كان لك ليجاورك جار تكرهه و أنا أستطيع رده . ثم عدت إلى صلاتي .

باب ما جاء أن الموتى يتزاورون في قبورهم و استحسان الكفن لذلك

الترمذي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه خرج الحافظ أبو نصر عبد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي السجستاني في كتاب الإبانة له . حدثنا هبة الله بن إبراهيم بن عمر قال : حدثنا علي بن الحسين بن بندار . قال : حدثنا محمد بن الصفار ، قال : حدثنا معاوية . قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حسنوا أكفان موتاكم ، فإنهم يتباهون و يتزاورون في قبورهم . و في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه .