باب ما جاء في كلام القبر كل يوم وكلامه للعبد إذا وضع فيه التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب ما جاء في كلام القبر كل يوم وكلامه للعبد إذا وضع فيه

الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مصلاه فرأى ناساً يكشرون ، فقال : أما أنكم لو أكثرتم من ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى ـ يعني الموت ـ فأكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت . فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه . فيقول : أنا بيت الغربة ، و أنا بيت الوحدة ، و أنا بيت التراب ، و أنا بيت الدود . فإذا دفن العبد المؤمن . قال له القبر : مرحباً و أهلاً أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي ، فإذا وليتك اليوم و صرت إلي فسترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ، و يفتح له باب الجنة . و إذا دفن العبد الفاجرأو الكافر قال له القبر : لا مرحباً و لا أهلاً . أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي . فإذ وليتك اليوم و صرت إلي فسترى صنيعي بك قال : فيلتئم عليه حتى يلتقي و تختلف أضلاعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصابعه فأدخل بعضها جوف بعض . قال : و يقيض الله له تسعين تنيناً أو تسعة و تسعين لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا ، فتنهشه حتى يفضى به إلى الحساب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار قال أبو عيسى : هذا حديث غريب .

و خرج هناد بن السرى قال : حدثنا حسن الجعفي ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : يجعل الله للقبر لساناً ينطق به فيقول : ابن آدمن كيف نسيتني ؟ أما علمت أني بيت الدود ، و بيت الوحدة ، و بيت الوحشة.

قال : و حدثنا وكيع ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : إن القبر ليبكي و يقول في بكائه : أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الوحدة ، أنا بيت الدود .

و ذكر أبو عمر بن عبد البر ، روى يحيى بن جابر الطائي ، عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحارث قال : أتيت بيت المقدس أنا و عبد الله بن عبيد بن عمير قال : فجلسنا إلى عبد الله بن عمر بن العاص فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟ يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ! لقد كنت تمشي حولي فداداً . قال ابن عائذ : قلت لغضيف: ما الفداد يا أبا اسماعيل ؟ قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي . قال غضيف : فقال لصاحبي ـ و كان أكبر مني ـ لعبد الله بن عمرو : فإن كان مؤمناً فماذا له ؟ قال : يوسع له في قبره و يجعل منزله أخضر و يعرج بروحه إلى السماء . ذكره في كتاب التمهيد .

و ذكره أبو محمد عبد الحق في كتاب العاقبة له ، عن أبي الحجاج الثمالي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يقول القبر للميت إذا وضع فيه : ويحك يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الفتنة . و بيت الظلمة . و بيت الدود ؟ ما غرك إذ كنت تمر بي فداداً ؟ قال : فإنا كان صالحاً أجاب عنه مجيب القبر . فيقول : أرأيت إن كان ممن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ؟ قال فيقول القبر : فإني أعود عليه خضراً و يعود جسده نوراً . و تصعد روحه إلى رب العالمين . ذكر هذا الحديث أبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى ، و ذكره أيضاً قاسم بن أضبع قال : قيل لأبي الحجاج ما الفداد ؟ قال : الذي يقدم رجلاً و يؤخر أخرى. يعني الذي يمشي مشية المتبخر .

و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا داود بن ناقد قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول : بلغني أن الميت يقعد في حفرته و هو يسمع وخط مشيعيه و لا يكلمه شيء أول من حفرته فتقول : ويحك يا ابن آدم قد حذرتني و حذرت ضيقي و ظلماتي . و نتني و هولي . هذا ما أعددت لك فما أعددت لي ؟

الوخط و الوخد : سرعة السير في المشي .

و قال سفيان الثوري : من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة . و من غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار .

و قال أحمد بن حرب تتعجب الأرض ممن يمهد مضجعه ، و يسوي فراشه لنوم . و تقول : يا ابن آدم ألا تذكر طول رقادك في جوفي ، و ما بيني و بينك شيء ؟ .

و قيل لبعض الزهاد : ما أبلغ العظات ؟ قال : النظر إلى محلة الأموات . و لقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول :

وعظتك أجداث صمت و نعتك أزمنة خفت

و تكلمت عن أوجه تبلى و عن صور سبت

و أرتك نفسك في القبور و أنت حي لم تمت

و روي عن الحسن البصري أنه قال : كنت خلف جنازة فاتبعتها ، حتى وصلوا بها إلى حفرتها ، فنادت امرأة فقالت: يا أهل القبور لو عرفتم من نقل إليكم لأعززتموه ؟ قال الحسن: فسمعت صوتاً من الحفرة و هو يقول : قد و الله نقل إلينا بأوزار كالجبال و قد أذن لي أن آكله حتى يعود رميماً . قال : فاضطربت الجنازة فوق النعش . و خر الحسن مغشياً عليه .

باب ما جاء في ضغط القبر على صاحبه و إن كان صالحاً

النسائي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هذا الذي تحرك له عرش الرحمن و فتحت له أبواب السماء ، و شهده سبعون ألفاً من الملائكة ، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه قال أبو عبد الرحمن النسائي يعني سعد بن معاذ .

و من حديث شعبة بن الحجاج بإسناده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ.

و ذكر هناد بن السرى ، حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن ابن أبي ملكية قال : ما أجير من ضغطة القبر أحد . ولا سعد بن معاذ . الذي منديل من مناديله خير من الدنيا و ما فيها . قال: و حدثنا عبدة بن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : و لقد بلغني أنه شهد جنازة سعد بن معاذ سبعون ألف ملك . لم ينزلوا إلى الأرض قط .

و لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لقد ضم صاحبكم في القبر ضمة .

و خرج علي بن معبد في كتاب الطاعة و المعصية عن نافع قال : أتينا صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر و هي فزعة . فقلنا : ما شأنك ؟ قالت : جئت من عند بعض نساء النبي صلى الله عليه و سلم ، فحدثتني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن كنت لأرى أن أحداً لو أعفي من عذاب القبر ، لأعفي منه سعد بن معاذ لقد ضم فيه ضمة .

و خرج أيضاً عن زاذان أن أبي عمر قال : لما دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته زينب جلس عند القبر فتربد وجهه ، ثم سرى عنه فقال له أصحابه : رأينا وجهك يا رسول الله تربد آنفاً ، ثم سرى عنك . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ذكرت ابنتي و ضعفها ، و عذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها ، و أيم الله لقد ضمت ضمة سمعها ما بين الخافقين .

و خرج أيضاً بسنده عن إبراهيم الغنوي عن رجل . قال : كنت عند عائشة فمرت جنازة صبي صغير فبكت . فقلت لها : ما يبكيك يا أم المؤمنين ؟ فقالت : هذا الصبي بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر .

قلت : و هذا الخبر ، و إن كان موقوفاً على عائشة رضي الله عنه . فمثله لا يقال من جهة الرأي .

و قد روى عمر بن شبة في كتاب المدينة ـ على سكانها السلام ـ في ذكر وفاة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بينما هو صلى الله عليه و سلم في أصحابه أتاه آت . فقال : إن أم علي و جعفر و عقيل قد ماتت . فقال : قوموا بنا إلى أمي قال : فقمنا كأن على رؤوسنا الطير . فلما انتهينا إلى الباب نزع قنيصه و قال : إذا كفنتموها فأشعروه إياه تحت أكفانها فلما خرجوا بها جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة يحمل ، و مرة يتقدم . و مرة يتأخر حتى انتهينا بها إلى القبر فتمعك في اللحد . ثم خرج و قال : أدخلوها بسم الله . و على اسم الله فلما دفنوها قام قائماً و قال : جزاك الله من أم . و ربيبة خيراً و سألناه عن نزع قميصه ، و تمعكه في اللحد ؟ فقال : أردت أن لا تمسها النار أبداً . إن شاء الله تعالى . و أن يوسع الله عليها قبرها و قال : ما عفى أحد من ضغطة القبر ، إلا فاطمة بنت أسد قيل يا رسول الله : و لا القاسم ابنك ؟ قال : و لا إبراهيم و كان أصغرهما ، و رواه أبو نعيم الحافظ عن عاصم الأحول عن أنس بمعناه . و ليس فيه السؤال بتمعكه إلى آخره .

قال أنس : لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجلس عند رأسها . فقال : رحمك الله يا أمي . كنت أمي بعد أمي . تجوعين و تشبعينني . و تعرين و تكسونني . و تمنعين نفسك طيب الطعام . و تطعمينني . تريدين بذلك وجه الله و الدار الآخرة . ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده ، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه و ألبسها إياه و كفنها فوقه . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم : أسامة بن زيد و أبا أيوب الأنصاري ، و عمر بن الخطاب و غلاماً أسود يحفرون قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أخرج ترابه بيده ، فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فاضطجع فيه ثم قال : الحمد لله الذي يحيي و يميت ، و هو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و لقنها حجتها و وسع عليها مدخلها بحق نبيك و الأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين و كبر عليها أربعاً و أدخلها اللحد هو و العباس و أبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين .