أبواب الجنة و ما جاء فيها و في صفتها و نعيمها التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أبواب الجنة و ما جاء فيها و في صفتها و نعيمها

وصف الله تعالى الجنات في كتابه وصفاً يقوم العيان في غير ماسورة من القرآن ، و أكثر ذلك في سورة الواقعة و الرحمن ، و هل أتاك حديث الغاشية و سورة الإنسان ، و ذلك أيضاً نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بأوضاح بيان ، فنذكر من ذلك ما بلغنا في الأخبار الصحاح و الحسان . و عن السلف الصالح أهل الفضل و الإحسان رضي الله عنهم و حشرنا معهم آمين .

ذكر ابن وهب ، قال : و حدثنا ابن زيد قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليقرأ هل أتى على الإنسان حين من الدهر و قد أنزلت عليهو عنده رجل أسود قد كان يسأل النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال له عمر بن الخطاب : حسبك لا تثقل على النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : دعه يا ابن الخطاب ، قال : فنزلت عليه هذه السورة و هو عنده ، فلما قرأها عليه و بلغ صفة الجنان زفر زفرة فخرجت نفسه ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرج نفس صاحبكم أو أخيكم الشوق إلى الجنة .

باب صفة أهل الجنة في الدنيا

قال ابن وهب سمعت ابن زيد يقول : وصف الله أهل الجنة بالمخافة و الحزن و البكاء و الشفقة في الدنيا ، فأعقبهم به النعيم و السرور في الآخرة ، و قرأ قول الله عز و جل إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين قال : و وصف أهل النار بالسرور في الدنيا و الضحك فيها و التفكه فقال : إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور * بلى و قد تقدم من صفة أهلها ما فيه كفاية و الحمد لله وحده .

باب منه ـ و هل تفضل جنة جنة ؟

قال الله تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان ثم وصفهما ، ثم قال بعد ذلك ومن دونهما جنتان و عن ابن عباس في تأويل قوله تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان أي بعد أداء الفرائض جنتان ، قيل : على حدة ، فلكل خائف جنتان . و قيل : جنتان لجميع الخائفين ، و الأول أظهر . قال الترمذي محمد بن علي : جنة لخوفه من ربه ، و جنة لتركه لشهوته ، و المقام الوضيع ، أي : خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية ، و قيل : خاف قيام ربه عليه ، أي : إشرافه و اطلاعه عليه ، بيانه : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت .

و قال مجاهد و النخعي : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه .

وروي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : الجنتان بستنان في عرض الجنة ، كل بستان مسيرة مائة عام ، في وسط كل بستان دار من نور على نور ، و ليس منها شيء إلا يهتز نعمة و خضرة ، قرارها ثابت و شجرها نابت ذكره الهروي و الثعلبي أيضاً من حديث أبي هريرة ، و قيل : إن إحدى الجنتين أسافل القصور، و الأخرى أعاليها . و قال مقاتل : هما جنة عدن و جنة النعيم .

و قوله و من دونهما جنتان قال ابن عباس : أي و له من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان ، قال ابن عباس : و من دونهما ، أي في الدرج ، و الجنات لمن خاف مقام ربه فيكون في الأوليين ، النخل و الشجر ، و في الأخريين : الزرع و النبات و ما انبسط .

قال الماوردي : و يحتمل أن يكون و من دونهما جنتان لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته ، إحداهما للحور العين ، و الأخرى للولدان المخلدين ليتميز فيها الذكور من الإناث .

و قال ابن جريج هي أربع جنان : جنتان منها للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان و عينان تجريان ، و جنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة و نحل و رمان و فيهما عينان تضاختان ، و قال ابن زيد : الأوليان من ذهب للمقربين ، و الأخريان من ورق لأصحاب اليمين .

قال المؤلف رحمه الله : و إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب منهاج الدين له و احتج لما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، و لمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله مدهامتان قال : هاتان للمقربين و هاتان لأصحاب اليمين ، و عن أبي موسى الأشعري نحو ذلك .

و لما وصف الله الجنتين أشار إلى الفرق بينهما : فقال في الأولين فيهما عينان تجريان و في الأخريين ‌ فيهما عينان نضاختان أي فوارتان بالماء ، لكنهما ليستا كالجاريتين لأن النضخ دون الجري ، و قال فيهما من كل فاكهة زوجان معروف و غريب أو رطب و يابس ، فعم و لم يخص ، و في الأخريين فيهما فاكهة و نخل و رمان و لم يقل من كل فاكهة ، و قال في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من إستبرق و هو الديباج ، و في الأخريين متكئين على رفرف خضر و عبقري حسان .

و العبقري : الوشي . و لا شك أن الديباج أعلى من الوشي ، و الرفرف كسر الخباء و لا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخباء ، و قال في الأولييم في صفة الحور العيم كأنهن الياقوت و المرجان ، و في الأخريين فيهن خيرات حسان و ليس كل حسن كحسن الياقوت و المرجان ، و قال في الأوليين ذواتا أفنان و في الأخريين مدهامتان أي خضروان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان . و وصف الأوليين بكثرة الأغصان ، و الأخريين بالخضرة وحدها و في هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدناه ، قوله و من دونهما جنتان و لعل ما لم يذكره من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر .

فإن قيل كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قال : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه ، إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، و الجنتان الأخريان لمن قصر حاله في الخوف من الله تعالى .

قال المؤلف رحمه الله : فهذا قول ، و القول الثاني أن الجنتين في قوله تعالى : و من دونهما جنتان أعلى و أفضل من الأوليين ، ذهب إلى هذا الضحاك ، و أن الجنتين الأوليين من ذهب و فضة ، و الأخريين من ياقون و زمرد .

و قوله : و من دونهما جنتان أي و من أمامهما و من قبلهما ، و إلى هذا القول ذهب أبو عبد الله محمد الترمذي الحكيم في : نوادر الأصول و قال : و معنى و من دونهما جنتان أي دون هاتين إلى العرش أي أقرب و أدنى إلى العرض ، و قال مقاتل الجنتان الأوليان : جنة عدن و جنة النعيم ، و الأخريان جنة الفردوس و جنة المأوى .

قال المؤلف رحمه الله : و يدل على هذا قوله عليه الصلاة و السلام : إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، الحديث ، و سيأتي . قال الترمذي : و قوله فيهما عينان نضاختان أي بألوان الفواكه و النعيم و الجواري المزينات ، و الدواب المسرجات و الثياب الملونات و هذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري .

قال المؤلف رحمه الله : على هذا تدل أقوال المفسرين : روي عن ابن عباس نضاختان : أي فوارتان بالماء ، و النضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء ، و عنه أيضاً أن المعنى نضاختان بالخير و البركة ، قاله الحسن و مجاهد ، و عن ابن عباس أيضاً و ابن مسعود : تنضخ على أولياء بالمسك و الكافور و العنبر في دور أهل الجنة ، كما ينضخ رش المطر و قال سعيد بن جبير : بأنواع الفواكه و الماء .

و قوله : فيهما فاكهة و نخل و رمان قال بعض العلماء : ليس الرمان و النخل من الفاكهة لأن الشيء لا يعطف على نفسه ، و هذا ظاهر الكلام ، و قال الجمهور : هما من الفواكه ، و إنما أعاد ذكر النخل و الرمان لفضلهما على الفواكه ، كقوله تعالى حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوله من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال و قيل إنما كررهما لأن النخل و الرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، و الرمان كالثمرات ، فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليها . و كانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها ، و إنما ذكر الفواكه ثم ذكر النخل و الرمان لعمومها و كثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاهما من بلاد اليمين ، فأخرجهما في الذكر من الفواكه و أفرد الفواكه على حدتها .

و قوله : فيهن خيرات حسان يعني النساء و الواحدة خيرة ، قاله الترمذي : الخيرة ما اختارهن الله فأبدع خلقهن باختياره ، و اختيار الله لا يشبه اختيار الآدميين ، ثم قال حسان فوصفهن بالحسن ، فإذا وصف خالق الشيء شيئاً بالحسن فمن ذا الذي يقدر أن يصف حسنهن؟ فانظر ما هنالك ، و في الأوليين ذكر بأنهن قاصرات الطرف و كأنهن الياقوت و المرجان ، فانظركم بين الخيرة و هي مختارة الله و بين قاصرات الطرف ؟ ثم قال حور مقصورات في الخيام و قال في الأوليين : فيهن قاصرات الطرف قصران طرفهن على الأزواج ، و لم يذكر أنهن مقصورات : فدل على أن المقصورات أعلى و أفضل .

و قد بلغنا في الرواية : أن سحابة مطرت من العرش فخلقن من قطرات الرحمة ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار ، سعتها أربعون ميلاً و ليس لها باب ، حتى إذا حل ولى الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة و الخدم لم تأخذها و هي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين و الله أعلم .

ثم قال : متكئين على رفرف خضر اختلف في الرفرف ، ما هو ؟ فقيل : كسر الخباء و جوانب الدرع و ما تدلى منها ، الواحدة رفرفة . و قيل : الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به و أهوى به كالمرجاج يميناً و شمالاً ، و رفعاً و خفضاً . يتلذذ به مع أنيسته و اشتقاقه على هذا من رف يرف إذا ارتفع ، و منه رفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء ، و ربما سمي الظليم رفرفاً بذلك ، لأنه يرف بجناحيه ثم يعدو . و رفرف الطائر أيضاً إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه .

قال الترمذي الحكيم : فالرفرف أعظم خطراً من العرش ، و ذكر في الأوليين : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق و قال هنا متكئين على رفرف خضر فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به، أي طار هكذا و هكذا حيث ما يريد كالمرجاح .

و روي لنا حديث المعراج أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل و طار به إلى سند العرش ، فذكر أنه طار بي و يخفضني و يرفعني حتى وقف بي على ربي ثم لما حان الأنصراف تناوله فطار به خفضاً و رفعاً يهوي به حتى أدله إلى حبريل صلوات الله عليهما ، و جبريل يبكي و يرفع صوته بالتحميد ، و الرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو و القربة ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء صلوات الله عليهم مخصوصة بذلك في أرضه . فهذا الرفرف الذي سخره الله لأجل الجنتين الدانيتين هو متكأهما و فرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار و شطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان .

ثم قال : و عبقري حسان و العبقري : ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش : إنها حسان ، فما ظنك بتلك العباقر ، و العبقري : قرية من ناحية اليمن فيما بلغنا ينسج فيها بسط منقوشة ، فذكر الله ما خلق في تلك الجنتين من البسط المنقوشة الحسان و الرفرف الخضر . إنما ذكر لهم من الجنان ما يعرفون أسماءها هنا ، فبان تفاوت هاتين الجنتين .

و قد روي عن بعض السلف : فإذا هو يشير إلى أن هاتين الجنتين من دونهما ، أي أسفل منهما وادون : فكيف يكون مع هذه الصفة أدون فحسبته لم يفهم الصفة ذكره في الأصل التاسع و الثمانين من كتاب : نوادر الأصول .

فصل : لما قال الله تعالى سبحانه و تعالى و لمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال : و من دونهما جنتان دل على أن الجنان أربع لا سبع على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

 باب صغة الجنة و نعيمها و ما أعد الله لأهلها فيها

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله تعالى عز و جل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ذخراً بله ما أطلعتكم عليه ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين بله : بمعنى : غير . و قيل : اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع .

ابن ماجه عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ذات يوم لأصحابه: ألا مشمر للجنة ؟ بأن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ و ريحانة تهتز ، و قصر مشيد ، و نهر مطرد ، و فاكهة كثيرة نضيجة ، و زوجة حسناء جميلة ، و حلل كثيرة في مقام أبد في جدة و نضرة ، في دار عالية سليمة بهية ، قالوا : نحن المشمرون لها يا رسول الله قال : قولوا إن شاء الله . ثم ذكر الجهاد و حض عليه .

الترمذي عن أبي هريرة قال : قلت يا رسول الله مم خلق الخلق ؟ قال : من الماء قلت : الجنة ما بناؤها ؟ قال : لبنة من فضة ، و لبنة من ذهب بلاطها المسك الأذفر ، و حصباؤها اللؤلؤ و الياقوت ، و تربتها الزعفران . من دخلها ينعم لا ييأس ، و يخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابهم ، و لا يفنى شبابهم . ذكر الحديث . قال ليس إسناده ذلك بالقوي ، و ليس هو عندي بمتصل ، و قد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم .

قال المؤلف رحمه الله : خرجه أبو داود الطيالسي في سنده قال : حدثنا إبراهيم بن معاوية ، عن سعيد الطائي ، قال: حدثني أبو المدله ، مولى أم المؤمنين أنه سمع أبا هريرة يقول : قلنا يا رسول الله لماذا كنا عندك رقت قلوبنا و كنا من أهل الآخرة ، فإذا فارقناك و شممنا النساء و الأولاد أعجبتنا الدنيا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو أنكم تكونون إذ فارقتموني كما تكونون عندي لصافتحكم الملائكة بأكفها و لزارتكم في بيوتكم ، و لو كنتم لا تذنبونلجاؤ الله بقوم يذنبون كي يستغفروا فيغفر لهم . قلنا : يا رسول الله أخبرنا عن الجنة . ما بناؤها ؟ قال : لبنة من ذهب ، و لبنة من فضة ، و بلاطها المسك الأذفر ، و حصباؤهما الدر و الياقوت ، و ترابها الزعفران ، من يدخلها يبقى لا ييأس ، و يخلد لا يموت ، و لا تبلى ثيابه ، و لا يفنيى شبابه .

مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لابن صياد : ما تربة الجنة ؟ قال : درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم ، قال : صدقت .

و عنه أن ابن صياد سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن تربة الجنة فقال : ما درمكة بيضاء مسك خالص .

ابن المبارك قال أخبرنا معمر عن قتادة ، عن العلاء بن يزيد ، عن أبي هريرة قال : حائط الجنة لبنة من فضة و لبنة من ذهب ، و درجها اللؤلؤ و الياقوت ، قال : و كنا نحدث أن رضاختها اللؤلؤ ، و ترابها الزعفران.

قلت : كل هذا مرفوع حسب ما تقدم في هذا الباب و يأتي .

باب ما جاء في أنهار الجنة و جبالها و ما جاء في الدنيا منها

قال الله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن ، و أنهار من لبن لم يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى . و روي أنها تجري في غير أخدود . منضبطة بالقدرة .

و يروي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أنهار في الجنة تخرج من تحت تلال أو جبال مسك، ذكره العقيلي .

و ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس ، قال : حدثني كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله أربعة جبال من جبال الجنة، و أربعة أنهار من أنهار الجنة ، و أربعة ملاحم من ملاحم الجنة ، قيل فمن الأجبل ؟ قال : جبل أحد ، يحبنا و نحبه ، و الطور : جبل من جبال الجنة ، و لبنان : جبل من جبال الجنة و الجودي : جبل من جبال الجنة ، و الأنهار : النيل و الفرات و سيحان و جيحان . و الملاحم : بدر ، و أحد ، و الخندق ، و خيبر .

و بالسند المذكور قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه و سلم أول غزوة غزاها الأبواء حتى إذا كنا بالروحاء نزل بعرق الظبية فصلى بهم ، ثم قال : هل تدرون ما اسم هذا الجبل ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، قال : هذا خصيب جبل من جبال الجنة ، اللهم فبارك فيه و بارك لأهله ، و قال : للروحاء : هذه سجاسج واد من أودية الجنة ، لقد صلى في هذا المسجد قبلي سبعون نبياً ، و لقد مر بها موسى عليه السلام ، عليه عباءتان قطونيتان على ناقة ورد في سبعين ألفاً من بني إسرائيل حتى جاء البيت العتيق ، الحديث . و سيأتي تمامه إن شاء الله تعالى .

الترمذي عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن في الجنة بحر الماء ، و بحر اللين ، و بحر العسل ، و بحر الخمر ، ثم تنشق الأنهار بعد ذلك . قال : أبو عيسى : هذا حديث صحيح ، و حكيم بن معاوية هو والد بهز بن حكيم .

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سيحان و جيحان و النيل و الفرات كل من أنهار الجنة ، و قال كعب : نهر دجلة نهر بالجنة ، و نهر الفرات نهر لبنهم ، و نهر مصر نهر خمرهم ، و نهر سيحان نهر عسلهم ، و هذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر .

و ذكر البخاري من طريق شريك عن أنس في حديث الإسراء ، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، فقال : ما هذان يا جبريل ؟ قال :النيل و الفرات عنصرهما ، ثم مضى في السماء ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من اللؤلؤ و الزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر، قال : ما هذا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك .

باب منه و ما جاء في رفع هذه الأنهار آخر الزمان عند خروج يأجوج و مأجوج ، و رفع القرآن و العلم

ذكر أبو جعفر النحاس قرئ على أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، عن جامع بن سوادة ، قال حدثنا سعيد بن سابق ، حدثنا مسلمة بن علي ، عن مقاتل بن حيان عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أنزل الله عز و جل إلى الأرض خمسة أنهار : سيحون و هو نهر الهند ، و جيحون و هو نهر بلخ ، و دجلة و الفرات و هما نهر العراق ، و النيل و هو نهر مصر ، أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها ، على جناحي جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال و أجراها في الأرض و جعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم ، و ذلك قوله جل ثناؤه : و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض فإذا كان عند خروج يأجوج و مأجوج أرسل الله جبريل رفع من الأرض القرآن و العلم و جميع الأنهار الخمسة ، فيرفع ذلك إلى السماء ، فذلك قوله تعالى : و إنا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا و الدين .

قلت : رفع القرآن عند خروج يأجوج و مأجوج فيه نظر ، و سيأتي بيانه آخر الكتاب إن شاء الله تعالى .

و روي عن المسعودي أنه قال : مد الفرات على عهد ابن مسعود فكره الناس مده ، فقال ابن مسعود : لا تكرهوا مده فإنه سيأتي زمان يلتمس فيه طست مملوء من ماء فلا يوجد ، و ذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره ، فيكون بقية الماء و العيون بالشام ، و سيأتي بيان هذا إن شاء الله تعالى .

باب من أين تفجر أنهار الجنة ؟

البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من آمن بالله و رسوله و أقام الصلاة و صام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها ، قالوا يا رسول الله: أفلا نبشر الناس ؟ قال إن في الجنة ، مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء و الأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة و أعلى الجنة و فوقه عرش الرحمن ، و منه تفجر أنهار الجنة .

خرجه ابن ماجه أيضاً و غيره .

و قال أبو حاتم البستي : معنى قوله : فإنه أوسط الجنة يريد في الارتفاع ، و قال قتادة : الفردوس ربوة الجنة و أوسطها و أعلاها و أفضلها و أرفعها .

و قد قيل : إن الفردوس اسم يشمل جميع الجنة ، كما أن جهنم اسم لجميع النيران كلها لأن الله تعالى مدح في أول سورة المؤمنين أقواماً وصفهم ، ثم قال : هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ثم أعاد ذكرهم في سورة المعارج فقال : أولئك في جنات مكرمون فعلمنا أن الفردوس جنات لا جنة واحدة ، قاله وهب بن منبه .

باب ما جاء أن الخمر شراب أهل الجنة و من شربه في الدنيا لم يشربه في الآخرة و في لباس أهل الجنة و آنيتهم

النسائي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة و من شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ، و من شرب في آنية الذهب و الفضة لم يشرب بها في الآخرة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لباس أهل الجنة و شراب أهل الجنة و آنية أهل الجنة .

قلت : إن قال قائل : قد سوى النبي صلى الله عليه و سلم بين الأشياء الثلاثة و أنه يحرمها في الآخرة فهل يحرمها إذا دخل الجنة ؟ قلنا : نعم ! إذا لم يتب منها ، لقوله عليه الصلاة و السلام : من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة ، خرجه مالك ، عن نافع عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و كذلك لابس الحرير ، و من أكل في آنية الذهب و الفضة ، أو شرب فيها لاستعجاله ما أخر الله له في الآخرة ، و ارتكاب ما حرم الله عليه في الدنيا .

و قد روى أبو داود الطيالسي في مسنده قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن داود السراج ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، و إن دخل الجنة لبسه أهل الجنة و لم يلبسه هو . و هذا نص صريح ، و إسناد صحيح ، فإن كان و إن دخل الجنة لبسه أهل الجنة و لم يلبسه من قوله النبي صلى الله عليه و سلم فهو الغاية في البيان ، و إن كان من قول الراوي على ما ذكر أنه موقوف، فهو أعلم بالمقال ، و أقعد بالحال ، و مثله لا يقال من جهة الرأي ، و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان .

باب ما جاء في أشجار الجنة و في ثمارها و ما يشبه ثمر الجنة في الدنيا

الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله عز و جل أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر . اقرأوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين و في الجنة سجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها . و اقرأوا إن شئتم و ظل ممدود و موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها ، و اقرأوا إن شئتم فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

ابن المبارك ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين أو قال مائة سنة ، و هي شجرة الخلد ، قال : و أخبرنا ابن أبي خلدة عن زياد مولى بني مخزوم ، سمع أبا هريرة يقول: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة . و اقرأوا إن شئتم و ظل ممدود فبلغ ذلك كعباً فقال : صدق و الذي أنزل التوراة على لسان موسى بن عمران و الفرقان على محمد صلى الله عليه و سلم لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار في أصل تلك الشجرة و ما يبلغها حتى يسقط هرماً . إن الله تعالى غرسها بيده و نفخ فيها من روحه و إن أفنائها لمن وراء سور الجنة و ما في الجنة نهر إلا و يخرج من أصل تلك الشجرة .

الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ـ و ذكر لها سدرة المنتهى ـ قال: يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة سنة أو يستظل بظلها مائة راكب ـ شك يحيى ـ فيها فراش الذهب ـ كأن ثمرها القلال . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

و ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لما رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة . نبقها مثل قلال هجر و ورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ، و نهران باطنان ، قلت : يا جبريل ما هذه ؟ قال : أما الباطنان ففي الجنة ، و أما الظاهران ، فالنيل و الفرات .

قلت : كله لفظ مسلم إلا قوله : نبقها مثل قلال هجر . أخرجه الدارقطني في سننه ، قال : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق فذكره .

و خرج البخاري أيضاً من حديث قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك عن مالك ابن صعصعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحديث حديث الإسراء و فيه : و رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر و ورقها كأنه آذان الفيلة . و في أصلها أربعة أنهار : نهران ظاهران ، و نهران باطنان . وذكر الحديث .

و في حديث ابن مسعود سدرة المنتهى : صبر الجنة ، قال أبو عبيدة : صبرها أعلاها . و كذلك صبر كل شيء أعلاه ، و الجمع : أصبار .

قال النمر بن تولب يصف روضة :

غرست و باكرها الربيع نديمة و طفاء تملؤها إلى أصبارها

يعني إلى أعاليها و هي جماعة للصبر ، و قال الأحمر : الصبر جانب الشيء ، لغتان : صبر، و بصر ، كما قالوا : جبذ و جذب ، و قال أبو عبيد : ـ و قول أبي عبيدة أعجب ـ إلى أن يكون في أعلاها من أن يكون في جانبها .

ابن المبارك قال : حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقولون : إنه لتنفعنا الأعراب و مسائلهم قال : أقبل أعرابي يوماً ، فقال يا رسول الله : لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية و ما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما هي ؟ قال : السدر فإن له شوكاً مؤذياً فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أو ليس يقول الله تعالى في سدر مخضود خضد شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها تنبت ثمراً ، تفتق الثمر منها على إثنين و سبعين لوناً و طعام ما فيه لون يشبه الآخر و يروى التمر بالتاء باثنين فيها كلها ، قاله أبو محمد عبد الحق .

و ذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عمرو بن يزيد البكالي عن عتبة بن عبد السلمي قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عن الجنة و ذكر له الحوض فقال فيها فاكهة ؟ قال : نعم فيها شجرة تدعى طوبى قال يا رسول الله أي شجر أرضنا يشبهه ؟ قال : لا يشبهه شيء من شجر أرضك ، أتيت الشام ؟ هنالك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق و يفرش أعلاها ، قال يا رسول الله فما أعظم أصلها ؟ قال لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر قوتها هرماً ، قال فهل فيها عنب ؟ قال : نعم ! قال : فما عظم العنقود منها ؟ قال : مسيرة الغراب شهراً لا يقع و لا يفتر ، قال : فما عظم الحبة منها ؟ قال : أما أعمد أبواك و أهلك إلى جذعة فذبحوها و سلخ إهابها ؟ فقال : افروا لنا منها دلواً ، فقال يا رسول الله : إن تلك الحبة لتشبعني و أهل بيتي ؟ قال : نعم و عامة عشيرتك ، ذكره أبو عمر في التمهيد بإسناده و هو إسناد صحيح .

و ذكر مسلم من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت في مقامك شيئاً ، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً ، و لو أخذته لأكلتم منها ما بقيت في الدنيا ، تكعكعت ، معناه تأخرت ، يقال منه : كع يكع كعوعاً تأخر ، و الكع : الضعيف العاجر ، قال الشاعر :

و لكني أمضي على ذاك مقدماً إذا بعض من لا قى الخطوب تكعكعاً

و ذكر ابن المبارك : حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، و ثمرها كأمثال القلال ، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، و إن ماءها ليجري في غير أخدود ، و العنقود اثنا عشر ذراعاً ، ثم أتى على الشيخ ، فقال: من حدثك بهذا ؟ قال : مسروق .

و ذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة الباهلي قال : طوبى شجرة في الجنة ! ليس منها دار إلا فيها غصن منها ، و لا طير حسن إلا و هو فيها ، و لا ثمرة إلا و هي فيها .

و ذكر الخطيب أبو بكر أحمد عن إبراهيم بن نوح قال : سمعت مالك بن أنس يقول : ليس في الدنيا من ثمارها شيء يشبه ثمار الجنة إلا الموز لأن الله تعالى يقول : أكلها دائم و ظلها و إننا نجد الموز في الشتاء و الصيف .

و ذكر الثعلبي بإسناده من حديث الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني الثقة عن أبي ذر ، قال : أهدى للنبي صلى الله عليه و سلم طبق من تين ، فأكل منه و قال لأصحابه: كلوا . فلو قلت إن فاكهة نزلت من السماء قلت: هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوها فإنها تقطع البواسير و تنفع من النقرس ذكره القشيري أبو نصر و هذا أتم .

قلت : و رأيت بخط الفقيه الإمام المحدث أبي الحسن علي بن خلف الكوفي أبي شيخنا أبي القاسم عبد الله و حدث حديثاً عليه سماع جماعة على أبي الفرج محمد بن أبي حاتم محمود بن أبي الحسن القزويني في ربيع الأول سنة ثمان و تسعين و أربعمائة قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن زيد الجعفري في شوال سنة ثمان و ثلاثين و أربعمائة قال: حدثنا أبي قال : حدثنا يحيى بن الحسين الحسيني قال : حدثنا عقيل بن سمرة ، حدثنا علي ابن حماد الغازي، حدثنا عباس ابن أحمد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا علي فكهوا بالبطيخ و عظموه فإن ماءه من الجنة و حلاوته من حلاوة الجنة و ما من عبد أكل منها لقمة إلا أدخل الله جوفه سبعين دواء و أخرج منه سبعين داء و كتب الله له بكل لقمة عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنبتنا عليه شجرة من يقطين قال : الدباء و البطيخ من الجنة .

باب في كسوة الجنة و كسوة أهلها

قال الله تعالى و يلبسون ثياباً خضراً من سندس و إستبرق و قال و لباسهم فيها حرير .

و ذكر ابن هناد السري قال : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب قال: أهدى لرسول الله سرقة من حرير فجعلوا يتداولونها بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتعجبون منها ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : والدي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها ، قال هناد بن السري : و حدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ أن عطادر بن حاجب أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثوباً من ديباج كساه إياه كسرى فاجتمع إليه الناس فجعلوا يلمسونه و يعجبون و يقولون يا رسول الله : أنزل عليك هذا من السماء ؟ فقال : ما تعجبون ! فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا . يا غلام إذهب بهذا إلى أبي جهم و جئنا بأنبجانيته .

 باب ما جاء أن شجر الجنة و ثمارها تنفتق عن ثياب الجنة و خيلها و نجبها

ابن المبارك أخبرنا معمر عن الأشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى يقول الله تعالى : تفتقي لعبدي ما شاء فتنفتق له عن فرس بسرجه و لجامه و هيأته كما يشاء و تنفتق له عن الراحلة برحلها و زمامها و هيأتها كما يشاء ، عن النجائب و الثياب .

النسائي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاء رجل فقال يا رسول الله : أخبرنا عن ثياب أهل الجنة ، أخلقاً تخلق أو نسجاً تنسج ؟ فضحك بعض القوم . فقال : مم تضحكون؟ إن جاهلاً يسأل عالماً ، فيجلس يسيراً أو قليلاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أين السائل عن ثياب الجنة ؟ فقالوا : ها هو ذا يا رسول الله ، قال : لا . بل تنفتق عنها ثمر الجنة . قالها ثلاثاً . و الله أعلم .

باب ليس في الجنة شجرة إلا و ساقها من ذهب

الترمذي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما في الجنة شجرة إلا و ساقها من ذهب قال حديث حسن غريب و سيأتي لهذا مزيد بيان آنفاً في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى .

باب ما جاء في نخيل الجنة و ثمرها و خيرها

ابن المبارك ، قال أخبرنا سفيان عن حماد بن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر و كرمها ذهب أحمر و سعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم و حللهم و تمرها أمثال القلال . و الدلاء . أشد بياضاً من اللبن و أحلى من العسل ، و ألين من الزبد ليس فيها عجم .

ابن وهب ، قال : و حدثنا ابن زيد قال : قال رجل يا رسول الله . هل في الجنة من نخل . فإني أحب النخل ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده لها جذوع من ذهب ، و كرانيف من ذهب ، و جريد من ذهب و سعف كأحسن حلل يراها امرؤ من العالمين و عراجين من ذهب و شماريخ و كرانيف من ذهب ، و أقماع من ذهب ، و ثمارها كالقلال ، و ألين من الزبد و أحلى حلاوة من العسل .

و ذكر أبو الفرج بن الجوزي ، عن جرير بن عبد الله البجلي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أخذ عوداً بيده فقال : يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده ، قال فقلت فأين النخل و الشجر ؟ قال : أصولها اللؤلؤ و الذهب . و أعلاها الثمر .

باب في الزرع في الجنة

البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان يوماً يحدث و عنده رجل من أهل البادية أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له : أو لست فيما شئت ، قال : بلى ! و لكني أحب أن أزرع فأسرع و بذر فبادر الطرف نباته و استواؤه و استحصاده و تكويره أمثال الجبال ، فيقول الله : دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء، فقال الأعرابي يا رسول الله : لا تجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً . فإنهم أصحاب زرع . فأما نحن فلنسا بأصحاب زرع ، فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم .

باب ما جاء في أبواب الجنة و كم هي ؟ و لمن هي ؟ و في تسميتها و سعتها

قال الله تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها قال جماعة من أهل العلم : هذه واو الثمانية فللجنة ثمانية أبواب . واستدلوا بقوله عليه الصلاة و السلام : ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . رواه عمر بن الخطاب، خرجه مسلم .

و جاء في تعيين هذه الأبواب لبعض العلماء كما جاء في حديث الموطأ و صحيح البخاري و مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، و من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، و من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على أحد يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب ؟ قال : نعم ! و أرجو أن تكون منهم .

قال القاضي عياض : ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة و زاد غيره بقية الثمانية فذكر منها : باب التوبة ، و باب الكاظمين الغيظ . و باب الراضين ، و الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه .

قلت : فذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله أبواب الجنة في نوادر الأصول فذكر باب محمد صلى الله عليه و سلم ، و هو باب الرحمة ، و هو باب التوبة ، فهو منذ خلقه الله مفتوح لا يغلق ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق فلم يفتح إلى يوم القيامة ، و سائر الأبواب مقسومة على أعمال البر . فباب منها للصلاة ، و باب للصوم ، و باب للزكاة و الصدقة ، و باب للحج ، و باب للجهاد ، و باب للصلة ، و باب للعمرة ، فزاد باب الحج ، و باب العمرة، و باب الصلة ، فعلى هذا أبواب الجنة أحد عشر باباً .

و قد ذكر الآجري أبو الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن في الجنة باباً يقال له باب الضحى فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوه ، ذكره في كتاب النصيحة و لا يبعد أن يكون لنا ثالث عشر على ما ذكره أبو عيسى الترمذي عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : باب أمتي الذين يدخلون منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجد ثلاثاً ، ثم إنهم ليضغطون بعليه حتى تكاد مناكبهم تزول . قال الترمذي : سألت محمداً ، يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه ، قال لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الله.

قلت : فقوله باب أمتي يدل على أنه لسائر أمته ، فمن لم يغلب عليه عمل يدعى به و على هذا يكون ثالث عشر ، و لهذا يدخلون مزدحمين ، و قد تقدم أن أكثر أهل الجنة البله فالله أعلم .

و مما يدلة على أنها أكثر من ثمانية حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صادقاً من نفسه أو قلبه ، شك أيهما قال فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة ، يدخل من أيها شاء .

خرجه الترمذي و غيره قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد هكذا قال فتح له من أبواب الجنة ، و ذكر أبو داود و النسائي و ابن سنجر فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، ليس فيها ذكر من ، فعلى هذا أبواب الجنة ثمانية كما قالوا .

قلت : قد ذكرنا أنها أكثر من ثمانية و بالله توفيقنا ، و أما كون الواو في و فتحت أبوابها واو الثمانية ، و أن أبواب الجنة كذلك ثمانية أبواب ، فقد جاء ما يدل على أنها ليست كذلك في قوله تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، فخلو المتكبر و هو ثامن اسم من الواو يدل على بطلان ذلك القول و تضعيفه . و قد بيناه في سورة براءة ، و الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن و الحمد لله .

وقد خرج مسلم ، عن خالد بن عمير ، قال : خطبنا عتبة بن غزوان ، و كان أميراً على البصرة فحمد الله و أثنى عليه ، و ذكر الحديث على ما تقدم ، و فيه : و لقد ذكر لنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة و ليأتين عليه يوم و هو كظيظ من الزحام ، الحديث .

و خرج عن أنس في حديث الشفاعة ، و الذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة و هجر ، أو كما بين مكة و بصرى و خرج عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً و أو سبعمائة ألف ، لا يدري أبو حازم أيهما قال متماسكون آخذ بعضهم بعضاً ، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ، و وجوههم على صورة القمر ليلة البدر فهذه الأحاديث مع صحتها تدل على أنها أكثر من الثمانية إذ هي غير ما تقدم ، فيحصل منها و الحمد لله على هذا ستة عشر باباً .

و قد ذكر الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في كتاب التحبير و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الخلق الحسن طوق من رضوان الله عز وجل في عنق صاحبه ، و الطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة ، و السلسلة مشدودة إلى حلقة من باب الجنة ، حيث ما ذهب الخلق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها تدخله من ذلك باب إلى الجنة و الخلق السوء: طوق من سخط الله في عنق صاحبه و الطوق مشدود إلى سلسلة من عذاب الله ، و السلسلة مشدودة من باب النار ، حيث ما ذهب الخلق السوء جرته السلسلة إلى نفسها تدخله من ذلك الباب إلى النار و ذكر صاحب الفردوس من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : للجنة باب يقال له الفرح ، لا يدخل منه إلا من فرح الصبيان .

فصل : قوله : من أنفق زوجين في سبيل الله ، قال الحسن البصري : يعني إثنين من كل شيء : دينارين ، درهمين ، ثوبين ، خفين ، و قيل : يريد شيئين ديناراً و درهماً ، درهماً و ثوباً ، خفاً و لجاماً و نحو هذا . و قال الباجي ، يحتمل أن يريد بذلك العمل من صلاتين أو صيام يومين .

قلت : و الأول من التفسير أولى ، لأنه مروي عن النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم : و ذكر الآجري عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أنفق زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة ثم قال صلى الله عليه و سلم : بعيرين ، درهمين ، قوسين ، نعلين و أما ما جاء من سعة أبواب الجنة ، فيحتمل أن يكون بعضها سعته كذا، و بعضها سعته كذا كما ورد في الأخبار فلا تعارض و الحمد لله .

باب منه

روى البخاري و مسلم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة باباً يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون فيدخلون منه ، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد .

قلت : و هكذا و الله أعلم سائر الأبواب المختصة بالأعمال .

و جاء في حديث أبي هريرة : إن من الناس من يدعى من جميع الأبواب ، فقيل : ذلك الدعاء دعاء تنويه و إكرام و إعظام ثواب العاملين تلك الأعمال إذ قد جمعها و نيله ذلك ، ثم يدخل من الباب الذي غلب عليه العمل .

و في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا ، فمن تيع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر : أنا، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما اجتمعن في امرئ إلادخل الجنة .

باب منه

خرج أبو داود الطيالسي في مسنده قال : حدثنا جعفر بن الرزبير الحنفي ، عن القاسم مولى يزيد بن معاوية ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انطلق برجل إلى باب الجنة فرفع رأسه فإذا على باب الجنة مكتوب الصدقة بعشر أمثالها ، و القرض الواحد بثمانية عشر ، لأن صاحب القرض لا يأتيك إلا و هو محتاج ، و الصدقة ربما وضعت في يدي غني .

خرجه ابن ماجة في السنن ، قال : حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا خالد بن يزيد أبي مالك عن أبيه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوب الصدقة بعشر أمثالها ، و القرض بثمانية عشر ، فقلت لجبيرل: ما بال القرض أكثر من الصدقة ؟ قال لأن السائل يسأل و عنده ، و المستقرض لا يستقرض إلا من حاجة .

باب ما جاء في درج الجنة و ما يحصلها للمؤمن

الترمذي رحمه الله ، عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الجنة مائة درجة ، كل درجة منها ما بين السماء و الأرض و إن أعلاها الفردوس و أوسطها الفردوس و إن العرش على الفردوس ، منها تفجر أنهار الجنة ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس قال الترمذي : عطاء هذا لم يدرك معاذ بن جبل .

قلت : قد خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما تقدم ، فهو صحيح متصل.

و ذكر ابن وهب قال : أخبرني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أنه سمع عتبة بن عبيد الضبي يذكر عمن حدثه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال يا رسول الله : كم في الجنة من درجة ؟ قال : مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء و الأرض أول درجة منها دورها و بيوتها و أبوابها و سررها ، و مغاليقها من فضة ، و الدرجة الثانية دورها و بيوتها و أبوابها و سررها و مغاليقها من ذهب ، و الدرجة الثالثة دورها و بيوتها و أبوابها و سررها ، و مغاليقها من ياقوت و لؤلؤ و زبرجد ، و سبع و تسعون درجة لا يعلم ما هي إلا الله .

الترمذي عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم ، قال : هذا حديث غريب .

ابن ماجه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ و اصعد ، فيقرأ و يصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه .

و خرجه أبو داود ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقال لصاحب القرآن اقرأ و ارتق و رتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها .

و ذكر أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي في كتاب الاختبار في اللح من الأخبار و الآثار عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : درج الجنة على عدد آي القرآن ، لكل آية درجة . فتلك ستة آلاف و مائتا آية و ستة عشر آية ، بين كل درجتين مقدار ما بين السماء و الأرض ، و ينتهى به إلى أعلى عليين ، لها سبعون ألف ركن وهي ياقوتة تضيء مسيرة أيام و ليالي . و قالت عائشة رضي الله عنها : إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة ، فليس أحد دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن . ذكره مكى رحمه الله .

فصل : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : حملة القرآن وقراؤه هم العالمون بأحكامه و بحلاله و حرامه و العاملون بما فيه . و قال مالك : قد يقرأ القرآن من لا خير فيه ، و قد تقدم حديث العباس بن عبد المطلب في أبواب النار ، و حديث أبي هريرة فيمن تعلم العلم و قرأ القرآن عجباً و رياء ، ما فيه لمن كفاية لمن تدبر .

و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من تعلم القرآن و علمه و لم يأخذ بما فيه و حرفه كان عليه شهيداً و دليلاً إلى جهنم ، و من تعلم القرآن و أخذ بما فيه كان له شهيداً و دليلاً إلى الجنة .

و في البخاري : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن و يعمل به كلأترجة ، طعمها طيب و ريحها طيب ، و المؤمن الذي لا يقرأ القرآن و يعمل به كالثمرة طعمها طيب و لا ريح لها ، و ذكر الحديث . و قد أشبعنا القول فيه في قارئ القرآن و أحكامه في كتاب التذكار في فضل الأذكار و في مقدمة : جامع أحكام القرآن ما فيه كفاية و الحمد لله . و قد تقدم : أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله فالجهاد يحصل مائة درجة ، و قراءة القرآن تحصل جميع الدرجات ، و الله المستعان على ذلك و الإخلاص فيه بمنه و فضله.

باب ما جاء في غرف الجنة و لمن هي ؟

قال الله تعالى : لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية الآية . و قال: إلا من آمن و عمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا و هم في الغرفات آمنون و قال : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا .

و روى مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغائر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ، قالوا يا رسول الله : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى و الذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله و صدقوا المرسلين .

و خرج الترمذي الحكيم ، أخبرنا صالح بن محمد قال : حدثنا سليمان بن عمرو عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا و قوله هم في الغرفات آمنون قال : الغرفة من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم و لا وصل ، و إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة منها كما تتراءون الكوكب الشرقي أو الغربي في أفق السماء ، و إن أبا بكر و عمر منهم و أنعما .

قال : و حدثنا صالح بن عبد الله و قتيبة بن سعيد و علي بن حجر قالوا : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن المتحابين في الله تعالى لعلى عمود من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة يضيء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا. يقول أهل الجنة بعضهم لبعض : انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله عز و جل فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا . عليهم ثياب خضر من سندس . مكتوب على جباههم هؤلاء المتحابون في الله عز و جل .

و ذكر الثعلبي من حديث عمران بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل عليين لينظرون إلى الجنة فإذا أشرف رجل من أهل عليين أشرقت الجنة لضياء وجهه فيقولون ما هذا النور ؟ فيقال أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطاعة و الصدق .

و روى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الغرف ليتراءون عليين كما تتراءون الكوكب الدري في أفق السماء و إن أبا بكر و عمر منهم و أنعما و ذكره الثعلبي .

الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ، فقام إلبه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام و أطعم الطعام و أدام الصيام و صلى لله بالليل و الناس نيام .

و ذكر أبو نعيم الحافظ من حديث محمد واسع ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : ألا أخبركم بغرف الجنة ؟ غرفاً من ألوان الجواهر يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها ، فيها من النعيم و الثواب و الكرامات ما لا أذن سمعت ، و لا عين رأت ، فقلنا : بأبينا أنت و أمنا يا رسول الله ، لمن تلك ؟ فقال : لمن أفشى السلام ، و أدام الصيام ، و أطعم الطعام ، و صلى و الناس نيام ، فقلنا : بأبينا أنت و أمنا يا رسول الله ، ومن يطيق ذلك ؟ فقال : أمتي تطيق ذلك ، و سأخبركم من يطيق ذلك ، من لقى أخاه المسلم فسلم عليه فقد أفشى السلام ، و من أطعم أهله و عياله من الطعام حتى يشبعم فقد أطعم الطعام ، و من صام رمضان و من كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ، و من صلى العشاء الأخيرة في جماعة فقد صلى والناس نيام : اليهود و النصارى و المجوس . فصل : اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو و الصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال ، فبعضها أعلى من بعض و أرفع ، و قوله الغائر من المشرق أو المغرب يروى بالياء اسم فاعل ، من غار . و قد روى مسلم في غير الغارب بتقديم الراء ، و المعنى واحد . و روي الغابر بالياء بواحدة ، ومعناه الذاهب أو الباقي، فإن غبر من الأضداد ، يقال غير إذا ذهب ، و غير إذا بقي ، و يعني به أن الكوكب حالة طلوعه و غروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيراً لبعده ، و قد بينه بقوله من المشرق أو المغرب . و قد روي العازب بالعين المهملة و الزاي ، أي البعيد و معنيها كلها متقاربة المعنى .

و قوله : و الذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله و صدقوا المرسلين و لم يذكر عملاً و لا شيئاً سوى الإيمان و التصديق للمرسلين ، و ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ و تصديق المرسلين من غير سؤال آية و لا تلجلج ، و إلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان و التصديق الذي للعامة ، و لو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات و أرفع الدررجات ، و هذا محال ، و قد قال الله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا و الصبر بذل النفس الثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية و هذه صفة المقربين . و قال في آية أخرى و ما أموالكم و لا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون فذكر شأن الغرفة و أنها لا تنال بالأموال و الأولاد ، و إنما تنال بالإيمان و لعمل الصالح ، ثم بين لهم جزاء الضعف و أن محلهم الغرفات ، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة و تعلق قلب مطمئناً به في كل ما نابه ، و بجميع أموره و أحكامه ، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده و هو الفاسد . فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن و بجميع أموره و أحكامه ، و المخلط ليس إيمانه و عمله هكذا . فلهذا كانت منزلته دون غيره .

قلت : ذكره الترمذي الحكيم رحمة الله عليه و هذا واضح بين ، و قد قال تعالى إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا و قال : ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون فلما باين بين الأبرار و المقربين في الشراب على ما يأتي بيانه ، باين بينهم في المنازل و الدرجات و أعالي الغرفات حسب ما باين بينهم في الأعمال الصالحات بالاجتهاد في الطاعات . قال الله تعالى : كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين فيجتهد الإنسان أن يكون من الأبرار المقربين ليكون في عليين و أصحاب عليين جلساء الرحمن ، و هم أصحاب المنابر من النور في المقعد الصدق و قال تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله فهو في عيشة راضية * في جنة عالية فأصحاب اليمين في علو الجنان أيضاً و جميعها عوالي و جنات المقربين جميعها علالي و إحداهن عليه كقول الشاعر:

ألا يا عين ويحك أسعديني بغزر الدمع في ظلم الليالي

لعلك في القيامة أن تفوزي بخير الدار في تلك العلالي

باب منه

روي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة لغرفاً ليس لهامغاليق من فوقها و لا عماد من تحتها ، قيل يا رسول الله ، وكيف يدخلها أهلها ؟ قال : يدخلونها أشباه الطير، قيل : هي يا رسول الله لمن ؟ قال : لأهل الأسقام و الأوجاع و البلوى خرجه أبو القاسم زاهر بن محمد بن محمد الشحامي .

باب منه

روى الليث بن سعد قال : حدثنا محمد بن عجلان أن وافد البصري ، أخبره عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء و لا شهداء تغبطهم الأنبياء و الشهداء بمنازلهم من الله ، يكونون على منابر من نور . قالوا : و من هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذين يحببون الله إلى الناس فكيف يحببون الناس إلى الله؟ قال : يأمونهم بالمعروف و ينهونهم عن المنكر فإذا أطاعوهم أحبه الله تعالى .

باب ما جاء في قصور الجنة و دورها و بيوتها و بما ينال ذلك المؤمن

خرج الآجري عن الحسن قال : سألت عمران بن حصين و أبا هريرة رضي الله عنهما عن تقسير هذه الآية و مساكن طيبة فقالا : على الخبيرسقطت سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء في كل بيت سيعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون ، و علىكل فراش سبعون امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام ، في كل بيت سبعين وصيفاً و وصيفة فيعطي الله تبارك و تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي علىذلك كله ذكره في كتاب النصيحة .

و ذكر ابن وهب قال : أخبرنا ابن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه ليجاء للرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة في ذلك القصر سبعون غرفة في كل غرفة زوجة من الحور العين في كل غرفة سبعون باباً يدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة سوى الرائحة التي تدخل من الباب الآخر ، و قرأ قول الله عز و جل فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .

الترمذي عن بريد بن الخصيب قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا بلالاً فقال: يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل عربي فقلت أنا عربي لمن هذا القصر قالوا لرجل من قريش . قلت أنا قرشي لمن هذا القصر . قالوا لرجل من أمة محمد . قلت أنا من أمة محمد . قلت : أنا محمد لمن هذا القصر ؟ قالوا لعمر بن الخطاب . فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين و ما أصابني حدث إلا توضأت عنده و رأيت أن لله تعالى علي ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بهما قال : حديث حسن صحيح .

و خرج الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد مختصراً من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب ، فقلت لمن هذا؟ فقالوا لعمر بن الخطاب .

و ذكر الدارمي أبو محمد في مسنده ، قال : حدثنا عبد الله بن بريد قال : حدثنا حيوة ، قال أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب يقول إن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال : من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بني له قصر في الجنة ، و من قرأها عشرين مرة بني له قصران في الجنة ، و من قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاث قصور في الجنة . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا لتكثرن قصورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله أوسع من ذلك قال الدارمي أبو عقيل زاهر بن معبد زعموا أنه كان من الأبدال ، و قد تقدم من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل دارالشهداء أو دار المؤمنين .

و خرج أبو داود الطيالسي قال : حدثنا حماد بن زيد عن أبي سنان قال : دفنت ابني سناناً و أبو طلحة الخولاني على شفير القبر فقال ، حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى قال : قال رسول الله : إذا قبض الله عز و جل ابن العبد قال للملائكة ماذا قال عبدي ؟ قالوا: أحمدك و استرجع . قال : ابنوا له بيتاً في الجنة و سموه بيت الحمد .