باب ما جاء في قوله تعالى : و فرش مرفوعة التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب ما جاء في قوله تعالى : و فرش مرفوعة

الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى و فرش مرفوعة قال : ارتفاعها لكما بين السماء و الأرض مسيرة خمسمائة عام قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد .

و قال بعض أهل العلم في تفسير هذا الخبر : الفرش في الدرجات و بين الدرجات كما بين السماء و الأرض .

قلت : و قد قيل : إن الفرش كناية عن النساء اللواتي في الجنة ، و المعنى نساء مرتفعات الأقدار في حسنهن و كمالهن و العرب تسمي المرأة فراشاً و لباساً و إزاراً و نعجة على الاستعارة ، لأن الفرش محل النساء و في الحديث الولد للفراش و للعاهر الحجر و قال الله تعالى هن لباس لكم الآية . قال : إن هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة .

باب ما جاء في خيام الجنة و أسواقها و تعارف أهل الجنة في الدنيا و عبادتهم فيها

مسلم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال : في الجنة خيمة من لؤلؤ مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن في رواية . قال : الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين .

و خرج مسلم أيضاً عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال : إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم و ثيابهم المسك فيزدادون حسناً و جمالاً فيرجعون إلى أهلهم و قد ازدادوا حسناً و جمالاً لهم أهلهم و الله لقد ازددتم بعدنا حسناً و جمالاً .

الترمذي عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبي هريرة ، فقال أبو هريرة أسأل الله أن يجمع بيني و بينك في سوق الجنة . فقال سعيد أفيها سوق ؟ قال : نعم ، و ذكر الحديث و فيه : فتأتي سوقاً قد حفت به الملائكة . فيه مالم تنظر العيون إلى مثله و لم تسمع الآذان و لم يخطر على القلوب ، فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها و لا يشتري ، و في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً قيقبل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه و ما فيهم دني فيروعه ما عليه من اللباس ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه ما هو أحسن منه و ذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها .

و ذكر الحديث في طريقه أبو العشرين و هو ضعيف .

و خرجه ابن ماجه مكملاً و فيه بعد قوله قال نعم : أخبرني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيرون الله و يبرز لهم عرشه و يبدو لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ، و منابر من لؤلؤ ، و منابر من ياقوت ، و منابر من زبرجد ، و منابر من ذهب ، و منابر من فضة و يجلس أدناهم و ما فيهم دني على كثبان المسك و الكافور ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً .

قال أبو هريرة ، قلت يا رسول الله هل نرى ربنا ؟ قال : نعم هل تتمارون في رؤية الشمس و القمر ليلة البدر ؟ قلنا: لا . قال : كذلك لا تمارون في رؤية ربكم عز و جل و لا يبقى في ذلك المجلس أحد ألا حاضره الله محاضرة حتى إنه يقول للرجل منكم ألا تذكر يا فلان يوم عملت كذا و كذا يذكره بعض غدراته في الدنيا فيقول : يا رب ألم تغفر لي ؟ فيقول بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه فبينما هم كذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط . ثم يقول قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا مااشتهيتم . قال : فيأتون سوقاً الحديث بلفظه و معناه إلى أن قال : و ذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها . قال : ثم ننصرف إلى منازلنا فتلقانا أزواجنا فيقلن مرحباً و أهلاً لقد جئت و إن بك من الجمال و الطيب أفضل مما فارقتنا عليه ، فيقولون إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار و بحقنا أن نتقلب بمثل ما انقلبنا

و خرج الترمذي أيضاً عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة لسوقاً ما فيها بيع و لا شراء إلا الصور من الرجال و النساء فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها قال : هذا حديث غريب .

و روى أبو هدبة إبراهيم بن هدبة قال : حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة أسواقاً لا شراء فيها و لا بيع . أهل الجنة لما أفضوا إلى روح الجنة جلسوا متكيئن على لؤلؤ رطب و ترابها مسك يتعارفون في تلك الجنان كيف كانت الدنيا ، و كيف كانت عبادة الرب ، و كيف يحيى الليل و يصام النهار ، و كيف كان فقر الدنيا و غناؤها ، و كيف كان الموت ، و كيف صرنا بعد طول البلاء من أهل الجنة و الله أعلم .

باب لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز

خرج أبو بكر الخطيب أحمد بن علي من حديث عبد الرزاق ، عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عطاء بن يسار ، عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية ذكره أحمد بن حنبل في مسنده .

فلت : لعل هذا فيمن لا يدخل الجنة بغير حساب و ذلك بين في الباب بعد هذا .

باب أول الناس يسبق إلى الجنة الفقراء

ابن المبارك قال : أخبرنا عبد الوهاب بن الورد قال : قال سعيد بن المسيب جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أخبرني يا رسول الله بجلساء الله يوم القيامة . قال : هم الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً قال يا رسول الله : أفهم أول الناس يدخلون الجنة ؟ قال : لا قال : فمن أول الناس يدخل الجنة ؟ قال : الفقراء يسبقون الناس إلى الجنة فيخرج إليهم منها ملائكة فيقولون : ارجعوا إلى الحساب فيقولون على ما نحاسب و الله ما أفيض علينا من الأموال في الدنيا شيء فنقبض فيها و نبسط و ما كنا أمراء نعدل و نجوز ، و لكنا جاءنا أمر الله فعبدناه حتى أتانا اليقين فيقال : ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .

و روي عن النبي أنه قال : اتقوا الله في الفقراء فإنه يقول يوم القيامة أين صفوتي من خلقي ؟ فتقول من هم يا ربنا ؟ فيقول : الفقراء الصابرون الراضون بقدري أدخلوهم الجنة. قال فيدخلون الجنة يأكلون و يشربون و الأغنياء في الحساب يترددون .

الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام من حديث الأعمش سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد و قال فيه حديث حسن غريب من هذا الوجه .

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم هذا حديث حسن غريب حسن صحيح . و في طريق أخرى : يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء بنصف يوم و هو خمسمائة عام : قال : حديث حسن صحيح .

و روي عن أبي الدرداء قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم . قيل له : يا رسول الله و ما نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة قيل له : فكم السنة من شهر ؟ قال خمسمائة شهر قيل له : فكم الشهر من يوم ؟ قال : خمسمائة يوم قيل له : فكم اليوم ؟ قال : خمسمائة مما تعدون ذكره العقبي في عيون الأخبار له .

و عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يدخل المسلمين الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفاً قال : هذا حديث حسن صحيح ، و خرجه من حديث أنس أيضاً ، و قال فيه حديث غريب .

و في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت صلى الله عليه و سلم يقول : إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً .

فصل : قال المؤلف رحمه الله : اختلاف هذه الأحاديث يدل على أن الفقراء مختلفوا الحال و كذلك الأغنياء ، و قد تقدم حديث أبي بكر بن أبي شيبة أول ثلاثة يدخلون الجنة : و لا تعارض و الحمد لله ، فإن الحديثين مختلفا المعاني ، و قد اختلف في أي فقراء هم السابقون و في مقدار المدة التي بها يسبقون و يرتفع الخلاف عن الموضع الأول بأن يرد مطلق حديث أبي هريرة إلى مقيد روايته الأخرى ، و كذلك حديث جابر يرد أيضاً إلى حديث عبد الله بن عمرو، و يكون المعنى فقراء المسلمين المهاجرين إذ المدة فيها أربعين خريفاً ، و يبقى حديث أبي سعيد الخدري في المدة بخمسمائة عام في فقراء المهاجرين ، و كذلك حديث أبي الدرداء في فقراء المسلمين بنصف يوم خمسمائة سنة .

ووجه الجمع بينهما أن يقال إن سباق الفقراء من المهاجرين يسبقون سباق الأغنياء منهم بأربعين خريفاً و غير سباق الأغنياء بخمسمائة عام ، و قد قيل : إن حديث أبي هريرة و أبي الدرداء و جابر يعم جميع فقراء قرون المسلمين ، فيدخل الجنة سباق فقراء كل قرن قبل غير السباق من أغنيائهم بخمسمائة عام على حديث أبي هريرة و أبي الدرداء. و قيل : السباق بأربعين خريفاً على ما تقدم من حديث جابر و الله أعلم .

فصل : قلت : و قد احتج بأحاديث هذا الباب من فضل الفقراء على الغني و قد اختلف الناس في هذا المعنى و طال فيه الكلام بينهم حتى صنفوا فيه كتباً و أبواباً ، و احتج كل فريق لمذهبه في ذلك و الأمر قريب .

و قد سئل أبو علي الدقاق : أي الوصفين أفضل : الغنى أو الفقر ، فقال : الغنى ؟ لأنه الحق و الفقر وصف الخلق ، و وصف الحق أفضل من وصف الخلق ، قال الله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد و بالجملة : فالفقير بالحقيقة العبد و إن كان له مال و إنما يكون غنياً إذا عول على مولاه و لم ينظر إلى أحد سواه ، فإن تعلق باله بشيء من الدنيا و رأى نفسه أنه فقير إليه فهو عبده . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تعس عبد الدينار الحديث خرجه البخاري و غيره ، و قد كتبناه عليه و بيناه و الحمد لله. و إنما شرف العبد افتقاره إلى مولاه و عزه و خضوعه له .

و لقد أحسن من قال :

إذا تذللت الرقاب تواضعاً منا إليك فعزها في ذلها ‌‌‌

فالغني المعلق الباب بالمال الحريص عليه الراغب فيه هو الفقير حقيقة و خادمه الذي يقول ما أبالي به و لا لي رغبة فيه ، و إنما هي ضرورة العيش فإذا وجدتها فغيرها زيادة تشغل عن الإرادة فهو الغني حقيقة . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس ني عن كثرة العرض إنما الغني غنى النفس خرجه مسلم و أخذ عثمان بن سعدان الموصلي هذا المعنى فقال :

تقنع بما يكفيك واستعمل الرضى فإنك لا تدري أتصبح أم تمسي

فليس الغنى عن كثرة المال . إنما الغنى و الفقر من قبل النفس و قد أشبعنا القول في هذا في كتاب قمع الحرص و قد بقيت .

قلت : هنا درجة ثالثة رفيعة و هي الكفاف التي سألها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً و في رواية كفافاً خرجه مسلم . و معلوم أنه عليه الصلاة و السلام لا يسأل إلا أفضل الأحوال و أسنى المقامات و الأعمال ، و قد اتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر مكروه و ما أبطر من الغنى مذموم .

و في سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من غني و لا فقير إلا يود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتاً الكفاف : حالة متوسطة بين الغنى والفقر ، و قد قال عليه الصلاة و السلام : خير الأمور أوسطها فهي حالة سليمة من آفات الغنى المطغى و آيات الفقر المدقع الذي كان يتعوذ منهما النبي صلى الله عليه و سلم فكانت أفضل منهما . ثم إن حالة صاحب الكفاف حالة الفقير الذي لا يترفه في طيبات الدنيا و لا في زهرتها ، فكانت حاله إلى الفقير أقرب . لقد حصل له ما حصل للفقير من الثواب على الصبر و كفى مرارته و آفاته، وعلى هذا فأهل الكفاف هم إن شاء الله صدر كتيبه الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام لأنهم وسطهم ، و الوسط العدل كما قال الله تعالى و كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس أي عدولاً خياراً و ليسوا من الأغنياء كما ذكرنا .

باب منه

الترمذي ، عن ابن عمر قال : خطبنا عمر بالجابية فقال : [ يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ، ثم بفشوا الكذب حتى يحلف الرجل و لا يستخلف ، و يشهد الشاهد ، و لا يتشهد ، و لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له إلا كان ثالثهما الشيطان ، عليكم بالجماعة و إياكم و الفرقة فإن الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، و من سرته حسنته و ساءته سيئته فذلكم المؤمن ] .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب .

باب منه

ما جاء في صفة أهل الجنة و مراتبهم و سنهم و طولهم و شبابهم و عرقهم و ثيابهم و أمشاطهم و مجاهرهم و أزواجهم ، و في لسانهم و ليس في الجنة عزب .

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أول زمرة يدخلون الجنة و في رواية : من أمتي على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاء . و في رواية : ثم هم بعد ذلك منازل . لا يبولون و لا يتغوطون و لا يتفلون و لا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب . و في رواية : الفضة و رشحهم المسك و مجاهرهم و أزواجهم الحور العين . و في رواية : لكل و احد منهم زوجتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم و لا تباغض ، قلوبهم قلب واحد يسبحون بكرة و عشياً .

قال أبو علي : الألوة : هو العود . و في رواية : أخلاقهم على خلق رجل واحد عل طول أبيهم . و في رواية : على صورة أبيهم ستون ذراعاً في السماء .

و قال أبو كريب : على خلق رجل واحد . و قال أبي هريرة حين تذاكروا : الرجال في الجنة أكثر أم النساء ؟ فقال لكل رجل منهم زوجتان اثنتان يرى مخ ساقيها من وراء اللحم و ما في الجنة عزب .

الترمذي عن الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن المرأة من اهل الجنة ليرى ساقيها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها . و ذلك بأن الله سبحانه و تعالى يقول : كأنهن الياقوت و المرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته .

و روى موقوفاً عن البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما و لملأته ريحاً و لنصيغها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها .

الترمذي عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم و لا تبلى ثيابهم قال : حديث غريب .

و خرج عنه أيضاً ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يدخل أهل الجنة الجنة جرداء مرداء مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث و ثلاثين سنة قال : حديث غريب ، و روى عن قتادة مرسلاً.

و ذكر الميانش من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أهل الجنة مرد إلا موسى بن عمران فإن لحية إلى سرته .

الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو أن ما يقله ظفر مما في الجنة بدا إلى الدنيا لتزخر له ما بين خوافق السموات و الأرض ، و لو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدت أساور ، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم قال : حديث حسن غريب .

و عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من مات من أهل الجنة من صغير و كبير يرون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها و لا ينقصون و كذلك أهل النار . قال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين .

فصل : في حديث أبي هريرة لكل واحد منهم زوجتان ، و قد تقدم من حديث عمران بن حصين : [ أن أقل ساكني الجنة النساء ] .

قال علماؤنا : لم يختلفوا في جنس النساء و إنما اختلفوا في نوع من الجنس و هو نساء الدنيا و رجالها أيهما أكثر في الجنة فإن كانوا اختلفوا في المعنى الأول و هو جنس النساء مطلقاً ، فحديث أبي هريرة حجة ، و إن كانوا اختلفوا في نوع من الجنس و هم أهل الدنيا فالنساء في الجنة أقل .

قلت : يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار ، و أما بعد خروجهن في الشفاعة و رحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال لا إله إلا الله ، فالنساء في الجنة أكثر ، و حينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا ، و أما الحور العين فقد تكون لكل واحد منهم الكثير منهن .

و في حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة ذكره الترمذي و قال فيه : حديث غريب .

و مثله حديث أبي أمامة خرجه أبو محمد الدارمي و سيأتي و الأخبار دالة على هذا .

و قوله و أمشاطهم الذهب و الفضة و مجامرهم الألوة . و قد يقال هنا أي حاجة في الجنة للامتشاط و لا تتلبد شعورهم و لا تتسخ و أي حاجة للبخور و ريحهم أطيب من المسك و يجاب عن ذلك بأن نعيم أهل الجنة و كسوتهم ليس عن رفع ألم أعتراهم فليس أكلهم عن جوع و لا شربهم عن ظمأ و لا تعليهم عن نتن ، و إنما هي لذات متوالية و نعم متتابعة ألا ترى قوله تعالى لآدم إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى و حكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا و زادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز و جل .

قلت : و قد جاء مثل هذا في أهل الدنيا حيث قال : إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون و قال إن لدينا أنكالاً و جحيماً فعذبهم في النار بنوع ما كانوا يعذبون به في الدنيا ، قال الشعبي : أترون أن الله جعل الأنكال في الرجل خشية أن يهربوا لا و الله ، و لكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استثقلت بهم .

ابن المبارك قال : أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب قال : لسان أهل الجنة عربي ، و إذا خرجوا من قبورهم سرياني و قد تقدم ، و قال سفيان : بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية .

باب منه في الحور العين و كلامهن و جواب نساء الآدميات و حسنهن

ذكر أن الآدميات في الجنة على سن واحد ، و أما الحور العين فأصناف مصنفة صغار و كبار على ما اشتهت أنفس أهل الجنة .

الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قال يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد و نحن الناعمات فلا نبأس و نحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا و كنا له و في الباب عن أبي هريرة و أبي سعيد و أنس . قال أبو عيسى حديث علي حديث غريب .

و قالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهم المؤمنات من نساء أهل الدنيا : نحن المصليات و ما صليتن و نحن الصائمات و ما صمتن و نحن المتوضئات و ما توضأتن و نحن المتصدقات و ما تصدقن قالت . عائشة : فغلبنهن . و الله أعلم .

و ذكر ابن وهب ، عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : و الله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس و القمر ، فكيف المسورة و أن ما خلق الله شيئاً تلبسه إلا عليه مثل ما عليها من ثياب و حلى .

و قال أبو هريرة إن في الجنة حوراء يقال لها [ العيناء ] إذا مشت مشى حولها سبعون ألف و صيف عن يمينها و عن يسارها كذلك و هي تقول : أين الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر ؟

و قال ابن عباس : إن في الجنة حوراء يقال لها [ لعبة ] لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله . مكتوب على نحرها من أحب أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي عز و جل .

و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه وصف حوراء ليلة الإسراء فقال : و لقد رأيت جبينها كالهلال في طول البدر منها ألف و ثلاثون ذراعاً ، في رأسها مائة ضفيرة ما بين الضفيرة ، و الضفيرة سبعون ألف ذؤابة و الذؤابة أضوأ من البدر مكلل بالدر و صفوف الجواهر ، على جبينها سطران مكتوبان بالدر الجوهر في السطر الأول : بسم الله الرحمن الرحيم . و في السطر الثاني : من أراد مثلي فليعمل بطاعة ربي فقال لي جبريل يا محمد : هذه و أمثالها لأمتك فأبشر يا محمد و بشر أمتك و أمرهم بالاجتهاد .

و ذكر الختلي أبو القاسم قال : حدثنا إبراهيم بن أبي بكر ، حدثنا أبو إسحاق ، حدثني محمد بن صالح قال : قال عطاء السلمي لمالك بن دينار : يا أبا يحيى شوقنا . قال يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباهى بها أهل الجنة من حسنها لولا أن الله كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا عن آخرهم من حسنها قال : فلم يزل عطاء كمداً من قول مالك أربعين يوماً .

ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، عن ابن مسعود قال : [ إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقيها من وراء اللحم و العظم و من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ] . قال : و أخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أبي جبلة قال : [ إن نساء الدنيا من دخل منهن الجنة فضلن على العين بما عملن في الدنيا ] و روى مرفوعاً : [ إن الأدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف ] .

باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين

قال الله تعالى : و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار إلى قوله و لهم فيها أزواج مطهرة .

و روى الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول قال : حدثنا الخطاب أبو الخطاب قال: حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : حدثنا جرير بن أيوب البجلي قال : حدثنا الشعبي عن نافع بن بردة ، عن أبي مسعود الغفاري من الحور العين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله حور مقصورات في الخيام على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى ، و يعطى سبعين لوناً من الطيب ليس منهن لون على ريح الآخر ، لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء موشحة بالدر و الياقوت ، على كل سرير سبعون فراشاً على كل فراش أريكة ، لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها ، و سبعون ألف وصيف ، مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون من طعام تجد لآخر لقمة لذة لا تجد لأوله ، و يعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر عليه سوران من ذهب موشح بياقوت أحمر ، هذا بكل يوم صامه من شهر رمضان سوى ما عمل من الحنسات ] .

و خرج أبو عيسى الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : للشهيد عند الله ست خصال . الحديث و فيه و يزوج باثنتين و سبعين زوجة من الحور العين ، و قد تقدم في باب ما ينجي من أهوال القبر و فتنته .

قلت : و هذا يؤكد ما ذكرناه في حديث أبي هريرة لكل واحد منهم زوجتان ، أن ذلك من نساء الدنيا ، و قال يحيى بن معاذ : ترك الدنيا شديد ، و فوت الجنة أشد ، و ترك الدنيا مهر الآخرة و يقال : مهر الحور العين كنس المساجد. رفعه الثعلبي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كنس المساجد مهور الحور العين ، و عن أبي قرصافة أيضاً سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين ، القمامة الكناسة و الجمع : قمام . قاله الجوهري .

و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مهور الحور العين قبضات التمر و فلق الخبز ، ذكره الثعلبي أيضاً و قال أبو هريرة : [ يتزوج أحدكم فلانة بنت فلان بالمال الكثير و يدع الحور العين باللقمة و التمرة و الكسوة ] .

و قال محمد بن النعمان المقري : كنت قاعداً عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة ، فقام إليه الجلا و وقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال : هل تعرفون من هذا الشيخ ؟ فقلنا: لا ، فقال : ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة ، فلما أكملها رآها في المنام في حليها و حللها فقال : من أنت ؟ فقالت : أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك ؟ قال : ألف ختمة ، قال الجلا : فهو يعمل فيها بعد .

و روى عن سحنون أنه قال : كان بمصر رجل يقال له سعيد ، و كانت له أم من المتعبدات ، و كانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه ، فإذا غلب عليه النوم و نعس تناديه والدته : يا سعيد إنه لا ينام من يخاف النار و يخطب الحور الحسان فيقوم مرعوباً .

و يروى عن ثابت أنه قال : كان أبي من القوامين لله في سواد الليل ، قال : رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء ، فقلت لها : من أنت ؟ فقالت حوراء أمة الله ، فقلت لها : زوجيني نفسك ، فقالت : اخطبني من عند ربي و أمهرني فقلت : و ما مهرك ؟ فقال : طول التهجد و أنشدوا :

يا خاطب الحور في خدرهاو طالباً ذلك على قدرها

انهض بجد لا تكن وانياًو جاهد النفس على صبرها

و جانب الناس و ارفضهم و حالف الوحدة في ذكرها

و قم إذا الليل بدا وجهه و صم نهاراً فهو من مهرها ‌‌

فلو رأت عيناك إقبالها و قد بدت رمانتا صدرها ‌‌

و هي تماشي بين أترابها و عقدها يشرق في نحرها

لهان في نفسك هذا الذيتراه في دنياك من زهرها

و قال مضر القارئ : غلبني النوم ليلة فنمت عن حزبي فرأيت في منامي فيما يرى النائم جارية كأن وجهها القمر المستتم و معها رق فقالت : أتقرأ أيها الشيخ ؟ قلت : نعم ، فقالت : اقرأ هذا الكتاب ، ففتحه فإذا فيه مكتوب : فو الله ما ذكرته قط إلا ذهب عني النوم .

ألهتك اللذائذ و الأماني عن الفردوس و الظل الدواني

و لذة نومة عن خير عيش مع الخيرات في غرف الجنان

تيقظ من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران

و قال مالك بن دينار : كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة ، فنمت ذات ليلة ، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن و جمال و بيدها رقعة ، فقالت : أتحسن أن تقرأ ؟ فقلت : نعم ، فدفعت إلي الرقعة ، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات :

لهاك النوم عن طلب الأمانيو عن تلك الأوانس في الجنان

تعيش مخلداً لا موت فيها و تلهو في الخيام مع الحسان

تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران

و روي عن يحيى بن عيسى بن ضرار السعدي و كان قد بكى شوقاً إلى الله ستين عاماً قال : رأيت كأن ضفة نهر يجري بالمسك الأذفر حافتاه شجر اللؤلؤ و نبت من قضبان الذهب ، فإنا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد : سبحان المسبح بكل لسان . سبحان الموجود بكل مكان . سبحان الدائم في كل زمان سبحانه سبحانه ، قال : فقلت : من أنتن؟ قلن : خلق من خلق الله سبحانه ، قلت : و ما تصنعن ها هنا فقلن :

يناجون رب العالمين لحقهم و تسري هموم القوم و الناس نوم

ذرانا إله الناس رب محمد لقوم على الأقدام بالليل قوم

فقلت : بخ . بخ لهو من هؤلاء ، لقد أقر الله أعينهم ، فقلن : أما تعرفهم ؟ فقلت : و الله ما أفهم ، قلن : هؤلاء المتهجدون بالليل أصحاب السهر .