باب في الحور العين و من أي شيء خلقن ؟ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب في الحور العين و من أي شيء خلقن ؟

روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الحور العين من أي شيء خلقن . فقال : من ثلاثة أشياء: أسفلهن من المسك ، و أوسطهن من العنبر ، و أعلاهن من الكافور ، و شعورهن و حواجبهن سواد خط من نور .

و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : سألت جبريل عليه السلام فقلت: أخبرني كيف يخلق الله الحور العين ؟ فقال لي يا محمد : يخلقهن الله من قضبان العنبر و الزعفران مضروبات عليهن الخيام أول ما يخلق الله منهن نهداً من مسك أذفر أبيض عليه يلتام البدن.

و روي عن ابن عباس أنه قال : خلق الله الحور العين من أصابع رجليها إلىركبتيها من الزعفران و من ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ، و من عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض . عليها سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان إذا أقبلت يتلألأ وجهها نوراً ساطعاً كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا و إذا أقبلت يرى كبدها من رقة ثيابها و جلدها . و في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر و لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها و هي تنادي هذا ثواب الأولياء . جزاء بما كانوا يعلمون .

باب إذا ابتكر الرجل امرأة في الدنيا كانت زوجته في الآخرة

ابن وهب عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك قال : و غضب عليها و على ضوتها فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضرباً شديداً ، و كانت الضرة أحسن اتقاء و كانت أسماء لا تتقي ، فكان الضرب بها أكثر فشكت إلى أبيها أبي بكر فقال لها : أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح . و لعله أن يكون زوجك في الجنة .

و لقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بالمرأة تزوجها في الجنة . قال أبو بكر بن العربي : هذا حديث غريب ذكره في أحكام القرآن له ، فإن كانت المرأة ذات أزواج فقيل : إن من مات عنها من الأزواج أخراهن له . قال حذيفة لامرأته إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة إن جمعنا الله فيها لا تتزوجي من بعدي ، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا .

و خطب معاوية بن أبي سفيان أم الدرداء فأبت و قالت : سمعت أبا الدرداء يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : المرأة لآخر أزواجها في الجنة . و قال لي : إن أردت أن تكون زوجتي في الجنة فلا تتزوجي من بعدي .

و ذكر أبو بكر النجاد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار، حدثنا سنان بن هارون، عن حميد ، عن أنس أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : يا رسول الله المرأة يكون لها زوجان في الدنيا ثم يموتون و يجتمعون في الجنة لأيهما تكون . للأول أو للآخر ؟ قال لأحسنهما خلقاً كان معها يا أم حبيبة . ذهب حسن الخلق بخير الدنيا و الآخرة و قيل : إنها تخير إذا كانت ذات أزواج.

باب ما جاء أن في الجنة أكلاً و شراباً و نكاحاً حقيقة و لا قذر فيها و لا نقص و لا نوم

مسلم عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إن أهل الجنة يأكلون فيها و يشربون و لا يتفلون و لا يبولون و لا يتغوطون و لا يتمخطون قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : جشاء أو رشح كرشح المسك يلهمون التسيبيح و التحميد ، و في رواية و التكبير كما يلهمون النفس .

الترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يعطي المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا في الجماع قيل يا رسول الله أو يطيق ذلك ؟ قال يعطي قوم مائة . و في الباب عن زيد بن أرقم قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح حسن .

و ذكر الدرامي في مسنده عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوم مائة رجل في الأكل و الشرب و الجماع و الشهوة ، فقال رجل من اليهود : إن الذي يأكل و يشرب يكون من الحاجة قال : ثم يفيض من جلده عرق فإذا بطنه قد ضمر .

و ذكر المخرمي عبد الله بن أيوب قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن زيد بن الجواري و هو زيد بن العمى عن ابن عباس قال : قلنا يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء .

و خرجه البزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ قال : أي و الذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء .

و خرج عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكاراً . و سيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى .

ابن المبارك قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن أبي قلابة قال : يؤتون بالطعام و الشراب فإذا كان في آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتضمر لذلك بطونهم و تفيض عرقاً من جلودهم أطيب من ريح المسك ثم قرأ شراباً طهوراً .

أبو محمد الدارمي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه الله اثنتين و سبعين زوجة اثنتين من الحور العين و سبعين من ميراثه من أهل النار ما منهن واحدة إلا و لها قبل . قبل شهي و له ذكر لا ينثني . قال هشام بن خالد : من ميراثه من أهل النار يعني رجالاً دخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما ورثت امرأة فرعون .

و روي من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم هل تمس أهل الجنة أزواجهم ؟ فقال : نعم بذكر لا يمل و فرج لا يحفى و شهوة لا تنقطع .

الدراقطني عن جابر بن عبد الله قيل يا رسول الله : أينام أهل الجنة ؟ قال : لا . النوم أخو الموت . و الجنة لا موت فيها . و الله أعلم .

باب المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سنه في ساعة واحدة

الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله و وضعه و سنه في ساعة كما يشتهي ، قال حديث حسن غريب أخرجه ابن ماجه و قال في ساعة واحدة في الجنة .

قال الترمذي : و قد اختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم في الجنة جماع و لا يكون ولد . و هكذا يروي عن طاووس و مجاهد و إبراهيم النخعي . و قال محمد قال إسحاق بن إبراهيم، في حديث النبي صلى الله عليه و سلم إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي ، و لكن لا يشتهي هذا أبداً ، و قد روى عن أبي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد . و الله أعلم .

 باب ما جاء أن كل ما في الجنة دائمر لا يبلى و لا يفنى و لا يبيد

مسلم عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ينادي مناد أن لكم أن تضحوا فلا تسقموا أبداً ، و أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، و أن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً ، و ذلك قوله عز و جل و نودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون .

و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من يدخل الجنة ينعم و لا يبأس و لا يبلى ثيابه و لا يفنى شبابه ، و قد تقدم قول الحور العين : نحن الخالدات فلا نبيد .

باب ما جاء أن المرأة من أهل الجنة ترى زوجها من أهل الدنيا في الدنيا

ابن وهب قال : و حدثنا ابن زيد قال : يقال للمرأة من أهل الجنة و هي في السماء : أتحبين أن نريك زوجك من أهل الدنيا ؟ فتقول : نعم ، فيكشف لها عن الحجب و يفتح الأبواب بينها بينه حتى تراه و تعرفه و تعاهده بالنظر حتى تستبطئ قدومه و تشتاق إليه كما تشتاق المرأة إلى زوجها الغائب عنها . و لعله يكون بينه و بين

زوجته في الدنيا ما يكون بين النساء و أزواجهن من مكالمة أو مخاصمة فتغضبه زوجته التي في الدنيا فيشق ذلك عليها و تقول : ويحك دعيه من شرك أنما هو معك ليال قلائل ، أخرجه الترمذي بمعناه عن معاذ بن جبل قال : لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب خرجده ابن ماجه أيضاً .

باب ما جاء في طير الجنة و خيلها و إبلها

الترمذي ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما الكوثر ، قال : ذاك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة ، أشد بياضاً من اللبن و أحلى من العسل : فيه طير أعناقها كأعناق الجزر ، فقال عمر : إن لهذه لناعمة ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أكلها أنعم منها ، قال : هذا حديث حسن .

و خرجه الثعلبي ، من حديث أبي الدراداء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن في الجنة طيراً مثل أعناق البخت تصطف على يد ولي الله فيقول أحدها : يا ولي الله رعيت في مروج الجنة تحت العرش ، شربت من عيون التسنيم ، فكل مني لا يزلن يفتخرن بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها . فيخر بين يديه على ألوان مختلفة فيأكل منه ما أراد فإذا شبع تجمع عظام الطير فيطير يرعى في الجنة حيث شاء، فقال عمر : يا نبي الله ، إنها لناعمة قال : أكلها أنعم منها .

الترمذي : عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله : هل في الجنة من خيل ؟ قال : إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت إلا فعلت ، قال : و سأله رجل فقال يا رسول الله : هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له ما قال صاحبه . فقال : إن يدخلك الله الجنة لك فيها ما اشتهت نفسك و لذت علينك .

و خرج مسلم عن أبي مسعود الأنصاري . قال جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة و ذكر ابن وهب قال : حدثنا ابن زيد قال : كان الحسن البصري يذكر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف و ألف من خدمه من الولدان المخلدين على خيل من ياقوت أحمر لها أجنحة من ذهب اقرأوا إن شئتم و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً .

و ذكر ابن المبارك عن شقي بن ماتع ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن من نعيم أهل الجنة أنهم ليتزاورون على المطايا و النجب ، و أنهم يؤتون في يوم الجمعة بخيل مسرجة ملجمة لا تورث و لا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله و ذكر الحديث .

و عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكبهم ، ثم تلا قوله تعالى و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً .

و حكى عن عبد الله بن المبارك : خرج إلى غزو فرأى رجلاً حزيناً قد مات فرسه فبقي محزوناً ، فقال له : بعني إياه بأربعمائة درهم ففعل الرجل ذلك ، أي باعه له ، فرأى من ليلته في المنام كأن القيامة قد قامت و فرسه في الجنة و خلفه سبعمائة فرس ، فأراد أن يأخذه فنودي أن دعه ، فإنه لابن المبارك و قد كان لك بالأمس ، فلما أصبح جاء إليه و طلب الإقالة فقال له و لم ؟ قال : فقص عليه القصة فقال له : اذهب فما رأيته في المنام رأيناه في اليقظة.؟

قال المؤلف رحمه الله تعالى : و هذه الحكاية صحيحة لأنها في معنى ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي مسعود كما ذكرناه .

باب ما جاء أن الحناء سيد ريحان الجنة و أن الجنة حفت بالريحان

ابن المبارك ، أنبأنا همام ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمر قال : الحناء سيد ريحان الجنة ، و أن فيها من عناق الخيل و كرام النجائب يركبها أهلها .

و قد تقدم عن أبي هريرة موقوفاً ، أن شجرة طوبى تتفتق عن النجائب و الثياب . و مثل هذا لا يقال من جهة الرأي و إنما هو توقيف فاعلمه .

و ذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت من حديث سعيد بن معن المدني قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله الجنة حففها بالريحان و حفف الريحان بالحناء و ما خلق الله شجرة أحب إليه من الحناء ، و أن المختضب بالحناء لتصلي عليه ملائكة السماء إذا غدا و تقدس الأرض قال السكري : و تقدس عليه ملائكة الأرض إذا أراح هذا حديث منكر لا يصح . و في إسنداه غير واحد لا يعرف .

و روى الترمذي في كتاب الشمائل . حدثنا محمد بن خليفة و عمر بن علي قالا : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا الحجاج الصواف ، عن حنان ، عن أبي عثمان النهدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة قال أبو عيسى : لا يعرف لحنان غير هذا الحديث ، و قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الجرح و التعديل ، حنان الأسدي من بني أسد بن شريك و هو حنان صاحب الرقيق ، عم مسرهد والد مسدد ، روي عن أبي عثمان النهدي ، و روى عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف سمعت أبي يقول ذلك . و قد تقدم عن أبي هريرة موقوفاً : أن شجرة طوبى تتفتق على الجنائب و الثياب ، و مثل هذا كله لا يقال من جهة الرأي و إنما هو توقيف فاعلمه .

باب ما جاء أن الشاة و المعزى من دواب الجنة

ابن ماجه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشاة من دواب الجنة و في كتاب البزار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أحسنوا إلى المعزى و أميطوا عنهما الأذى فإنهما من دواب الجنة ، و في التنزيل : و فديناه بذبح عظيم و إنما سمي عظيماً أنه رعى في الجنة أربعين عاماً ، روي عن ابن عباس رضي الله عنه .

باب ما جاء أن للجنة ربضاً و ريحاً و كلاماً

البيهقي عن أنس عن النبي : لما خلق الله عدن و غرس أشجارها بيده قال لها تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون . خرجه البزار من حديث أبي سعيد الخدري .

عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : خلق الجنة لبنة من ذهب و لبنة من فضة ، و ملاطها المسك الأذفر . و قال لها تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون فقال طوبى لك منزل الملوك و هذا يروى موقوفاً عن أبي سعيد الخدري قال : لما خلق الله الجنة لبنة من ذهب و لبنة من فضة و غرسها . قال لها تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون فدخلتها الملائكة . فقالت : طوبى لك منزل الملوك .

و روي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما خلق الله الجنة قال لها تزيني فتزينت ، ثم قال لها تكلمي فتكلمت ، ثم قالت : طوبى لمن رضيت عنه.

النسائي عن فضالة بن عبيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أنا زعيم ـ و الزعيم الحميل ـ لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل بيت له في ربض الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في أعلى غرف الجنة ، من فعل ذلك فليم يدع للخير مطلباً و لا من الشهر مهرباً يموت حيث شاء أن يموت .

و قال عمر بن عبد العزيز و الزهدي و الكلبي و مجاهد : مؤمنو الجنة في ربض و رحاب حول الجنة و ليسوا فيها.

و روى مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، و أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة ، هذا موقوف . قال أبو عمر بن عبد البر : و قد رواه عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك بهذا الإسناد عني صلى الله عليه و سلم .

و خرج أبو داود و الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا من قتل نفساً معاهداً له ذمة الله و ذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يروح رائحة الجنة و أن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً لفظ الترمذي .

قال : و في الباب عن أبي بكره ، قال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح .

و خرج البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة و أن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً .

باب ما جاء في أن الجنة قيعان و أن غراسها سبحان الله و الحمد لله

الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال : يا محمد اقرأ أمتك مني السلام و أخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء و أنها قيعان و أن غرسها سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر .

قال : و في الباب ، عن أبي أيوب . و هذا حديث حسن غريب .

ابن ماجه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر به و هو يغرس غرساً فقال : يا أبا هريرة ما الذي تغرس ؟ قال : غرساً قال : ألا أدلك على غراس خير من هذا؟سبحان الله ، و الحمد لله ، و لا إله إلا الله ، و الله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة .

الترمذي ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : من قال سبحان الله العظيم و بحمده غرست له نخلة في الجنة .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب .

باب ما جاء أن الذكر نفقة بناء الجنة

ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس قال : حدثنا الفضل بن الصباح قال : سألت النضر بن إسماعيل فحدثني عن حكيم بن محمد الأحمسي ، قال : بلغني أن الجنة تبنى بالذكر فإذا حبسوا الذكر كفوا عن البناء . فيقال لهم في ذلك فيقولون . حتى يجيئنا نفقة .

قال المؤلف رحمه الله : الذكر طاعة الله ، عز و جل في امتثال أمره و اجتناب نهيه .

روي عن النبي صلى الله عليه و سلم : من أطاع الله و قد ذكر الله و إن قل صلاته و صومه و صنيعه للخير ، و من عصى الله فقد نسي الله و إن كثر صلاته و صومه و صنيعه للخير . ذكره أبو عبد الله ، محمد في أحكام القرآن له .

و ذكره أيضاً العامري في شرح الشهاب له .

قلت : حقيقة الذكر طاعة الله تعالى في امتثال أمره و اجتناب نهيه .

قال سعيد بن جبير : الذكر طاعة الله فمن لم يطعه لم يذكره ، و إن أكثر التسبيح و التهليل و قراءة القرآن.

و لفظه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من أطاع الله فقد ذكره و إن كان ساكتاً ، و من عصى الله فقد نسيه و إن كان قارئاً مسبحاً .

قال المؤلف رحمه الله : و هذا و الله أعلم لأنه كالمستهزئ و المتهاون و من اتخذ آيات الله هزواً . و قد قال العلماء في تأويل قوله تعالى : و لا تتخذوا آيات الله هزواً أي لا تتركوا أمر الله فتكونوا مقصرين لاعبين ، قالوا و يدخل في هذه الآية الاستغفار من الذنب قولاً مع الإصرار فعلاً . و كذا كل ما كان في هذا المعنى . و الله أعلم .

باب ما لأدنى أهل الجنة و لا لأعلاهم

مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسوله الله صلى الله عليه و سلم قال : سأل موسى عليه السلام ربه ، فقال : يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقول : أي رب كيف و قد نزل الناس منازلهم و أخذوا أخذاتهم فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقول : لك ذلك و مثله معه ، و مثله ، و مثله ، فقال في الخامسة ، رضيت رب ، فيقول : هذا لك و عشرة أمثاله، و لك ما اشتهت نفسك ، و لذت عينك ، فيقول : رضيت ، قال : يا رب فأعلاهم منزلة ، قال: أولئك الذين أردت . غرست كرامتهم بيدي و ختمت عليها فلم تر عين و لم تسمع أذن و لم يخطر على قلب بشر قال : و مصداقه من كتاب الله ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين و قد روي موقوفاً عن المغيرة قوله .

البخاري ، عن عبد الله هو ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة ، و آخر الناس خروجاً من النار ، رجل يخرج حبوا ، فيقول له ربه: ادخل الجنة فيقول : رب الجنة ملأى ، فيقول له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يعيد عليه الجنة ملأى ، فيقول : إن لك مثل الدنيا عشر مرات و قد تقدم هذا .

و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع قصور قصر من ذهب ، و قصر من فضة ، و قصر من در ، و قصر من زمرد ، و قصر من ياقوت و قصر لا تدركه الأبصار ، و قصر على لون العرش ، في كل قصر من الحلى و الحلل و الحور العين ما لا يعلمه إلا الله عز و جل ذكره القتبي في عيون الأخبار له ، و في مراسل الحسن عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أدنى أهل الجنة منزلة الذير يركب في ألف ألف من خدمه الحديث و قد تقدم .

و خرج الترمذي ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه و نعيمه و خدمة و سروره مسيرة ألف سنة ، و أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة و عشيا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة قال : حديث غريب ، و قد روي عن ابن عمر و لم يرفعه .

و خرج عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم و اثنتان و سبعون زوجة ، و ينصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد و ياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء قال هذا ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان عن رجل عن مجاهد قال : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن يسير في ملكه مسيرة ألف سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ، و أرفعهم هو الذي ينظر إلى ربه بالغداة و العشي . و قد تقدم هذا مرفوعاً في الباب عن ابن عمر موقوفاً ، و هذا الباب و الذي قبله يدل على أن أدنى أهل الجنة منزلة الكثير من و الزوجات من الحور العين ما قررناه فيما تقدم و الله أعلم .

باب رضوان الله تعالى لأهل الجنة أفضل من الجنة

البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون لبيك ربنا و سعديك و الخير في يديك ، فيقول هل رضيتم ، فيقولون : و ما لنا لا نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول أفلا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من ذلك ، فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ، أخرجه مسلم ، بمعناه في حديث فيه طول .

باب رؤية أهل الجنة لله تعالى أحب إليهم مما هم فيه و أقر لأعينهم

مسلم عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك و تعالى لهم : أتريدون شيئاً أزيدكم ، فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة و تنجينا من النار ، قال : فيكشف لهم الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل ، و في رواية هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى و زيادة .

و خرج النسائي عن صهيب قال : قيل لرسول الله هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى و زيادة قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، و أهل النار النار ، ينادي مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فقالوا : لم تبيض وجوهنا و تثقل موازيننا و تجرنا من النار . قال : فيكش الحجاب فينظروا إليه فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه الله و لا أقر لأعينهم .

و خرجه أبو داود الطيالسي أيضاً . قال : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال : تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى و زيادة قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله تعالى موعداً فيقولون : ما هو أليس قد بيض وجوهنا و ثقل موازيننا و أدخلنا الجنة ؟ فيقال لهم ثلاثاً ، فيتجلى لهم الرب تبارك و تعالى فينظرون إليه فيكون ذلك عندهم أعظم مما أعطوا .

أخبرنا الشيخ الراوية : أبو محمد عبد الوهاب قرأ عليه بثغر الاسكندرية حماه الله قرئ على الحافظ السلفي و أنا أسمع قال : أخبرنا الحاجب أبو الحسن بن العلاف ، حدثنا أبو القاسم بن بشران ، حدثنا أبو بكر الآجري ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق النيسابوري ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة نودوا أن يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً لم تروه قالوا : و ما هو ألم يبيض وجوهنا و يزحزحنا عن النار و يدخلنا الجنة ؟ قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه فو الله ما أعطاهم الله شيئاً هو أحب إليهم منه ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم للذين أحسنوا الحسنى و زيادة .

و كذا أخرجه الإمام أحمد بن حنبل و الحارث ابن أبي أسامة ، عن يزيد بن هارون . و انفرد مسلم بإخراجه فرواه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون ، و رواه نوح ابن أبي مريم عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى و زيادة فقال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى و هي الجنة قال : و الزيادة النظر إلى وجهه الكريم . فأخطأ فيه خطأ بيناً و وهم وهماً قبيحاً .

و ذكر ابن المبارك . قال : أخبرنا أبو بكر الهلالي الهجيمي قال : سمعت أبا موسى الأشعري على منبر البصرة يقول : إن الله يبعث يوم القيامة ملكاً إلى أهل الجنة فيقول هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلى و الحلل و الثمار و الأنهار و الأزواج المطهرة ، فيقولون نعم أنجزنا الله ما وعدنا ، فيقول الملك : هل أنجزكم ما وعدكم ثلاث مرات فلا يفقدون شيئاً مما وعدوا . فيقولون : نعم فيقول : بقي لكم شيء إن الله تعالى يقول للذين أحسنوا الحسنى و زيادة ألا إن الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى الله تعالى .

فصل : ما رواه النسائي مرفوعاً ، و كذلك أبو داود الطيالسي ، و أسنداه عن الآجرى ، و ذكره ابن المبارك موقوفاً يبين حديث مسلم ، و أن المعنى بقوله : قال الله تعالى : قال ملك الله: تريدون شيئاً أزيدكم أن يزيدكم . و قوله : فيكشف الحجاب : معناه أنه يرفع الموانع من الإدراك عن أبصارهم حتى يروه على ما هو عليه من نعوت العظمة و الجلال و البهاء و الكمال و الرفعة و الجمال لا إله إلا هو سبحانه عما يقول الزائفون و المبطلون ، فذكر الحجاب إنما هو في حق المخلوق لا في حق الخالق ، فهم المحجوبون ، و الباري جل اسمه و تقدست أسماؤه منزلة عما يحجبه ، إذ الحجب إنما يحيط بمقدر محسوس و ذلك من نعوتنا ، و لكن حجبه عن أبصار خلقه ، و بصائرهم . و إدراكاتهم بما شاء و كيف شاء .

و روي في صحيح الأحاديث ، أن الله تعالى إذا تجلى لعباده و رفع الحجب عن أعينهم فإذا رأوه تدفقت الأنهار و اصطفت الأشجار ، و تجاوبت السرر و الغرفات بالصرير و الأعين المتدفقات بالخرير و استرسلت الريح المثيرة ، و ثبت في الدور و القصور المسك الأذفر و الكافور و غردت الطيور و أشرقت الحور العين . ذكره أبو المعالي في كتاب الرد له على السجزي ، و قال : و كل ذلك بقضاء الله و قدره و إن لم يكن منها شيء عن الرؤية و النظر، و لكن الله تعالى يعرف بما شاء ما شاء من آيات عظمته و دلالات هيبته و ذلك بمثابة تدكدك الجبل الذي تجلى الله له و ترضرضه حتى صار رملاً هائلاً سائلاً و الله أعلم .

باب منه في الرؤية

مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و ما بين القوم ، و بين أن ينظروا إلى ربهم عز و جل ، إلا رداء الكبرياء على وجه في جنة عدن .

و عن جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة قبل غروبها . فافعلوا ثم قرأ و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح .

و خرج أبو داود عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله ، أكلنا يرى الله مخلياً به يوم القيامة ؟ قال : نعم . قلت و ما آية ذلك في خلقه ؟ قال : يا أبا رزين ، أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به ؟ قلت : بلى . قال : فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل و أعظم .

[ فصل ] قوله : إلا رداء الكبرياء على وجهه . الرداء به هنا مستعار كني به عن كبريائه و عظمته يبينه الحديث الآخر : الكبرياء ردائي ، و العظمة إزاري يريد بذلك صفتي فقوله : رداء الكبرياء يريد صفة الكبرياء فهو بكبريائه و عظمته لا يريد أن يراه أحد من خلقه بعد رؤية القيامة حتى يأذن لهم بدخول جنة عدن فإذا دخلوها أراد أن يروه فيروه و هم في جنة عدن قال معناه : البهيقي و غيره . و ليست العظمة و الكبرياء من جنس الثياب المحسوسة ، و إنما هي توسعات و وجه المناسبة أن الرداء و الإزار ، لما كانا ملازمين للإنسان مخصوصين به ، و لا يشاركه فيهما غيره عبر عن عظمته و كبريائه بهما لأنهما مما لا يجوز مشاركة الله تعالى فيهما ألا ترى آخر الحديث فمن نازعني واحداً منهما قصمته ثم قذفته في النار .

باب منه و في سلام الله تعالى عليهم

روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بينا أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور من فوقهم فإذا الرب سبحانه قد أشرف عليهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، و ذلك قوله تعالى سلام قولاً من رب رحيم قال : فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم ، فإذا احتجب عنهم بقي نوره و بركته عليه في ديارهم .

[ فصل ] قوله : قد أشرف عليهم أي أطلع كما يقال فلان مشرف عليك أي مطلع عليك من مكان عال ، و الله تعالى لا يوصف بالمكان من جهة الحلول و التمكن ، و إنما يوصف من جهه العلو و الرفعة فعبر عن اطلاعه عليهم و نظره إليهم بالإشراف ، و لما كان سبحانه قائلاً متكلماً و كان الكلام له صفة في ذاته ، و لم يزل و لا يزال فهو يسلم عليهم سلاماً هو قوله منه ، كما قال تعالى : سلام قولاً من رب رحيم و قوله : فإذا نظروا إليه نسوا نعيم الجنة أي لهواً عنه بلذة النظر إلى وجهه الكريم ، و ذلك أن ما دون الله تعالى لا يقاوم تجليه ، و لولا أن الله تعالى يثبتهم و يبقيهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى به ، و قوله حتى يحتجب عنهم يجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه و إلى حظوظ أنفسهم و شهواتها التي سهوا عنها فانتفعوا بنعيم الجنة الذي وعده لهم و تنعموا بشهوات النفوس التي أعدت لهم ، و ليس ذلك إن شاء الله تعالى على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو بمعنى الغيبة و الاستتار ، فيكونوا له ناسين و عن شهوده محجوبين ، و إلى نعيم الجنة ساكنين ، و لكنه يردهم إلى ما نسوه و لا تحجبهم عما شاهدوا حجبة غيبة و استتار ، يدل على ذلك قوله : بقي نوره و بركته عليهم في ديارهم و كيف يحجبهم عنه و هو ينعت المزيد عليهم و ما وعدهم به من النعيم و النظر إذا صح و الحجبة إذا ارتفعت لم يكن بين ةنظر البصر و شهود السر فرق. و لا بين حال الشهود و الغيبة فرق فيكون محجوباً في حال الغيبة بل تتفق الأوقات و تتساوى الأحوال فيكون في كل حال شاهداً و بكل جارحة ناظراً و لا يكون في حال محجوباً و لا بالغيب موصوفاً.

حكاية

حكي عن قيس المجنون أنه قيل له : ندعو لك ليلى ؟ فقال و هل غابت عني فتدعى ؟ فقيل له: أتحب ليلى ؟ فقال : المحبة ذريعة الوصلة و قد وقع الوصل فأنا ليلى و ليلى أنا . و الله أعلم .

باب منه و بيان قوله تعالى و لدينا مزيد

يحيى بن سلام قال : أخبرنا رجل من أهل الكوفة عن داود بن أبي هند عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل الجنة لينظرون إلى ربهم في كل جمعة على كثيب من كافور لا يرى طرفاه ، و فيه نهر جار حافتاه المسك عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الأولون و الآخرون ، فإذا انصرفوا إلى منازلهم أخذ كل رجل بيد من شاء منهن ثم يمرون على قناطر من لؤلؤ إلى منازلهم فلولا أن الله تعالى يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها لما يحدث الله إليهم في كل جمعة .

و خرج عن بكر بن عبد الله المزني قال : إن أهل الجنة ليزورون ربهم في مقدار كل عيد كأنه يقول في كل سبعة أيام مرة فيأتون رب العزة في حلل خضر و وجوه مشرقة و أساور من ذهب مكللة بالدر و الزمرد عليهم أكاليل الذهب ، و يركبون بخبائهم و يستأذنون على ربهم فيأمر لهم ربنا بالكرامة .

و ذكر هو و ابن المبارك جميعاً قال ، حدثنا المسعودي ، عن النهال بن عمرو بن أبي عبيدة بن عبد الله بن عقبة عن ابن مسعود قال : تسارعوا إلى الجمعة فإن الله يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون معه في القرب قال ابن المبارك : على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا .

و قال يحيى بن سلام : كمسارعتهم إلى الجمعة في الدنيا و زاد فيحدث لهم شيئاً من الكرامة لم يكونوا رأوه قبل ذلك، قال يحيى : و سمعت غير المسعودي يزيد فيه و هو قوله تعالى و لدينا مزيد و قال الحسن في قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى و زيادة قال : الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و ليس شيء أحب إلى أهل الجنة من يوم الجمعة يوم المزيد لأنهم يرون فيه الجبار جل جلاله و تقدست أسماؤه .

فصل

قلت : قوله في كثيب . يريد أهل الجنة أي هم على كثيب كما في مرسل الحسن أول الباب ، و قيل : المزيد ما يزوجون به من الحور العين رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً . و ذكر أبو نعيم عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال : إن من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول : ما تريدون أن أمطركم فلا يتمنون شيئاً إلا مطروا قال خالد: يقول كثير لئن أشهدني الله ذلك لأقولن لها أمطرينا جواري مزينات و قد تقدم من حديث ابن عمرو أكرمهم على الله من ينظر إلى الله غدوة و عشية ، و هذا يدل على أن أهل الجنة في الرؤية مختلفو الحال .

و قد روي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال : إن لله تعالى عباداً لو حجبهم في الجنة ساعة لاستغاثوا من الجنة و نعيمها كما يسغيث أهل النار من النار و عذابها .

 

نبذ من أقوال العلماء في تفسير كلمات و آيات من القرآن وردت في ذكر الجنة و أهلها

من ذلك قوله تعالى : و نزعنا ما في صدورهم من غل قال ابن عباس أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين فيذهب الله تعالى ما في قلوبهم من غل ، ثم يدخلون العين الأخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم و تصفوا وجوههم و تجري عليهم نضرة النعيم .

و قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى و سقاهم ربهم شراباً طهوراً قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النعيم فلا تتغير أبشارهم و لا تشتعث أشعارهم أبداً ، ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأذى ثم تستقبلهم خزنة الجنة فتقول لهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .

و ذكره ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه تلا هذه الآية وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وجدوا عند باب الجنة شجرة يخرج من ساقها عينان ، فعمدوا إلى أحداهما كأنما أمروا بها فاغتسلوا منها فلم تشعث رؤوسهم بعدها أبداً و لم تغير جلودهم بعدها أبداً كأنما دهنوا بالدهن ، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فطهرت أجوافهم و غسلت كل قدر فيها و تتلقاهم على كل باب من أبواب الجنة ملائكة سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ، ثم تتلقاهم الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان الدنيا بالحميم يجيء من الغيبة يقولون : أبشر أعد الله لك كذا و كذا ، ثم يذهب الغلام منهم إلى الزوجة من أزواجه فيقول قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى في الدنيا فتقول له : أنت رأيته ؟ فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة الباب ، ثم ترجع فتجيء فتنظر إلى تأسيس بنيانه من جندل اللؤلؤ أخضر و أصفر و أحمر من كل لون ثم يجلس فينظر فإذا زرابي مبثوثة و أكواب موضوعة و نمارق مصفوفة ثم يرفع رأسه إلى سقف بنيانه فلولا أن الله قدر ذلك لأذهب بصره إنما هو مثل البرق ، ثم يقول : كما أخبرنا تعالى الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

و ذكر القتيبي في عيون الأخبار له مرفوعاً عن علي رضي الله عنه أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قول الله عز و جل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ما هؤلاء الوفد ؟ قال : يحشرون ركباناً ثم قال : و الذي نفسي بيده أنهم إذا خرجوا من قبورهم ركبوا نوقاً عليهم رحائل الذهب مرصعة بأنواع الجوهر فتسير بهم إلى باب الجنة قال : و عند باب الجنة شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحداى تلك العيون فإذا بلغ الشراب البطن طهرهم الله به من دنس الدنيا و قذرها فذلك قوله تعالى و سقاهم ربهم شراباً طهوراً قال : ثم يغتسلون من العين الأخرى فلا تشعث رؤوسهم و لا تتغير ألوانهم قال : ثم يضربون حلق أبواب الجنة فلو سمعت الخلائق طنين الأبواب لافتتنوا بها ، فيبادر رضوان فيفتح لهم فينظرون إلى حسن وجهه فيخرون ساجدين فيقول لهم رضوان يا أولياء الله : أنا قيمكم الذي وكلت بكم و بمنازلكم فينطلق بهم إلى قصور من فضة شوفاتها من ذهب يرى ظاهرها من باطنها من النور و الرقة و الحسن قال فيقول أولياء الله عند ذلك يا رضوان : لمن هذا ؟ فيقول : هذا لكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلولا أن الموت يرفع عن أهل الجنة لمات أكثرهم فرحاً ، قال : ثم يريد أحدهم أن يدخل قصره فيقول له رضوان اتبعني حتى أريك ما أعد الله لك قال : فيمر به فيريه قصوراً و خياماً و ما أعطاه الله عز و جل قال : ثم يأتي به إلى غرفة من ياقوته من أسفلها إلى أعلاها مائة ذراع قد لونت بجميع الألوان على جنادل الدر و الياقوت ، و في الغرفة سرير طوله فرسخ في عرض مثل ذلك عليه من الفراش كقدر خمسين غرفة بعضها فوق بعض . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فذلك قوله عز و جل و فرش مرفوعة و هي من نور و السرير من نور ، و على رأس ولي الله تاج له سبعون ركناً في كل ركن سبعون ياقوتة تضيء و قد رد الله وجهه كالبدر وعليه طوق و وشاح يتلألأ من نور ، و قد سور بثلاثة أسورة : سوار من الذهب و سوار من فضة و سوار من لؤلؤ، فذلك قوله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير .

و قوله تعالى جنات عدن يدخلونها قال ابن عباس الجنات سبع : دار الجلال ، و دار السلام ، و جنة عدن ، و جنة المأوى ، و جنة الخلد ، و جنة الفردوس ، و جنة النعيم .

و قيل : إن الجنان أربع لأن الله تعالى قال : و لمن خاف مقام ربه جنتان . و قال بعد ذلك و من دونهما جنتان و لم يذكر سوى هذه الأربع جنة خامسة ، فإن قيل فقد قال جنة المأوى قيل جنة المأوى اسم لجميع الجنان يدل عليه أنه تعالى قال : فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون و الجنة اسم الجنس ، فمرة يقال جنة و مرة يقال جنات ، و كذلك جنة عدن و جنات عدن لأن العدن الإقامة و كلها دار الإقامة كما أن كلها مأوى المؤمنين ، و كذلك دار الخلد و دار السلام لأن جميعها للخلود و السلامة من كل خوف و حزن ، و كذلك جنات النعيم و جنة النعيم لأن كلها مشحونة بأصناف النعيم ، ذكره الحليمي في كتاب منهاج الدين له و قال : إنما منعنا أن نجعل كل واحدة من العدن و المأوى و النعيم جنة سوى الأخرى ، لأن الله تعالى إن كان سمي شيئاً من هذه الأسماء جنة في موضع فقد سمي الجنات كلها بذلك الاسم في موضع آخر ، فعلمنا أن هذه الأسماء ليست لتميز جنة من جنة ، و لكنها للجنان أجمع . لا سيما و قد أتى الله بذكر العدد فلم يثبت إلا أربعاً ، و قد أثبت لهذه الجنان أبواباً فقال : [ و فتحت أبوابها ] ، و قال عليه الصلاة و السلام : إن أبواب الجنة ثمانية فيحتمل أن يكون ذلك ، لأن لكل جنة من الجنان الأربع بابين ، و وصف أهل الجنة فصنفهم صنفين : أحدهما السابقون المقربون و الآخرون أصحاب اليمين ، فعلمنا أن السابقين أهل الجنتين العليتين في قوله : و لمن خاف مقام ربه جنتان و أهل اليمين أهل الجنتين الدنييتين و من دونهما جنتان و بهذا جاءت الروايات .

و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : و لمن خاف مقام ربه جنتان إلى قوله و من دونهما جنتان قال : فتلك للمقربين و هاتان لأصحاب اليمين و عن أبي موسى الأشعري نحو ذلك .

قوله تعالى : يحلون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤاً قال المفسرون : ليس أحد من أهل الجنة إلا و في يده ثلاثة أسورة : سوار من ذهب و سوار من فضة و سوار من لؤلؤ و قال هنا : من ذهب و لؤلؤاً و قال في آية أخرى : و حلوا أساور من فضة .

و في الصحيح : تبلغ حلية المؤمن حيث تبلغ الوضوء ، و قريء [ لؤلؤا ] بالنصب على معنى و يحلون لؤلؤاً و أساور : جمع أسورة و أسورة واحدها سوار فيها ثلاث لغات ضم السين و كسرها و أسوار ، قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور و التيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة إذ هم ملوك قوله تعالى : و لباسهم فيها حرير .

روي عن يحيى بن سلام ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال : [ دار المؤمن في الجنة درة مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل و يأخذ بأصبعه ، أو قال بأصبعه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ و الزبرجد و المرجان ] .

و أخرجه ابن المبارك بهذا السند عن حماد عن أبي المهزم قال : سمعت أبا هريرة يقول : [ إن دار المؤمن في الجنة من لؤلؤة فيها أربعون بيتاً في وسطها شجرة تنبت الحلل ، فيذهب فيأخذ بأصبعيه سبعين حلة منظمة باللؤلؤ و الزبرجد و المرجان ] و قد تقدم هذا المعنى و أبو المهزم ضعيف .

و روى عن أبي هريرة أنه قال : بلغني أن ولي الله يلبس حلة ذات وجهين يتجاوبان بصوت مليح تقول التي تلي جسده : أنا أكرم على ولي الله منك . أنا أمس بدنه و أنت لا تمسينه و تقول التي تلي وجهه : أنا أكرم على ولي الله منك ، أنا أرى وجهه و أنت محجوبة لا ترين وجهه . و قد تقدم أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، من حديث أبي سعيد الخدري . صححه أبو عمرو رحمه الله و قال : هذا عندي على نحو المعنى الذي نزعنا به في شارب الخمر أنه إذا دخل الجنة لا يشرب فيها خمراً و لا يذكرها و لا يراها و لا تشتهيها نفسه ، فكذلك لابس الحرير في الدنيا إن لم يتب منه .

قلت : و كذلك من استعمل آنية الذهب و الفضة و لم يتب من استعمالها .

و قد روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين ، فقيل : و من الروحانيون يا رسول الله ؟ قال قراء أهل الجنة خرجه الترمذي أبو عبد الله في نوادر الأصول ، و قد قيل : إن حرمانه الخمر و لباسه الحرير و شربه في إناء الذهب و الفضة و استماعه للروحانيين إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار و يسقى من طينة الخبال ، فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالرحمة العامة المعبر عنها في الحديث بالقبضة أدخل الجنة و لم يحرم شيئاً منها لا خمراً و لا حريراً و لا غيره ، لأن حرمان شيء من لذات الدنيا لمن كان في الجنة نوع عقوبة و مؤاخذة ، و الجنة ليست بدار عقوبة و لا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه .

قلت : و حديث أبي سعيد الخدري و أبي موسى الأشعري يرد هذا القول و كما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه و ليس ذلك لعقوبة ، كذلك لا يشتهي خمر الجنة و لا حريرها و لا يكون ذلك عقوبة .

قوله تعالى و يلبسون ثياباً خضراً من سندس و إستبرق و قال عاليهم ثياب سندس خضر و إستبرق الإستبرق : الديباج الصفيق الكثيف ، و السندس : الرقيق الخفيف ، و خص الأخضر لأنه الموافق للبصر ، لأن البياض يبدد النظر و يؤلم و السواد يورم و الخضرة لون بين السواد و البياض و تلك تجمع الشعاع .

قوله تعالى : متكئين فيها على الأرائك الأرائك : جمع أريكة و هي السرر في الحجل ، و قال متكئين على سرر مصفوفة .

و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن الرجل من أهل الجنة ليتزوج في شهر واحد ألف حوراء يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدينا .

و روي عن ابن عباس أنه قال : إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحور سبعين سنة لا يملها و لا تمله كلما أتاها وجدها بكراً ، و كلما رجعت إليه عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلاً لا يكون بينهما مني يأتي من غير مني منه و لا منها .

و قال المسيب بن شريك : قال النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكاراً * عرباً أتراباً قال : هي عجائز الدنيا أنشأهن الله خلقاً جديداً كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً ، فلما سمعت عائشة ذلك قالت : واوجعاه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم ليس هناك وجع .

و ذكر يحيى بن سلام عن صاحب له ، عن أبان بن عياش ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الرجل من أهل الجنة ليتنعم مع زوجته في تكأة واحدة سبعين عاماً فتناديه أبهى منها و أجمل من غرفة أخرى : أما آن لنا منك دولة بعد فيلتفت إليها فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من اللاتي قال الله تعالى و لدينا مزيد فيتحول إليها يتنعم معها سبعين عاماً في تكأة واحدة فتناديه أبهى و أجمل من غرفة أخرى : أما آن لنا منك دولة بعد فيلتفت إليها فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من اللاتي قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فيتحول إليها فيتنعم معها في تكأة واحدة سبعين عاماً فهم كذلك يزورون ، قال تعالى : و زوجناهم بحور عين الحور : البيض في قول قتادة و العامة ، و العين : العظام العيون .

و قال قتادة في قوله تعالى : إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يعني في الآخرة في شغل فاكهون . قال : يعني افتضاض العذارى فاكهون ، قال الحسن : مسرورون هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون قوله تعالى أولئك لهم رزق معلوم فيه قولان: أحدهما حين يشتهونه ، قال مقاتل : الثاني بمقدار الغداة و العشي قاله ابن السائب . قال الله تعالى و لهم رزقهم فيها بكرة و عشياً قال العلماء : ليس في الجنة ليل و لا نهار و إنما هم في نور أبداً ، و إنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب و إغلاق الأبواب ، و يعرفون مقدار النهار برفع الحجب و فتح الأبواب ، ذكره أبو الفرج بن الجوزي .

و خرج أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول له من حديث أبان عن الحسن و أبي قلابة قال : قال رجل يا رسول الله : هل في الجنة من ليل ؟ قال : و ما هيجك على هذا ؟ قال : سمعت الله تعالى يقول في الكتاب و لهم رزقهم فيها بكرة و عشياً فقلت : الليل بين البكرة و العشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس هناك ليل إنما هو ضوء و نور الغدو على الرواح و الرواح على الغدو ، و يأتيهم طرف الهدايا لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها و تسلم عليهم الملائكة . قوله تعالى ذكره : فواكه جمع فاكهة قال الله تعالى و أمددناهم بفاكهة و لحم مما يشتهون و هي الثمار كلها رطبها و يابسها . قاله ابن عباس ، و قال مجاهد في قوله تعالى ودانية عليهم ظلالها يعني ظلال الشجر و ذللت قطوفها تذليلا أي ذللت ثمارها يتناولن منها كيف شاءوا . إن قام ارتفعت بقدره ، و إن قعد تدلت إليه ، و إن اضطجع تدلت إليه حتى يتناولها .

و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء و دانية عليهم ظلالها و ذللت قطوفها تذليلاً قال : أهل الجنة يأكلون الثمار من الشجر كيف شاءوا جلوساً و مضطجعين و كيف شاءوا ؟ واحد القطوف قطف بكسر القاف .

و ذكر ابن وهب قال : أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن رسول الله : إن خلق أهل الجنة إذا دخلوا الجنة ستون ذراعاً كالنخلة السحوق يأكلون من ثمار الجنة قياماً .

و ذكر يحيى بن سلام ، عن عثمان ، عن نعيم بن عبد الله ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي نفسي بيده إن الجنة ليتناولون من قطوفها و هم متكئون على فراشهم فما تصل إلى في أحدهم حتى يبدل مكانها أخرى . قوله تعالى يطاف عليهم بصحاف من ذهب و أكواب .

روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن أدنى الجنة منزلة الذي يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل خادم صحفتان واحدة ذهب و الأخرى فضة كل واحدة لون لا يشبه الأخرى ذكره القتبي في عيون الأخبار . و قال المفسرون : يطوف على أدناهم منزلة سبعين ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب يفدى عليه بها في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، و يجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضاً و يراع عليه بمثلها ، و يطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام مع كل غلام صحفة من ذهب فيها ألوان الطعام ليس في صاحبتها يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، و يجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها لا يشبه بعضه بعضاً و أكواب ، أي : و يطاف عليهم بأكواب كما قال تعالى و يطاف عليهم بآنية من فضة و أكواب قال قتادة: الكوب : المدور القصير العتق القصير العروة ، و الإبريق المستطيل الطويل العنق الطويل العروة.

و قال ابن عزيزة : أكواب : أباريق لا عرى لها و لا خراطيم واحدها كوب ، قاله الأخفش و قطرب ، و قال الجوهري في الصحاح : الكوب كوز لا عروة له ، و نحوه قوله مجاهد و السدي و هو مذهب أهل اللغة : التي لا آذان لها و لا عرى كانت قواريرا * قوارير من فضة أي اجتمع فيها صفاء القوارير في بياض الفضة و ذلك أن لكل قوم من تراب أرضهم قوارير ، قال : و إن تراب الجنة فضة فهي قوارير من فضة ، قاله ابن عباس ، و قال : هي في صفاء الفضة ، و في ذلك دليل على أن أرض الجنة من فضة ، إذ المعهود الدنيا اتخاذ الآنية من الأرض يرى باطنها من ظاهرها و ظاهرها من باطنها كالقوارير يرى الشراب من جدر القوارير و هذا لا يكون في فضة الدنيا قدروها تقديراً أي في أنفسهم فأتتهم على نحو ما قدروا و اشتهوا من صغار و كبار و أوساط هذا تفسير قتادة .

و قال ابن عباس و مجاهد : أتوا بها على قدر رتبهم بغير زيادة و لا نقصان ، و المعنى قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم و يسقون فيها كأساً أي من كأس كما قال ، في الآية الأخرى : إن الأبرار يشربون من كأس يعني الخمر ، قال يطاف عليهم بكأس من معين أي من خمر ، و المعين : الماء الجاري الظاهر لا فيها غول ، أي لا تغتال عقولهم و لا يصيبهم منها صداع و لا هم عنها ينزفون أي لا تذهب عقولهم بشربها ، يقال : الخمر غول للحليم ، و الحرب غول للنفوس . أي تذهب بها . و قرأ حمزة و الكسائي : ينزفون بكسر الزاي من أنزف القوم إذا حان منهم النزف و هو السكر ، كما يقال : أحصد الزرع إذا حان حصاده و أقطف الكرام إذا حان قطافه ، و أركب المهر إذا حان ركوبه ، و قيل : المعنى لا ينفذون شرابهم لأنه دأبهم ، و الكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه فإن كان فارغاً فليس بكأس كان مزاجها كافوراً قال الكلبي كافوراً عيناً في الجنة يشرب بها أي منها و قيل الباء زائدة و المعنى : يشربها و منه تنبت بالدهن أي تبنت الدهن و قال كان مزاجها زنجبيلاً و كانت العرب تنستطيب الزنجبيل و تضرب به المثل و بالخمر ممزوجين ، فخاطبهم الله بما كانوا عارفين و يستحبون كأنه يقول : لكم في الآخرة مثل ما تستحبون في الدنيا إن آمنتم عيناً فيها تسمى سلسبيلاً السلسبيل اسم العين ، و السلسبيل في اللغة صفة لما كان غاية في السلاسة ، و قال تعالى يسقون من رحيق يعني الشراب و هي الخمر مختوم * ختامه مسك قال مجاهد : يختم به آخر جرعة ، و قيل : المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففنى ما في الكأس و انقطع الختم ذلك بطعم المسك .

و قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى ختامه مسك خلطه ليس بخاتم يختم . ألم تر إلى قول المرأة من نسائكم خلطه من الطيب كذا و كذا إنما خلطه مسك ليس بخاتم يختم . ذكره ابن المبارك و ابن وهب و اللفظ لابن وهب

وذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء ختامه مسك قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شربتهم . لو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . و في ذلك فليتنافس المتنافسون أي في الدنيا بالأعمال الصالحة ، قال و مزاجه من تسنيم أي و مزاج ذلك الشراب عيناً يشرب بها المقربون قال قتادة : يشرب بها المقربون صرفا و تمزج لسائر أهل الجنة ، و تسنيم أشرف شراب في الجنة ، و أصل التسنيم في اللغة الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل و منه سنام البعير لعلوه من بدنه ، و كذلك تسنيم القبور و قد تسنم العيون و المياه فتشرف عليهم تجري من أعلى العرش يحقق ذلك ما رواه أبو مقاتل عن صالح ابن سعيد عن أبي سهل عن الحسن بن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكرها الله يفجرونها تفجيراً و الأخرى نضاختان من فوق العرش إحداهما التي ذكرها الله سلسبيلا و الأخرى التنسيم . ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول في الأصل التاسع و الثمانين و قال : التنسيم للمعذبين خاصة شرباً لهم . و الكافور للأبرار شرباً لهم . و الكافور للأبرار شرباً لهم و الكافور يمزج للأبرار من التنسيم شرابهم ، و أما الزنجبيل و السلسبيل فللأبرار منها مزاج . هكذا ذكره في التنزيل و سكت عن ذلك لمن هي له شرب فما كان للأبرار مزاجاً فهو للمقربين صرفاً ، و ما كان للأبرار صرفاً فهو لسائر أهل الجنة مزاجاً .

والأبرار هم الصادقون . و المقربون هم الصديقون . قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن و أحلى من العسل . و في التنزيل بكأس من معين * بيضاء لذة للشاربين أي لذيذة يقال شراب لذيذ إذا كان طيباً . قوله تعالى : وعندهم قاصرات الطرف أي نساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرون إلى غيرهم . قال ابن زيد : إن المرأة منهن لتقول لزوجها : و عزة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك . و عين : عظام العيون الواحدة منهن عيناء كأنهن بيض مكنون أي مصون .

و قال الحسن و ابن زيد شبههن ببيض تكنه النعامة بالريش من الريح و الغبار فلونه أبيض في صفرة و هو أحسن ألوان النساء . و قيل المراد بالبيض : اللؤلؤ كقوله و حور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون أي في أصدافه . و قال فيهن خيرات حسان يعني النساء . الواحدة خيرة و أصله خيرات فخفف كهين و لين .

ابن المبارك قال : أنبأ الأوزاعي عن حسان بن عطية ، عن سعيد بن أبي عامر قال : لو أن خيرة من خيرات حسان اطلعت من السماء لأضاءت لها ، و لقهر ضوء وجهها الشمس و القمر ، و لنصيف تكساه خيرة خير من الدنيا و ما فيها . النصيف : القناع و قوله : حسان أي حسان الخلق . و إذا قال تعالى حسان فمن يقدر أن يصف حسنهن حور أي بيض مقصورات أي محبوسات في الخيام جمع خيثمة . و قد تقدم صفتها .

و قال ابن عباس : الخيمة درة مجوفة فرسخ في مثله لها أربع آلاف مصراع من ذهب . ذكره ابن المبارك : أنبأنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس .

و ذكر عن أبي الدرداء قال : الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون باباً كلها در .

و عن أبي الأحوص حور مقصورات في الخيام قال : الدر المجوف .

و قال الترمذي الحكيم في قوله تعالى : حور مقصورات في الخيام قال : بلغنا في الرواية أن سحابة مطرت من العرش فخلقن من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار لسعتها أربعون ميلاً ، و ليس لها في ذلك باب حتى إذا حل ولي الله بالجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة و الخدم لم تأخذها ، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين ، و ذكر الدار قطني في كتاب المديح عن المعتمر بن سليمان قال : إن في الجنة نهراً ينبت الجواري الأبكار . و الرفرف : المجالس قاله قتادة ، و قيل : فضول المجالس . و قال أبو عبيد : الرفرف : العرش .

و قال الترمذي الحكيم : إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف و أهوى به كالمرجاح يميناً و شمالاً و رفعاً و خفضاً يتلذذ به مع أنيسته ، فإذا ركبوا الرفارف أخذ إسرافيل في السماع ، فيروي في الخبر أنه ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم و تسبيحاتهم ، فإذا ركبوا الرفارف أخذ إسرافيل في السماع بأنواع الأغاني تسبيحاً و تقديساً للملك القدوس ، فلم تبق شجرة في الجنة إلا وردت ، و لم يبق ستر و لا باب إلا ارتج و انفتح ، و لم تبق حلقة على باب إلا طنت بأنواع طنينها ، و لم يبق أجمة من آجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها ، فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر ، و لم تبق جارية من جوار الحور العين إلا غنت بأغانيها و الطير بألحانها ، و يوحي الله تبارك و تعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم و أسمعوا عبادي الذي نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان و أصوات روحانية ، فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله عز و جل ذكره : يا داود قم عند ساق العرش تجدني ، فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يعم الأصوات و يجليها و تتضاعف اللذة ، و أهل الخيام من تلك الرفارف تهوي بهم و قد حفت بهم أفانين اللذات و الأغاني ، فذلك قوله تعالى فهم في روضة يحبرون .

و عن يحيى بن أبي كثير في قوله تعالى فهم في روضة يحبرون قال : الروضة اللذات و السماع ، قوله تعالى و عبقري حسان العبقري الفرش له . قال ابن عباس : الواحدة عبقري و هي النمارق أيضاً في قوله تعالى و نمارق مصفوفة و الزرابي البسط مبثوثة ، معناه : مبسوطة و قيل منسوجة بالدر و الياقوت ، و قوله تعالى : و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين يعني أهل الجنة من غير السابقين و أهل الجنة كلهم أصحاب يمين في سدر مخضود و هو الذي نزع شوكه و قد تقدم و طلح منضود أي بعضه على بعض . و قال المفسرون : الطلح شجر الموز ها هنا و هو عند العرب شجر حسن اللون لخضرته ، و إنما خص بالذكر لأن قريشاً كانوا يتعجبون من خضرته و كثرة ظلاله من طلح و سدر ، فخوطبوا و وعدوا لما يحبون مثله ، قاله مجاهد و غيره ، قوله تعالى و لهم فيها أزواج مطهرة قال مجاهد : مطهرة من البول و الغائط و الحيض و النخام و البصاق و المني و الولد ، ذكره ابن المبارك .

أنبأنا ابن جريج ، عن مجاهد فذكره و هم فيها خالدون أي باقون لا خروج لهم منها ، و قد تقدم .

و قال مجاهد أيضاً في قوله تعالى على سرر متقابلين قال : لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض تواصلاً و تحابياً ، و قيل: الأسرة تدور كيف شاءوا فلا يرى أحد قفا أحد .

و قال ابن عباس : على سرر مكللة بالدر و الياقوت و الزبرجد ، السرير منها ما بين صنعاء إلى الجابية و ما بين عدن إلى أيلة ، و قيل : تدور بأهل المنزل الواحد ، و الله أعلم .