باب ما جاء في أطفال المسلمين و المشركين التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب ما جاء في أطفال المسلمين و المشركين

و ذكر أبو عمرو في كتاب التمهيد و الاستذكار ، و أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول و المفسرون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين قال : هم أطفال المسلمين ، زاد الترمذي : لم يكتسبوا فيرتهنوا بكبسهم . و قال أبو عمرو : الجمهور من العلماء : على أن أطفال المسلمين في الجنة . و قد ذهب طائفة من العلماء إلى الوقف في أطفال المسلمين و أولاد المشركين أن يكونوا في جنة أو في نار ، منهم حماد ابن زيد ، و حماد بن سلمة ، و ابن المبارك ، و إسحاق بن راهويه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الأطفال ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، هكذا قال الأطفال و لم يخص طفلاً عن طفل .

قال الحليمي في كتاب منهاج الدين : و قد توقف في ولدان المسلمين من توقف في ولدان المشركين و قال : إذا كان كل منهم يعامل بما عمل الله تعالى منه أنه فاعله لو بلغه فكذلك ولدان المسلمين . و احتج بأن صبياً صغيراً مات لرجل من المسلمين ، فقالت إحدى نساء النبي صلى الله عليه و سلم : طوبى له عصفور من عصافير الجنة . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك إن الله خلق الجنة و خلق لها أهلاً ، و خلق النار و خلق لها أهلاً، قال : فهذا يدل على أنه لا يمكن أن يقطع في أطفال المسلمين بشيء .

قال الحليمي : و هذا الحديث يحتمل أن يكون إنكاراً النبي صلى الله عليه و سلم على التي قطعت بأن الصبي في الجنة لأن القطع بذلك قطع بإيمان أبويه ، و قد يحتمل أن يكون منافقين فيكون الصبي ابن كافرين فيخرج هذا على قول من يقول : قد يجوز أن يكون ولدان المشركين في النار ، و قد يحتمل أن يكون أنكر ذلك لأنه لم يكن أنزل عليه في ولدان المسلمين شيء ثم أنزل عليه قوله تعالى : و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و قد قريء : و أتبعناهم ذريتهم ، فأخبر تعالى أن الذين آمنوا في الحياة الدنيا جعل ذرياتهم أتباعهم في الإيمان و أنه يلحق بهم ذرياتهم في الآخرة ، فثبت بذلك أن ذراري المسلمين في الجنة ، و قال النبي : سألت ربي أن يريني أهل الجنة و أهل النار فجاءني جبريل و ميكائيل عليهما السلام في النور فقالا : انطلق يا أبا القاسم إلى أن قال و أنا أسمع لغط الصبيان ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هم ذرية أهل الإسلام الذين يموتون ، قبل آبائهم يكفل بهم عليه السلام حتى يلحق آباؤهم ، فدل أنهم في الجنة .

قال المؤلف رحمه الله : الحديث الذي احتجوا به خرجه أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن يحيى بن إسحاق .

وعن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بصبي من الأنصار ليصلى عليه فقالت : يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً قط و لم يدره ، فقال : يا عائشة أو لا تدرين أن الله تبارك و تعالى خلق الجنة و خلق لها أهلاً و خلق النار و خلق لها أهلاً و هم في أصلاب آبائهم .

و قالت طائفة : أولاد المسلمين في الجنة و أولاد المشركين في النار ، و احتجوا بما ذكرناه من الآية و الحديث بحديث سلمة بن يزيد الجعفي ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أنا و أخي ، فقلنا يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية و كانت تقري الضيف و تصل الرحم و تصوم و تفعل و تفعل ، فهل ينفعها من عملها ذلك شيء ؟ قال : لا قال : فقلنا إن أمنا و أدت أختاً لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فهل ذلك نافع أختنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرأيتم الوائدة و المؤودة فإنهما في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها .

قال أبو عمرو : هذا الحديث صحيح الإسناد إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على جواب السائل في عين مقصودة فكانت الإشارة لها .

و في بعض طرق حديث سلمة بن زيد فلما رأى ما قد دخل علينا ، قال : و أمي مع أمكما ، خرجه و رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن سلمة بن يزيد ، قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : أمي ماتت و كانت تقري الضعيف و تطعم الجار و كانت وأدت وأداً في الجاهلية و لها سعة من مال أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا ينفع الإسلام إلا من أدركه إنها و ما وأدت في النار و رأى ذلك قد شق علي فقال : و أم محمد معها و ما فيهما خيره .

و خرج أبو نعيم الحافظ و غيره عن ابن مسعود قال : جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالا : يا رسول الله ، إن أمنا كانت تكرم الزوج و تعطف على الولد و ذكر الضيف غير أنها وأدت في الجاهلية فقال : أمكما في النار فأدبر و الشر يرى في وجوههما فأمر بهما فرداً و البشرى ترى في وجوههما رجاء أن يكون حدث شيء قال : أمي مع أمكما و ذكر الحديث .

و روى بقية بن الوليد عن محمد بن يزيد الألمعاني قال : سمعت عبد الله بن قيس يقول : سمعت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذرارى المسلمين فقال : هم مع آبائهم قلت : بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين. و سألته عن ذرارى المشركين فقال : مع آبائهم فقالوا : بلا عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . قال أبو عمر عبد الله بن قيس : هذا شامي تابعي ثقة ، و أما بقية بن الوليد فضعيف و أكثر حديثه مناكير . و لكن هذا الحديث قد روي مرفوعاً عن عائشة من غير هذا الوجه . قالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولدان المسلمين أين هم يوم القيامة ؟ قال : في الجنة قالت : و سألته عن ولدان المشركين أين هم يوم القيامة ؟ قال : في النار فقلت مجيبة له : يا رسول الله لم يدركوا الأعمال و لم تجر عليهم الأقلام قال : ربك أعلم بما كانوا عاملين و الذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار قال أبو عمر : في طريقه أبو عقيل صاحب لهية لا يحتج بمثله عند أهل العلم .

قال المؤلف رحمه الله : كذا ذكر أبو عمر هذا الحديث بهذا اللفظ ، و كذلك ذكر أبو أحمد بن علي فيما ذكر أبو محمد عبد الحق .

و ذكره أبو داود الطيالسي قال : حدثنا أبو عقيل عن بهية عن عائشة قالت : سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن أطفال المشركين قال : هم في النار يا عائشة قالت فقلت : فما تقول في المسلمين ؟ قال : هم في الجنة يا عائشة ، قالت قلت : و كيف لم يدركوا الأعمال و لم تجر عليهم الأقلام ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ربك أعلم بما كانوا عاملين قال أبو محمد عبد الحق و يحيى بن المتوكل ضعيف عندهم و بهية لم يرو عنها إلا أبو عقيل.

و قالت طائفة : إن الأطفال يمتحنون في الآخرة و احتجوا بحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : في الهالك في الفترة و المعتوه و المولود قال : يقول الهالك في الفتره و المعتوه و المولود : قال : يقول الهالك في الفترة : لم يأتني كتاب و لا رسول ثم تلا و لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً الآية . و يقول المعتوه : رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً و لا شراً و يقول المولود : رب لم أدرك العمل فترقع لهم نار فيقول لهم ردوها و ادخلوها قال : فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل و يمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل قال فيقول الله : إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم .

قال أبو عمر : من الناس يوقف هذا الحديث على أبي سعيد و لا يرفعه منهم أبو نعيم الملاي.

قلت : و يضعفه من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف و إنما هي دار جزاء ثواب و عقاب .

قال الحليمي : و هذا الحديث ليس بثابت و هو مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة ليست بدار الامتحان ، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة و لا مجنة مع الضرورة ، و لأن الأطفال هناك لا يحلو من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء فإن كانوا مضطرين إلى المعرفة فلا يليق بأحوالهم المحنة و إن كانوا غير عقلاء فهم من المحنة أبعد.

و قال أبو عمر رحمه الله : هذا الأحاديث من أحاديث الشيوخ و فيها علل ، و ليست من أحاديث الأئمة الفقهاء و هو أصل عظيم و القطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعيف في العلم و النظر مع أنه قد عارضها ما هو أقوى مجيباً منها .

ذكر البخاري حديث أبي رجاء العطاردي ، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم الحديث الطويل حديث الدويا ، و فيه قوله عليه الصلاة و السلام : و أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام ، و أما الوالدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقيل : يا رسول الله و أولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و أولاد المشركين . .

و خرج البخاري أيضاً في رواية أخرى عن أبي رجاء العطاردي : و الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام و الصبيان حوله أولاد الناس ، و هذا يقتضي عمومه جميع الناس .

قلت : ذهب إلى هذا جماعة من العلماء و هو أصح شيء في الباب قالوا أولاد المشركين إذا ماتوا صغاراً في الجنة و احتجوا بحديث عائشة . ذكره أبو عمر في التمهيد قالت : سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال : هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت و لا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على القنطرة أو قال هم في الجنة .

قلت : هذا حديث مرتب في غاية البيان و هو يقضي على ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في أحاديث صحاح من قوله في الأطفال الله أعلم بما كانوا عاملين فكان ذلك منه قبل أن يعلم أن أولاد المشركين في الجنة و قيل أن ينزل عليه و لا تزر وازرة وزر أخرى .

و قد كان عليه الصلاة و السلام أنزل عليه بمكة قل ما كنت بدعاً من الرسل و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي و لم يكشف له عن عاقبة أمرهم و أمر المشركين ثم أنزل عليه هو الذي أرسل رسوله بالهدى الآية، و أنزل عليه و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون و أنزل عليه و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب فاعلمه بأن الذي يفعل به أن يظهر عليهم .

و قد ذكر ابن سنجر و اسمه محمد بن سنجر قال : حدثنا هوذة ، حدثنا عوف عن حسناء بنت معاوية قالت : حدثني عمي قال : قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال : النبي في الجنة و المولود في الجنة و الوثيدة في الجنة و الشريد في الجنة .

و عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر : إنما قيل للأطفال اللاهين لأن أعمالهم كاللهو و اللعب من غير عقد و لا عزم من قولهم لهيت في الشيء أي لم أعتقده كقوله لاهية قلوبهم و قالت طائفة : أولاد المشركين خدم أهل الجنة ، و حجتهم ما رواه الحجاج بن نضير عن مبارك بن فضلة بن علي بن زيد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه قال : أولاد المشركين خدم أهل الجنة ذكره أبو عمر .

قلت : و إسناده إذاً الحديث ليس بالقوي لكن يدل على صحة هذا القول . أعني أنهم في الجنة أو أنهم خدم أهل الجنة، ما ذكر جماعة من العلماء بالتأويل أن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صور الذر أقروا له بالربوبية و هو قوله و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بأنه لا إله . إلا هو ثم يكتب العبد في بطن أمه شقياً أو سعيداً على الكتاب الأول فمن كان في الكتاب الأول شقياً عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ، و من كان في الكتاب الأول سعيداً عمر حتى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيداً ، و من مات صغيراً من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة ، و من كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم في النار لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم صلى الله عليه و سلم و لم ينقضوا الميثاق .

قلت : و غفر له و هذا أيضاً حسن ، فإنه جمع بين الأحاديث و يكون معنى قوله عليه الصلاة و السلام لما سئل عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين يعني لو بلغوا بدليل حديث البخاري و غيره مما ذكرناه .

و قد روى أبان عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أولاد المشركين ، فقال : لم يكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة و لم يكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار فهم خدم لأهل الجنة .

ذكره يحيى بن سلام في تفسيره . و أبو داود الطيالسي في مسنده ، و أبو نعيم الحافظ أيضاً عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون عليها فيدخلون النار ، و لم تكن لهم حسنات يجازون بها فيكونوا من ملوك الجنة ، فقال النبي : من خدم أهل الجنة .

روى أبو عبد الله الترمذي الحكيم قال : حدثنا أبو طالب الهروي قال : حدثنا يوسف بن عطية عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كل مولود يولد من ولد كافر أو مسلم فإنما يولدون على الفطرة على الإسلام كلهم ، و لكن الشياطين أتتهم فاختالتهم عن دينهم فهودتهم و نصرتهم و مجستهم و أمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً .

و خرج من حديث عياض بن حماد المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في خطبته : أن الله أمرني أن أعلمكم و قال إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاختالتهم عن دينهم و أمرتهم أن يشركو بي و حرمت عليهم ما أحللت لهم .

قال أبو عبد الله الترمذي : هذا بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا ، و تأكدت حجة عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة من خلق السموات و الأرض و الشمس و القمر و البر و البحر ، و اختلاف الليل و النهار ، فلما غلبت أهواؤهم عليهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية و النصرانية بأهوائهم يميناً و شمالاً .

قلت : و هذا أيضاً يقوي ما أخذناه من أطفال المشركين في الجنة ، و حديث عياض بن حماد خرجه مسلم في صحيحه و حسبك حسبك . و للعلماء في الفطرة أقول قد ذكرناها في كتاب جامع أحكام القرآن من سورة الروم ، و الحمد لله .

باب منه و في ثواب من قدم ولدا

مسلم عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة رضي الله عنه أنه مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنيعة ثوبك هذا فلا يتناهى أو قال فلا ينتهي حتى يدخله الله و أبويه الجنة .

و خرج أبو داود الطيالسي قال : حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يختلف إليه رجل من الأنصار معه ابن له ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم : أتحبه يا فلان ؟ فقال: نعم . قال : أحبك الله كما أحبه ففقده النبي صلى الله عليه و سلم ، فسأله عنه فقالوا يا رسول الله مات ابنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أو لا ترضى أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله : أله واحده ألم لنا كلنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل لكلكم . ذكره أبو عمر في التمهيد أيضاً . و قال هذا حديث حسن ثابت صحيح .

و خرج أبو داود الطيالسي في مسنده قال : حدثنا هشام عن قتادة عن راشد عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة .

فصل

هذا الحديث يدل على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة ، و هو قول أكثر أهل العلم كما بينا في الباب قبل هذا و هو مقتضى ظاهر قول الله عز و جل و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم كما تقدم .

و قد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم ، و هذا فما عدا أولاد الأنبياء عليهم السلام ، فإنه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة . حكاه أبو عبد الله المازري . و دعاميص : جمع دعموص و هو دويبة تغوص في الماء و الجمع دعاميص و دعامص قال الأعشى :

فما ذنبنا أن حاش لي بحر علمكم و بحرك ساج لا يوارى الدعامصا

و قد قيل : إن الدعموص يراد به الآذن على الملوك المتصرف بين أيدهم .

قال أمية ابن الصلت :

دعموص أبواب الملوك ، و جانب للخرق فاتح .

و هذا هو المراد بالحديث .

و في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار و أدخله الجنة .

قال المؤلف رحمه الله : قوله عليه الصلاة و السلام : لم يبلغوا الحنث معناه عند أهل العلم : لم يبلغوا الحلم و لم يبلغوا أن يلزمهم حنث .

و قد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا له حصناً حصيناً من النار . قال أبو ذر قدمت اثنين قال و اثنين . فقال أبي بن كعب سيد القراء قدمت واحداً . قال و واحداً و لكن إنما ذاك عند الصدمة الأولى . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه . خرجه ابن ماجه أيضاً . و في هذا كله دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم . قال أبو عمر بن عبد البر : و هذا إجماع من العلماء في أن أطفال المسلمين في الجنة و لم يخالف في ذلك إلا فرقة شذت من المجرة ، فجعلتهم في المشية و هو قول مهجور مردود بإجماع الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم و لا يجوز على مثلهم الغلط .

إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من أخبار الآحاد الثقات العدول و أن قوله صلى الله عليه و سلم : الشقي من شقى في بطن أمه و أن الملك ينزل فيكتب أجله و رزقه الحديث مخصوص . و أن مات من أطفال المسلمين قبل الاكتساب فهو ممن سعد و هو في بطن أمه و لم يشق بدليل الأحاديث و الإجماع . و كذلك قوله صلى الله عليه و سلم لعائشة : إن الله خلق الجنة و خلق لها أهلاً ، و هم في أصلاب آبائهم ، و خلق النار ، و خلق لها أهلاً و هم في أصلاب آبائهم ساقط ضعيف مردود بالإجماع و الآثار ، و طلحة بن يحيى الذي يرويه ضعيف لا يحتج به . و هذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه .

باب ما جاء في نزل أهل الجنة و تحفهم إذا دخلوها

روى البخاري و مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفئها الجبار بيده كما يكفئ أحدكم خبزته في السفر ، نزلا لأهل الجنة . قال : فأتى رجل من اليهود فقال : بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال : بلى ، قال : تكون الأرض خبزة واحدة كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ضحك حتى بدت نواجذه . قال ألا أخبرك بإدامهم ؟ قال : بلى . قال : بالام و نون . قالوا و ما هذا ؟ قال : ثور و نون يأكل من زائدة كبدها سبعون ألفاً .

و خرج مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كنت قاعداً عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟ فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أينفعك شيء إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني ، فكنت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعود معه . فقال : سل . فقال اليهودي: أين تكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هم في الظلمة دون الجسر . قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرين . قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : زيادة كبد النون . قال : فما غذاؤهم ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال : فما شرابهم على إثراها ؟ قال : من عين فيها تسمى سلسبيلاً فقال : صدقت . و ذكر الحديث .

فصل

قلت : هذا الحديث انفرد به مسلم و هو أبين من الحديث الآخر الذي قبله لأنه من قول النبي صلى الله عليه و سلم جواباً لليهودي ، و الحديث الذي قبله آخره من قول اليهودي و هو يدخل في المسند لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم. و الجبار اسم من أسماء الله تعالى قد أتينا على ذكره في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، و يكفئها ويقلبها و يميلها من قولك كفأت الإناء إذا كببته ، و قد تقدم أن أرض المحشر كقرصة النقي ليس فيها أعلم لأحد . والنزل ما يعد للضيف من الطعام و الشراب . و يقال نزل أو نزل بتخفيف الزاي و تثقيلها ، و قريء بذلك قوله نزلاً من عند الله قال أهل اللغة : النزل ما يهيأ للنزيل . و النزيل الضيف . قال الشاعر :

نزيل القوم أعظمهم حقوقاً و حق الله في حق النزيل

و حظ النزيل مجتمع ، و التحفة ما يتحف به الإنسان من الفواكه ، و الطرف محاسنة و ملاطفة ، و زيادة كبد النون قطة منه كالإصبع ، و بالأم قد جاء مفسراً في متن الحديث أنه الثور ، و لعل اللفظ عبرانية ، و النون الحوت و هو عربي . و في الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سيد إدام الدنيا و الآخرة اللحم ذكره أبو عمرو في التمهيد .

و ذكر ابن المبارك قال : أخبرنا ابن لهيعة قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره ابن العوام مؤذن إيليا أول رجل أذن بإبليا أخبره أنه سمع كعباً يقول إن الله تبارك و تعالى يقول لأهل الجنة إذا دخلوها : إن لكل ضعيف جزوراً و إني أجزركم اليوم حوتاً و ثوراً فيجزر لأهل الجنة .

باب ما جاء أن مفتاح الجنة لا إله إلا الله و الصلاة

أبو داود الطيالسي قال : حدثنا سليم بن معاذ الضبي ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مفتاح الصلاة الوضوء ، و مفتاح الجنة الصلاة .

و البيهقي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حين بعثه إلى اليمن أنك ستأتي أهل الكتاب فيسألونك عن مفتاح الجنة فقل شهادة أن لا إله إلا الله .

و في البخاري : و قيل لوهب : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى . و لكن ليس مفتاح إلا و له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك و إلا لم يفتح لك .

فصل

قلت : الأسنان عبارة عن توحيد الله و عبادته جميعاً و عن توحيده أيضاً فقط .

قال الله تعالى و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار و قال : إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً و هو في القرآن كثير الإيمان مع العمل ، و هو مقتضى الحديث الأول حديث جابر رضي الله عنه و عن توحيد الله فقط .

و في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة قالت : و إن زنى و إن سرق ؟ قال و إن زنى و إن سرق .

و ذكر الطبراني من حديث موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حضر ملك الموت عليه السلام رجلاً فنظر في كل عضو من أعضائه فلم يجد فيه حسنة ، ثم شق قلبه فلم يجد فيه شيئاً ، ثم فك عن لحيته فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول : لا إله إلا الله فقال: وجبت لك الجنة بقول كلمة الإخلاص .

باب الكف عمن قال : لا إله إلا الله

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمرت أن أقاتل حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و يؤمنوا بي و بما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله .

باب ما جاء أن المؤمن حرام دمه و ماله و عرضه و في تعظيم حرمته عند الله تعالى

ابن ماجه ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع : ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا ، و إن أحرم الشهور شهركم هذا ، و إن أحرم البلد بلدكم هذا ، ألا و إن دماءكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . خرجه مسلم من حديث أبي بكرة و جابر بمعناه .

و خرج ابن ماجه أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة و يقول : ما أطيبك و أطيب رائحتك ما أعظمك و أعظم حرمتك و الذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمه منك ماله و دمه و أن لا يظن به إلا خيراً .

مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه .

النسائي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قتل المؤمن عند الله أعظم من زوال الدنيا .

الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ، من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة . قال : حديث حسن صحيح غريب .

باب ما جاء في قتل مؤمناً و الإعانة على ذلك

قال الله تعالى : و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذاباً عظيماً و قال تعالى : و الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً .

و روى عبد العزيز بن يحيى المدني قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعظنا و يحدثنا و يقول : و الذي نفسي بيده ما عمل على وجه الأرض قط عمل أعظم عند الله بعد الشرك من سفك دم حرام ، و الذي نفسي بيده إن الأرض لتضج إلى الله تعالى من ذلك ضجيجاً تستأذنه فيمن عمل ذلك على ظهرها لتخسف به .

وذكره أبو نعيم . قال : حدثنا شافع بن محمد بن أبي عوانة الأسفرايني قال : حدثنا أحمد بن عبد الجوهري قال : حدثنا علي بن حرب قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال : حدثنا مالك فذكره .

أبو داود عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو مؤمن قتل مؤمنا متعمداً.

وعنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً فإذا أصاب دماً حراماً بلح قال الهروي : بلح أي أعيا و انقطع به يقال : بلح الفرس إذا انقطع جريه و بلحت الركية إذا انقطع ماؤها.

و ذكر أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا زكريا بن يحيى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا الفزاري ، عن زياد بن أبي زيادة الشامي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أعان في قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم يلقاه القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله .

قال الهروي و في الحديث من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة قال : شقيق هو أن يقول في أقتل أو كما قال عليه الصلاة و السلام : كفى بالسيف مثا معناه : شافياً .

باب إقبال الفتن و نزولها كمواقع القطر و الظلل و من أين تجيء و التحذير منها و فضل العبادة عندها

قال الله تعالى و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و قال تبارك و تعالى : و نبلوكم بالشر و الخير فتنة ففي هذا تنبيه بالغ على التحذير من الفتن .

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم . يصبح الرجل مؤمناً يمسي كافراً ، و يمسي مؤمناً و يصبح كافراً . يبيع دينه بعرض من الدنيا .

وعن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول : لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه و حلق بإصبعين الإبهام و التي تليها قالت فقلت يا رسول الله أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث .

وعن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أشرف على أطم من آطام المدينة ثم قال : هل تدون ما أرى ؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر . أخرجهما البخاري .

البيهقي ، عن كرز بن علقمة الخزاعي قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه و سلم : هل للإسلام من منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام فقال : ثم ماذا ؟ قال : ثم تقع الفتن كالظلل فقال الرجل كلا و الله إن شاء الله . قال بلى و الذي نفسي بيده لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض . قال الزهري : أساود صبا : الحية السوداء إذا أراد أن ينهش ارتفع هكذا ثم انصب .

خرجه أبو داود الطيالسي أيضاً .

قال ابن دحية أبو الخطاب الحافظ : هذا الحديث لا مطعن في صحة إسناده . رواه سفيان بن عيينة ، عن الزهري عن عروة بن الزبير عن كرز . قرأته بجامع قرطبة و بمسجد الغدير و بمسجد أبي علاقة على المحدث المؤرخ أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري. قال سمعت جميع هذا الكتاب ، و هو جامع الخير للإمام سفيان بن عيينة عن الشيخين الجليلين الثقة المفتي أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب ، و الوزير الكتاب الثقة أبي الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف فإلا قرأناه على العدل أبي القاسم حاتم بن محمد التميمي بحق سماعه على الثقة الفاضل أبي الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس رحمه الله بمكة حرسها الله تعالى بالمسجد الحرام بحق سماعه على الثقة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم الديلي ، بحق سماعه على الثقة الصالح أبي عبيد سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، بحق سماعه من الإمام الفقيه أبي محمد سفيان بن عيينة .

قال المؤلف رحمه الله : و قد حدثني بهذا السند المذكور الفقيه القاضي أبو عامر يحيى ابن عبد الرحمن إجازة عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال و كرز هو كرز بن علقمة بن هلال الخزاعي أسلم يوم الفتح و عمر طويلاً ، و هو الذي نصب أعلام الحرم في خلافة معاوية و إمارة مروان بن الحكم و فيه ، ثم مه قال ، ثم تعود الفتن بدل قال : ثم ماذا قال : ثم تقع الفتن و لم يذكر قول الزهري إلى آخره .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : قول الرجل : ثم مه هنا على الاستفهام . أي ثم ما يكون . و مه : في غير هذا الموضع زجر و إسكات كقوله عليه الصلاة و السلام : مه إنكن صواحب يوسف و قوله كأنها الضلل ، الظلل السحاب و الظلة السحابة و منه قوله تعالى : فأخذهم عذاب يوم الظلة و قول الرجل بجهله : كلا و الله معناه الجحد بمعنى لا و الله .

و قيل : هي بمعنى الزجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بلى و الذي نفسي بيده و بلى للنفي استفهاماً كان أو خبراً أو نهياً ، فالاستفهام ألست بربكم و أليس ذلك بقادر جوابه : بلى هو قادر و مثال الخبر لن تمسنا النار جوابه قالوا : بل تمسكم . و مثال النهي لا تلق زيداً ، جوابه : بلى لألقينه .

قال أبو الخطاب بن دحية : و قوله صبا هكذا قيدناه بضم الصاد و تشديد الباء على مثال غر. و الأساود : نوع من الحيات عظام فيها سوداء و هو أخبثها و الصب منها التي روى تنهش ثم ترتفع ثم تنصب . شبههم فيما يتولونه من الفتن و القتل و الأذى بالصب من الحيات .

قال المؤلف رحمه الله : الأساود جمع أسود و هو الحية و صباً جمع كغار و غز ، و هو الذي يميل و يلتوي وقت الهش ليكون أنكي في اللدغ و أشد صباً للسم ، و يجوز أن يكون جمع أصب و هو الذي كأنه عند الهش انصباباً و الأول من صبا إذا مال و الثاني من صب إذا سكب .

مسلم عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه و سلم ليلة فزعاً مرعوباً يقول : سبحان الله ماذا فتح اللية من الخزائن و ماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجر يريد أزواجه لكي يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة .

و عن عبيد بن عمير قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا أصحاب الحجرات سعرت النار ، و جاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم ، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً و لبكيتم كثيراً .

قال أبو الحسن القابسي هذا و إن كان مرسلاً ، فإنه من جيد المراسيل و عبيد ابن عمير من أئمة المسلمين .

مسلم عن سالم بن عبد الله أنه قال : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة و أركبكم للكبيرة. سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الفتنة تجيء من ها هنا و أومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان و أنتم يضرب بعضكم رقاب بعض و إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ . فقال الله تعالى له : و قتلت نفساً فنجيناك من الغم و فتناك فتوناً.

و عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : العبادة في الهرج كهجرة إلي .

فصل

قوله : ويل للعرب من شر قد اقترب قد تقدم معنى الويل ، و المراد هنا الحزن . قاله ابن عرفة . فأخبر عليه الصلاة و السلام بما يكون بعده من أمر العرب و ما يستقبلهم من الويل و الحرب ، و قد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به من الملك و الدولة و الأموال و الإمارة ، فصار ذلك في غيرهم من الترك و العجم و تشتتوا في البراري بعد أن كان العز و الملك و الدنيا لهم ببركته عليه الصلاة و السلام ، و ما جاءهم به من الدين و الإسلام ، فلمالم يشكروا النعمة و كفروها بقتل بعضهم بعضاً ، و سلب بعضهم أموال بعض سلبها الله منهم و نقلها إلى غيرهم كما قال تعالى و إن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ولهذا لما قالت زينب في سياق الحديث : أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث .

فصل

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : قولها أنهلك و فينا الصالحون ؟ قول : نعم إذا كثر الخبث . دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون .

فأما إذا كثر المفسدون و قل الصالحون هلك المفسدون و الصالحون معهم إذا لم يأمروا بالمعروف و يكرهوا ما صنع المفسدون ، و هو معنى قوله و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل يعم شؤمها من تعاطاها و من رضيها هذا بفساده و هذا برضاه و إقراره على ما نبينه .

فإنم قيل فقد قال الله تعالى : و لا تزر وازرة وزر أخرى ـ كل نفس بما كسبت رهينة ـ لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و هذا يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب أحد و إنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب .

وقريء و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و على هذه القراءة يكون المعنى أنها تصيب الظالم خاصة و هي قراءة زيد بن ثابت و علي و أبي و ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين .

و الجواب : أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر ، فمن الفرض على من رآه أن يغيره إما بيده ، فإن لم يقدر فبلسانه ، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك ، و إذا أنكر بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطيع سوى ذلك .

روى الأئمة عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فلبسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ليس عليه غيره و ذلك أضعف الإيمان .

روي عن بعض الصحابة أنه قال : إن الرجل إذا رأى منكراً لا يستطيع النكير عليه فليقل ثلاث مرات : اللهم إن هذا منكر لا أرضاه فإذا قال ذلك فقد أدى ما عليه ، فأما إذا سكت عليه فكلهم عاص ، هذا بفعله و هذا برضاه كما ذكرنا. و قد جعل الله في حكمه و حكمته الراضي بمنزلة الفاعل فانتظم في العقوبة . دليله قوله تعالى إنكم إذا مثلهم فأما إذا كره الصالحون ما صنع المفسدون و أخلصوا كراهيتهم لله تعالى و تبرأوا من ذلك حسب ما يلزمهم و يجب لله عليهم غير معتدين سلموا . قال الله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم و قال : فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون .

و قال ابن عباس : قد أخبرنا الله عز و جل عن هذين و لم يخبرنا عن الذين قالوا : لم تعظون قوماً الله مهلكهم .

و روى سفيان بن عيينة قال : حدثنا سفيان بن سعيد عن مسعد قال : بلغني أن ملكاً أمر أن يخسف بقرية ، فقال يا رب إن فيها فلاناً العابد فأوحى الله تعالى إليه أن به فإبدأ فإنه لم يتغير وجهه في ساعة قط .

و قال وهب بن منبه : لما أصاب داود الخطيئة قال : يا رب اغفر لي ، قال : قد غفرتها لك و ألزمت عارها بني إسرائيل قال : كيف يا رب و أنت الحكم العدل الذي لا تظلم أحداً أعمل أنا الخطيئة و يلزم عارها غيري ، فأوحى الله تعالى إليه : يا داود إنك لما اجترأت علي بتلك المعصية لم يعجلوا عليك بالنكرة .

و روى أبو داود عن العرس بن عميرة الكندي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها و قال مرة : فأنكرها كمن غاب عنها و من غاب عنها فرضيتها كان كمن شهدها . و هذا نص في الفرض . و حسن رجل عند الشعبي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال الشعبي : قد شركت في دمه .

و في صحيح الترمذي : أن الناس إذا رأوا الظالم و لم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ، فالفتنة إذ عمت هلك الكل ، و ذلك عند ظهور المعاصي و انتشار المنكر و عدم التغيير ، و إذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة و الهرب منها ، و هكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم كما في قصة السبت حين هجروا العاصين ، و قالوا : لا نساكنكم ، و بهذا قال السلف رضي الله عنهم .

روى ابن وهب ، عن مالك قال : تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً و لا يستقر فيها ، و احتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلى بالرباء فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها . خرجه أهل الصحيح .

و قال مالك في موضع آخر : إذا ظهر الباطل على الحق كان الفساد في آخر الأرض و قال : إن لزوم الجماعة نجاة و أن قليل الباطل و كثيرة هلكه و قال : ينبغي للناس أن يغضبو لأمر لله تعالى في أن تنتهك فرائضه و حرمه ، و الذي أتت به كتبه و أنبياؤه ، أو قال : يخالف كتابه .

قال أبو الحسن القابسي : الذي يلزم الحق و يغضب لأمر الله تعالى على بينة من النجاة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله .

قال أبو عمرو و روى أشهب بن عبد العزيز قال : قال مالك لا ينبغي الإقامة في أرض يكون العمل فيها بغير حق و السب للسلف . قال أبو عمر : أما قول مالك هذا ، فمعناه إذا وجد بلداً يعمل فيه الحق في الأغلب ، و قد قال عمر بن عبد العزيز : فلان بالمدينة و فلان بمكة و فلان باليمن و فلان بالعراق و فلان بالشام امتلأت الأرض و الله جوراً و ظلماً . قال أبو عمر: فأين الهرب إلى السكوت و لزوم البيوت و الرضي بأقل قوت . و قال منصور بن الفقيه فأحسن :

الخير أجمع في السكوت و في ملازمة البيوت

فإذا استوى لك ذا و ذا فاقنع له بأقل قوت

و كان سفيان الثوري يقول : هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين ، فكيف بالمشهورين. هذا زمان ينتقل فيه الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن .

و يحكى عنه أنه قال : و الله ما أدري أي البلاد أسكن ، فقيل له خراسان ؟ فقال : مذاهب مختلفة و آراء فاسدة ، فقيل الشام ؟ فقال : يشار إليكم بالأصابع أراد الشهرة ، فقيل له : العراق ؟ قال بلد الجبابرة ، فقيل له : فمكة ؟ قال : مكة تذيب الكيس و البدن .

و قال القاضي أبو بكر العربي قال شيخي في العبادة : لا يذهب بك الزمان في مصافاة الأقران و مواصلة الأحزان ، و لم أر للخلاص طريقاً أقرب من طريقين : إما أن يغلق المرء على نفسه بابه ، و إما أن يخرج إلى مواضع لا يعرف فيه ، فإن اضطر إلى مخالطة فليمن معه ببدنه و ليفارقهم بقلبه و لسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه و لا يفارق السكوت . أنشدني محمد بن عبد الملك الصوفي قال : أنشدني أبو الفضل الجوهري : [ الخير أجمع في السكوت ] البيتان :

قال القاضي : و لي في هذا المعنى شعر :

حاز السلام مسلم يأوي إلى سكن وقوت

ماذا يؤمل بعد ما يأوي إلى بيت وقيت

قال المؤلف رحمه الله : و لأبي سليمان الخطابي في هذا المعنى شعر :

أنست بوحدتي و لزمت بيتي فدام الأنس لي و نما السرور

و أدبني الزمان فلا أبالي هجرت فلا أزار و لا أزور

و لست بسائل ما دمت حياً أسار الخيل أم ركب الأمير

و الشعر في هذا المعنى كثير ، و سيأتي للعزلة له زيادات بيان من السنة إن شاء الله تعالى ، و كثرة الخبث ظهور الزنا و أولاد الزنا .

و ذكر ابن وهب عن يحيى مولى الزبير أن في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم خسف قبل المشرق ، فقال بعض الناس يا رسول الله : يخسف الأرض و فيها المسلمون ؟ فقال : إذا كان أكثر أهلها الخبث .

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فيكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر و الإعلان بالمعاصي ، فيكون طهرة للمؤمنين و نقمة للفاسدين لقوله عليه الصلاة و السلام : ثم بعثوا على نياتهم و في رواية على أعمالهم و قد تقدم هذا في المعنى :

فمن كانت نيته صالحة أثيب عليها، و من كانت نيته سيئة جوزي عليها ، و في التنزيل يوم تبلى السرائر فاعلمه .

باب ما جاء في رحى الإسلام و متى تدور

أبو داود عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست و ثلاثين أو سبع و ثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك ، و إن لم يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً ، قال : قلت : أمما بقي ؟ قال : مما مضى .

فصل

قال الهروي في تفسيرهذا الحديث : قال الحربي : و يروى تزول و كأن تزول أقرب لأنها تزول عن ثبوتها واستقرارها ، وتدور يكون بمايحبون و يكرهون فإن كان الصحيح سنة خمس ، فإن فيها قام أهل مصر و حصروا عثمان رضي الله عنه ، و إن كانت الرواية سنة ست ففيها خرج طلحة و الزبير إلى الجمل ، و إن كانت سنة سبع ففيها كانت صفين غفر الله لهم أجمعين .

و قال الخطابي : يريد عليه الصلاة و السلام أن هذه المدة إذا انقضت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف على أهله لذلك الهلاك يقال : الأمر إذا تغير و استحال دارت رحاه و هذا و الله أعلم إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة ، و قوله ليقم لهم دينهم أي ملكهم و سلطانهم ، و ذلك من لدن بايع الحسن عليه السلام معاوية إلى إنقضاء بني أمية من المشرق نحو من سبعين سنة و انتقاله إلى بني العباس و الدين الملة و السلطان ومن قوله تعالى ليأخذ أخاه في دين الملك أي في سلطانه . و قوله : تدور رحى الإسلام دوران الرحى كناية عن الحرب و القتال شبهها بالرحى الدائرة التي تطحن لما يكون فيها من قبض الأرواح و هلاك الأنفس .

باب ما جاء في رحى الإسلام و متى تدور

أبو داود عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست و ثلاثين أو سبع و ثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك ، و إن لم يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً ، قال : قلت : أمما بقي ؟ قال : مما مضى .

فصل

قال الهروي في تفسيرهذا الحديث : قال الحربي : و يروى تزول و كأن تزول أقرب لأنها تزول عن ثبوتها واستقرارها ، وتدور يكون بمايحبون و يكرهون فإن كان الصحيح سنة خمس ، فإن فيها قام أهل مصر و حصروا عثمان رضي الله عنه ، و إن كانت الرواية سنة ست ففيها خرج طلحة و الزبير إلى الجمل ، و إن كانت سنة سبع ففيها كانت صفين غفر الله لهم أجمعين .

و قال الخطابي : يريد عليه الصلاة و السلام أن هذه المدة إذا انقضت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف على أهله لذلك الهلاك يقال : الأمر إذا تغير و استحال دارت رحاه و هذا و الله أعلم إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة ، و قوله ليقم لهم دينهم أي ملكهم و سلطانهم ، و ذلك من لدن بايع الحسن عليه السلام معاوية إلى إنقضاء بني أمية من المشرق نحو من سبعين سنة و انتقاله إلى بني العباس و الدين الملة و السلطان ومن قوله تعالى ليأخذ أخاه في دين الملك أي في سلطانه . و قوله : تدور رحى الإسلام دوران الرحى كناية عن الحرب و القتال شبهها بالرحى الدائرة التي تطحن لما يكون فيها من قبض الأرواح و هلاك الأنفس .

 باب ما جاء أن عثمان رضي الله عنه لما قتل سل سيف الفتنة

الترمذي عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال : لما أريد عثمان رضي الله عنه جاء عبد الله بن سلام فقال له عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما جاء بك ؟ قال : جئت في نصرتك . قال : اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارجاً خير لي من داخل . قال : فخرج عبد الله بن سلام إلى الناس فقال : أيها الناس إنه كان في الجاهلية اسمي فلان بن فلان فسماني رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله ، و نزلت في آيات من كتاب الله تعالى نزلت وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن و استكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين و نزلت في قل كفى بالله شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب إن الله سيفاً مغموداً عنكم و إن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم ، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه ، فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة و لتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة . قال : فقالوا اقتلوا اليهودي و اقتلوا عثمان . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .

قلت : و مثل هذا من عبد الله لا يكون إلا عن علم من الكتاب أعني التوراة على ما يأتي أو سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم ، و سيأتي قول حذيفة لعمران : إن بينك و بينها باباً مغلقاً يوشك أن يكشر .

فصل

قال العلماء بالسير و الأخبار : إنه دخل على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في الدار جماعة من الفجار منهم : كنانة بن بشر التجيبي فأشعره مشقصاً أي قتله به فافتضح الدم على المصحف و وقع على قوله تعالى فسيكفيكهم الله و هو السميع العليم و قيل ذبحه رجل من أهل مصر يقال له عمار ، و قيل ذبحه رومان ، و قيل قتله الموت الأسود يقال له أيضاً الدم الأسود من طغاة مصر ، فقطع يده ، فقال عثمان : أما و الله إنها لأول كف خطت في المصحف ، و هذه البلوى التي ثبتت في الصحيح عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط ، فجاء رجل يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة فإذا أبو بكر ثم جاء آخر يستأذن ، فقال: ائذن له و بشره بالجنة فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال ائذن له و بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا عثمان بن عفان . لفظ البخاري ذكره في مناقب عثمان .

و قد قيل : إن الصحيح في مقتله رضي الله عنه أنه لم يتعين له قاتل معين بل أخلاط الناس و هم رعاع جاءوا من مصر و من غير قطر ، و جاء الناس إلى عثمان فيهم عبد الله بن عمر متقلداً سيفه و زيد بن ثابت ، فقال له زيد بن ثابت : إن الأنصار بالباب يقولون إنشئت كنا أنصار الله مرتين . قال : لا حاجة لي في ذلك كفواً ، و كان معه في الدار الحسن و الحسين و ابن عمر و عبد الله بن الزبير و أبو هريرة و عبد الله بن عامر بن ربيعة و مروان بن الحكم كلهم يحملون السلاح ، فعزم عليهم في وضع أسلحتهم و خروجهم و لزوم بيتهم ، فقال له الزبير و مروان : نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح ، فضاق عثمان رضي الله عنه من الحصار و منع من الماء حتى أفطر على ماء البحر الملح . قال الزبير بن بكار : حاصروه شهرين و عشرين يوماً ، و قال الواقدي حاصروه تسعة و أربعين يوماً ففتح الباب فخرج الناس و سلموا له راية في إسلام نفسه . قال سليط بن أبي سليط : فنهانا الإمام عثمان عن قتالهم و لو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارها و دخلوا عليه في أصح الأقوال ، و قتله من شاء الله من سفلة الرجال.

و روى أبو عمر بن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ادعوا لي بعض أصحابي ، فقلت أبو بكر ؟ قال : لا . فقلت : عمر ؟ فقال : لا . فقلت : ابن عمك ؟ قال : لا . فقلت عثمان . قال : نعم . فلما جاءه قال لي بيده فتنحيت ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يساره و لون عثمان يتغير ، فما كان يوم الدار و حصر عثمان قيل له ألا نقاتل عنك قال : لا . إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي عهداً و أنا صابر عليه .

و في الترمذي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : يا عثمان لعل الله يقمصك قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم قال : هذا حديث حسن غريب .

وفيه عن ابن عمر قال : ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فتنة فقال : يقتل فيها هذا مظلوماً لعثمان و قال حديث حسن غريب . و يروى أنه دخل عليه عبد الله بن عمر بن الخطاب قال انظر ما يقول هؤلاء يقولون اخلع نفسك أو نقتلك قال له : أمخلد أنت في الدنيا ؟ قال : لا فهل يزيدون على أن يقتلوك ؟ قال : لا . قال : هل يملكون لك جنة أو ناراً . قال : لا . قال : فلا تخلع قميص الله عليك فيكون سنة كلما كره قوم خليفة خلعوه و قتلوه .

و اختلف في سنه رضي الله عنه حين قتله من قتله من الفجار ـ أدخلهم الله بحبوحة النار ـ فقيل : قتل و هو ابن ثمان و ثمانين و قيل ابن تسعين سنة ، و قال قتادة : قتل عثمان و هو ابن ست و ثمانين و قيل غير هذا . و قتل مظلوماً كما شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و جماعة أهل السنة و ألقي على مزبلة ، فأقام فيها ثلاثة أيام لم يقدر أحد على دفنه ، حتى جاء جماعة بالليل خفية فحملوه على لوح وصلوا عليه و دفن في موضع من البقيع يسمى حوش كوكب ، و كان مما حبسه عثمان رضي الله عنه و زاده في البقيع ، و كان إذا مر به يقول يدفن فيك رجل صالح . و كان هو المدفون فيه و عمي قبره لئلا يعرف ، و قتل يوم الجمعة لثماني ليال خلون من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس و ثلاثين قاله الواقدي . و قيل ليلتين بقيتا من ذي الحجة ، و كانت خلافته إحدى عشر سنة إلا أياماً اختلف فيها رضي الله عنه . و قيل إن المتعصبين على عثمان رضي الله عنه من المصريين و من تابعهم من البلدان كانوا أربعة آلاف ، و بالمدينة يومئذ أربعون ألفاً .

و قد اختلف العلماء فيمن نزل به مثل نازلة عثمان ألحقه الله جناح المغفرة و الرضوان هل يلقى بيده أو يستنصر ، فأجاز جماعة من الصحابة و التابعين و فقهاء المسلمين أن يستسلم و هو أحد قولي الشافعي ، و قال بعض العلماء : لا يسلم بيده بل يستنصر و يقاتل و لكل من القولين وجه و دليل ، و سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى . و قال بعض العلماء : و لو اجتمع أهل المشرق و المغرب على نصرة عثمان لم يقدروا على نصرته ، لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنذره في حياته فأعلمه بالبلوى التي تصيبه ، فكان ذلك من المعجزات التي أخبر بوقوعها بعد موته صلى الله عليه و سلم و ما قال رسول الله شيئاً قط إلا كان .

و قال حسان بن ثابت :

قتلتم ولي الله في جوف داره و جئتم بأمر جائر غير مهتد

فلا ظفرت إيمان قوم تعاونوا على قتل عثمان الرشيد المسدد

و خرج مسلم في صحيحه قال : و حدثنا محمد بن المثنى و محمد بن حاتم قالا : حدثنا معاذ بن جبل قال : حدثنا ابن عوف عن محمد قال : قال جندب جئت يوم الجرعة ، فإذا رجل جالس فقلت له ليهراقن اليوم ههنا دم . فقال ذلك الرجل : كلا و الله . قلت : بلى و الله . قال: كلا و الله . قلت : بلى و الله . قال ثلاثاً كلا إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنيه قلت : بئس الجليس لي أنت منذ اليوم تسمعني أخالفك ، و قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا تنهني ثم قلت : ما هذا الغضب فأقبلت عليه أسائله فإذا الرجل حذيفة.

و الجرعة : موضع بجهة الكوفة على طريق الحيرة قيده الحفاظ بفتح الجيم والراء ، و قيده بعض رواة الحفاظ بإسكان الراء و هو يوم خرج فيه أهل الكوفة متألبين متعصبين ليردوا إلى عثمان بن عفان ، و هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، و كتبوا إلى عثمان لا حاجة لنا في سعيدك و لا وليدك ، و كان رده سنة أربع و ثلاثين ، و كتبوا إلى عثمان ان يولي عليهم أبا موسى الأشعري ، فلم يزل والياً عليهم إلى أن قتل عثمان و لما سمع بقتله يعلى بن أمية التميمي الحنظلي أبو صفوان ، أبي هريرة يقال له خالد أسلم يوم الفتح و شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنيناً و الطائف و تبوك و كان صاحب الجند و صنعاء أقبل لينصره ، فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه فقدم مكة بعد انقضاء الحج فخرج إلى المسجد و هو كسير على سرير ، و استشرف إليه الناس و اجنمعوا فقال: من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه فأعان الزبير بأربعمائة ألف و حمل سبعين رجلاً من قريش ، و حمل رضي الله عنها على جمل أذب و يقال أذب لكثرة و بره اشتراه ابن أمية الحنظلي بمائتي دينار . قاله ابن عبد البر في الاستيعاب ، و قال ابن شبة في كتاب الجمل له : اشتراه بثمانين ديناراً و الأول أصح و اسمه عسكر .

وذكر ابن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني اسماعيل بن إبراهيم عن أبيه قال : كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملاً لعثمان على صنعاء ، فلما بلغه خبر عثمان أقبل سريعاً لينصره ، فلقيه صفوان بن أمية و صفوان على فرس ، و عبد الله بن أبي ربيعة على بغلة ، فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة فكسرت فخذه ، فقدم مكة بعد الضرر و عائشة بمكة يومئذ تدعو إلى الخروج تطلب دم عثمان ، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل فوضع على سريره ، فقال : أيها الناس من خرج في طلب دم عثمان فعلي جهازه . قال : فجهز ناساً كثيراً و حملهم و لم يستطع إلى الجمل لما كان برجله .

أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني محمد بن عبد الله ابن عبيد عن أبي مليكة ، عن عبد الله بن أبي السائب قال : رأيت عبد الله بن أبي ربيعة على سرير في المسجد الحرام يحض الناس على الخروج في طلب دم عثمان و يحمل ما جاء . انتهى كلام ابن سعد في الطبقات و لا تعارض و الحمد لله ، فإنه يحتمل أن يكون خرجا جميعاً في نصرة عثمان فكسروا أو اجتمعا بمكة و جعلا يجهزان من يخرج ، و الله أعلم .

و كانت عائشة رضي الله عنها حاجة في السنة التي قتل فيها عثمان ، و كانت مهاجرة له ، فاجتمع طلحة و الزبير و يعلى و قالوا لها بمكة : عسى أن تخرجي رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم و يراعوا نبيهم و هي تمتنع عليهم ، فاحتجوا عليها بقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس و قالوا لها : إن المتألبين على عثمان بالبصرة كثير فبلغت الأقضية مقاديرها . فاصطف الناي للقتال و رموا علياً و أصحابه بالنبال ، فقال علي : لا ترموا بسهم و لا تضربوا بسيف و لا تطعنوا برمح ، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلاً من أصحاب علي فأتى به إلى علي فقال : اللهم أشهد ثم رمي آخر ، فقتل رجلاً من أصحاب علي ، فقال علي: اللهم أشهد ثم رمي آخر ، فقال علي اللهم اشهد ، و قد كان علي نادى الزبير يا أبا عبد الله : ادن إلي اذكرك كلاماً سمعته أنا و أنت من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : علي الأمان . فقال : على الأمان فبرز فأذكره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له و قد و جدهما يضحكان بعضهما إلى بعض أما أنك ستقاتل علياً و أنت له ظالم فقال الزبير : اللهم إني ما ذكرت هذا إلا في هذه الساعة و ثنى عنان فرسه لينصرف ، فقال له ابنه عبد الله : إلى أين ؟ قال : أذكرني علي كلاماً قاله له رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : كلا و لكنك رأيت سيوف بني هاشم حداداً و يحملها حداداً و يحملها رجال شداد . قال : و يلك و مثلي يعير بالجبن هلم الرمح ، فأخذ الرمح و حمل في أصحاب علي ، فقال علي : افرجو للشيخ فإنه محرج ، فشق الميمنة و الميسرة و القلب ثم رجع و قال لابنه : لا أم لك أبفعل هذا جبان و انصرف . و قامت الحرب على ساق ، و بلغت النفوس إلى التراق ، فأفرجت عن ثلاثة و ثلاثين ألف قتيل، و قيل عن سبعة عشر ألفاً و فيه اختلاف فيهم . من الأزد أربعة آلاف ، و من ضبة ألف و مائة و باقيهم من سائر الناس كلهم من أصحاب عائشة . و قتل فيها من أصحاب علي نحو من ألف رجل و قيل أقل ، و قطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضبة كلما قطعت يد رجل أخذ الزمام آخر و هم ينشدون:

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ننازل الموت إذا الموت نزل

والموت أشهى عندنا من العسل

و كان الجمل للراية إلى أن عقر الجمل ، و كانوا قد ألبسوه الأدراع ، و قال جملة من أهل العلم : إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب ، بل فجأة و على سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به ، لأن الأمر كان انتظم بينهم على الصلح و التفريق على الرضا ، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم والإحاطة بهم ، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا ثم اتفقت آراؤهم على أن يفترقوا فريقين و يبدوا في الحرب شجرة في العسكرين و تختلف السهام بينهم و يصيح الفريق الذي في عسكر علي غدر طلحة و الزبير ، و الذي في عسكر طلحة و الزبير غدر علي ، فتم لهم ما أرادوا و دبروه و نشبت الحرب ، فكان كل فريق دافعاً لمكرته عند نفسه و مانعاً من الإشاطة بدمه و هذا صواب من الفريقين و طاعة الله إذ وقع القتال و الامتناع منهما على هذا السبيل ، و هذا هو الصحيح المشهور ، و كان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى قريب العصر لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ست و ثلاثين .

و في صحيح مسلم من كتاب الفتن عن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من بيت عائشة فقال : رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرنا الشيطان يعني المشرق و قيل : هذا بنصف ورقة بأسانيد منها عن عبد الله بن عمر القواريري و محمد بن المثنى باضطراب في بيت حفصة ، ثم قال و قال عبد الله بن سعيد في روايته قام رسول الله صلى الله عليه و سلم عند باب عائشة فقال بيده نحو المشرق الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرنا الشيطان قالها مرتين أو ثلاثاً .

و ذكر الإمام أحمد بن حنبل في مسنده في الخامس عشر من مسند عائشة رضي الله عنها قال: حدثني محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة رضي الله عنها لما أتت الحوبة سمعت نباح الكلاب فقالت : ما أظنني ألا راجعة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا : أيتكن تنبح كلاب الحوأب فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله أن يصلح لك بين الناس .

و روى أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن عصام بن قدامة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أيتكن صاحبة الجمل الأذيب يقتل حولها قتلى كثيرة و تنجو بعد ماكادت و هذا حديث ثابت صحيح رواه الإمام المجمع على عدالته و قبول روايته الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة ، و كذلك وكيع مجمع على عدالته و حفظه و فقهه عن عصام و هو ثقة عدل فيما ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب له ، عن عكرمة و هو عند أكثر العلماء ثقة عالم و هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه و سلم و هو إخباره بالشيء قبل كونه .

و قوله [ الأذيب ] أراد الأذب ، فأظهر التضعيف و العجب من القاضي أبي بكر بن العربي كيف أنكر هذا الحديث في كتبه . منها في كتاب العواصم من القواصم ، و ذكر أنه لا يوجد أصلاً و أظهر لعلماء المحدثين بإنكاره غباوة و جهلاً ، و شهرة هذا الحديث أوضح من فلق الصبح و أجلى ، و قد رواه أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب فقال حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، فذكره بسنده المتقدم .

و روى أبو جعفر الطبري قال : لما خرجت عائشة رضي الله عنها من البصرة طالبة المدينة بعد انقضاء الحرب جهزها علي رضي الله عنه جهازاً حسناً ، و أخرج معها من أراد الخروج و اختار عليها أربعين امرأة معروفات من نساء البصرة ، و جهز معها أخاها محمداً و كان خروجها من البصرة يوم السبت غرة رجب سنة ست و ثلاثين و شيعها علي رضي الله عنه على أميال و سرح معها بنيه يوماً .

فصل :

فإن قيل : فلم ترك علي القصاص من قتلة عثمان ؟ فالجواب إنه لم يكن ولي دم ، و إنما كان أولياء الدم أولاد عثمان و هم جماعة : عمرو و كان أسن و لد عثمان و أبان و كان محدثاً فقيهاً و شهد الجمل مع عائشة و الوليد بن عثمان، و كان عنده مصحف عثمان الذي كان في حجره حين قتل ، و منهم الوليد بن عثمان . ذكر ابن قتيبة في المعارف أنه كان صاحب شارب و فتوة و منهم سعيد بن عثمان و كان والياً لمعاوية على خرسان ، فهؤلاء بنو عثمان الحاضرون في ذلك الوقت ، و هم أولياء الدم غيرهم و لم يتحاكم إلى علي أحد منهم و لا نقل ذلك عنهم ، فلو تحاكموا إليه لحكم بينهم إذكان أقضى الصحابة للحديث المروي فيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و جواب ثان : أنه لم يكن في الدار عدلان يشهدان على قاتل عثمان بعينه ، فلم يكن له أن يقتل بمجرد دعوى في قاتل بعينه ، و لا إلى الحاكم في سبيل ذلك مع سكوت أولياء الدم عن طلب حقهم ، ففي تركهم له أوضح دليل ، و كذلك فعل معاوية حين تمت له الخلافة و ملك مصر و غيرها بعد أن قتل علي رضي الله عنه لم يحكم على واحد من المتهمين بقتل عثمان بإقامة قصاص ، و أكثر المتهمين من أهل مصر و الكوفة و البصرة و كلهم تحت حكمه و أمره و نهيه و غلبته و قهره ، و كان يدعي المطالبة بذلك قبل ملكه و يقول : لا نبايع من يؤوي قتلة عثمان و لا يقتص منهم و الذي كان يجب عليه شرعاً أن يدخل في طاعة علي رضي الله عنه حين انعقدت خلافته في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم و مهبط و حية و مقر النبوة و موضع الخلافة بجميع من كان فيها من المهاجرين و الأنصار يطوع منهم وارتضاء و اختيار ، و هم أمم لا يحصون و أهل عقد و حل ، و البيعة تنعقد بطائفة من أهل الحل و العقد ، فلما بويع له رضي الله عنه طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان ، و أخذ القود منهم ، فقال لهم علي عليه السلام : ادخلوا في البيعة و اطلبوا الحق تصلوا إليه فقالوا لا تستحق بيعة و قتلة عثمان معك نراهم صباحاً و مساء، و كان علي في ذلك أسد رأياً و اصوب قيلاً ، لأن علياً لو تعاطى القود معهم لتعصب لهم قبائل و صارت حرباً ثالثة ، فانتظر بهم إلى أن يستوثق الأمر و تنعقد عليه البيعة و يقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم فيجري القضاء بالحق .

قال ابن العربي أبو بكر و لا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى إلى إثارة فتنة أو تشتيت الكلمة ، و كذلك جرى لطلحة و الزبير فإنهما ماخلعا علياً من ولاية و لا اعتراضاً عليه في ديانة ، و إنما رأوا أن البداية بقتل أصحاب عثمان أولى .

و ذكر ابن وهب قال : حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن أبي زياد الثقفي قال : اصطحب قيس بن خرشة و كعب الكناني حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة فقال : لا إله إلا الله ليهراقن في هذه البقعة من دماء المسلمين ما لم يهرق ببقعة من الأرض ، فغضب قيس ثم قال : و ما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا ، فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله تعالى به ، فقال كعب : ما من سبر من الأرض إلا هو مكتوب في التواراة التي أنزل الله على موسى بن عمران ما يكون عليه إلى يوم القيامة .

أخبرنا شيخنا القاضي لسان المتكلمين أبو عامر بن الشيخ الفقيه الإمام أبي الحسين بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري إجازة عن شيخه المحدث الثقة المؤرخ أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال قال : حدثنا جماعة من شيوخنا رحمهم الله . منهم الفقيه المفتي أبو محمد بن عنان قال : أنبأنا الإمام أبو عمر بن عبد البر فيما أجازه لنا بخطه قال : حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الله بن عبد البر قال : حدثنا أحمد بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال : حدثني خالد أبو الربيع و أحمد بن صالح و أحمد بن عمر و ابن السرح و يحيى بن سليمان قال : حدثني ابن وهب فذكره . و أحمد بن محمد بن الحجاج هو ابن رشيد بن سعد أبو جعفر مصري قال أبو أحمد بن عدي : كذبوه و أنكرت عليه أشياء و محمد بن يزيد بن أبي زياد مجهول . قاله الدار قطني و باقي السند ثقات معرفون .

و أما و قعة صفين فإن معاوية لما بلغه مسير أمير المؤمنين علي كرم الله و جهه إليه من العراق خرج من دمشق حتى ورد صفين في النصف من المحرم ، فسبق إلى سهولة المنزل و سعة المناخ و قريب الماء من الفرات و بنى قصراً لبيت ماله . و صفين صحراء ذات كدى و أكمأت ، و كان أهل الشام قد سبقوا إلى المشرعة من سائر الجهات و لم يكن ثم مشرعة سواها للواردين و الواردات ، فمنعت علياً رضي الله عنه إياها و حمتها تلك الكماة ، فذكرهم بالمواعظ الحسنة و الآيات ، و حذرهم بقول النبي صلى الله عليه و سلم فيمن منع فضل الماء بالفلاة ، فردوا قوله و أجابوا بألسنة الطغاة إلى أن قاتلهم بالقواضب و السمهريات ، فلما غلبهم عليها رضي الله عنه أباحها للشاربين و الشاربات ، ثم بنى مسجداً على تل بأعلى الفرات ليقيم فيه مدة مقامه فرائض الصلوات لفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع و عشرين من الدرحات على ما ثبت في الصحيح من رواية ابن عمر و غيره من الصحابة العدول الثقاة ، و حضرها مع علي جماعة من البدريين ، و من بايع تحت الشجرة من الصحابة المرضيين ، و كان مع علي رايات كانت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتل المشركين ، و كان مقام علي رضي الله عنه و معاوية بصفين سبعة أشهر ، و قيل تسعة، و قيل ثلاثة أشهر ، و كان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفاً و قتل في ثلاثة أيام من أيام البيض و هي ثلاث عشرة و أربعة عشرة و خمسة عشرة ثلاثة و سبعون ألفاً من الفريقين .

و ذكره الثقة العدل أبو إسحاق و إبراهيم بن الحسين الكساي الهمداني المعروف بابن ديزيل و هو الملقب بسفينة ، و سفينة طائر إذا وقع على الشجرة لم يقم عنها و يترك فيها شيئاً ، وهو في تلك الليالي هي ليله الهرير جعل يهر بعضهم على بعض . و الهرير : الصوت يشبه النباح لأنهم تراموا بالنبل حتى فنيت ، و تطاعنوا الرماح حتى اندقت و تضاربوا بالسيوف حتى انقضت ، ثم نزل القوم يمشي بعضهم إلى بعض قد كسروا جفون سيوفهم و اضطربوا بما بقي من السيوف و عمد الحديد ، فلا تسمع إلا غمغمة القوم و الحديد في الهام ، و لما صارت السيوف كالمناجل بالحجارة ، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ، ثم تكادموا بالأفواه و كسفت الشمس و ثار القتام و ارتفع الغبار و ضلت الألوية و الرايات و مرت أوقات أربع صلوات ، لأن القتال كان بعد صلاة الصبح و اقتتلوا إلى نصف الليل ، و ذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع و ثلاثين . قال الإمام أحمد بن حنبل في تاريخه و قال غيره في شهر ربيع الأول .

و كان أهل الشام يوم صفين خمسة و ثلاثين و مائة و ألفاً ، و كان أهل العراق عشرين أو ثلاثين و مائة و ألفاً . ذكره الزبير بن بكار أبو عبد الله القاضي العدل قال : حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، عن زكريا بن عيسى ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عمرو بن العاص و كان من شهد صفين و أبلى فيه و فيه يقول :

فلو شهدت جمل مقامي و مشهدي بصفين يوماً شاب منها الذوائب

غداة أتى أهل العراق كأنهم من البحر لج موجه متراكب

و جئناهم نمشي كأن صفوفنا سحائب غيث رفعتها الجنائب

و يروى : شهاب حريق رفعته الجنائب .

و قالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا علياً فقلنا بل نرى أن نضارب

و طارت إلينا بالرماح كماتهم و طرنا إليهم بالأكف قواضب

إذا نحن قنا استهزموا عرضت لنا كتائب منهم واشمأزت كتائب

فلا هم يولون الظهور فيدبروا فراراً كفعل الخادرات الدرائب

قال ابن شهاب : فأنشدت عائشة رضي الله عنها أبياته هذه ، فقالت ما سمعت بشاعر أصدق شعراً منه.

قال الحافظ ابن دحية : قوله : بل نرى أن نضارب أن هنا مخففة من الثقيلة محذوفة الاسم تقديره أننا نضارب ، و قوله [ كفعل الخادرات الدرائب ] الخادرات : الأسود يقال أسود خادر، كأن الأجمة له خدر ، فمعناه أنهم لا يدبرون كالأسود التي لا تدبر عن فرائسها ، لأنها قد ضربت بها و دربت عليها و الدربة الضراوة . يقال : درب يدرب و رفع الدرائب لأنها بدل من الضمير في يدبروا .

قال : و الإجماع منعقد على أن طائفة الإمام طائفة عدل ، والأخرى طائفة بغي و معلوم أن علياً رضي الله عنه كان الإمام .

و روى مسلم في صحيحه قال : حدثنا محمد بن المثنى و ابن بشار و اللفظ لابن مثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر : حدثنا شعبة عن أبي سلمة قال : سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق جعل يمسح راسه و يقول : بوس بن سمية تقتلك فئة باغية .

و خرجه أيضاً من حديث إسحاق بن إبراهيم ، و إسحاق بن منصور ، و محمد بن غيلان ، و محمد بن قدامة قالوا : أخبرنا النضر بن شميل ، عن شعبة ، عن أبي سلمة بهذا الإسناد نحوه غير أن في حديث النضر قال أخبرني من هو خير مني أبو قتادة و له طرق غير هذا في صحيح مسلم .

و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب له في ترجمة عمار و تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : يقتل عمار الفئة الباغية و هو من أصح الأحاديث .

و قال فقهاء الإسلام فيما حكاه الإمام عبد القاهر في كتاب الإمامة من تأليفه ، و أجمع فقهاء الحجاز و العراق من فريقي الحديث و الرأي منهم مالك و الشافعي و أبو حنيفة و الأوزاعي، و الجمهور الأعظم من المتكلمين إلى أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفين كما فالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل ، و قالوا أيضاً بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له ، ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم .

و قال الإمام أبو منصور التيمي البغدادي في كتابه الفرق من تأليفه في شان القصة عقيدة أهل السنة و أجمعوا أن علياً كان مصيباً في قتاله لأهل صفين كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل ، و قالوا أيضاً : بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له و لكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم .

و قال الإمام أبو منصور التيمي البغدادي في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السنة : و أجمعوا أن علياً كان كصيباً في قتال أهل الجمل : أعني طلحة و الزبير و عائشة بالبصرة ، و أهل صفين : أعني معاوية و عسكره .

و قال الإمام أبو المعالي في كتاب الإرشاد فصل : علي رضي الله عنه كان إماماً حقاً في توليته ، و مقاتلوه بغاة و حسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير و إن أخطأوه ، فهو آخر فصل ختم به كتابه ، و حسبك يقول سيد المرسلين و إمام المتقين لعمار رضي الله عنه تقتلك الفئة الباغية . و هو من أثبت الأحاديث كما تقدم و لما لم يقدر معاوية على إنكاره لثبوته عنده قال : إنما قتله من أخرجه ، و لو كان حديثاً فيه شك لرده معاوية و امكره و أكذب ناقله و زوره .

و قد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية بان قال : فرسول الله صلى الله عليه و سلم اذن قتل حمزة حين أخرجه ، و هذا من علي رضي الله عنه إلزام لا جواب عنه و حجة لا اعتراض عليها . قاله الإمام الحافظ أبو الخطاب بن دحية .

 باب ـ لايأتي زمان إلا و الذي بعده شر منه و في ظهور الفتن

البخاري عن الزبير بن عدي قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج ، فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا و الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه و سلم ، و خرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يتقارب الزمان و ينقص العلم و يلقى الشح و تظهر الفتن ويكثر الهرج ، قالوا يا رسول الله : أيم هو ؟ قال : القتل القتل أخرجه البخاري ، و مسلم .

فصل

قوله : يتقارب الزمان قيل معناه قصر الأعمار و قلة البركة فيها ، و قيل هو دنو زمان الساعة ، و قيل هو قصر مدة الأيام على ما روي أن الزمان يتقارب حتى تكون السنة كالشهر ، و الشهر كالجمعة ، و الجمعة كاليوم ، و اليوم كالساعة ، و الساعة كاحتراق الشمعة أخرجه الترمذي و قال هذا حديث حسن غريب ، و قيل في تأويله غير هذا .

وق حماد بن سلمة : سألت أبا سنان عن قوله يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر و قال : ذلك من استلذاذ العيش . قال الخطابي : يريد و الله أعلم زمان خروج المهدي و وقوع الأمنة في الأرض فيما يبسطه من العدل فيها على ما يأتي و يستلذ عند ذلك ، و تستقصر مدته و لا يزال الناس يستقصرون مدة ايام الرخاء و إن طالت ، و امتدت و يستطيلون أيام المكروه و إن قصرت و قلت ، و العرب تقول في مثل هذا : مر ينا يوم كعرقوب القطا قصراً. و يلقى الشح بمعنى يتلقى و يتعلم و يتواصى عليه و يدعى إليه و منه قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أي تقبلها و تعلمها و يجوز يلقى بتخفيف اللام و القاف على معنى يترك لإفاضة المال و كثرته ، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته فلا يجد من يقبلها على ما يأتي ، و لا يجوز أن يكون يلقى بمعنى يوجد لأن الشح مازال موجوداً قبل تقارب الزمان .

باب ما جاء في الفرار من الفتن و كسر السلاح و حكم المكره عليها

مالك عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع شغف الجبال و مواقع القطر يفر بدينه من الفتن .

مسلم عن أبي بكرة قال : قال رسول الله : إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتن القاعد فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت و وقعت ، فمن كانت له إبل فليحلق بإبله ، و من كان له غنم فليحلق بأرضه، قال ، فقال له رجل يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل و لا غنم و لا أرض . قال : يعمد إلى سيفة فيدق عليه بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاة . اللهم هل بلغت . اللهم هل بلغت . اللهم هل بلغت . قال فقال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فيضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال يبوء بإثمه و إثمك و يكون من أصحاب النار .

و عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي خير من الساعي . من يشرف لها تستشرفه و من و جد فيها ملجأ فليعذ به قال : حديث حسن صحيح .

باب منه و الأمر بلزوم البيوت عند الفتن

ابن ماجه عن أبي بردة قال : دخلت على محمد بن مسلمة ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنها ستكون فتنة و خلاف و فرقة و اختلاف ، فإذا كان ذلك فائت بسيفك أحداً فاضرب به حتى ينقطع ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية قد وقعت و فعلت ما قال النبي صلى الله عليه و سلم .

أبو داود عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً . القاعد فيها خير من القائم ، و القائم فيها خير من الساعي قالوا فما تأمرنا ؟ قال و كونوا أحلاس بيوتكم .

فصل

قال علماؤنا رحمه الله عليهم : كان محمد بن مسلمة رضي الله عنه ممن اجتنب ما وقع بين الصحابة من الخلاف و القتال ، و أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره إذا كان ذلك أن يتخذ سيفاً من خشب ففعل و أقام بالربذة ، و ممن اعتزل الفتنة أبو بكرة ، و عبد الله بن عمر ! و أسامة ابن زيد ، و أبو ذر ، و حذيفة ، و عمران بن حصين ، و أبو موسى ، و أهبان ، و سعد بن أبي وقاص و غيرهم ، و من التابعين شريح و النخعي و غيرهما رضي الله عنهم .

قلت : هذا و كانت تلك الفتنة و القتال بينهم على الاجتهاد منهم ، فكان المصيب منهم له أجران و المخطئ له أجر ، و لم يكن قتال على الدنيا ، فكيف اليوم الذي تسفك فيه الدماء باتباع الهوى طلباً للملك والاستكثار من الدنيا ، فواجب على الإنسان أن يكف اليد و اللسان عند ظهور الفتن و نزول البلايا و المحن . نسأل الله السلامة و الفوز بدار الكرامة بحق نبيه و آله و أتباعه و صحبه . و قوله : كونوا أحلاس بيوتكم حض على ملازمة البيوت و القعود فيها حتى يسلم من الناس و يسلموا منه . و من مراسيل الحسن و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : نعم صوامع المؤمنين بيوتهم و قد تكون العزلة في غير البيوت كالبادية و الكهوف . قال الله تعالى إذ أوى الفتية إلى الكهف .

و دخل سلمة بن الأكوع على الحجاج ، و كان قد خرج إلى الربذة حين قتل عثمان ، و تزوج امرأة هناك و ولدت له أولاداً ، فلم يزل بها حتى كان قبل أن يموت بليال ، فدخل المدينة له الحجاج : ارتددت على عقيبك ؟ قال : لا و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لنا في البدو .

و خرجه مسلم و غيره و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع به شغف الجبال و مواقع القطر يفر بدينه منة الفتن ، و ما زال الناس يعتزلون و يخالطو كل واحد منهم على ما يعلم من نفسه و يتأتى له من أمره و قد كان العمري بالمدينة معتزلاً ، و كان مالك مخالطاً للناس ، ثم اعتزل مالك آخر عمره رضي الله عنه فيروي عنه أنه أقام ثماني سنة لم يخرج إلى المسجد فقيل له في ذلك ، فقال : ليس كل واحد يمكنه أن يخبر بعذره ، و اختلف الناس في عذره على ثلاثة أقوال فقيل لئلا يرى المناكير ، و قيل لئلا يمشي إلى السلطان ، و قيل كانت به أبردة ، فكان يرى تنزيه المسجد عنها ذكرره القاضي أبو بكر بن العربي كتاب سراج المريدين له .

باب منه و كيف التثبت في الفتنة و الاعتزال عنها و في ذهاب الصالحين

ابن ماجه عن عديسة بنت أعبان قالت : لما جاء علي بن أبي طالب ها هنا بالبصرة دخل على أبي ، فقال يا أبا مسلم: ألا تعينني على هؤلاء القوم ؟ قال : بلى فدعى جاريته فقال يا جارية: أخرجي سيفي . قالت فأخرجته فسل منه قدر شبر ، فإذا هو خشب ، فقال : إن خليلي و ابن عمك صلى الله عليه و سلم عهد إلي إذا كانت فتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب ، فإن شئت خرجت معك . قال : لا حاجة لي فيك و لا في سيفك .

و عن زيد بن شرحبيل عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظالم يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً و يصبح كافراً و يمسي مؤمناً ، و القاعد فيها خير من القائم ، و القائم فيها خير من الماشي، و الماشي فيها خير من الساعي ، فكسروا قسيكم و قطعوا أوتاركم و اضربوا بسيوفكم الحجارة ، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير بني آدم أخرجه أبو داود أيضاً .

و خرج من حديث سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله : إن دخل على بيتي و بسط يده إلي ليقتلني قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كن كخير ابني آدم و تلا هذه الآية لئن بسطت إلي يدك لتقتلني و

ابن ماجه ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كيف بكم و بزمان يوشك أن يأتي فيغربل الناس فيه غربلة يبقى حثالة من الناس قد مزجت عهودهم ، و خفت أمانتهم ، و اختلفوا فكانوا هكذا و هكذا و شبك بين أصابعه ، قالوا : كيف بنا يا رسول الله ؟ إذا كان ذلك الزمان ؟ قال : تأخذون بما تعرفون ، و تدعون بما تنكرون ، و تقلبون على خاصتكم و تذرون أمر عامتكم أخرجه أبو داود أيضاً .

و خرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده عن محمد بن كعب القرظي أن الحسن بن أبي الحسن حدثه أنه سمع شريحاً و هو قاضي عمر بن الخطاب يقول : قال عمر بن الخطاب ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مزجت عهودهم ، و خربت أماناتهم ، فقال قائل : كيف بنا يا رسول الله ؟ قال تعلمون بما تعرفون ، و تتركون ما تنكرون ، و تقولون : أحد أحد أنصرنا على من ظلمنا و اكفنا من بغانا غريب من حديث محمد بن كعب و الحسن و شريح ما علمت له وجهاً غير هذا .

النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيت الناس مزجت عهودهم، و خفت أماناتهم ، و كانوا هكذا و هكذا و شبك بين أصابعه فقمت إليه فقلت له : كيف أصنع عند ذلك يا رسول الله جعلني الله فداك ؟ قال : الزم بيتك و أملك عليك لسانك و خذ ما تعرف ودع ما تنكر و عليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة خرجه أبو داود أيضاً .

الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به و هلك و يأتي على الناس زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا قال هذا حديث غريب . و في الباب عن أبي ذر رضي الله عنه .

فصل

قوله : و يوشك . معناه يقرب ، و قوله : فيغربل الناس فيها غربلة . عبارة عن موت الأخيار و بقاء الأشرار كما يبقى الغربال من حثالة ما يغربله ، و الحثالة ما يغربله ، و الحثالة : ما يسقط من قشر الشعير و الأرز و التمر و كل ذي قشر إذا بقي ، و حثالة الدهن تفله و كأنه الرديء من كل شيء ، و يقال : حثالة و حفالة بالثاء و الفاء معاً .

كما روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتنتقون كما ينتقي التمر من أغفاله و ليذهبن خياركم و ليبقين شراركم فموتوا إن استطعتم .

وخرج البخاري عن مرداس الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يذهب الصالحون الأول فالأول و يبقى حفالة كحفالة الشعير و التمر لا يباليهم الله بالة و في رواية لا يعبأ الله بهم يقال ما أباليه بالة و بال و بلى مقصور و مكسور الأول مصدر و قيل اسم أي ما كثرت به و البال الاكتراث و الاهتمام بالشيء ، و الصالحون هم الذين أطاعوا الله و رسوله و عملوا بما أمرهم به و انتهوا عما نهاهم عنه .

قال أبو الخطاب بن دحية و مرداس ، و هذا هو مرداس بن مالك الأسلمي من أسلم بفتح اللام سكن الكوفة ، و هو معدود في أهلها و لم يحفظ له من طريق صحيح سوى هذا الحديث .

قال المؤلف رحمه الله : انفرد به البخاري رحمه الله . روى عن قيس بن أبي حازم في الرقاق و مزجت معناه اختلطت و اختلفت و المزج الاختلاط و الاختلاف .

باب الأمر بتعليم كتاب الله و اتباع ما فيه و لزوم جماعة المسلمين عند غلبة الفتن و ظهورها و صفة دعاة آخر الزمان و الأمر بالسمع و الطاعة للخليفة و إن ضرب الظهور و أخذ المال

أبو داود ، عن نصر بن عاصم الليثي قال : أتينا اليشكري في رهط من بني ليث فقال : من القوم ؟ قال بنو الليث أتيناك نسألك عن حديث حذيفة ، فقال : أقبلنا مع أبي موسى قافلين و غلت الدواب بالكوفة . قال : فسألت أبا موسى الأشعري أنا و صاحب لي فأذن لنا فقدمنا الكوفة فقلت لصاحبي : أنا داخل المسجد فإذا قامت السوق خرجت إليك قال : فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رؤوسهم يستمعون إلى حديث رجل واحد قال فقمت عليهم ، فجاء رجل فقام إلى جنبي قال فقلت من هذا ؟ قال : أبصري أنت ؟ قال : قلت نعم . قال : قد عرفت و لو كنت كوفياً لم تسأل عن هذا . هذا حذيفة ، فدنوت منه فسمعت حذيفة رضي الله عنه يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير و كنت أنا أسأله عن الشر ، و عرفت أن الخير لن يسبقني قال فقلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر قال : يا حذيفة تعلم كتاي الله و اتبع مافيه ثلاث مرات قلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتنة و شر . قلت يا رسول الله : بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتنة و شر . قلت يا رسول الله بعد هذا الشر خير ؟ فقال : يا حذيفة تعلم كتاب الله و اتبع ما فيه . قال : قلت يا رسول الله بعد هذا الشر خير ؟ قال : هدنة على دخن و جماعة على أقذاء فيهم أو فيها . قلت يا رسول الله : الهدنة على الدخن ما هي ؟ قال : لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه . قال قلت يا رسول الله بعد هذا الخير شر ؟ قال : فتن عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار ، فإن مت يا حذيفة و أنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم.

و خرج أبو نعيم الحافظ ، عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : خذوا العطاء ما دام عطاء فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه و لستم بتاركيه يمنعكم من ذلك الفقر و الحاجة ، إلا أن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار ، إلا أن الكتاب و السلطان سيتفرقان فلا تفارقوا الكتاب ، إلا أنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم إن عصيتوهم قتلوكم و إن أطعتموهم أضلوكم . قالوا يا رسول الله : كيف نصنع ؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام نشروا بالمناشير و حملوا على الخشب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله خرجه في باب يزيد بن مرثد غريب من حديث معاذ لم يروه عنه إلا يزيد بن مرثد و عن الرضين بن عطاء .

و خرج البخاري و مسلم و أبو داود ، عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير ، و كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية و شر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك من خير ؟ قال : نعم و فيه دخن قلت : و ما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي و يهتدون بغير هديي تعرف منهم و تنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله :صفهم لنا . قال : نعم قوم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا فقلت يا رسول الله : فما تأمرني إن أدركت ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين و إمامهم قلت : فإن لم يكن لهم جماعة و لا إمام ؟ قال فاعتزل الفرق كلها و لو إن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت و أنت على ذلك .

و في رواية قال : تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي و لا يستنون بسنتي و سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جسمان إنس قال فكيف أصنع يا رسول الله إن إدركت ذلك ؟ قال : تسمع و تطيع و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع لفظ مسلم .

و في كتاب أبي داود بعد قوله هدنة على دخن قال قلت يا رسول الله : ثم ماذا ؟ قال إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك و أخذ مالك فأطعه و إلا فمت و أنت عاض في جذل شجرة قلت ثم ماذا ؟ قال : ثم يخرج الدجال ومعه نهر و نار فمن وقع في ناره وجب أجره و حط وزره و من وقع في نهره وجب وزره و حط أجره قال ثم ماذا؟ قال : هي قيام الساعة .

فصل

قوله : على أقذاء ، الأقذاء ، جمع القذا و القذا جمع قذاة و هو ما يقع في العين من الأذى و في الطعام و الشراب من تراب أو نتن أو غير ذلك ، فالمراد به في الحديث الفساد الذي يكون في القلوب أي أنهم يتقون بعضهم بعضاً و يظهرون الصلح و الاتفاق ، و لكنهم في باطنهم خلاف ذلك ، و الجذل : الأصل كما هو مبين في كتاب مسلم على أصل شجرة .

باب منه إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار

مسلم عن الأحنف بن قيس قال : خرجت و أنا أريد هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد يا أحنف ؟ قال : فقلت أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم يعني علياً قال فقال لي : يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إذا توجه المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار قال فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه قد أراد قتل صاحبه أخرجه البخاري و في بعض طرقه [ أنه كان حريصا على قتل صاحبه ] .

فصل

قال علماؤنا : ليس هذا الحديث في أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بدليل قوله تعالى و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فأمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية ، و لو أمسك المسلمون عن قتال أهل البغي لتعطلت فريضة من فرائض الله ، و هذا يدل على أن قوله القول و المقتول في النار ليس في أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنهم إنما قاتلوا على التأويل . قال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين من المسلمين الهرب منه و لزوم المنازل و كسر السيوف لما أقيم حد ، و لا أبطل باطل ، و لوجد أهل النفاق ، و الفجور سبيلاً إلى استحال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين و سبي نسائهم و سفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم ، و يكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولون هذه فتنة قد نهينا عن القتال فيها ، و أمرنا بكف الأيدي و الهرب منها ، و ذلك مخالف لقوله عليه الصلاة و السلام خذوا على أيدي أسفهائكم

قلت : فحديث أبي بكرة محمول على ما إذا كان القتال على الدنيا ، و قد جاء هكذا منصور فيما سمعناه من بعض مشايخنا : إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل و المقتول في النار . خرجه البزار .

ومما يدل على صحة هذا ما خرجه مسلم عن صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل و لا المقتول فيما قتل فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال الهرج القاتل و المقتول في النار فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهالة من طلب الدنيا أو أتباع هوى كان القاتل و المقتول في النار فأما قتال يكون على تأويل ديني فلا ، و أما أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و رضي عنهم ، فيجب على المسلمين توقيرهم و الإمساك عن ذكر زللهم و نشر محاسبتهم لثناء الله عز و جل في كتابه ، فقال و قوله الحق لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة و قال : محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم إلى آخر السورة . و قال : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل ، و كل من ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور ، و إن كان بعضهم أفضل من بعض و أكثر سوابق ، و قيل :إن من توقف من الصحابة حملوا الأحاديث الواردة بالكف عن عمومها فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف و القتال ، و ربما ندم بعضهم على ترك ذاك كعبد الله ابن عمر ، فإنه ندم على تخلفه عن نصرة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، فقال عند موته ، ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية يعني فئة معاوية ، و هذا هو الصحيح . إن الفئة الباغية إذا علم منها البغي قوتلت . قال عبد الرحمن بن أبزي : شهدنا صفين مع علي في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان : قتل منهم ثلاث و ستون منهم عمار بن ياسر .

و قال أبو عبد الرحمن السلمي : شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يتبعونه كأنه علم لهم . قال ، و سمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة يا هاشم: تقدم الجنة تحت الأبارقة اليوم ألقى الأحبة محمداً و حزبه ، و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا شغفات الجبال لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل قال :

نحن ضربناكم على تنزيلة فاليوم نضربكم على تأويلة

ضرباً يزيل الهام عن مقيلة و يذهل الخليل عن خليلة

أو يرجع الحق إلى سبيله

قال : فلم أر أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ ، و سئل بعض المتقدمين عن الدماء التي وقعت بين الصحابة فقال : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون .

و قد أشبعنا القول في هذه المسألة في كتاب الجامع لأحكام القرآن في سورة الحجرات ، و الصواب ما ذكرناه لك أولاً و الله أعلم .

و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : سيكون بين أصحابي فتنة يغفرها الله لهم بصحبتهم إياي ثم يستن بها قوم من بعدهم يدخلون به النار .

باب جعل الله بأس هذه الأمة بينها

قال الله تعالى أو يلبسكم شيعاً و يذيق بعضكم بأس بعض .

مسلم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها ، و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، و أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض [ قال ابن ماجه في سننه يعني الذهب و الفضة ] ، و إني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة ، و أن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، و إن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، و إني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلهكم بسنة عامة ، و أن لا يسلط عليهم من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و لو اجتمع عليهم من بأقطارها ، أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً و يسبي بعضهم بعضاً. زاد أبو داود : و إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، و إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ، و لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي المشركين و حتى يعبد قبائل من أمتي الأوثان ، و أنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون يزعم كلهم أنه نبي و أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .

ابن ماجه عن معاذ بن جبل قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً صلاة فأطال فيها ، فلما نصرف قلنا أو قالوا يا رسول الله : أطلت اليوم الصلاة . قال : إني صليت صلاة رغبة و رهبة سألت الله لأمتي ثلاثاً فأعطاني اثنتين و رد علي واحدة سألته ألا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها ، و سألته ألا يهلكهم غرقاً فأعطانيها ، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فردها علي .

و أخرجه مسلم ، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل ذات يوم من العالية . و في رواية: في طائفة من أصحابه حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع ركعتين ، فصلينا معه و دعا ربه طويلاً ثم انصرف إلينا . فقال : سألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين و منعني واحدة . سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، و سألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، ، و سألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها . و أخرجه الترمذي و النسائي و صححه و اللفظ النسائي .

و عن خباب بن الأرت ، و كان شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه راقب رسول الله صلى الله عليه و سلم الليل كلها حتى كان الفجر ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلاته جاء خباب فقال يا رسول الله : بأبي أنت و أمي لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل إنها صلاة رغب و رهب ، سألت الله فيها لأمتي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين و منعني واحدة ، سألت ربي ألا يهلكنا بما أهلك الأمم فأعطانيها ، و سألت ربي عز و جل ألا يظهر عليها عدواً من غيرنا فأعطانيها ، و سألت ربي عز و جل ألا يلبيسنا شيعاً فمنعنيها .

ابن ماجه عن أبي موسى قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن بين الساعة لهرجاً قال قلت يا رسول الله ما الهرج ؟ قال : القتل القتل فقال بعض المسلمين : يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا و كذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بقتل المشركين و لكن بقتل بعضكم بعضاً حتى يقتل الرجل جاره و ابن عمه و ذا قربته و ذكر الحديث ، و الله أعلم .

باب ـ ما يكون من الفتن و إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بها

مسلم عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقاماً ما ترك فيه شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به . حفظ من حفظه و نسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء و إن ليكون منه الشيء قد نسيه ، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه .

و خردج أبو داود أيضاً عنه قال : و الله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه ، و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاث مائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه و اسم أبيه و اسم قبيلته .

مسلم عن حذيفة بن اليمان قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلساً أنبأنا فيه عن الفتنة فقال و هو يعد الفتن : منها ثلاثة لا يكدن يذرن شيئاً و منهن فتن كرياح الصيف منها صغاراً و منها كبار ، قال حذيفة : فذهب أولئك الرهط كلهم غيري .

أبو داود عن عبد الله بن عمر : كنا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الفتن فأكثر فيها ، حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله : و ما فتنة الأحلاس ؟ قال : هي هرب و خرب ثم فتنة السوء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني و ليس مني و إنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كودك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة ، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمناً و يمسي كافراً و يمسي مؤمناً و يصبح كافراً ، حتى يصير الناس فسطاطين : فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، و فسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من سومه أو من غده .

فصل

قول حذيفة : قيام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقاماً . و في الرواية الأخرى مجلساً . قد جاء مبيناً في حديث أبي زيد ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر و صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى فصعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان و ما هو كائن فأعلمنا أحفظنا . أخرجه مسلم .

وروى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العصر نهاراً ، ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه و نسيه من نسيه ، فظاهر هذا أن ذلك المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك ، و هذا تعارض ، فيجوز أن يكون ذلك كله في يومين فيوم خطب فيه من بعد العصر ، و يوم قام فيه خطيباً كله ، و يجوز أن تكون الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس كما في حديث أبي زيد ، و اقتصر بعض الرواة في الذكر على ما بعد العصر كما في حديث أبي سعيد الخدري و فيه بعد . و الله أعلم .

و قوله : حتى ذكر فتنة الأحلاس قال الخطابي : إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها و طول لبثها ، يقال للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه : هو حلس بيته . و يحتمل أن تسمى هذه الفتنة بالأحلاس لسوادها و ظلمتها . و الحرب ذهاب الأهل و المال . يقال حرب الرجل فهو حريب إذا سلب أهله و ماله ، و من هذا المعنى أخذ لفظ الحرب لأن فيها ذهاب النفوس و الأموال و الله أعلم . و الدخن : الدخان يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه . و قوله : كودك على ضلع مثل و معناه الأمر الذي لا يثبت و لا يستقيم يريد أن هذا الرجل غير خليق بالملك . و الدهيماء : تصغير الدهماء على معنى المذمة لها و التعظيم لأمرها كما قال : [ دويهية تصفر منها الأنامل ] أي ههذ الفتنة سوداء مظلمة ، و دلت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة رضي الله عنهم كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكثير ، لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام و ما كان فيه شيء من ذلك حدثوا به و تقصروا عنه .

و قد روى البخاري عن أبي هريرة قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاءين أما أحدهما فبثثته ، و أما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم . قال أبو عبد الله البلعوم مجرى الطعام ، و الفسطاط الخيمة الكبيرة و تسمى مدينة مصر الفسطاط ، و المراد به في هذا الحديث الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى تشبيهاً بانفراد الخيمة عن الأخرى . و تشبيهاً بانفراد المدينة عن الأخرى حملاً على تسمية مصر بالفسطاط و الله أعلم.

باب ذكر الفتنة التي تموج موج البحر و قول النبي صلى الله عليه و سلم : هلاك أمتي على يد أغيلمة من سفهاء قريش

ابن ماجه عن شقيق عن حذيفة قال : كنا جلوساً عند عمر بن الخطاب فقال : أيكمك يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتنة ؟ قال حذيفة : فقلت أنا ، فقال إنك لجزيء ، قال : كيف سمعه يقول ؟ قلت سمعته يقول فتنة الرجل في أهله و ماله و جاره يكفرها الصلاة و الصيام و الصدقة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال عمر: ليس هذا أريد التي تموج موج البحر . قال مالك و لها يا أمير المؤمنين إن بينك و بينها باباً مغلقاً ، قال يفتح الباب أو يكسر . قال : بل يكسر . قال : ذلك أجدر أن لا يغلق ، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال : نعم كما يعلم أن دون غد الليلة ، فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب ؟ قال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط ، قال فهبنا أن نسأله من الباب فقلنا لمسروق : سله فسأله : هو عمر . أخرجه البخاري و مسلم أيضاً .

و خرج الخطيب أبو بكر بن أحمد بن علي من حديث مالك بن أنس أن عمر بن الخطاب دخل على بني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، فوجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ قالت هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول إنك باب من أبواب جهنم فقال عمر : ما شاء الله إني لأرجو أن يكون الله خلقني سعيداً ، قال ثم خرج فأرسل إلى كعب فدعاه فلما جاءه كعب قال يا أمير المؤمنين : و الذي نفسي بيده لا تنسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة ، فقال عمر : أي شيء هذا ؟ مرة في الجنة و مرة في النار ، قال : و الذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها ، فإذا مت لم يزالوا يتقحمون فيها إلى يوم القيامة .

البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال : أخبرني جدي قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة و معنا مروان ، فقال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يد أغيلمة من قريش قال مروان لعنة الله عليهم من أغيلمة . قال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان و بني فلان لفعلت ، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حتى تملكوا بالشام ، فإذا رآهم أحداثاً و غلماناً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم . قلنا : أنت أعلم .

الغلام الطار الشارب و الجمع الغلمة و الغلمان ، و نص مسلم في صحيحه في كتاب الفتن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش قال : فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .

فصل

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان عنده من علم الفتن ؟ العلم الكثير ، و التعيين على من يحدث عنه الشر الغزير . ألا تراه يقول لو شئت قلت لكم هم بنو فلان و بنو فلان ، لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد ، و كأنهم و الله أعلم يزيد بن معاوية ، و عبيد الله بن زياد و من تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و سبيهم ، و قتل خيار المهاجرين و الأنصار بالمدينة و بمكة و غيرها ، و غير خاف ما صدر عن الحجاج ، و سليمان بن عبد الملك ، وولده من سفك الدماء ، و إتلاف الأموال ، و إهلاك الناس بالحجاز و العراق و غير ذلك ، و بالجملة و غير ذلك ، و بالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي صلى الله عليه و سلم في أهل بيته و أمته بالمخالفة و العقوق ، فسفكوا دماءهم و سبوا نساءهم و أسروا صغارهم و خربوا ديارهم و جحدوا فضلهم و شرفهم و استباحوا لعنهم و شتمهم ، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في وصيته و قابلوه بنقيض مقصودة و أمنيته ، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه ، وافضحيتهم يوم يعرضون عليه ، و الله أعلم .