أبواب الملاحم التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

أبواب الملاحم

باب أمارات الملاحم

أبو داود عن معاذ بن جبل : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عمران بيت المقدس خراب يثرب ، و خراب يثرب خروج الملحمة فتح القسطنطنية و فتح القسطنطنية خروج الدجال .

البخاري عن عوف بن مالك قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك و هو في قبة من آدم فقال : أعدد ستاً بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقفاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلتاه ، ثم هدنة تكون بينكم و بين بني الأصفر فيعذرون فيأتونكم تحت ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً .

و خرجه أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير بمعناه و زاد بعد قوله إثنا عشر ألفاً [ فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة في مدينة يقال لها دمشق ] ، ذكره بإسناده أبو الخطاب بن دحية في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين و المغربين .

و قال : عوف بن مالك الأشجعي : شهد موت النبي و حضر فتح بيت المقدس

مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فتحه صلحاً لخمس خلون من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ، ثم حضر قسمة كنوز كسرى على يد أمير المؤمنين عمر ، ثم شاهد قتال الجمل و صفين ، و شاهد عوف رضي الله عنه أيضاً الموتان الذي كان بالشام قبل ذلك ، و هو المسمى بطاعون عمواس مات يومئذ ستة و عشرون ألفاً . و قال المديني خمسة و عشرين ألفاً . و عمواس : بفتح العين و الميم لأنه [ عم و أسى ] أي جعل بعض الناس أسوة بعض ، و عمواس قرية بين الرملة و بيت المقدس مات فيه أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، و الأمير الفقيه أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل . قال الإمام أحمد بن حنبل في تاريخه كان الطاعون عمواس سنة ثمانية عشر . رواه عن أحمد أبو زرعة الرازي قال : كان الطاعون سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة و في سنة سبع عشرة رجع عمر من سرغ ، و موتان بضم الميم هي لغة و غيرهم يفتحونها و هم اسم الطاعون و الموت .

و قوله : كقفاص الغنم هو داء يأخذها لا يلبثها قاله أبو عبيدة ، لأن القفاص الموت العجل و يقال بالسين ، و قيل هو داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق ، و قد انقضت هذه الخمس ، و عاش عوف بن مالك إلى زمن عبد الله بن مروان سنة ثلاث و سبعين من الهجرة و قد أربى بصفين على المائة ، و قال الواقدي : مات عوف بن مالك بالشام سنة ثلاث و تسعين ، فإن صح ما قال فقد مات في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان إن لم يكن تصحيفاً منه ، والله أعلم .

باب ما ذكر في ملاحم الروم و تواترها و تداعي الأمم على أهل الإسلام

ابن ماجه ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون بينكم و بين بني الأصفر هدنة فيغدرون بكم فيسيرون إليكم في ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً .

وعن ذي مخمر ، و كان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ستصالحكم الروم صلحاً آمناً ، ثم تغزون أنتم و هم عدوا فتنصرون و تغنمون و تقتسمون و تسلمون ، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول فيرفع رجل من أهل الصليب صليبه ، فيقول غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه ، فعند ذلك تغدر الروم و يجمعون الملحمة ، فيأتون تحت ثمانين راية اثنا عشر ألفاً .

و أخرجه أبو داود و زاد و يثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة .

و أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده و إسناده صحيح ثابت . و ذو مخمر بالميم لا غير ، و هو ابن أخي النجاشي قاله الأوزاعي ، و قد عده أبو عمر في موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم . قاله ابن دحية .

و خرجا جميعاً عن ابن ماجه ، و أبو داود ، عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الملحمة الكبرى و فتح قسطنطنية و خروج الدجال في سبعة أشهر و خرجه الترمذي و قال : حديث حسن صحيح .

و عن عبد الله بن بشر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الملحمة و فتح المدينة ست سنين و يخرج الدجال في السابعة خرجه ابن ماجه و أبو داود ، و قال أبو داود: هذا صحيح من حديث عيسى .

قلت : يريد حديث معاذ المذكور قبله .

مسلم عن بشير بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة ، فجاء رجل ليس له هجيراً ألا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة . قال : فقعد و كان متكئاً فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث و لا يفرح بغنيمة ، ثم قال بيده هكذا و نحاها نحو الشام ، فقال : عدو يجمعون لأهل الأسلام و تجمع لهم أهل الإسلام قلت : الروم تعني ؟ قال: نعم و يكون عند ذلك القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يحجر بينهم الليل فيبقى هؤلاء و هؤلاء كل غير غالب و تفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء و هؤلاء كل غير غالب و تفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا فيبقى هؤلاء و هؤلاء كل غير غالب و تفنى الشرطة ، و إذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية الإسلام فيجعل الله الدائرة عليهم فيقتتلون مقتلة إما قال لم ير مثلها . و إما قال لا يرى مثلها ، حتى إن الطائر ليمر بجثمانهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيتعادى بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح و بأي ميراث يقسم ، فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك ، فجاءهم الصريخ ، فقال : إن الدجال قد خرج في ذراريهم فيرفضون ما بأيديهم و يقبلون فيبعثون عشر فوارس طليعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعرف أسماءهم و أسماء آبائهم و ألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض أو من خير فوارس يومئذ .

أبو داود عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل من القوم : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم كثير و لكنكم غثاء كغثاء السيل و لينزعن الله من صدور عدوكم المهاية و ليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل يا رسول الله و ما الوهن ؟ قال : حب الدنيا و كراهة الموت .

فصل

قوله : بني الأصفر . يعني الروم ، و في تسميتهم بذلك قولان .

أحدهما : أن جيشاً من الحبشة غلبوا على ناحيتهم في بعض الدهر ، فوطئوا نساءهم فولدن أولاداً صفراً . قاله ابن الأنباري .

الثاني : أنهم نسبوا إلى الأصفر ابن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام قاله ابن إسحاق ، و هذا أشبه من القول الأول . و الهدنة : الصلح و الغاية الراية ، كما جاء مفسراً في الحديث بعده . سميت بذلك لأنها تشبه السحابة لمسيرها في الجو ، و الغاية و الصابة السحابة ، و قد رواها بعض رواة البخاري تحت ثمانين غابة بباء مفردة النقطة ، و هي الأجمة شبه اجتماع رماحهم و كثرتها بالأجمة التي هي الغابة ، و الصحيح الأول لأنها تظل الأجناد لكثرة راياتهم و اتصال أويلتهم و علاماتهم كالسحاب الذي يظل الإنسان .

و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن تحت كل غاية اثني عشر ألفاً فجملة العدو تسعمائة ألف و ستون ألفاً ذكره الحافظ أبو الخطاب بن دحية . و قد روي مرفوعاً في حديث فيه طول عن حذيفة : أن الله تعالى يرسل ملك الروم و هو الخامس من الهرقل يقال له ضمارة و هو صاحب الملاحم . فيرغب إلى المهدي في الصلح، و ذلك لظهور المسلمين على المشركين فيصالحه إلى سبعة أعوام فيضع عليهم الجزية عن يد و هم صاغرون ، فلا تبقى لرومي حرمة و يكسرون لهم الصليب ، ثم يرجع المسلمون إلى دمشق ، فبينما الناس كذلك إذا برجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم و بناتهم في القيود و الأغلال فتعير نفسخ فيرفع الصليب و يرفع صوته فيقول : ألا من كان يعبد الصليب فينصره، فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب و يقول : الله أغلب و أنصر ، فحينئذ يغدرون و هم أولى بالغدر فيجمعون عند ذلك ملوك الروم في بلادهم خفية ، فيأتون إلى بلاد المسلمين حيث لا يشعر بهم المسلمون ، و المسلمون قد أخذوا منهم الأمن و هم على غفلة أنهم مقيمون على الصلح ، فيأتون أنطاكية في اثني عشر ألف راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً ، فلا يبقى بالجزيرة و لا بالشام و لا بأنطاكية نصراني إلا و يرفع الصليب ، فعند ذلك يبعث المهدي إلى أهل الشام و الحجاز و اليمن و الكوفة و البصرة و العراق يعرفهم بخروج الروم و جمعهم ، و يقول لهم أعينوني على جهاد عدو الله و عدوكم ، فيبعث إليه أهل المشرق أنه قد جاء عدو من خراسان على ساحل الفرات و حل بنا ما شغلنا عنك ، فيأتي إليه بعض أهل الكوفة و البصرة ، و يخرج إليه المهدي ، و يخرج معهم المسلمون إلى لقائهم فيلتقي بهم المهدي و من معه من المسلمين فيأتون إلى دمشق فيدخلون فيها فتأتي الروم إلى دمشق فيكونون عليها أربعين يوماً ، فيفسدون البلاد و يقتلون العباد و يهدمون الديار و يقطعون الأشجار ، ثم إن الله تعالى ينزل صبره و نصره على المؤمنين فيخرجون إليه ، فتشتد الحرب بينهم و يستشهد من المسلمين خلق كثير ، فيا لها من وقعة و مقتلة ما أعظمها و ما أعظم هولها ، و يرتد من العرب يومئذ أربع قبائل سليم و نهد و غسان و طي ، فيلحقون بالروم و ينتصرون مما يعاينون من الهول العظيم و الأمر الجسيم ، ثم إن الله تعالى ينزل النصر و الصبر و الظفر على المسلمين ، فيقتل من الروم مقتلة عظيمة حتى يخوض الخيل في دمائهم و تشتعل الحرب بينهم ، حتى إن الحديد يقطع بعضه بعضاً ، و إن الرجل من المسلمين ليطعن العلج بالسفود فينفذه و عليه الدرع من الحديد ، فيقتل المسلمون من المشركين خلقاً كثيراً حتى تخوض الخيل في الدماء و بنصر الله تعالى المسلمين و يغضب على الكافرين ، و ذلك رحمة من الله تعالى لهم ، فعصابة من المسلمين يومئذ خير خلق الله و المخلصين من عباد الله ليس فيهم مارد و لا مارق و لا شارد و لا مرتاب و لا منافق ، ثم إن المسلمين يدخلون إلى بلاد الروم و يكبرون على المدائن و الحصون ، فتقع أسوارها بقدرة الله ، فيدخلون المدائن و الحصون و يغنمون الأموال و يسبون النساء و الأطفال ، و يكون أيام المهدي أربعين سنة . عشر سنين في المغرب ، و اثنتا عشرة سنة بالكوفة ، و اثنتا عشرة بالمدينة ، و ستة بمكة ، و تكون منيته فجأة بينما الناس كذلك إذ تكلم الناس بخروج الدجال اللعين ، و سيأتي من أخبار المهدي ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى .

و قوله : ليس له هجير . الدأب و العادة . يقال : ما زال ذلك هجيراه و إهجيراه و إجيراه أي دأبه و عادته ، و هاجت : أي تحركت ريح حمراء أي شديدة احمرت لها الشجر و انكشفت الأرض ، فظهرت حمرتها . و لما رأى ذلك الرجل جاء مجيء الخائف من قرب الساعة و الشرطة هنا بضم الشين أول طائفة من الجيش تقاتل . سموا بذلك لعلامة تميزوا بها . و الأشراط العلامات ، و تفنى الشرطة أي تقتل . و تفيء ترجع . و منه حتى تفيء إلى أمر الله، و نهد تقدم و منه سمي النهد نهداً لتقدمه الصدر . و الدايرة و يروي و الدائرة و المعنى متقارب . قال الأزهري : الدائرة الدولة تدور على الأعداد ، و الدائرة النصر و الظفر يقال : لمن الدائرة ، أي لمن الدولة ، و على من الدائرة؟ أي الهزيمة . قاله أبو عبيد الهروي : و الجنبات جمع جنبة و هي الجانب ، و يروى بجثمانهم أي بأشخاصهم ، و قوله : إذ سمعوا بناس بنون و سين . هم أكثر بالثاء المثلثة ، و يروى بباس بباء واحدة أكبر بباء واحدة أيضاً، و هو الأمر الشديد و هو الصواب لرواية أبي داود و إذ سمعوا بأمر هو أكبر من ذلك ، و الصريخ الصارخ أي المصوت عند الأمر الهائل ، و يرفضون أي يرمون و يتركون ، و الطليعة الذي يتطلع الأمر و يسكتشفه ، و تداعى الأمم اجتماعها و دعا بعضها بعضاً حتى تصير العرب بين الأمم كالقصعة و الأكلة و غثاء السيل ما يقذف به على جانب الوادي من الحشيش و النبات و القماش ، و كذلك الغثاء بالتشديد . و الجمع : الأغثاء . و الله أعلم .

باب منه و بيان قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها

عن حذيفة قال : فتح لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتح فأتيته فقلت : الحمد لله يا رسول الله ألقى الإسلام بجرانه و وضعت الحرب أوزارها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالاً ستاً أفلا تسألني عنها يا حذيفة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فما أولها ؟ قال : موتى و فتح بيت المقدس ، ثم فئتان دعواهما واحدة يقتل بعضهم بعضاً ، ثم يفيض المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيسخطها ، و موت كقفاص الغنم و غلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات أشهر ، و في الشهر كنبات السنة ، فيرغب قومه فيه فيملكونه و يقولون نرجو أن يرد بك علينا ملكنا ، فيجمع جمعاً عظيماً ثم يسير حتى يكون بين العريش و أنطاكية فأميركم يومئذ نعم الأمير ، فيقول لأصحابه : كيف ترون ؟ فيقولون : نقاتلهم حتى يحكم الله بيننا و بينهم . فيقول : لا أرى ذلك و لكن تخلي لهم أرضهم و نسير بذرارينا و عيالنا حتى نحرزهم ثم يغزوهم ، و قد أحرزنا ذرارينا و عيالاتنا فيسيرون حتى يأتوا مدينتي هذه و يستمد أهل الشام فيمدونه ، فيقول : لا ينتدب معي إلا من باع نفسه الله حتى يلقاهم فيلقاهم ، ثم يكسر غمده ثم يقاتل حتى يحكم الله بينهم، فينتدبون سبعون ألفاً أو يزيدون على ذلك ، فيقول حسبي سبعون ألفاً لا تحملهم الأرض و في القوم عين العدو فيخبرهم بالذي كان فيسير إليهم حتى إذا التقوا سألوه أن يخلي بينهم و بين من كان بينهم نسب ، فيأتي و يدعو أصحابه فيقول : أتدرون ما يسأل هؤلاء ؟ فيقولون : ما أحد أولى بنصر الله و قتاله منا . فيقول : امضوا و اكسروا أغمادكم فيسل الله سيفه عليهم فيقتل منهم الثلثان و يفر في السفن منهم الثلث ، حتى إذا تراءت لهم جبالهم فبعث الله عليهم ريحاً فردتهم إلى مراسيهم إلى الشام ، فأخذوا و ذبحوا عند أرجل سفنهم عند الشاطئ ، فيومئذ تضع الحرب أوازارها . رواه إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن ربيعة بن سفيان بن ماتع المغافري ، عن مكحول ، عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كذا ذكره الفقيه بن برجان في كتاب الإرشاد له ، و منه نقلته و في إسناده مقال ، و الله أعلم .

باب في سياقة الترك للمسلمين و سياقة المسلمين لهم

روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشر بن المهاجر قال : حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه و سلم فسمعت النبي يقول : إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات حتى يحلقوهم بجزيرة العرب ، أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم ، و أما السياقة الثانية فيهلك بعض و ينجو بعض ، و أما السياقة الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم قالوا يا نبي الله من هم ؟ قال : هم الترك ، قال : أما و الذي نفسي بيده ليربطون خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين ، قال: و كان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة و متاع السفر و الأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم من البلاء من الترك .

قال الإمام أبو الخطاب عمر بن دحية ، و هذا سند صحيح أسنده إمام السنة و الصابر على المحنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ، عن الإمام العدل المجمع على ثقته أبي نعيم الفضل بن دكين ، و بشير بن المهاجر و ثقه . رأى أنس بن مالك روى عن جماعة من الأئمة فوثقوه .

قال المؤلف رحمه الله : و خرج أبو داود قال ، حدثنا جعفر بن مسافر قال : حدثنا خلاد بن يحيى : حدثنا بشير بن مهاجر قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث يقاتلونكم صفار الأعين يعني الترك قال : تسوقونهم ثلاث مرات حتى تلحقونهم بجزيرة العرب ، فأما في السياقة الأولى فينجو منهم من هرب ، و أما الثانية فينجو بعض و يهلك بعض ، و أما في الثالثة فيصطلمون .

فصل

الاصطلام : الاستئصال و أصله من الصلم و هو القطع . اصطملت أذنه إذا استوفيت بالقطع، و أنشد الفراء :

ثمت اصطمت إلى الصماخ فلا قرن و لا أذن

و الحديث الأول يدل على خروجهم و قتالهم المسملين و قتلهم ، و قد وقع ذلك على نحو ما أخبر صلى الله عليه و سلم ، فخرج منهم في هذا الوقت أنهم لا يحميهم إلا الله و لا يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج و مأجوج أو مقتدمهم .

قال الحافظ السيد بن دحية رضي الله عنه : يخرج في جمادى الأولى سنة سبع عشرة و ستمائة جيش من الترك يقال له الططر ، عظم في قتله الخطب و الخطر و قضى له من قتل النفوس المؤمنة الوطر ، و لم تهتد إلى دفعه بالحيل الفطر يقتلون من وراء النهر و ما دونه من جميع البلاد بلاد خراسان و محو رسوم ملك بني ساسان ، و هذا الجيش ممن يكفر بالرحمن و يرى أن الخالق المصور هما النيران ، و ملكهم يعرف بخان خاقان ، و خربوا بيوت مدينة نشاور ، و أطلقوا فيها النيران ، و خار عنهم من أهل خوارزم كل إنسان و لم يبق منهم إلا من اختبأ في المغارات و الكهفان ، حتى و صلوا إليها و قتلوا و سبوا و خبروا البنيان ، أطلقوا الماء على المدينة من نهر جيحان ، فغرق فيها مباني الذرا و الأركان ، ثم صيروا المشهد الرضوي بطوس أرضاً بعد أن كانوا ، و قطعوا ما أمر الله عز و جل به أن يوصل من الدين بأخسر الأديان إلى أن وصلوا بلا قهستان ، فخربوا مدينة الري و قزوين و أبهر و زنجان ، ومدينة أردبيل و مدينة مراغي كرسي بلاد أذربيجان ، و استأصلوا شأفة من في هذه البلاد من العلماء و الأعيان ، و استباحوا قتل النساء و ذبح الولدان ، ثم وصلوا إلى العراق الثاني و أعظم مدنه مدينة أصبهان ، و دور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع و الإتقان ، و أهلها مشتلون بعلم الحديث فحفضهم الله بهذا الشأن ، و كف كف الكفر عنهم بأيمان الإيمان ، و أنزل عليهم مواد التأييد و الإحسان ، فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، و حققوا الخبر بأنها بلد الفرسان ، و اجتمع فيها مائة ألف إنسان ، و خرجوا إليهم كأسد و لكن غاباتها عوامل الخرصان ، و قد لبسوا البيضا كثغور الأقحوان ، و عليهم دروع فضفاضة في صفاء الغدران ، و هيئات للمجاهدين درجات الجنان ، و أعدت للكافرين دركات النيران ، و برز إلى الططر القتل في مضاجعهم ، و ساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم ، فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمي و أنشدوا :

إلى الوادي فطم على القرى

ففروا منهم فرار الشيطان يوم بدر له خصاص ، و رأوا أنهم إن وقفوا لم يمكن لهم من الهلاك محاص ، و واصلوا السير بالسرى و هدوا من همدان الوهاد و الذرى بعد أن قامت الحرب على ساق ، و الأرواح في مساق من ذبح مثله و ضرب الأعناق ، و صعدوا جبل أوزند فقتلوا من فيه من جموع صلحاء المسلمين ، و خربوا ما فيه من الجنات و البساتين و انتهكوا منهم و من نسائهم حرمات الدين ، و كانت استطالتهم على مقدار ثلثي بلاد المشرق الأعلى، و قتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، و قتلوا في العراق الثاني عدة تقرب أن يستقصى ، و ربطوا خيولهم في سواري المساجد و الجوامع ، كما جاء في الحديث المنذر لخروجهم الشارح الجامع ، و أوغلوا في بلاد المشرق أي إيغال ، و قادوا الجيوش إليها مقادة أبي رغال في كلام له إلى أن قال : و قطع السبل و أخافوها ، و جاسوا خلال الديار و طافوها ، و ملأوا قلوب المؤمنين رعباً و سحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً ، و حكموا سيوفهم في رقاب أهلها و أطلقوا يد التخريب في وعرها و سهلها ، و لا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث ، و أن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الآخرة منها .

قال المؤلف رحمه الله : فقد كملت بحمد الله خرجاتهم ، و لم يبق إلا قتلهم و قتالهم ، فخرجوا على العراق الأول و الثاني كما ذكرناه ، و خرجوا في هذا الوقت على العراق الثالث بغداد و ما اتصل بها من البلاد ، و قتلوا جميع من كان فيها من الملوك و العلماء و الفضلاء و العباد، و حصروا ميا فارقين و استباحوا جميع من فيها من الملوك و المسلمين ، و عبروا الفرات إلى أن وصلوا إلى مدينة حلب فخربوها ، و قتلوا من فيها إلى أن تركوها خالية يباباً ، ثم أوغلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام ، و فلقوا بسيوفهم الرؤوس و الهام ، و دخل رعبهم الديار المصرية و لم يبق إلا الحوق بالدار الأخروية ، فخرج إليهم من مصر الملك المظفر الملقب بقطز رضي الله عنه بجميع من معه من المعسكر ، و قد بلغت الحناجر القلوب و الأنفس بعزيمة صادقة و نية خالصة ، إلى أن التقى بعين جالوت فكان له عليهم من النصر و الظفر ، كما كان لطالوت فقتل منهم جمع كثير و عدد غزير ، و انجلوا عن الشام من ساعتهم و رجع جميعه كما كان إلى الإسلام ، و عبروا الفرات منهزمين ، و رأوا ما لم بشاهدوه منذ زمان و لا حين ، و راحوا خائبين خاسرين مدحورين أذلاء صاغرين .

 باب منه و ما جاء في ذكر البصرة و الأيلة و بغداد و الإسكندرية

أبو داود الطيالسي قال : حدثنا الحشرج بن نباتة الكوفي ، حدثنا سعيد بن جيهان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لتنزلن طائفة من أمتي أرضاً يقال لها البصرة و يكثر بها عددهم و نحلهم ، ثم يجيء قوم من بني قنطورا عراض الوجوه صغار الأعين ، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له دجلة ، فيتفرق المسلمون ثلاث فرق : أما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق البادية فهلكت ، و أما فرقة فتأخذ على أنفسها و كفرت و هذه و تلك سواء ، و أما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظهورهم و يقاتلون فقتلاهم شهداء ، و يفتح الله على بقيتهم .

و خرجه أبو داود السختياني في سننه بمعناه . فقال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني سعيد بن جيهان : حدثنا مسلم بن أبي بكرة قال : سمعت أبي يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها و تكون من أمصار المهاجرين . قال ابن يحيى و هو محمد . قال معمر : و يكون من أمصار المسلمين، فإذ كان آخر الزمان جاء بنو قنطورا عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق : فرقة تأخذ أذناب البقر و البرية و هلكوا ، و فرقة يأخذون لأنفسهم و كفروا ، و فرقة يجعلون ذريتهم خلف ظهورهم و يقاتلون و هم الشهداء .

قال أبو داود : و حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم قال : سمعت أبي يقول : انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا : إلى جنبكم قرية يقال لها الأيلة قلنا : نعم . قال : من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً و يقول لأبي هريرة . سمعت خليلي يقول : إن الله بيعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم .

ذكر الخطيب أبو بكر بن أحمد بن ثابت في تاريخ بغداد أنبأنا أبو القاسم الأزهري ، حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن المنادني قال : ذكر في إسناد شديد الضعف ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن أبي قيس عن علي رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : تبنى مدينة بين الفرات و دجلة يكون فيها شر ملك بني العباس و هي الزوراء يكون فيها حرب مقطعة تسبى فيها النساء و يذبح فيها الرجال كما تذبح الغنم قال أبو قيس فقيل لعلي رضي الله عنه يا أمير المؤمنين : قد سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم الزوراء ، فقال : لأن الحرب تزور في جوانبها حتى تطبقها .

و قال أرطأة بن المنذر قال رجل لابن عباس و عنده حذيفة بن اليمان أخبرني عن تفسيرقوله تعالى حم * عسق فأعرض عنه حتى أعاد ثلاثاً ، فقال حذيفة : أنا أنبأك بها قد عرفت لم تركها . نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين بشق النهر بينهما شقاً ، فإذا أراد الله زوال ملكهم و انقطاع دولتهم بعث الله على إحداها ناراً ليلاً فتصبح سوداء مظلمة ، فتحترق كلها كأنها لم تكن في مكانها فتصبح صاحبتها متعجبة كيف قلبت فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد ، ثم يخسف الله بها و بهم جميعاً فذلك حم * عسق أي عزيمة من عزمات الله و فتنة و قضاء حم أي حم ما هم كائن ع عدلاً منه س سيكون ق واقع في هاتين المدينتين .

و نظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : تبنى مدينة بين دجلة و دجيل و قطربل و الفرات يجتمع فيها جبابرة الأرض تجيء إليها الخزائن يخسف بها . و في رواية يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة و قرأ ابن عباس [ حم عسق ] بغير عين و كذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود ، حكاه الطبري . و قال العباس و كان علي يعرف الفتن بها .

و ذكر القشيري و الثعلبي في تفسيرهما أن النبي صلى الله عليه و سلم لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه فقيل له يا رسول الله : ما أحزنك ؟ قال : أخبرت ببلايا تصيب أمتي من خسف و قذف و نار تحشرهم و ريح تقذفهم في البحر و آيات متتابعات بنزول عيسى و خروج الدجال لفظ الثعلبي .

و قد روي حديث الزوراء محمد بن زكريا الغلابي ، و أسند عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : أما هلاكها على يد السفياني كأني بها ، و الله قد صارت خاوية على عروشها و محمد بن زكريا قال الدارقطني كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و ذكر ابن وهب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قيل له بالاسكندرية : إن الناس قد فزعوا فأمر بسلاحه و فرسه فجاءه رجل فقال من أين هذا الفزع ؟ قال : سفن تراءت من ناحية قبرس . قال : انزعوا عن فرسي . قال : قلنا اصلحك الله إن الناس قد ركبوا . فقال : ليس هذا بملحمة الإسكندرية إنما يأتون من ناحية المغرب من نحو أنطابلس فيأتي مائة ثم مائة حتى عدد تسعمائة .

و خرج الوائلي أبو نصر في كتاب الإبانة من حديث رشدين بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن كعب قال : إني لأجد في كتاب الله المنزل على موسى بن عمران أن للإسكندرية شهداء يستشهدون في بطحائها خير من مضى و خيرمن بقى ، و هم الذين يباهي الله عز و جل بهم شهداء بدر.

فصل

قوله : المجان يفتح الجيم جمع مجن بكير الميم و هو الترس و المطرقة هي التي قد عدلت بطراق ، و هو الجلد الذي يغشاه شبه وجوههم في عرضها و نتوء وجناتها بالترسة و المطرقة . و في الصحاح و المجان المطرقة التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة ، و يقال : أطرقت بالجلد و العصب أي لبست و ترس مطرق ، و قوله : نعالهم الشعر أي يصنعون من الشعر حبالاً و يصنعون منها نعالاً كما يصنعون منه ثيابهم ، و يشهد لهذا قوله يلبسون الشعر و يمشون في الشعر هذا ظاهره ، و يحتمل أن يريد بذلك أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذ أسدلوها كاللباس و ذوائبها لوصولها إلى أرجلهم كالنعال ، و الأول أظهر و الله أعلم . و قوله : ذلف الأنف أي غلاظها يقال: أنف إذا كان فيه غلظ و انبطاح و أنوف ذلف ، و الاصطلام : الاستئصال و أصله من الصلم و هو القطع .

قوله : بغائط الغائط المطمئن من الأرض ، و البصرة الحجارة الرخوة و بها سميت البصرة ، و بنوا قنطورا هم الترك يقال إن قنطورا جارية كانت لإبراهيم عليه السلام ولدت له أولاداً من نسلهم الترك . و قيل : هم من ولد يافث و هم أجناس كثيرة ، فمنهم أصحاب مدن و حصون ، و منهم قوم في رؤوس الجبال و البراري و الشعاب ليس لهم عمل غير الصيد ، ومن لم يصد منهم ودج دابته فشوى الدم في مصران فأكله ، و هم يأكلون الرخم و الغربان و غيرهما و ليس لهم دين ، و منهم من كان على دين المجوسية ، و منهم من تهود و ملكهم الذي يقال له خاقان يلبس الحرير و تاج الذهب و يحتجب كثيراً ، و فيهم بأس شديد ، و فيهم سحر و أكثرهم مجوس .

و قال وهب بن منبه : الترك بنو عم يأجوج وز مأجوج يعني أنهم كلهم من ولد يافث .

و قيل : إن أصل الترك أو بعضهم من اليمن من حمير ، و قيل فيهم : إنهم من بقايا قوم تبع ، و الله أعلم . ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإبانة .

باب

ذكر أبو نعيم الحافظ عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يوشك أن يملأ الله أيديكم مالك العجم ثم يجعلهم أسداً لا يفرون فيقتلون مقاتلكم ، و يأكلون فيئكم غريب من حديث يونس تفرد به عنه حماد .

باب ما جاء في فضل الشام و أنه معقل من الملاحم

البزار ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي ، فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري ، فعمد به إلى الشام ألا و إن الإيمان حين تقع الفتن بالشام خرجه أبو بكر أحمد بن سلمان النجار ، و قال عود الإسلام . قال أبو محمد عبد الحق : هذا حديث صحيح ، و لعل هذه الفتن هي التي تكون عند خروج الدجال ، و الله و رسوله أعلم .

قلت : و خرجه الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الحكم بن عبد الله بن خطاف الأزدري و هو متروك، عن الزهري عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : هب رسول الله صلى الله عليه و سلم من نومه مذعوراً و هو يرجع فقلت : مالك بأبي أنت و أمي ؟ قال : سل عمود الإسلام من تحت رأسي ثم رميت بصري ، فإذا هو قد غرز في وسط الشام فقيل لي يا محمد إن الله اختار لك الشام و جعلها لك عزاً و محشراً و منعة ، و ذكر أن من أراد الله به خيراً أسكنه الشام و أعطاه نصيبه منها ، و من أراد الله به شراً أخرج سهماً من كنانته فهي معلقة وسط الشام فرماه به فلم يسلم دنيا و لا أخرى .

و روي عن عبد الملك بن حبيب أن قال : حدثني من أثق به أن الله عز و جل قال للشام : أنت صفوتي من أرضي و بلادي ليسكنك خيرتي من خلقي و إليك المحشر من خرج منك رغبة عنك فبسخط مني عليه ، و من دخلك رغبة فيك فبرضى مني دخلك .

أبو داود ، عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام .

و ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي الزاهرية قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: معقل المسلمين من الملاحم دمشق ، و معقلهم من الرجال بيت المقدس ، و معقلهم من يأجوج و مأجوج الطور .

قلت : هذا صحيح ثبت معناه مرفوعاً في غير ما حديث وسيأتي .

باب ما جاء أن الملاحم إذا وقعت بعث الله جيشاً يؤيد به الدين

ابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا وقعت الملاحم بعث الله جيشاً من الموالي هم أكرم العرب فرساناً و أجوده سلاحاً يؤيد الله بهم الدين .

باب ما جاء في المدينة و مكة و خرابهما

مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تبلغ المساكن أهاب أو يهاب قال زهير : قلت لسهيل فكم ذاك من المدينة ؟ قال كذا و كذا ميلاً .

أبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح قال الزهري : و سلاح قريب من خيبر.

قلت : المسالح : المطالع و يقال القوم مستعد بهم في المراصد و يرتبون لذلك ، و سموا بذلك لحملهم السلاح ، و قال الجوهري : و المسلحة كالثغر و المرقب . و في الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب قال بشر :

بكل قياد مسنفة عنود أضر بها المسالح و الفرار

القياد : حبل تقاد به الدابة . و المسنف : المتقدم . يقال : أسنف الفرس أي تقدم الخيل ، فإذا سمعت في الشعر مسنفة بكسر النون ، فهي من هذا و هي الفرس التي تتقدم الخيل في سيرها، و العنود : من عند الطريق يعند بالضم عنوداً أي عدل فهم عنود ، و العنود أيضاً من النوق التي ترعى ناحية ، و الجمع عند . و منه قوله تعالى : إنه كان لآياتنا عنيداً أي مجانياً للحق معانداً له معرضاً عنه . يقال عند الرجل إذا عتا و جاوز قدره .

مسلم عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : تتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي السباع و الطير ، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدان و حشاً حتى إذا بلغ ثانية الوداع خرا على و جهيهما

و عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمدينة : ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي يعني السباع و الطير و عن حذيفة قال : أخبرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة .

و ذكر أبو زيد عمر بن شبه في كتاب المدينة على ساكنها الصلاة و السلام عن أبي هريرة قال : ليخرجن أهل المدينة خير ما كانت . نصفها زهو و نصفها رطب قيل و من يخرجهم منها يا أبا هريرة ؟ قال : أمراء السوء .

قال أبوزيد ، و حدثنا سليمان بن أحمد قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير ، عن جابر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليها إليها فيعمرونها حتى تمتلىء ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبداً .

و خرج عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليخرجن أهل المدينة ثم ليعودون إليها ، ثم ليخرجن منها ثم لا يعودون إليها أبداً ، و ليدعنها و هي خير ما تكون مونقة . قبل فمن يأكلها ؟ قال الطير و السباع.

و خرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : و الذي نفسي بيده لتكونن بالمدينة ملحمة يقال لها الحالقة لا أقول حالقة الشعر ، و لكن حالقة الدين فاخرجوا من المدينة و لو على قدر بريد.

وعن الشيباني قال : لتخربن المدينة و البنود قائمة . البنود جمع بند و هو العلم الكبير قاله في النهاية . قال مسلم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : يخرب الكعبة ذو السويقتين رجل من الحبشة . البخاري عن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً الفحج : تباعد ما بين الفخذين .

و في حديث حذيفة الطويل عنه صلى الله عليه و سلم : كأني بحبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن ، و أصحابه ينقضونها حجراً حجراً و يتناولنها حتى يرموا بها إلى البحر يعني الكعبة ذكره أبو الفرج بن الجوزي و هو حديث فيه طول ، و قال أبو عبيدة القاسم بن سلام في حديث علي عليه السلام استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم و بينه ، فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع أحمش الساقين قاعد عليها و هي تهدم.

قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن هشام بن حسان ، عن حفصة ، عن أبي العالية ، عن علي قال الأصمعي قوله أصعل هكذا يروى ، فأما كلام العرب فهو صعل بغير ألف و هو الصغير الرأس الحبشة كلهم قال ، و الأصمع الصغير الأذن يقال منه رجل أصمع و امرأة صمعاء و كذلك غير الناس .

أبو داود الطيالسي ، عن أبي هريرة ، النبي صلى الله عليه و سلم يبايع لرجل بين الركن و المقام و أول من يستحل هذا البيت أهله فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ، ثم تجيء الحبشة فيخربونه خراب لا يعمر بعده أبداً و هم الذين يستخرجون كنزه . ذكر الحليمي فيما ذكر أنه يكون في زمن عيسى عليه السلام ، و أن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين الحبشي قد سار إلى البيت لهدمه ، فيبعث إليه عيسى عليه السلام طائفة من الناس ما بين الثمان إلى التسع.

و ذكر أبو حامد في كتاب مناسك الحج له و غيره ، و يقال : لا تغرب الشمس يوماً إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدل ، و لا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به و احد من الأوتاد، و إذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس و قد رفعت الكعبة ليس فيها أثر ، و هذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ، ثم يرتفع القرآن من المصاحف فيتصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف ، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة واحدة ، ثم ترجع الناس إلى الأشعار و الأغاني و أخبار الجاهلية ، ثم يخرج الدجال و ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقتل الدجال و الساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب تتوقع ولادتها . و في الخبر استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين و يرفع في الثالثة .

قال المؤلف رحمه الله و قيل : إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من صدور الناس و من المصاحف ، و ذلك بعد موت عيسى عليه السلام و هو الصحيح في ذلك على ما يأتي بيانه .

 

فصل :

ثبت في الصحيح الدعاء للمدينة و الحث على سكناها . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي على الناس زمن يدعو الرجل ابن عمه و قريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء و المدينة خير لهم كانوا يعلمون ، و الذي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث . لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد رواه أبو هريرة و خرجه مسلم .

خرج عن سعيد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء .

و نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه و مثل هذا كثير و هو خلاف ما تقدم ، و إذا كان هذا فظاهره التعارض و ليس كذلك ، فإن الحض على سكناها ربما كان عند فتح الأمصار و وجود الخيرات بها ، كما جاء في حديث سفيان بن أبي زهير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : تفتح اليمن فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم و من أطاعهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح الشام فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم و من أطاعهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعملون ، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم و من أطاعهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون رواه الأئمة و اللفظ لمسلم فحض صلى الله عليه و سلم على سكناها حين أخبر بانتقال الناس عنها عند فتح الأمصار ، لأنها مستقر الوحي و فيها مجاورته ، ففي حياته صحبته و رؤية و جهه الكريم و بعد و فاته مجاورة حدثه الشريف و مشاهدة آثاره العظيمة ، و لهذا قال : لا يصبر أحد على لأوائها و شدتها إلا كنت شفيعاً أو شهيداً له يوم القيامة . و قال : من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن مات بها ثم إذاتغيرت الأحوال و اعتورتها الفتن و الأهوال كان الخروج منها غير قادح و الانتقال منها حسناً غير قادح .

فصل :

و أما قوله : من أراد أهل المدينة بسوء فذلك محمول على زمانه و حياته ، كما في الحديث الآخر لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه و قد خرج منها بعد موته صلى الله عليه و سلم من الصحابة من لم يعوضها الله خيراً منه ، فدل على أن ذلك محمول على حياته ، فإن الله تعالى كان يعوض أبداً رسوله صلى الله عليه و سلم خيراً ممن رغب عنه و هذا واضح ، و يحتمل أن يكون قوله : أذابه الله كناية عن إهلاكه في الدنيا قبل موته ، و قد فعل الله ذلك بمن غزاها و قاتل أهلها كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله عند مصرفه عنها إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير. بلاه الله بالماء الأصفر في بطنه فمات بقديد بعد الوقعة بثلاث .

و قال الطبري مات بهرشي و ذلك بعد الوقعةبيثلاث ليال ، و هرشي جبل من بلاد تهامة على طريق الشام و المدينة قريب من الجحفة ، و كإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغرائه أهل المدينة حرم النبي المختار و قتله بها بقايا المهاجرين و الأنصار ، فمات بعد هذه الوقعة و إحراق الكعبة بأقل من ثلاثة أشهر ، و لأنه توفي بالذبحة و ذات الجنب في نصف ربيع الأول بحوارين من قرى حمص ، و حمل إلى دمشق و صلى عليه ابنه خالد . و قال المسعودي : صلى عليه ابنه معاوية و دفن في مقبرة باب الصغير ، و قد بلغ سبعاً و ثلاثين سنة فكانت ولايته ثلاث سنين و ثمانية أشهر و اثني عشر يوماً .

فصل :

و أما قوله : تتركون المدينة حدثنا المخاطب فمرداه غير المخاطبين ، لكن نوعهم من أهل المدينة أو نسلهم و على خير ما كانت عليه فيما قبل ، و قد و جد هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه و سلم و ذلك أنها صارت بعده صلى الله عليه و سلم معدن الخلافة و موضعها ، و مقصد الناس و ملجأهم معلقهم حتى تنافس الناس فيها و توسعوا في خططها و غرسوا و سكنوا منها ما لم يسكن قبل ، و بنوا فيها و سيدوا حتى بلغت المساكن أهاب ، فلما انتهت حالها كمالاً و حسناً تناقص أمرها إلى أن أقفرت جهاتها بتغلب الأعراب عليها و توالي الفتن فيها ، فخاف أهلها و ارتحلوا عنها و صارت الخلافة بالشام ، و وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزي في جيش عظيم من أهل الشام ، فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم و قتلهم بحرة المدينة قتلاً ذريعاً و استباح المدينة ثلاثة أيام ، فسميت و قعة الحرة لذلك ، و فيه يقول الشاعر :

فإن تقتلونا يوم حرة واقم فإنا على الإسلام أول من قتل

و كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا لذي الحجة سنة ثلاث و ثلاثين و يقال لها حرة زهرة ، و كانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقتل بقايا المهاجرين و الأنصار و خيار التابعين و هم ألف و سبع مائة ، و قتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء و الصبيان ، و قتل بها من حملة القرآن سبعمائة رجل من قريش ، و سبعة و تسعون قتلوا جهراً ظلماً في الحرب و صبراً .

و قال الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم في المرتبة الرابعة و جالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم و بالت وراثت بين القبر و المنبر أدام الله تشريفها ، و أكره الناس على أن يبايعوا ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع و إن شاء أعتق ، و ذكر له يزيد بن عبد الله بن زمعة البيعة على حكم القرآن و السنة ، فأمر بقتله فضربت عنقه صبراً .

و ذكر الأخباريون أنها خلت من أهلها و بقيت ثمارها لعوافي الطير و السباع كما قال صلى الله عليه و سلم ، ثم تراجع الناس إليها و في حال خلوها غدت الكلاب على سواري المسجد ، و الله أعلم .

و ذكر أبو زيد عمر بن شبة قال : حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد أنه قرأ كتاباً بالكعبة : ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم أمر يفزعهم حتى يتركوها و هي مذللة ، و حتى تبول السنانير على قطائف الخز ما يروعها شيء ، و حتى تخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء ، و أما قوله في الراعيين حتى إذا بلغا ثنية المداع خرا على وجهيهما فقيل سقطا ميتين.

قال علماؤنا : و هذا إنما يكون في آخر الزمان و عند انقراض الدنيا بدليل ما قال البخاري في هذا الحديث : آخر من يحشر راعيان من مزينة . قيل : معناه آخر من يموت فيحشر ، لأن الحشر بعد الموت ، و يحتمل أن يتأخر حشرها لتأخر موتهما . قال الداودي أبو جعفر أحمد بن نصر في شرح البخاري له : و قوله الراعيين ينعقان بغنمهما يعني يطلبان الكلأ .

و قوله : و حشا يعني خالية ، و قوله ثنية الوداع يعني موضعاً قريباً من المدينة مما يلي مكة.

و قوله : خرا على و جهيهما يعني أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى و هو الموت .

و قوله : آخر من يحشر يعني أنهما بأقصى المدينة فيكونان في أثر من يبعث منها ليس أن بعض الناس يخرج بعد بعض من الأجداث إلا بالشيء المتقارب يقول الله تعالى : إن كانت إلا صيحة واحدةً فإذا هم جميع لدينا محضرون .

و قوله النبي صلى الله عليه و سلم يصعق الناس فأكون أول من تنشق عنه الأرض ، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أو كان من الذين استثنى الله .

و قال شيخنا أبو العباس القرطبي : و يحتمل أن يكون معناه آخر من يحشر إلى المدينة أي يساق إليها ، كما في كتاب مسلم رحمه الله تعالى .

قال المؤلف رحمه الله : و قد ذكر ابن شبة خلاف هذا كله ، فذكر عن حذيفة بن أسيد قال : آخر الناس يحشر رجلان من مزينة يفقدان الناس ، فيقول أحدهما لصاحبه : قد فقدنا الناس منذ حين انطلق بنا إلى شخص بني فلان ، فينطلقان فلا يجدان بها أحداً ، ثم يقول : انطلق بنا إلى المدينة فينطلقان فلا يجدان بها أحداً ، ثم يقول : انطلق بنا إلى منازل قريش ببقيع الغرقد فينطلقان فلا يريان إلا السباع و الثعالب فيوجهان نحو البيت الحرام .

و قد ذكر عن أبي هريرة قال : [ آخر من يحشر رجلان رجل من جهينة و آخر من مزينة فيقولان : أين الناس فيأتيان المدينة فلا يريان إلا الثعلب ، فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجهيهما حتى يلحقاهما بالناس ] .

فصل :

و أما قوله في حديث أبي هريرة : يبايع لرجل بين الركن و المقام فهو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان على مانذكره أيضاً يملك الدنيا كلها . و الله أعلم .

فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان و كافران . فالمؤمنان سليمان بن داود و الإسكندر ، و الكافران نمروذ و بخت نصر ، و سيملكها من هذه الأمة خامس و هو المهدي .

باب ـ في الخليفة الكائن في آخر الزمان المسمى بالمهدي و علامة خروجه

مسلم عن أبي نضيرة قال : كنا جلوساً عند جابر بن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجيء قفيز و لا درهم . قلنا : من أين ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذلك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجيء دينار و لا مدى . قلنا من أين لك ذلك ؟ قال من قبل الروم ، ثم سكت هنيهة ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يكون في آخر الزمان خليفة يحثى المال حثياً و لا يعده عداً قيل لأبي نضرة و أبي العلاء تريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا : لا .

أبو داود ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره فيبايعونه بين الركن و المقام و يبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام و عصائب العراق فيبايعونه ، ثم ينشر رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب ، و الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيغتم المال و يعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه و سلم و يلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض ، فيلبث سبع سنين ثم يتوفى و يصلي عليه المسلمون .

و ذكر ابن شبة فقال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن مسلمة قال : حدثنا أبو المهزم عن أبي هريرة قال : يجيء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة فيقتل المقاتلة و يبقر بطون النساء و يقولون للحبلى في البطن اقتلوا صبابة السوء فإذا علوا البيداء من ذي الخليفة خسف بهم فلا يدرك أسفلهم أعلاهم ، ولا أعلاهم أسفلهم ، قال أبو المهزم : فلما جاء جيش ابن دلجة قلناهم فلم يكونوا هم .

قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو ضمرة الليثي ، عن عبد الرحمن بن الحرب بن عبيد ، عن هلال بن طلحة الفهري قال : قال كعب الأحبار : تجهز يا هلال قال فخرجنا حتى إذا كنا بالعقيق ببطن المسيل دون الشجرة و الشجرة يومئذ قائمة . قال يا هلال إني أجد صفة الشجرة في كتاب الله . قلت هذه الشجرة قال : فنزلنا فصلينا تحتها ثم ركبنا حتى إذا استوينا على ظهر البيداء قال يا هلال : إني أجد صفة البيداء ، قلت أنت عليها قال : و الذي نفسي بيده إن في كتاب الله جيشاً يؤمون البيت الحرام ، فإذا استووا عليها نادى آخرهم أولهم ارفقوا، فخسف بهم و بأمتعتهم و أموالهم و ذرياتهم إلى يوم القيامة ، ثم خرجنا حتى إذا انهبطت رواحلنا أدنى الروحاء قال يا هلال : إني أجد سفة الروحاء . قال قلت الآن حين دخلنا الروحاء . قال : و حدثنا أحمد بن عيسى قال : و حدثنا ابن عيسى قال : و حدثنا عبيد الله بن وهب قال : و حدثني ابن لهيعة ، عن بشر بن محمد المعفري قال : سمعت أبا نواس يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إذا أخسف الجيش بالبيداء فهو ظهور المهدي .

قلت : و لخروجه علامتان يأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى .

فصل :

قوله : ثم سكت هنية بضم الهاء و تشديد الياء أي مدة يسيرة بتصغيرهن ، و يروى بهاءين . و رواه الطبري هنيئة مهموز و هو خطأ لا وجه له . فيه دلالة على صدق النبي صلى الله عليه و سلم حيث أخبر عما سيكون بعد فكان . و مثله الحديث الآخر : منعت العراق درهمها و قفيزها الحديث . أي ستمنع و أتى بلفظ الماضي في الأخبار ، لأنه ماض في علم الله أنه سيكون كقوله عز من قائل أتى أمر الله فلا تستعجلوه و المعنى أنه لا يجيء إليها كما جاء مفسراً في هذا الحديث ، و معناه و الله أعلم سيرجعون عن الطاعة و يأبون من إذا ما وظف عليهم في أحد الأمر ، و ذلك أنهم يرتدون عن الإسلام و عن أداء الجزية ، و لم يكن ذلك في زمانه ، و لكن أخبر أنهم سيفعلون ذلك . و قوله يحثي المال حثياً قال ابن الأنباري أعلى اللغتين حثاً يحثي و هو أصح و أفصح ، و يقال حثاً يحثو و يحثي و احث بكسر الثاء و ضمها كلها لمعنى اغرف بيديك .

باب ـ منه في المهدي و خروج السفياني عليه و بعثه الجيش لقتاله و أنه الجيش الذي يخسف به

روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: و ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق و المغرب فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق و جيشاً إلى المدينة ، فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزل بأرض بابل في المدينة الملعونة و البقعة الخبيثة يعني مدينة بغداد قال فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف و يفتضون أكثر من مائة امرأة ، و يقتلون بها أكثر من ثلاثمائة كبش من ولد العباس ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش على ليلتين فيقتلونهم حتى لا يفلت منهم مخبر ، و يستنقذون ما في أيديهم من السبي و الغنائم ، و يحل جيشه الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام و لياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء ، بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل إذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، و ذلك قوله تعالى عز و جل و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير و الآخر نذير و هما من جهينة و لذلك جاء القول : و عند جهينة الخبر اليقين .

قلت : حديث حذيفة هذا فيه طول ، و كذلك حديث ابن مسعود فيه ثم إن عروة بن محمد السفياني يبعث جيشاً إلى الكوفة خمسة عشر ألف فارس ، و يبعث جيشاً آخر فيه خمسة عشر ألف راكب إلى مكة و المدينة لمحاربة المهدي و من تبعه ، فأما الجيش الأول فإنه يصل إلى الكوفة فيتغلب عليها و يسبي من كان فيها من النساء و الأطفال و يقتل الرجال و يأخذ ما يجد فيها من الأموال ، ثم يرجع فتقوم صيحة بالمشرق ، فيتبعهم أمير من أمراء بني تميم يقال له شعيب بن صالح ، فيستنفذ ما في أيديهم من السبي و يرد إلى الكوفة . و أما الجيش الثاني فإنه يصل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم فيقاتلونها ثلاثة أيام ، ثم يدخلونها عنوة و يسبون ما فيها من الأهل و الولد ، ثم يسيرون نحو مكة أعزها الله لمحاربة المهدي و من معه، فإذا وصلوا إلى البيداء مسحهم الله أجمعين فذلك قول الله تعالى و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و أخذوا من مكان قريب .

و قد ذكر خبر السفياني مطولاً بتمامة أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادى في كتاب الملاحم له ، و أنه الذي يخسف بجيشه . قال : و اسمه عتبة بن هند ، و هو الذي يقوم في أهل دمشق فيقول يا أهل دمشق : أنا رجل منكم و أنت خاصتنا جدي معاوية بن أبي سفيان و ليكم من قبل فأحسن و أحسنتم ، و ذكر كلاماً طويلاً إلى أن ذكر كتابه إلى الجرهمي و هو على ما يليه من أرض الشام ، و أتىالبرقي و هو على ما يليه من حد برقة و ما وراء برقة من المغرب إلى أن قال : فيأتي الجرهمي فيبايعه و اسم الجرهمي عقيل بن عقال ، ثم يأتيه البرقي و اسم البرقي همام بن الورد ، ثم ذكر مسيره إلى أرض مصر و قتاله لملكها فيقتلون على قنطرة الفرما أو دونها بسبعة أيام ، ثم ينصر أهل مصر و قد قتل منهم زهاء سبعين ألفاً ونيفاً ثم يصالحه أهل مصر و يبايعونه فينصرف عنهم إلىالشام ، ثم ذكر تقدميه الأمراء من العرب رجل من حضرموت ، و لرجل من خزاعة ، و لرجل من عبس ، و لرجل من ثعلبة ، و ذكر عجائب و أن جيشه الذي يخسف بهم تبتلعهم الأرض إلى أعناقهم و تبقى رؤوسهم خارجة ، ويبقى جميع خيلهم و أموالهم و أثقالهم و خزائنهم و جميع مضاربهم و السبي على حاله إلى أن يبلغ الخبر الخارج بمكة ، و اسمه محمد بن علي من ولد السيط الأكبر الحسن بن علي فيطوي الله تعالى له الأرض فيبلغ البيداء من يومه ، فيجد القوم أبدانهم داخلة في الأرض و رؤوسهم خارجة و هم أحياء فيحمد الله عز و جل هو و أصحابه و ينتحبون بالبكاء ، و يدعون الله عز و جل و يسبحونه و يحمدونه على حسن صنيعه إليهم و يسألونه تمام النعمة و العافية ، فتبلغهم الأرض من ساعتهم يعني أصحاب السفياني و يجد الحسنى العسكر على حاله و السبي على حاله ، و ذكر أشياء كثيرة الله أعلم بصحتها أخذها من كتاب دانيال فيما زعم .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : و دانيال نبي من أنبياء إسرائيل كلامه عبراني و هو على شريعة موسى بن عمران ، و كان قيل عيسى بن مريم بزمان ، و من أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه و سلم ، فقد سقطت عدالته إلا أن يبين وضعه لتصح أمانته . و قد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم و ما كان من الحوادث و سيكون ، و جمع فيه التنافي و التناقض بين الضب و النون ، و أغرب فيما أغرب في روايته عن ضرب من الهوس و الجنون ، و فيه من الموضوعات ما يكذب آخرها أولها و يتعذر على المتأول لها تأويلها و ما يتعلق به جماعة الزنادفة من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه و سلم أن في سنة ثلاثمائة يظهر الدجال من يهودية أصبهان ، و قد طعنا في أوائل سبعمائة في هذا الزمان و ذلك شيء ما وقع و لا كان و من الموضوع فيه المصنوع و التهافت الموضوع الحديث الطويل الذي استفتح به كتابه ، فهلا اتقى الله و خاف عقابة ، و أن من أفضح فضيحة في الدين نقل مثل هذه الاسرائيليات عن المتهودين ، فإنه لا طريق فيما ذكر عن دانيال إلا عنهم و لا رواية تؤخذ في ذلك إلا منهم .

و قد روى البخاري في تفسير سورة البقرة ، عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا .

و قد ذكر في كتاب الاعتصام أن ابن عباس قال : كيف تسألونه أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزله الله على رسوله أحدث شيء تقرؤونه محضاً لم يشب ، و قد حدثكم أهل الكتاب بدلوا كلام الله و غيروه ، و قد كتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا و الله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم .

قال ابن دحية رضي الله عنه : و كيف يؤمن من خان الله و كذب عليه و كفر و استكبر و فجر . و أما حديث الدابة فقد نطق بخروجها القرآن و وجب التصديق بها و الإيمان . قال الله تعالى و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم و كنت بالأندلس قد قرأت أكثر من كتب المقرئ الفاضل أبي عمر عثمان بن سعيد بن عثمان توفي سنة أربع و أربعين و أربعمائة فمن تأليفه : كتاب السنن الواردة بالفتن و غوائلها و الأزمنة و فسادها و الساعة و أشراطها ، و هو مجلد مزج فيه الصحيح بالسقيم ، و لم يفرق فيه بين نسر و ظلم ، و أتى بالموضوع و أعرض عما ثبت من الصحيح المسموع ، فذكر الدابة في الباب الذي نصه باب ما روي أن الوقعة التي تكون بالزوراء و ما يتصل بها من الوقائع و الآيات و الملاحم و الطوام ، و أسند ذلك عن عبد الرحمن ، عن سفيان الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن ربعي بن خداش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تكون وقيعة بالزوراء قالوا يا رسول الله و ما الزوراء ؟ قال : مدينة بالمشرق بين أنهارها يسكنها شرار خلق الله و جبابرة من أمتي تعذب بأربعة أصناف من العذاب . ثم ذكر حديث خروج السفياني في ستين و ثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق ، ثم ذكر خروج المهدي قال و اسمه أحمد بن عبد الله ، و ذكر خروج الدابة . قال : قلت يا رسول الله : و ما الدابة ؟ قال : ذات وبر و ريش عظمها ستون ميلاً ليس يدركها طالب و لا يفوتها هارب ، و ذكر يأجوج و مأجوج و أنهم ثلاثة أصناف : صنف مثل الأرز الطوال ، و صنف آخر منهم عرضه و طوله سواء عشرين و مائة ذراع في عشرين و مائة ذراع في عشرين و مائة ذراع هم الذين لا يقوم لهم الحديد ، و صنف يفترش إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى . و هذه الأسانيد عن حذيفة في عدة أوراق ظاهرة الوضع و الاختلاف ، و فيها ذكر مدينة يقال لها [ المقاطع ] و هي على البحر الذي لا يحمل جارية قال لأنه ليس له قعر إلى أن قال حذيفة قال عبد الله بن سلام : و الذي بعثك بالحق إن صفة هذه في التوراة طولها ألف ميل و عرضها خمسمائة ميل. قال : لارسول الله صلى الله عليه و سلم لها ستون و ثلاثمائة باب يخرج من كل باب منها مائة ألف مقاتل قال الحطافظ أبو الخطاب رضي الله عنه : و نحن نرغب عن تسويد الورق بالموضوعات فيه ، و نثبت الصحيح الذي يقربنا من إله الأرضين و السموات ، فعبد الرحمن الذي يرويه عن الثوري هو ابن هانئ أبو نعيم النخعي الكوفي قال يحيى بن معين : كذاب ، و قال أحمد : ليس بشيء ، و قال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه ، و قد رواه عن الثوري عمر بن يحيى بالسند المذكور آنفاً ، و قال : تعذب بأربعة أصناف بخسف و مسح و قذف قال البرقاني و لم يذكر الرباع و عم ابن يحيى متروك الحديث .

و قد روى حديث الزوراء محمد بن زكريا الغلابي ، و أسند عن علي رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : أما أن هلاكها على يد السفياني كأني و الله بها قد صارت خاوية على عروشها ، و محمد بن ذكريا الغلابي قال أبو الحسن الدارقطني : كان يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و عظم هذه الدابة المذكورة ، و طول يأجوج و مأجوج على تلك الصورة يدل على وضع هذا الحديث بالتصريح ، و يقطع العاقل بأنه ليس بصحيح ، لأنه مثل هذا القدر في العظم و الطول يشهد على كذب واضعه في المنقول ، و أي مدينة تسع طرقاتها دابة عرضها ستون ميلاً ارتفاعاً ، و أي سبيل يضم يأجوج و مأجوج و أحدهم طولاً و عرضا مائتان و أربعون ذراعاً . لقد اجترأ هذا الفاسق على الله العزيز الجبار بما اختلقه على نبيه المختار ، فقد صح عنه بإجماع من أئمة الآثار أنه قال : من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ثم يطرق إلينا تكذيب اليهود لنا فيما نقلناه عن توراتهم و يكذبوننا بسبب ذلك في كل حال .

مسلم ، عن أم سلمة و سئلت عن الجيش الذي يخسف به ، و كان ذلك في أيام ابن الزبير فقالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوذ بالبيت عائذ فيبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ، فقلت يا رسول الله : وكيف بما كان كارهاً ؟ قال : يخسف به معهم ، و لكنه يبعث يوم القيامة على نيته و قال أبو جعفر : هي بيداء المدينة . و قال عبد العزيز بن رفيع : إنما قال ببيداء من الأرض قال كلا إنها و الله لبيداء المدينة ، و عن عبد الله بن صفوان قال : أخبرتني حفصة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوسطهم و ينادي أولهم آخرهم ، ثم يخسف بهم فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم أخرجه ابن ماجه و زاد . فلما جاء جيش الحجاج ظننا أنهم هم فقال رجل : أشهد أنك لم تكذب على حفصة ، و إن حفصة لم تكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم . و عنه عن أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليس لهم منعة و لا عدد و لاعدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم قال يوسف بن ماهك : و أهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة ، قال عبد الله بن صفوان : أما و الله ما هو بهذا الجيش .

فصل

قوله : ليس له منعة . بفتح الميم و النون أي جماعة يمنعونه و هو مانع و هو أكثر الضبط فيه ، و يقال : بسكون النون أي عزة و امتناع يمتنع بها اسم الفعلة من منع أو الحال بتلك الصفة أو مكان بتلك الصفة ، و أنكر أبو حاتم السجستاني إسكان النون و ليس في هذه الأحاديث أنه يخسف بأمتعتهم ، و أنما فيها أنه يخسف بهم .

باب منه آخر في المهدي و ذكر من يوطئ له ملكه

ابن ماجه ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلا واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ، فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبواً على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي . إسناده صحيح .

و خرج عن عبد الله بن الحارث بن جز الزبيدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه .

و خرج أبو داود عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد صلى الله عليه و سلم و عليهم كما مكنت قريش للنبي صلى الله عليه و سلم وجبت على كل مؤمن نصرته أو قال إعانته .

باب منه آخر في المهدي و صفته و اسمه و إعطائه و مكثه و أنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتال الدجال

أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يكون في أمتي المهدي أن قصر فسبع و إلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا بمثلها قط ، تؤتى أكلها و لا تترك منهم شيئاً و المال يومئذ كرؤوس . يقم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ .

و خرج عنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف تملأ الأرض قسطاً و عدلا كما ملئت جوراً و ظلماً فيملك سبع و سنين .

و ذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أبي هارون العبدي ، عن معاوية بن قرة ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلايا تصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض ، لا تدع السماء شيئاً من قطرها إلا صبته مدراراً و لا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء أن لا موات . يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمانين سنين أو تسع سنين .

و يروى هذا من غير وجه عن أبي سعيد الخدري أبو داود .

و عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم قال زائدة في حديثه لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أمتي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي خرجه الترمذي بمعناه و قال : حديث حسن صحيح .

و في حديث حذيفة الطويل مرفوعاً فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى تأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه و يظهر الإسلام .

و خرج الترمذي ، عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا صلى الله عليه و سلم حدث فسألنا النبي قال: إن في أمتي المهدي ، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ـ زيد للشك قلنا و ما ذاك ؟ قال : يجيء إليه الرجل فيقول : يا مهدي أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله قال : هذا حديث حسن .

و ذكر أبو نعيم الحافظ من حديث محمد بن الحنفية ، عن أبيه علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله عز و جل في ليلة أو قال في يومين .

فصل

وقع في كتاب الشهاب : لا يزداد الأمر إلا شدة ، و لا الدنيا إلا إدباراً ، و لا الناس إلا شحاً ، و لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ، و لا مهدي إلا عيسى بن مريم .

قلت : خرجه ابن ماجه في سننه . قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال : حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا يزداد الأمر إلا شدة فذكره . قال ابن ماجه لم يروه إلا الشافعي.

قال المؤلف رحمه الله : و خرجه أبو الحسين الأجري قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد البرذعي في المسجد الحرام ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري فذكره . فقوله و لا مهدي إلا عيسى يعارض أحاديث هذا الباب . فقيل إن هذا الحافظ : الجندي هذا مجهول و اختلف عليه في إسناده قتادة يرويه عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلاً مع ضعف أبان ، و تارة يرويه عن أبان ابن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم بطوله ، فهو منفرد به مجهول عن أبان و هو متروك عن الحسن منقطع و الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه .

قلت : و نور ضريحه ، و ذكر أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا محمد بن خالد الجندي روى عن أبان بن صالح ، عن الحسن البصري ، و روى فيه الإمام بن إدريس بن الشافعي رضي الله عنه و هو راوي حديث: لا مهدي إلا عيسى بن مريم و هو مجهول ، و قد وثقه يحيى بن معين روى له ابن ماجه . قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الأبري السجزي : قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه و سلم يعني المهدي ، و أنه من أهل بيته و أنه سيملك سبع سنين ، و أنه يملأ الأرض عدلاً يخرج مع عيسى عليه السلام ، فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين ، و أنه يؤم هذه الأمة و عيسى صلوات الله عليه يصلي خلفه في طول من قصته و أمره .

قلت : و يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام : و لا مهدي إلا عيسى أي لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى ، و على هذا تجتمع الأحاديث و يرتفع التعارض .

باب منه في المهدي و من أين يخرج و في علامة خروجه و أنه يبايع مرتين و يقاتل السفياني و يقتله

تقدم من حديث أم سلمة و أبي هريرة أن المهدي يبايع بين الركن و المقام ، و ظاهر أنه لم يبايع و ليس كذلك ، فإنه روي من حديث ابن مسعود و غيره من الصحابة أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى يمشي النصر بين يديه أربعين ميلاً راياته بيض و صفر فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مكتوب : فلا تهزم له راية ، و قيام هذه الرايات و انبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسنة من قبل المغرب ، فيعقد هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم ميثاق النصر و الظفر أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون الحديث بطوله و فيه : [ فيأتي الناس من كل جانب و مكان فيبايعونه يومئذ بمكة و هو بين الركن و المقام ، و هو كاره لهذه المبايعة الثانية بعد البيعة الأولى التي بايعه الناس بالمغرب ، ثم إن المهدي يقول : أيها الناس اخرجوا إلى قتال عدو الله و عدوكم فيجيبونه و لا يعصون له أمراً، فيخرج المهدي و من معه من المسلمين من مكة إلى الشام لمحاربة عروة بن محمد السفياني و كل من معه من كلب ، ثم يتبدد جيشه ثم يوجد عروة السفياني على أعلى شجرة و على بحيرة طبرية ، و الخائب من خاب يومئذ من قتال كلب و لو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة ] .

فيروى عن حذيفة أنه قال : قلت يا رسول الله : كيف يحل قتلهم و هم مسلمون موحدون؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إنما إيمانهم على ردة لأنهم خوارج و يقولون برأيهم إن الخمر حلال و مع ذلك إنهم يحاربون الله ، قال الله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم . و ذكر الحديث و سيأتي تمامه .

و خبر السفياني خرجه عمرو بن عبيد في مسنده ، و الله أعلم .

و روى من حديث معاوية بن أبي سفيان في حديث فيه طول ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ستفتح بعدي جزيرة تسمى بالأندلس فتغلب عليهم أهل الكفر فيأخذون من أموالهم و أكثر بلدهم و يسبون نساءهم و أولادهم و يهتكون الأستار و يخربون الديار و يرجع أكثر البلاد فيافي و قفاراً ، و تنجلي أكثر الناس عن ديارهم و أموالهمفيأخذون أكثر الجزيرة و لا يبقى إلا أقلها ، و يكون في المغرب الهرج و الخوف ، و يستولي عليهم الجوع و الغلاء ، و تكثر الفتنة و يأكل الناس بعضهم بعضاً ، فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو المهدي القائم في آخر الزمان و هو أول أشراط الساعة .

قلت : كل ما وقع في حديث معاوية هذا فقد شاهدنا بتلك البلاد وعاينا معظمه إلا خروج المهدي .

و يروي من حديث شريك أنه بلغه أن قبل خروج المهدي تكسف الشمس في رمضان مرتين و الله أعلم .

و ذكر الدراقطني في سننه قال : حدثنا أبو سعيد الإصطخري قال : حدثني محمد بن عبد الله بن نوفل ، حدثنا عبيد بن يعيش ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عمر بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي قال : إن لمهدينا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات و الأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان ، و تنكسف الشمس في النصف منه و لم يكونا منذ خلق الله السماوات و الأرض .

باب ما جاء أن المهدي يملك جبل الديلم و القسطنطينية و يستفتح رومية و أنطاكية و كنيسة الذهب و بيان قوله تعالى فإذا جاء وعد أولاهما الآية

ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله عز و جل حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم و القسطنطينة إسناده صحيح .

و روى من حديث حذيفة عن النبي و فيه بعد قوله ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم ، ثم إن المهدي و من معه من المسلمين يأتون إلى مدينة أنطاكية و هي مدينة عظيمة على البحر ، فيكبرون عليها ثلاثة تكبيرات فيقع سورها من البحر بقدرة الله عز و جل ، فيقتلون الرجال و يسبون النساء و الأطفال ، و يأخذون الأموال ثم يملك المهدي أنطاكية ، و يبني فيها المساجد و يعمر عمارة أهل الإسلام ، ثم يسيرون إلى الرومية و القسطنطينية و كنيسة الذهب ، فيقتحمون القسطنطينية و رومية و يقتلون بها أربعمائة ألف مقاتل ، و يفتضون بها سبعين ألف بكر ، و يستفتحون المدائن و الحصون و يأخذون الأموال ، و يقتلون الرجال و يسبون النساء و الأطفال و يأتون كنيسة الذهب فيجدون فيها الأموال التي كان المهدي أخذها أول مرة ، و هذه الأموال هي التي أودع فيها ملك الروم قيصر حين غزا بيت المقدس ، فوجد في بيت المقدس هذه الأموال فأخذها و احتملها على سبعين ألف عجلة إلى كنيسة الذهب بأسرها كاملة ، كما أخذها ما نقص منها شيئاً فيأخذ المهدي تلك الأموال فيردها إلى بيت المقدس ، قال حذيفة قلت يا رسول الله . لقد كان بيت المقدس عند الله عظيماً جسيم الخطر عظيم القدر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو من أجل البيوت ابنتاه الله لسيمان بن داود عليهما السلام من ذهب و فضة و در و ياقوت و زمرد ، و ذلك أن سليمان بن داود سخر الله له الجن فأتوه بالذهب و الفصة من المعادن ، و أتوه بالجواهر و الياقوت و الزمرد من البحار يغوصون كما قال الله تعالى كل بناء و غواص فلما أتوه بهذه الأصناف بناه منها ، فجعل فيه بلاطاً من ذهب و بلاطاً من فضة ، و أعمدة من ذهب ، و أعمدة من فضة و زينه بالدر و الياقوت و الزمرد ، و سخر الله تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الأصناف . قال حذيفة : فقلت يا رسول الله و كيف أخذت هذه الأشياء من بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن بني إسرائيل لما عصوا و قتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بخت نصر و هو من المجوس فكان ملكه سبعمائة سنة و هو قوله تعالى فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعداً مفعولاً فدخلوا بيت المقدس و قتلوا الرجال و سبوا النساء و الأطفال و أخذوا الأموال و جميع ما كان في بيت المقدس من هذه الأصناف ، و احتملوها على سبعين ألف عجلة حتى أودعوها

أرض بابل ، و أقاموا يستخدمون بني إسرائيل و يستملكونهم بالخزي و العقاب و النكال مائة عام ، ثم إن الله عز و جل رحمهم فأوحى الله إلى ملك من ملوك فارس أن يسير إلى المجوس في أرض بابل يستنقذ ما في أيديهم من بني إسرائيل ، فسار إليهم ذلك الملك حتى ذلك أرض بابل ، فاستنقذ من بقي من بني إسرائيل من أيدي المجوس و استنقذ ذلك الحلى الذي كان في بيت المقدس ورده إليه كما كان أول مرة ، و قال لهم يا بني إسرائيل : إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالسبي و القتل ، و هو قوله تعالى عسى ربكم أن يرحمكم و إن عدتم عدنا يعني إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة ، فلما رجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس عادوا إلى المعاصي ، فسلط الله عليهم ملك الروم قيصر و هو قوله تعالى: فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا فغزاهم في البر و البحر فسبقهم و قتلهم و أخذ أموالهم و نساءهم و أخذ حلى جميع بيت المقدس ، و احتمله على سبعين ألف عجلة حتى أودعه كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذه المهدي و يرده إلى بيت المقدس ، و يكون المسلمون ظاهرين على أهل الشرك ، فعند ذلك يرسل الله عليهم ملك الروم و هو الخامس من آل هرقل على ما تقدم من تمام الحديث ، و الله أعلم .

باب ما جاء في فتح القسطنطينية من أين تفتح و فتحها علامة خروج الدجال و نزول عيسى عليه السلام و قتله إياه

مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا و بين الذين سبوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا و الله لا نخلي بينكم و بين الذين هم إخواننا فيقاتلهم فيهزم الثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، و يقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، و يفتح الثلث لا يفتتنون أبداً فيفتحون القسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم و قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهلكم فيخرجون و ذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال و يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى بن مريم فأمهم فإذ رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ، و لكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته .

و خرج ابن ماجه قال : حدثنا علي بن ميمون الرقي قال : حدثنا يعقوب الحنيني عن كثير بن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ، ثم قال يا علي يا علي يا علي ثم قال يا بني قال : إنكم ستقاتلون بني الأصفر و يقاتلهم الذين من بعدكم حتى يخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ثم فيفتحون قسطنطينية بالتسبيح و التكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ، فيأتي آت فيقول إن المسيح قد خرج إلى بلادكم ألا و هي كذبة فالآخذ نادم و التارك نادم .

و خرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سمعتم بمدينة جانب منها في البر و جانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح و لم يرموا بسهم . قالوا لا إله إلا الله و الله أكبر فيسقط أحد جانبيها . قال ثور لا أعلمه قال إلا الذي في البحر ثم يقولون الثانية لا إله إلا الله و الله أكبر فيسقط جانبها الآخر ، ثم تقول الثالثة لا إله إلا الله و الله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون ، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء و يرجعون .

الترمذي عن أنس قال : فتح القسطنطينية مع قيام الساعة هكذا رواه موقوفاً و قال حديث غريب . و القسطيطينية مدينة الروم و تفتح عند خروج الدجال و القسطنطينية قد فتحت في زمن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم .

قلت : هو عثمان بن عفان ذكر الطبري في التاريخ له ، ثم دخلت سنة سبع و عشرين ففيها كان فتح أفريقية على يد عبد الله بن أبي سرح ، و ذلك أن عثمان رضي الله عنه لم ولي عمرو بن العاص على عمله بمصر كان لا يعزل أحداً إلا عن شكاية ، و كان عبد الله بن أبي سرح من جند عثمان ، فأمره عثمان رضي الله عنه على الجند و رماه بالرجال و سرحه إلى أفريقية ، و سرح معه عبد الله بن نافع بن قيس ، و عبد الله بن نافع بن الحصين الفهريني ، فلما فتح عبد الله أفريقية خرج عبد الله و عبد الله إلى الأندلس ، فأتياها من قبل البحر ، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه إلى من انتدب إلى الأندلس :

أما بعد : فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس ، و إنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في الآجر فيقال إنها فتحت في تلك الأزمان ، و ستفتح مرة أخرى كما في أحاديث هذا الباب ، و الذي قبله ، و قد قال بعض علماؤنا : أن حديث أبي هريرة أول الباب يدل على أنها تفتح بالقتال ، و حديث ابن ماجه يدل على خلاف ذكل مع حديث أبي هريرة ، و الله أعلم .

قلت : لعل فتح المهدي يكون لها مرتين . مرة بالقتال و مرة بالتكبير ، كما أنه يفتح كنيسة الذهب مرتين ، فإن المهدي إذا خرج بالمغرب على ما تقدم جاءت إليه أهل الأندلس فيقولون يا ولي الله : انصر جزيرة الأندلس فقد تلفت و تلفت أهلها و تغلب عليها أهل الكفر و الشرك من أبناء الروم ، فيبعث كتبه إلى جميع قبائل المغرب و هم قزولة و خذالة و قذالة و غيرهم من القبائل من أهل المغرب أن انصروا دين الله و شريعة محمد صلى الله عليه و سلم فيأتون إليه من كل مكان و يجيبونه و يقفون عند أمره و يكون على مقدمته صاحب الخرطوم و هو صاحب الناقة الغراء و هو صاحب المهدي و ناصر دين الإسلام و ولى الله حقاً ، فعند ذلك يبايعونه ثمانون ألف مقاتل بين فارس و راجل قد رضي الله عنهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون فباعو أنفسهم لله و الله ذو الفضل العظيم ، فيعبرون البحر حتى ينتهوا إلى حمص و هي إشبيلية ، فيصعد المهدي المنبر في المسجد الجامع و يخطب خطبة بليغة ، فيأتي إليه أهل الأندلس فيبايعه جميع من بها من أهل الإسلام ، ثم يخرج بجميع المسلمين متوجهاً على البلاد بلاد الروم ، فيفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم يخرجها من أيدي العدو عنوة . الحديث .

و فيه : ثم إن المهدي و من معه يصلون إلى كنيسة الذهب فيجدون فيها أموالاً ، فيأخذها المهدي فيقسمها بين الناس بالسوية ، ثم يجد فيها تابوت السكينة و فيها غفارة عيسى و عصا موسى عليهما السلام و هي العصا التي هبط بها آدم من الجنة حين أخرج منها ، و كان قيصر ملك الروم قد أخذها من بيت المقدس في جملة السبي حين سبي بيت المقدس ، و احتمل جميع ذلك إلى كنيسة الذهب فهو فيها إلى الآن حتى يأخذها المهدي ، فإذا أخذ المسلمون العصا تنازعوا عليها فكل منهم يريد أخذ العصا ، فإذا أراد الله تمام أهل الإسلام من الأندلس خذل الله رأيهم و سلب ذوي الألباب عقولهم ، فيقمسون العصا على أربعة أجزاء فيأخذ كل عسكر منهم جزءاً و هم يومئذ أربعة عساكر ، و إذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم الظفر و النصر و وقع الخلاف في ذلك بينهم . قال كعب الأحبار : و يظهر عليهم أهل الشرك حتى يأتوا البحر ، فيبعث إليهم ملكاً في صورة إبل فيجوز بهم القنطرة التي بناها ذو القرنين لهذا المعنى خاصة ، فيأخذ الناس وراءه حتى يأتوا إلى مدينة فارس و الروم و وراءهم ، فلا يزالون كذلك كلما ارتحل المسملون مرحلة ارتحل المشركون كذلك ، حتى يأتوا إلى أرض مصر و الروم وراءهم ، و في حديث حذيفة و يتملكون مصر إلى الفيوم ، ثم يرجعون و الله تعالى أعلم .