باب أشراط الساعة و علاماتها التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب أشراط الساعة و علاماتها

فأما وقتها فلا يعمله إلا الله . و في حديث جبريل : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل الحديث خرجه مسلم .

و كذلك روى الشعبي قال : لقي جبريل عيسى عليه السلام فقال له عيسى : متى الساعة ؟ فانتفض جبريل عليه السلام في أجنحته و قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السموات و الأرض لا تأتكيم إلا بغتة .

و ذكر أبو نعيم من حديث مكحول عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للساعة أشراط قيل : و ما أشراطها ؟ قال : علو أهل الفسق في المساجد ، و ظهور أهل المنكر على أهل المعروف قال أعرابي : فم تأمرني يا رسول الله ؟ قال : دع و كن حلساً من أحلاس بيتك غريب من حديث مكحول لم نكتبه إلا من حديث حمزة النصيبي عن مكحول .

فصل

قال العلماء رحمهم الله تعالى : و الحكمة في تقديم الأشراط و دلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم و حثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة و الإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم و بين تدارك العوارض منهم ، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم و انقطعوا عن الدنيا ، و استعدوا للساعة الموعود بها و الله أعلم. و تلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا و انقضائها . فمنها : خروج الدجال ، و نزول عيسى ، و قتله الدجال ، و منها خروج يأجوج و مأجوج و دابة الأرض ، و منها طلوع الشمس من مغربها هذه هي الآيات هذه هي الآيات العظام على ما يأتي بيانه و أما ما يتقدم من هذه قبض العلم و غلبة الجهل و استيلاء أهله و بيع الحكم و ظهور المعازف و استفاضة شرب الخمور و اكتفاء النساء و الرجال بالرجال و إطالة البنيان و زخرفة المساجد و إمارة الصبيان و لعن آخر هذه الأمة أولها و كثرة الهرج فإنها أسباب حادثة ، و رواية الأخبار المنذرة بها بعدما صار الخبر بها عياناً تكلف ، لكن لا بد من ذكرها حتى يوقف عليها و يتحقق بذلك معجزة النبي صلى الله عليه و سلم و صدقه في كل ما أخبر به صلى الله عليه و سلم .

باب قول النبي صلى الله عليه و سلم : بعثت أنا و الساعة كهاتين

مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثت أنا و الساعة كهاتين و ضم السبابة و الوسطى .

و روي من طرق أخرجها البخاري ، و مسلم ، و الترمذي ، و ابن ماجه رضي الله عنهم . و معناها كلها على اختلاف ألفاظها تقريب من الساعة التي هي القيامة و سرعة مجيئها و هذا كما حدثنا الله تعالى فقد جاء أشراطها و قوله و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر و قوله تعالى :

اقترب للناس حسابهم و قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر و قال : أتى أمر الله فلا تستعجلوه .

و يروي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أنزل عليه قوله تعالى أتى أمر الله وثب فلما أنزل تستعجلوه جلس . قال بعض العلماء إنما وثب عليه الصلاة و السلام خوفاً منه أن تكون الساعة قد قامت ، و قام الضحاك و الحسن : أول أشرطها محمد صلى الله عليه و سلم و روى موسى ابن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال علي عليه السلام : من اقتراب الساعة ظهور البواسير و موت الفجاءة .

فصل

إن قيل ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل جبريل عن الساعة فقال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل الحديث فهذا يدل على أنه لم يكن عنده علم و رويتم عنه أنه قال بعثت أنا و الساعة كهاتين و هذا يدل على أنه كان عالماً فكيف يتألف الخبران ؟ قيل له قد نطق القرآن بقوله الحق قل إنما علمها عند ربي الآية فلم يكن يعلمها هو و لا غيره، و أما قوله بعثت أنا و الساعة كهاتين فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر ، و إنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى و ليس بينهما أصبع أخرى ، و هذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها و هي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة ، و قد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال فقد جاء أشراطها أي دنت ، و أولها النبي صلى الله عليه و سلم لأنه نبي آخر الزمان ، و قد بعث و ليس بيني و بين القيامة نبي ثم بين صلى الله عليه و سلم ما يليه من الأشراط ، فقال : أن تلد الأمة ربتها إلى غير ذلك مما سنذكره و نبينه بحول الله تعالى في أبواب إن شاء الله تعالى .

باب أمور تكون بين يدي الساعة

البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ، و حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله ، و حتى يقبض العلم و يكثر الزلازل و يتقارب الزمان و يظهر الفتن و يكثر الهرج و هو القتل ، و حتى يكثر فيكم المال فيفيض ، و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، و حتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه ، و حتى يتطاول الناس في البنيان ، و حتى يمر الرجل يقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه ، و حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً و لتقومن الساعة و قد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه و لا يطويانه ، و لتقومن الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه و لتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ـ و لتقومن الساعة و قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها.

فصل:

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : هذه ثلاث عشرة علامة جمعها أبو هريرة في حديث واحد ، و لم يبق بعد هذا ما ينظر فيه من العلامات و الأشراط في عموم إنذار النبي صلى الله عليه و سلم بفساد الزمان و تغيير الدين و ذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة و الأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة . و من ذلك حديث ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن رسول الله : أن في سنة مائتين يكون كذا و كذا ، و في العشر و المائتين يكون كذا و كذا ، و في العشيرين كذا و في الثلاثين كذا ، و في الأربعين كذا ، و في الخمسين كذا ، و في الستين و المائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنة و الإنس ، فهل كان هكذا و قد مضت هذه المدة ، و هذا شيء يعم و سائر الأمور التي ذكرت قد تكون في بلدة و تخلو منه أخرى ، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق و لا غرب ، فإن كان المائتين من الهجرة فقد مضت ، و إن كان من موت النبي صلى الله عليه و سلم فقد مضت و أيضاً دلالة أخرى على أنه مفتعل أن التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و إنما وضعوه على عهد عمر رضي الله عنه ، فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقال في سنة مائتين أو سنة عشرين و مائتين و لم يكن وضع شيء من التاريخ ؟ .

و كذلك ما روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم : إذا كانت سنة تسع و تسعين و خمس مائة يخرج المهدي في أمتي على خلاف من الناس يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض ، و يفتح الله له كنوز الأرض ، و تنزل السماء قطرها ، و تخرج الأرض ثمرها ، و يزرع الزارع في الأرض صاعاً فيصيب مائة صاع ، و يذهب الغلاء و القحط و الجوع عن الناس ، و يجوز إلى الأندلس و يقيم فيها و يملكها تسع سنين ، و يستفتح فيها سبعين مدينة من مدائن الروم و يغنم رومية و كنيسة الذهب ، فيجد فيها تابوت السكينة و فيها غفارة عيسى و عصا موسى عليهما السلام ، فيكسرون العصا على أربعة أجزاء ، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم النصر و الظفر ، و يخرج عليهم ذو العرف في مائة ألف مقاتل بعد أن يتحالف الروم أنهم لا يرجعون أو يموتون ، فينهزم المسلمون حتى يأتوا سرقسطة البيضاء ، فيدخلوها بإن الله تعالى و يكرم الله من فيها بالشهادة و لا يكون للمسلمين بعد خراب سرقسطة سكنى و لا قرار بالأندلس ، و ينتهون إلى قرطبة فلا يجدون فيها أحداً لما أصاب الناس من شدة الفزع من الروم يهربون من الأندلس يريدن العدو ، فإذا اجتمعوا على ساحل البحر ازدحموا على المراكب فيموت منهم خلق كثير ، فينزل الله إليهم ملكاً في صورة إبل فينجو من نجا و غرق من غرق.

قلت : كل ما جاء في هذا الحديث المذكور في حديث حذيفة و غيره ، و إنما المنكر فيملك الروم و الأندلس إلى خروج الدجال .

و منه تعيين التاريخ و قد كان سنة و تسعين و خمسمائة و لم يكن شيء من ذلك ، بل كان بالأندلس تلك السنة وقعة الأرك التي أهلك الله فيها الروم ، و لم يزل المسملون في نعمة و سرور إلى سنة تسع و ستمائة فكانت فيها وقعة العقاب هلك فيها كثير من المسلمين ، و لم يزل المسلمون في تلك الوقعة بالأندلس يرجعون القهقرى إلى أن استولى عليهم العدو و غلبهم بالفتن الواقعة بينهم و التفصيل يطول ، ولم يبق الآن من الأندلس إلا اليسير ، فنعوذ بالله من الفتن و الخذلان و المخالفة و العصيان و كثرة الظلم و الفساد و العدوان . و الذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من الفتن و الكوائن أن ذلك يكون و تعيين الزمان في ذلك من سنة كذا و يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر ، و إنما ذلك كوقت قيام الساعة فلا يعلم أحد أي سنة هي و لا أي شهر إما أنها تكون في يوم جمعة في آخر ساعة منه و هي الساعة التي خلق فيها آدم عليه السلام ، و لكن أي جمعة لا يعلم تعيين ذلك اليوم إلا الله وحده لا شريك له ، و كذلك ما يكون من الأشراط تعيين الزمان لها لا يعلم ، و الله أعلم .

و قد سمعت من بعض أصحابنا : أنا ما وقع من التاريخ في حديث أبي سعيد الخدري إنما ذلك بعد المائة التي قال النبي صلى الله عليه و سلم إن يعيش هذا الغلام فعس هذا أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة . و في رواية : قال أنس ذلك الغلام من أترابي يومئذ . خرجه مسلم .

و في حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما على الأرض نفس منفوسة يعني اليوم يأتي عليها مائة سنة .

قال أبو عيسى : هذا الحديث حسن صحيح .

و معلوم أن أنس توفي في عشر المائة بالبصرة ، فعلى هذا يكون سنة سبع و تسعين و ست مائة ، و هذا لم يجيء بعد ، فالله تعالى أعلم .

قال المؤلف رحمه الله : و بحديث أبي سعيد الخدري و ابن عمر و جابر استدل من قال إن الخضر ميت ليس بحي ، و قال الثعالبي في كتاب العرائس : و الخضر على جمع الأقوال نبي معمر محجوب عن الأبصار .

و ذكر عمرو بن دينار قال : إن الخضر و إلياس لا يزالان يحييان في سورة ، فإذا رفع القرآن ماتا ، و هذا هو الصحيح في الباب على ما بيناه في سورة الكهف من كتاب جامع أحكام القرآن ، و الحمد الله .

 فصل

و أما الثلاث عشرة خصلة : فقد ظهر أكثرها من ذلك قوله عليه الصلاة و السلام لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة يريد فيه معاوية و علياً كرم الله وجهه بصفين ، و قد تقدم الإشارة إليهما قال القاضي أبو بكر بن العربي و هذا أول خطب طرق في الإسلام .

قلت : بل أول أمر دهم الإسلام موت النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم بعده موت عمر .

فبموت النبي صلى الله عليه و سلم انقطع الوحي و ماتت النبوءة ، و كان أول أظهر الشر بارتداد العرب و غير ذلك، و كان أول انقطاع الخير و أول نقصانه ، قال أبو سعيد : ما نقصنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أنكرنا قلوبنا .

و قال أبو بكر الصديق في أبيات يرثي بها النبي صلى الله عليه و سلم :

فلتحدثن حوادث من بعده تعنى بهن جوانح و صدور

و قالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثى بها النبي صلى الله عليه و سلم :

لعمرك ما أبكي النبي لفقده و لكن ما أخشى من الهرج آتيا

و بموت عمر سل سيف الفتنة و قتل عثمان ، و كان من قضاء الله و قدره ما يكون ، و كان على ما تقدم و قوله : حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين .

الدجال ينطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها . أحدها الكذاب كما جاء في هذا الحديث.

و صحيح مسلم : يكون في آخر الزمان دجالون كذابون الحديث ، و لا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلا يذهب بناء المبالغة منه ، فلا يقال إلا دجالون ، كما قال عليه الصلاة و السلام و إن كان قد جاء مكسراً و هو شاذ أنشد سيبويه لابن مقبل :

إلا الإفادة فاستولت ركائبنا عند الجبابير بالبأساء و النقم

و قال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة نحن أخرجناه من المدينة. قال عبد الله بن إدريس الأودي : و ما عرفت أن دجالاً يجمع على دجالة حتى سمعتها من مالك بن أنس .

و قوله : قريب من ثلاثين قد جاء عددهم معيناً في حديث حذيفة قال : قال رسول الله : تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة و عشرون . منهم أربع نسوة ، و أنا خاتم النبيين و لا نبي بعدي خرجه أبو نعيم الحافظ و قال : هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام ، و وجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي بن المديني .

و قال القاضي عياض : هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمني النبي إلى الآن ممن أشهر بذلك و عرف و اتبعه جماعة على ضلالته ، لوجد هذا العدد فيهم و من طالع كتاب الأخبار و التواريخ عرف صحة هذا .

و قوله : حتى يقبض العلم ، فقد قبض العمل به و لم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه . و قوله : و تكثر الزلازل فقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير ، و قد شاهدنا بعضها بالأندلس و سيأتي و قوله : ويتقارب الزمان قيل : المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر ، كما هو اليوم لغلبة الفسق و ظهور أهله . و في الحديث : لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل و صلاح و خوف الله عز و جل يلجأ إليهم عند الشدائد ويستقسي بآرائهم و يتبرك بدعائهم و آثارهم ، و قيل : غير هذا حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا و الذي بعده شر منه .

و قوله : حتى يكثر فيكم المال فيفيض و حتى يهم رب المال من يقبل صدقته هذا مما لم يقع بل يكون على ما يأتي ورب مفعول يهم و من يقبل فاعل يهم . يقال : أهمني ذلك الأمر أحزنني و أقلقني وهمه يهمه إذا بالغ في ذلك و قوله : حتى يتطاول الناس في البنيان هذا مشاهد في الوجوه مشاهدته تغني عن الكلام فيه .

و قوله : حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه . ذلك لما يرى من عظيم البلاء و ربح الأعداء و غبن الأولياء و رئاسة الجهلاء و خمول العلماء و استيلاء الباطل في الأحكام ، و عموم الظلم و الجهر بالمعاصي و استيلاء الحرام على أموال الخلق و التحكم في الأبدان و الأموال و الأعراض بغير حق ، كما في هذا الزمان ، و قد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي صلى الله عليه و سلم بادروا بالأعمال ستاً . الحديث .

و روى الأعمش سليمان بن مهران ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي نضرة ، عن عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر رضي الله عنه : يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة ، و يغبط الرجل باختفائه عن السلطان و جفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه و كرامته عليه ، و حتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه ، فيقول يا ليتني مكان هذا . قال قلت يا أبا ذر : و إن ذلك من أمر عظيم ؟ قال : يا ابن أخي عظيم عظيم .

قلت : هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق ، و تغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق ، فباعوا الأحكام و رضي بذلك منهم الحكام ، فصار الحكم مكساً و الحق عكساً لا يوصل إليه و لا يقدر عليه . بدلوا دين الله و غيروا حكم الله سماعون للكذب أكالون للسحت و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و الظالمون و الفاسقون في الكفار خاصة كلها ، و قيل عامة . فيمن بدل حكم الله و غيره قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله : اليهود و النصاري ؟ قال : فمن .

و لقد أحسن ابن المبارك حيث يقول في أبيات له :

و هل أفسد الدين إلا الملوك و أخبار سوء و رهبانها

و قوله : حتى تطلع الشمس من مغربها إلى آخره يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى و اللقحة : الناقة العزيزة اللبن ، و يليط يصلح . يقال : لاط حوضه يليط و يلوط ليطاً و لوطاً إذا لطخه بالطين و أصلحه ، و الأكلة بضم الهمزة اللقمة فإذا كانت بمعنى المرة الواحدة فهي بالفتح لأنها مصدر ، و هي المرة الواحدة من الأكل كالضربة من الضرب ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله ، و اقترب من ذلك رفع الأكلة و هي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه ، و كذلك القول في المتتابعين من نشر الثوب و طبه ، فاعلمه .

باب منه

أبو نعيم الحافظ عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيكون في آخر الزمان عباد جهال و قراءة فسقة هذا حديث غريب من حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت و هو قاض بصري في حديثه نكارة .

قلت : صحيح المعنى لما ظهر في الوجود من ذلك . و قال مكحول : [ يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة الحمار ] .

و قد خرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال : حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا حوشب بن عبد الكريم : حدثنا حماد بن زين عن أبان عن أنس قال : قال رسول الله يكون في آخر زمان ديدان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و هم الأنتنون ، ثم تظهر قلانس البرد فلا يستحى يومئذ من الزنا و المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمرة و المتمسك يومئذ بدينه أجره كأجر خمسين قالوا : منا أو منهم ؟ قال : بل منكم .

و أخرج الدارمي أبو محمد قال : أخبرنا محمد بن المبارك : حدثنا صدقة بن خالد ، عن ابن جابر ، عن شيخ يكنى أبا عمرو ، عن معاذ بن جبل قال : سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة و لا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب . أعمالهم طمع لا يخالطهم خوف إن قصدوا قالوا سنبلغ ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا . إنا لا نشرك بالله شيئاً ، و قد تقدم في باب وقودها الناس و الحجارة حديث العباس بن عبد المطلب و فيه ثم يأتي أقوام يقرأون القرآن فإذا قرأوه قالوا من قرأ منا من أعلم منا ، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئك من خير ؟ قالوا : لا قال أولئك منكم و أولئك من هذه الأمة و أولئك هم وقود النار .

باب منه

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى تضطرب اليات دوس حول ذي الخلصة و كانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلة .

و عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تذهب الليالي حتى يملك رجل يقال له الجهجاه في غير مسلم رجل من الموالي يقال له جهجاه ، فسقط من رواية الجلودي من الموالي و هو خطأ . و عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان بسوق الناس بعصاه . و خرج البخاري و مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى.

الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : عليكم بالشام قال حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر . البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب .

الترمذي عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم و تجتلدوا بأسيافكم و يرث دنياكم شراركم قال هذا حديث غريب خرجه ابن ماجه أيضاً .

و ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه قال ، فقعد الذئب على تل فأقعى و استقر و قال : عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ثم انتزعته مني ، فقال الرجل بالله إن رأيت كاليوم ، ذئب يتكلم ! فقال الذئب أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى و ما هو كائن بعدكم . قال : فكان الرجل يهودياً ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره و أسلم فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : إنها أمارات بين يدي الساعة قد يوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه و سوطه بما أحدث أهله بعده . و يروى هذا عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري و فيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق الراعي إلا أن من أشراط الساعة كلام السباع للإنس ، و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ، و حتى تكلم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله و تخبره فخذه بحديث أهله بعده .

الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ، و حتى يكلم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله و تخبره ، فخذه بما أحدث أهله بعده قال هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرف إلا من حديث القاسم بن الفضل، و القاسم بن الفضل ثقة مأمون .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : حكم أبو عيسى بصحته و نظرنا سنده دون أن نقلده ، فوجدناه له علة . قال أبو عيسى : حدثنا سفيان بن وكيع : حدثنا أبي ، عن القاسم بن الفضل قال : حدثنا أبو نضرة العبدي ، عن أبي سعيد الخدري فذكره ، قال ابن دحية : سفيان بن وكيع لم يخرج له البخاري و مسلم حرفاً واحداً في صحيحهما ، و ذلك بسبب وراق كان له يدخل عليه الحديث الموضوع يقال له قرطمة . قال البخاري : يتكلمون في سفيان لأشياء لقنوه إياه .

و قال أبو محمد بن عدي : كان سفيام إذا لقن يتلقن ، فهذه علة الحديث التي جهلها أبو عيسى الترمذي .

مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يكثر المال و يفيض ، و حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه ، و حتى تعود أرض العرب مروجاً و أنهاراً .

فصل حول ذي الخلصة و الخلصة

ثبت حديث ذي الخلصة في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث جرير بن عبد الله البجلي إلى هذا البيت قال جرير : فنفرت إليها مائة و خمسين من أخمس فكسرناه و قتلنا من وجدنا عنده . قال أبو الخطاب بن دحية: و ذو الخلصة بضم الخاء و اللام في قول أهل اللغة و اليسير و بفتحها قيدناه في الصحيحين ، و كذا قال ابن هشام ، و قيده الإمام أبو الوليد الكنائي الوقشي بفتح الخاء و سكون اللام ، و كذا قال ابن زيد و اختلف فيه فقيل ، هو بيت أصنام كان لدوس و خثعم و بجيلة ، و من كان ببلادهم من العرب ، و قيل : هو صنم كان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة حتى نصبت الأصنام في مواضع شتى ، و كانوا يلبسونه القلائد و يعلقون عليه بيض النعام و يذبحون عنده ، و قيل : ذو الخلصة هي الكعبة اليمانية ، فكان معناهم في تسميتها بذلك أن عبادة خالصة ، و المعنى المراد بالحديث أنهم يرتدون و يرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان ، فترسل نساء دوس طائفات حوله فترتج أردافهن عند ذلك في آخر الزمان ، و ذلك بعد موت جميع من قلبه مثقال حبة من إيمان و هو كم جاء في عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا تذهب الليالي و الأيام حتى تعبد اللات و العزى الحديث و سيأتي بكماله .

و قوله : يسوق الناس بعصاه . كناية عن استقامة الناس و انقيادهم إليه و اتفاقهم عليه ، و لم يرد نفس العصا ، و إنما ضرب بها مثلاً لطاعتهم له و استيلائه عليهم إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم و عسفه بهم و قد قيل : إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل و الماشية ، و ذلك لشدة عنفه و عدواه و لعل هذا الرجل القحطاني هو الرجل الذي يقال له الجهجاه ، و أصل الجهجهة الصياح بالسبع . يقال : جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح و يقال : جهجه عني . أي انته . و هذه الصفة توافق ذكر العصا و الله أعلم .

و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من رواية عائذ بن عمرو و كان ممن بايع تحت الشجرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إن شر الرعاة الحطمة و الرعاة في اللغة جمع راع ، و ضرب رسول الله بهذا مثلاً لوالي السوء ، لأن الحطمة هو الذي يعنف بالإبل في السوق و الإيراد و الإصدار ، فيحطمها أي يكسرها و لا يكاد يسلم من فساده شيء و سواق حطم كذلك يعنف في سوقه .

و قوله : حتى تخرج نار من أرض الحجاز ، فقد خرجت نار عظمة ، و كان بدؤها زلزلة عظيمة ، و ذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع و خمسين و ستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة ، فسكنت و ظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها قرى في صورة البلد العظيم كأعظم ما يكون البلدان. عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون و أبراج و مآذن و يرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته و أذابته ، و يخرج من مجموع ذلك نهر أحمر و نهر أزرق له دوي كدوي الرعد ، يأخذ الصخور و الجبال بين يديه ، و ينتهي إلى البحرة محط الركب العراقي ، فأجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم و انتهت النار إلى قرب المدينة ، و كان يلي المدينة ببركة النبي صلى الله عليه و سلم نسيم بارد و يشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر ، و انتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها . قال لي بعض أصحابنا : و لقد رأيتها صاعدة في الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة .

قلت : و سمعت أنها رئيت من مكة و من جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم ، حتى إنها أذابت الرصاص التي عليها العمد ، فوقعت و لم يبق غير السور واقفاً ، و نشأ بعد ذلك أخذ بغداد يتغلب التتر عليها ، فقتل من كان فيها و سباه و ذلك عمود الإسلام و ماؤه ، فانتشر الخوف و عظم الكرب و عم الرعب و كثر الحزن ، فانتشار التتر في البلاد و بقي الناس حيارى سكارى بغير خليفة و لا إمام و لا قضاء فزادت المحنة و عظمت الفتنة لم يتدارك الله سبحانه بالعفو و الفضل و المنة . أما قوله : و ستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة فلعلها النار التي جاء ذكرها في حديث حذيفة .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لتقصدنكم اليوم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برجوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس و الأموال ، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طير الريح و السحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار ، و لها بين الأرض و السماء دوي كدوي الرعد القاصف . هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش قلت : يا رسول الله هي يومئذ على المؤمنين و المؤمنات ؟ قال : و أين المؤمنون و المؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر يتسافدون كما تتسافد البهائم و ليس فيهم رجل يقول : مه مه كذا رواه أبو نعيم الحافظ في باب مكحول أبي عبد الله إمام أهل الشام عن أبي سلمة عنه عن حذيفة .

و قوله : عذبة سوطه . يريد السير المعلق في طرف السوط . و في هذين الحديث ما يرد على كفرة الأطياء و الزنادقة الملحدين ، و أن الكلام ليس مرتبطاً بالهيبة و البله ، و إنما الباري جلت قدرته يخلقه متي شاء في أي شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن ، فقد كان الحجر و الشجر يسلمان عليه صلى الله عليه و سلم تسليم من نطق و تكلم. ثبت ذلك في غير ما حديث ، و هو قول أهل أصول الدين في القديم و الحديث ، و ثبت باتفاق حديث البقرة و الذئب ، و أنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه و سلم في الصحيحين . قاله ابن دحية .

و قوله : حتى تعود أرض العرب مروجاً و أنهاراً . إخبار عن خروج عادتهم من إنتاج الكلأ و مواضع العشب بحفر الأنهار وغرس الأشجار و بناء الديار .

باب منه آخر

أبو عمر بن عبد البر ، عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن بين يدي الساعة التسليم على الخاصة و فشو التجارة ، حتى تعيب المرأة زوجها على التجارة و قطع الأرحام ، و فشو القلم و ظهور شهادة الزوور و كتمان شهادة الحق قال أبو عمر ابن عبد البر : أما قوله : و فشو القلم ، فإنه أراد ظهور الكتاب و كثرة الكتاب . خرجه أبو جعفر الطحاوي بلفظه و معناه ، إلا أنه قال : حتى تعين المرأة بدل تعيب و لم يذكر و قطع الأرحام. ذكره أبو محمد عبد الحق .

و خرج أبو داود الطيالسي يقال : حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال : قال عمرو بن ثعلبة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر ، و إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة ، و إن من أشراط الساعة أن تكثر التجارة و يظهر القلم .

و ذكر ابن المبارك بن فضالة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم و يفيض المال و يظهر القلم و تكثر التجارة قال الحسن : لقد أتى علينا زمان إنما يقال تاجر بني فلان و كاتب بني فلان ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد و الكاتب الواحد ، و ذكره أبو داود الطيالسي ، عن عبد الله بن مسعود قال: كان يقال إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً و أن يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة ، و أن يتجر الرجل و امرأته جميعاً ، و أن تغلو مهور النساء و الخيل ، ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة .

باب منه

البخاري عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن من أشراط الساعة أن يقل العلم و يظهر الجهل و يظهر الزنا و تكثر النساء و يقل الرجال ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد . أخرجه مسلم من حديث أنس .

مسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحداً يأخذها منه ، قال : و يرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال و كثرة النساء .

فصل

قوله : و يرى الرجل يتبعه أربعون امرأة يريد و الله أعلم أن الرجال يقتلون في الملاحم و تبقى نساؤهم أرامل، فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن و مصالح أمورهن ، كما قال في الحديث الآخر قبله : حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد الذي يسوسهن و يقوم عليهن من بيع و شراء و أخذ و عطاء ، و قد كان هذا عندنا أو قريباً منه بالأندلس . و قيل : إن لقلة الرجال و غلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول أنكحني أنكحني ، و الأول أشبه ، و يكون معنى يلذن يستترن و يتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة.

و لقد أخبرني صاحبنا أبو القاسم رحمه الله أخو شيخنا أبو العباس أحمد ابن عمر رحمه الله : أنه ربط نحواً من خمسين امرأة واحدة بعد أخرى في حبل واحد مخافة سبي العدو حتى خرجوا من قرطبة أعادها الله . و أما ظهور الزنا ، فذلك مشهور في كثير من الديار المصرية . من ذلك مأثور ، و من ذلك إظهار الخمر و المأخوذ نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن . و أما قلة العلم ، و كثرة الجهل ، فذلك شائع في جميع البلاد ذائع أعني برفع العلم و قلة ترك العمل به ، كما قال عبد الله بن مسعود [ ليس حفظ القرآن بحفظ حروفه ، و لكن إقامة حدوده ] ذكره ابن المبارك و سيأتي هذا المعنى مبيناً مرفوعاً إن شاء الله تعالى .

باب كيف يقبض العلم

البخاري و مسلم رحمهما الله عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ، و لكن ينزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم فيضلون و يضلون .

و في رواية : حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا . انتزاعاً مصدر من غير اللفظ ، كما قال الله عز و جل و الله أنبتكم من الأرض نباتاً .

أبو داود عن سلامة بن الحر ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد الإمامة فلا يجدو إماماً يصلي بهم .

باب ما جاء أن الأرض تخرج ما في جوفها من الكنوز و الأموال

روى الأئمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً و في رواية : عن جبل من ذهب لفظ البخاري و مسلم ، و قال مسلم في رواية : فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة و تسعون و يقول كل واحد منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو و قال ابن ماجه [ فيقتل الناس عليه فيقتل من كل عشرة تسعة ] .

و خرج مسلم و الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب و الفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت، و يجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ، و يجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه لا يأخذون منه شيئاً لم يذكر الترمذي السارق و قطع يده ، و قال حديث حسن غريب .

فصل

قال الحليمي رحمه الله في كتاب منهاج الدين له ، و قال عليه الصلاة و السلام : يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً فيشبه أن يكون هذا في آخر الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن المال يفيض فيه فلا يقبله أحد ، و ذلك زمن عيسى عليه السلام ، فلعل بسب هذا الفيض العظيم ذلك الجبل مع ما يغنمه المسلمون من أموال المشركين ، و يحتمل أن يكون نهيه عن الأخذ من ذلك الجبل لتقارب الأمر و ظهور أشراطه ، فإن الركون إلى الدنيا و الاستكثار مع ذلك جهل و اغترار ، و يحتمل أن يكون إذا حرصوا على النيل منه تدافعوا و تقاتلوا ، و يحتمل أن يكون لا يجري به مجرى المعدن ، فإذا أخذه أحدهم ثم لم يجد من يخرج حق الله إليه لم يوفق بالبركة من الله تعالى فيه ، فكان الانقباض عنه أولى .

قال المؤلف رحمه الله : التأويل الأوسط هو الذي يدل عليه الحديث ، و الله أعلم .

باب في ولاة آخر الزمان و صفتهم و فيمن ينطق في أمر العامة

البخاري عن أبي هريرة قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم في مجلس يحدث القوم إذ جاء أعرابي فقال متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديثه ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال . و قال بعضهم : بل لم يسمع ما قال حتى إذا قضى حديثه قال : أين السائل عن الساعة ؟ قال : ها أنا ذا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال : و كيف إضاعتها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله : الرواية الصحيحة عند جميع رواة البخاري [ إذا وسد ] و رواه الفقيه الإمام المحدث أبو الحسن القابسي : [ أسد ] قال : و الذي أحفظ [ وسد ] و في نسخة من البخاري إشكال بين وسد أو أسد على ما قيد له لأنه كان أعمى و هما بمعنى. قال أهل اللغة : يقال إساد و وساد و اشتقاقهما واحد يقال : إساد و وسادة و وساد فمعنى قوله صلى الله عليه و سلم : إذا وسد الأمر إلى غير أهله أي أسند و جعل إليهم و قلدوه بمعنى الإمارة ، كما في زماننا اليوم ، لأن الله تعالى ائتمن الأئمة و الولاة على عباده و فرض عليهم النصيحة لهم لقوله صلى الله عليه و سلم كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته فينبغي لهم تولية أهل الدين و الأمانة للنظر في أمور الأمة ، فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم .

و خرج مسلم من حديث جبريل الطويل و فيه قال : أخبرني عن الساعة قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال : أن تلد الأمة ربتها و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان .

و في رواية : إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها ، و إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها .

الترمذي عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع قال حديث حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو.

و خرج الغيلاني أبو طالب محمد : حدثنا أبو بكر و الشافعي : حدثنا موسى بن سهل بن كثير ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة قيل يا رسول الله و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة و قال أبو عبيد : التافه الرجل الخسيس الخامل من الناس ، و كذلك كل شيء خسيس فهو تافه قال : و مما يثبت حديث الرويبضة الحديث الآخر أنه قال : من أشراط الساعة أن ترى رعاء الشاء رؤوس الناس ، و أن ترى العراة الحفاة يتبارون في البنيان ، و أن تلد الأمة ربتها .

و ذكر أبو عبيد في الغريب له في حديث النبي صلى الله عليه و سلم لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و البخل ، و يخون الأمين و يؤتمن الخائن ، و يهلك الوعول و يظهر التحوت. قالوا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما الوعول و ما التحوت ؟ قال : الوعول وجوه الناس و التحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم و أسند أبو نعيم عن حذيفة مرفوعاً : من أشراط الساعة ، علو أهل الفسق في المساجد ، و ظهور أهل المنكر على أهل المعروف فقال أعرابي فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال : دع و كن حلساً من أحلاس بيتك و في معناه أنشدوا :

أيا دهر أعملت فينا أذاكا و وليتنا بعد وجه قفاكا

قلبت الشرار علينا رؤوساً و أجلست سفلتنا مستواكا

فيا دهر إن كنا عاديتنا فها قد صنعت بنا ما كفاكا

و قال آخر :

ذهب الرجال الأكرمون ذوو الحجا و المنكرون لكل أمر منكر

و بقيت في خلف يزين بعضهم بعضاً ليدفع مغرور عن معور

فصل

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب و غيره مما تقدم و يأتي قد ظهر أكثره و شاع في الناس معظمه ، فوسد الأمر إلى غير أهله و صار رؤوس الناس أسافلهم عبيدهم و جهالهم فيملكون البلاد و الحكم في العباد فيجمعون الأموال و يطيلون البنيان كما هو مشاهد في هذه الأزمان ، فلا يسمعون موعظة و لا ينزحرون عن معصية فهم صم بكم عمي . قال قتادة : صم عن استماع الحق بكم عن التكلم به . عمي عن الإبصار له ، و هذه صفة أهل البادية و الجهالة .

و البهم : جمع بهيمة و أصلها صغار الضأن و المعز ، و قد فسره في الرواية الأخرى في قوله : رعاء الشاه . و قوله و أن تلد الأمة ربها ، و في رواية ربتها تأنيث رب أي سيدها ، و قال وكيع ، و هو أن تلد العجم العرب ، ذكره ابن ماجه في السنن .

قال علماؤنا : و ذلك بأن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه و منزلته بأبيه ، و على هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين و اتساع خطتهم و كثرة الفتوح و هذا قد كان . و قيل : هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد و يكثر ذلك . فيتداول الملاك المستولدت ، فربما يشتريها ولدها و لا يشعر فيكون ربها ، و على هذا الذي يكون من أشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد و هم الجمهور .

و قيل : المراد أن يكثر العقوق في الأولاد ، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة و السب ، و يشهد لهذا ما جاء في حديث أبي هريرة المرأة مكان الأمة . و قوله عليه الصلاة و السلام : حتى يكون الولد غيظاً . و سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

قلت : و هذا ظاهر في الوجود من غير نكير مستفيض و شهير . و قيل : إنما كان سيدها و ربها لأنه كان سبب عتقها ، كما قال عليه الصلاة و السلام في مارية : أعتقها ولدها .

قلت : و قول خامس سمعت شيخنا الأستاذ المحدث النحوي المقرئ أبا جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بابن حجة يقوله غير مرة و هو الإخبار عن استيلاء الكفار على بلاد المسلمين كما في هذه الأزمان التي قد استولى فيها العدو على بلاد الأندلس و خراسان و غيرهما من البلدان ، فتسبى المرأة و هي حبلى أو ولدها صغير فيفرق بينهما فيكبر الولد فربما يجتمعان و يتزوجها كما قد وقع من ذلك كثير ، فإنا لله و إنا إليه راجعون . و يدل على هذا قوله : إذا ولدت المرأة بعلها ، و هذا هو المطابق للأشراط مع قوله عليه الصلاة و السلام لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض و الله أعلم .

 باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة حل بها البلاء

الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل و ما هي يا رسول الله قال :

إذا كان المغنم دولاً و الأمانة مغنماً و الزكاة مغرماً ، و أطاع الرجل زوجته و عق أمه و بر صديقه ، و جفا أباه ، و ارتفعت الأصوات في المساجد ، و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره و شربت الخمور و لبس الحرير ، و اتخذت القينات و المعازف و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً قال : هذا حديث غريب و في إسناده فرج بن فضالة و ضعف من قبل حفظه .

و خرج أيضاً من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اتخذ الفيء دولاً و الأمانة مغنماً و الزكاة مغرماً ، و تعلم لغير الدين ، و أطاع الرجل امرأته ، و عق أمه ، و أدنى صديقه ، و أقصى أباه ، و ظهرت الأصوات في المساجد ، و ساد القبيلة فاسقهم ، و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرم الرجل مخافة شره ، و ظهرت القينات و المعازف ، و شربت الخمور و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء أو زلزلة و خسفاً و مسخاً و قذفاً و آيات متتباعات كنظام بال قطع سلكه فتتابع قال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

باب منه

أبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة و خنازير ، قيل : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و يشهدون أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و يصومون ؟ قال : نعم . قيل : فما بالهم يا رسول الله ؟ قال : يتخذون المعازف و القينات و الدفوف و يشربون الأشربة فباتوا على شربهم و لهوهم ، فأصبحوا و قد مسخوا قردة و خنازير .

ابن ماجه عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالدفوف و المغنيات يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير .

و خرجه أبو داود عن مالك بن أبي مريم : قال دخلنا على عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء قال : حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها زاد ابن أبي شيبة يضرب على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات يخسف الله بهم الأرض .

قال أبو محمد عبد الحق : روياه جميعاً من حديث معاوية بن صالح الحمصي ، و قد ضعفه قوم منهم يحيى بن معين و يحيى بن سعيد فيما ذكره ابن أبي حاتم و قال أبو حاتم فيه : حسن الحديث يكتب حديثه و لا يحتج به ، و وثقه أحمد بن حنبل و أبو زرعة .

البخاري عن أبي مالك الأشعري أو عن عامر سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال : ليكونن ناس من أمتي يستحلون الحر و الحرير و المعازف ، و لينزلن أقوام إلى جنب عالم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غداً فيبيتهنم الله و يضع العلم و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة .

قال المؤلف رحمه الله : هذا يصحح ما قبله من الأحاديث . و الحر : هو الزنا . قاله الباهلي و يروى الخز بالخاء و الزاي و الصواب ما تقدم .

باب منه

ذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي قال : أنبأنا مالك بن أنس ، عن نافع بن عمر قال : كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص و هو بالقادسية أن وجه نضلة أبا معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق فليغيروا على ضواحيها قال: فوجه سعد نضلة في ثلاثمائة فارس فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق ، فأغاروا على ضواحيها فأصابوا غنيمة و سبياً ، فأقبلوا يسرقون الغنيمة و السبي حتى رهقهم العصر و كادت الشمس أن تؤوب ، قال : فألجأ نضلة الغنيمة و السبي إلى سفح الجبل ، ثم قال : فأذن فقال : الله أكبر فإذا مجيب من الجبل يجيب كبرت تكبيراً يا نضلة ، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال كلمة الإخلاص يا نضلة ، قال أشهد أن محمداً رسول الله قال : هذا النذير و هو الذي بشر به عيسى عليه السلام و على رأس أمته تقوم القيامة ، قال حي على الصلاة قال : طوبى لمن مشى إليها و واظب عليها ، قال حي على الفلاح قال : أفلح من أجاب محمداً صلى الله عليه و سلم و هو البقاء لأمة محمد صلى الله عليه و سلم ، قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال : أخلصت الإخلاص كله يا نضلة فحرم الله بها جسدك على النار ، فلما فرغ من أذانه قمنا فقلنا له : من أنت يرحمك الله ، أملك أنت أم ساكن من الجن أم طائف من عباد الله ؟ أسمعنا صوتك فأرنا شخصك فإنا وفد الله و وفد رسوله و وفد عمر بن الخطاب ، قال : فانفلق الجبل عن هامة كالرحاء أبيض الرأس و اللحية ، و عليه طمران من صوف فقال : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، قلنا : و عليك السلام و رحمته و بركاته من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا زرنب بن برثملا وصي العبد الصالح عيسى بن مريم أسكنني هذا الجبل ، و دعا لي بطول البقاء إلى نزوله من السماء ، فيقتل الخنزير و يكسر الصليب و يتبرأ مما نحلته النصارى ، فأما إذا فاتني لقاء محمد صلى الله عليه و سلم فأقرئوا عمر مني السلام و قولوا له يا عمر : سدد و قارب فقد دنا الأمر ، و أخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد صلى الله عليه و سلم الهرب فالهرب : إذا استغنى الرجال بالرجال و النساء بالنساء و انتسبوا في غير مناسبهم و انتموا إلى غير مواليهم ، و لم يرحم كبيرهم صغيرهم و لم يوقر صغيرهم كبيرهم ، و ترك المعروف فلم يؤمر به و ترك المنكر فلم ينه عنه ، و تعلم عالمهم العلم ليجلب به الدراهم و الدنانير ، و كان المطر قيظاً ، و الولد غيظاً و طولوا المنارات و فضضوا المصاحف و شيدوا البناء و اتبعوا الشهوات و باعوا الدين بالدنيا ، و استخفوا بالدماء و قطعت الأرحام و بيع الحكم و أكل الربا و صار الغني عز و خرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه فسلم عليه ، و ركبت النساء السروج ، ثم غاب عنا قال : فكتب بذلك نضلة إلى سعد فكتب سعد إلى عمر و كتب عمر إلى سعد يا سعد: لله أبوك سر أنت و من معك من المهاجرين و الأنصار حتى تنزلوا هذا الجبل فإن لقيته فأقرئه مني السلام ، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن بعض أوصياء عيسى بن مريم نزل ذلك الجبل ناحية العراق ، قال : فخرج سعد في أربعة آلاف من المهاجرين و الأنصار حتى نزل ذلك الجبل فأقام أربعين يوماً ينادي بالأذان في كل وقت صلاة فلا جواب .

قال الخطيب : تابع إبراهيم بن رجاء أبو موسى عبد الرحمن الراسبي على رواية عن مالك و ليس بثابت من حديثه .

باب منه آخر

خرج أبو نعيم من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من اقتراب الساعة اثنتان و سبعون خصلة إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة ، و أضاعوا الأمانة و أكلوا الربا ، و استحلوا الكذب و استخفوا بالدماء، و استعلوا البناء ، و باعوا الدين بالدنيا، و تقطعت الأرحام و يكون الحكم ضعفاً ، و الكذب صدقاً ، و الحرير لباساً ، و ظهر الجور ، و كثر الطلاق ، و موت الفجأة ، و ائتمن الخائن ، و خون الأمين ، و صدق الكاذب، و كذب الصادق ، و كثر القذف ، و كان المطر قيظاً ، و الولد غيظاً و فاض اللئام فيضاً ، و غاص الكرام غيضاً ، و كان الأمراء فجرة و الوزراء كذبة ، و الأمناء خونة و العرفاء ظلمة ، و القراء فسقة ، إذا لبسوا مسوح الضأن قلوبهم أنتن من الجيفة و أمر من الصبر يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة ، و تظهر الصفراء يعني الدنانير و تطلب البيضاء يعني الدراهم ، و تكثر الخطايا ، و تغل الأمراء ، و حليت المصاحف وصورت المساجد ، و طولت المنابر ، و خربت القلوب ، و شربت الخمور ، وعطلت الحدود ، و ولدت الأمة ربتها ، و ترى الحفاة العراة قد صاروا ملوكاً ، و شاركت المرأة زوجها في التجارة ، و تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال ، و حلف بالله و شهد المرء من غير أن يستشهد ، و سلم للعرفة و تفقه لغير الدين ، و طلبت الدنيا بعمل الآخرة، و اتخذ المغنم دولاً ، و الأمانة مغنماً و الزكاة مغرماً ، و كان زعيم القوم أرذلهم ، و عق الرجل أباه ، و جفا أمه ، و بر صديقه ، و أطاع زوجته ، و علت أصوات الفسقة في المساجد ، و اتخذت القينات و المعازف ، و شربت الخمور في الطرق و اتخذ الظلم فخراً ، و بيع الحكم ، و كثر الشرط و اتخذ القرآن مزامير ، و جلود السباع صفاقاً ، و المساجد طرقاً ، و لعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء و خسفاً و مسخاً و قذفاً و آيات . غريب من حديث عبد الله بن عمير عن حذيفة لم يروه عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة .

قال المؤلف رحمه الله : و هذه الخصال قد تقدم ذكرها في أحاديث متفرقة و كلها بنية المعنى إلا قوله و جلود السباع صفاقاً . قال الجوهري : الصفاق الجلد الرقيق تحت الجلد الذي عليه الشعر .

و خرج الدارقطني ، عن عامر الشعبي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال : لليلتين و أن تتخذ المساجد طرقاً و أن يظهر موت الفجأة ، قاله الجوهري معنى قبلاً أن يرى ساعة يطلع لعظمه . و يوضحه حديث آخر من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة ، و يقال : رأيت الهلال قبلاً ، و قبلاً أي معاينة .

باب منه

الترمذي الحكيم في نوادر الأصول قال : حدثنا عمر بن أبي عمر قال : حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ، عن إسماعيل بن عياش ، عن ليث ، عن ابن سابط عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يكون في أمتي فزعة فيصير الناس إلى علمائهم فإذا هم قردة و خنازير ، قال أبو عبد الله : فالمسخ تغير الخلقة عن جهتها ، فإنما حل بهم المسخ لأنهم غيروا الحق عن جهته و حرفوا الكلم عن مواضعه فمسخوا أعين الخلق و قلوبهم عن رؤية الحق ، فمسخ الله صورهم و بدل خلقهم كما بدلوا الحق باطلاً .

باب في رفع الأمانة و الإيمان عن القلوب

روى الأئمة البخاري و مسلم و ابن ماجه و غيرهم و اللفظ لمسلم عن حذيفة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثين قد رأيت أحدهما و أنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، قال ابن ماجه : حدثنا الطنافسي يعني وسط قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن و علموا من السنة ، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً و ليس فيه شيء ، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فنفط فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله و ما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، و لقد أتى على زمان ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه على دينه و لئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه على ساعيه فأما فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً و فلاناً .

فصل

الجذر . بالذال المعجمة و يقال بفتح الجيم و كسرها و هو الأصل من كل شيء من النسب و الحساب و الشجر و غيره . و الوكت : بإسكان الكاف و هو الأثر اليسير يقال : أوكتت البسرة : إذا ظهرت فيها نكتة من الإرطاب و هو مصدر وكته يكته وكتاً و هو أيضاً مثل نكته في العين و غيرها . و المجل : هو النفخ الذي يرتفع من جلد باطن اليد عند العمل بفأس أو محذاف أو نحوه يحتوي على ماء ثم يصلب و يبقى عقداً ، قال ابن دحية قيدناه في الحديث بسكون الجيم و أجاز أهل اللغة و النحو فتح الجيم مصدر مجلت يده تمجل مجلاً بفتح الجيم في المصدر إذا غلظت من العمل و قوله : فنفط أي ارتفع جلدها و انتفخ ، فتراه منتبراً أي منتفطا و معناه مرتفعاً جلده من لحمه و هو افتعال من النبر و هو الرفع و كل شيء رفع شيئاً فقد نبره و منه اشتق المنبر و أراد بذلك خلو القلوب من الأمانة كما يخلو المجل المنتبر عن شيء يحويه كجمر دحرجته يعني أطلقته فينطلق ظهر اليدين من ذلك .

و قول حذيفة : لقد أتى على زمان الحديث : يعني كانت الأمانة موجودة ، ثم قلت في ذلك الزمان . و قوله ليردنه على ساعيه يعني من كان رئيساً مقدما فيهم والياً عليهم أن ينصفني منه و إن لم يكن له الإسلام و كل من ولوي على قوم ساع لهم . و قوله فما كنت أبايع إلا فلاناً و فلاناً . قال أبو عبيدة : هو من البيع و الشراء لقلة الأمانة .

باب في ذهاب العلم ورفعه و ما جاء أن الخشوع و الفرائض أول علم يرفع من الناس

ابن ماجه قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي صلى الله عليه و سلم شيئاً قال : ذللك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله : كيف يذهب العلم و نحن نقرأ القرآن و نقرئه أبناءنا و يقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ قال : ثكلتك أمك يا زياد : إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود و النصارى يقرأون التوراة و الإنجيل لا يعملون بشيء منهما.

و خرجه الترمذي عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا على شيء منه فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يختلس منا و نحن قد قرأنا القرآن فو الله لنقرؤه و لنقرئه نساءنا و أبناءنا ، فقال : ثكلتك أمك يا زياد : إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة ، هذه التوراة و الإنجيل عند اليهود و النصارى فماذا تغني عنهم .

قال جبير : فلقيت عبادة بن صامت فقلت : ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء ، قال صدق أبو الدرداء ، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس . الخشوع يوشك أن يدخل الرجل مسجد جماعة فلا يرى فيه رجلاً خاشعاً . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب . و معاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث ، و لا أعلم أحداً تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان .

و روى بعضهم هذا الحديث ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك .

قال المؤلف رحمه الله : خرجه لهذا الإسناد الحافظ أبو محمد عبد الغني فقال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال: حدثنا يحيى بن أيوب : حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة ، عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير قال : حدثني عوف بن مالك الأشجعي قال : نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السماء يوماً و قال: هذا أوان رفع العلم فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد يا رسول الله : و كيف يرفع العلم و قد كتب في الكتب و وعته الصدور ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة و ذكر اليهود و النصارى و ضلالتهم على ما في أيديهم من كتاب الله . فذكرت ذلك لشداد بن أوس فقال : صدق عون بن مالك . ألا أخبرك بأول ذلك : يرفع الخشوع حتى لا ترى رجلاً خاشعاً . ذكره في باب تقييد الحديث بالكتابة و هو حديث حسن .

قلت : و قد ذكرناه في مسند زياد بن لبيد بإسناد صحيح على ما ذكره ابن ماجه و هو يبين لك ما ذكرناه من أن المقصود برفع العلم العمل به ، كما قال عبد الله بن مسعود : ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف و لكن إقامة حدوده ، ثم بعد رفع العمل بالعلم يرفع القلم و الكتاب و لايبقى في الأرض من القرآن آية تتلى على ما يأتي في الباب بعد هذا.

و قد خرج الدراقطني و ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تعلموا الفرائص و علموها للناس فإنها تصف العلم و هو ينسى و هو أول شيء ينزع من أمتي . لفظ الدراقطني و لا تعارض و الحمد لله ، فإن الخشوع من علم القلوب ، و الفرائض علم الظاهر فافترقا و الحمد لله .

باب في دروس الإسلام و ذهاب القرآن

ابن ماجه قال : أخبرنا علي بن محمد قال : أنبأنا أبو معاوية ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربيعي بن خراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يدرس الإسلام كما يدرس و شى الثوب حتى لا يدري ما صيام و لا صلاة و لا نسك و لا صدقة ، و يسري بكتاب الله تعالى في ليلة فلا بيقى منه في الأرض آية و تبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير و العجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها قال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله و هم لايدرون ما صلاة و لا صيام و لا نسك و لا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه حذيفة فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثاً .

قلت : هذا إنما يكون بعد موت عيسى عليه السلام لا عند خروج يأجوج و مأجوج على ما تقدم من رواية مقاتل .

و ذكر أبو حامد من رفعه ، فإن عيسى عليه السلام إنما ينزل مجدداً لما درس من هذه الشريعة فإنه يحججه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

باب العشر آيات التي تكون قبل الساعة و بيان قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر

روي عن حذيفة أنه قال : كنا جلوس بالمدينة في ظل حائط و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة فأشرف علينا و قال : ما يجلسكم ؟ فقلنا : نتحدث . فقال : فيماذا ؟ فقلنا : عن الساعة فقال : إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات ، أولها طلوع الشمس من مغربها ثم الدخان ثم الدجال ثم الدابة ثم ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب ، و خروج عيسى و خروج يأجوج و مأجوج ، و يكون آخر ذلك ناراً تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحداً خلفها إلا تسوقه إلى المحشر ذكره القتبي في كتاب عيون الأخبار له .

و خرجه مسلم بمعناه عن حذيفة قال : اطلع رسول الله صلى الله عليه و سلم من غرفة و نحن نتذاكر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و الدخان و الدابة و يأجوج و مأجوج و خروج عيسى بن مريم و ثلاث خسوف : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا و تقيل معهم إذا قالوا . خرجه ابن ماجه و الترمذي و قال : حديث حسن . و في رواية : الدخان و الدجال و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى بن مريم و ثلاث خسوفات : خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من اليمن تطردهم إلى محشرهم .

و في البخاري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول أشراط الساعة نار تخرج تحشر الناس من المشرق إلى المغرب .

مسلم عن عبد الله بن عمر قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أول الآيات خروجاً عن طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة على الناس ضحى و أيهما ما كانت قبل صاحبتها فأخرى على أثرها قريباً منها . و في حديث حذيفة مرفوعاً ، ثم قال عليه الصلاة و السلام : كأني أنظر إلى حبشي أحمش الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن ، و قد صف قدميه على الكعبة هو و أصحاب له و هم ينقضونها حجراً حجراً و يتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر ، فعند ذلك تكون علامات منكرات طلوع الشمس من مغربها ثم الدجال ثم يأجوج و مأجوج ثم الدابة و ذكر الحديث .

فصل

جاءت هذه الآيات في هذه الأحاديث مجموعة غير مرتبة ما عدا حديث حذيفة المذكور أولاً ، فإن الترتيب فيه بثن و ليس الأمر كذلك على ما نبينه ، و قد جاء ترتيبها من حديث حذيفة أيضاً : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غرفة و نحن أسفل منه فاطلع إلينا فقال : ما تذكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات : خسف بالمشرق ، و خسف بالمغرب ، و خسف بجزيرة العرب ، و الدخان ، و الدجال ، و دابة الأرض ، ويأجوج و مأجوج ، و طلوع الشمس من مغربها ، و نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .

و قال بعض الرواة في العاشرة : و نزول عيسى بن مريم ، و قال بعضهم : و ريح يلقى الناس في البحر أخرجه مسلم فأول الآيات على ما في هذه الرواية الخسوفات الثلاثة ، و قد وقع بعضها في زمن النبي صلى الله عليه و سلم. ذكره ابن وهب و قد تقدم .

و قد ذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل و خسوفات هائلة هلك بسببها خلق كثير .

قلت : و قد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعنا من بعض مشايخنا بقرية يقال لها [ قطرطندة ] من قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها .

و أخبرني أيضاً بعض أصحابنا أن قرية من أعمال برقة يقال لها [ ترسة ] أصابها زلزلة شديدة هدت حيطانها و سقفها على أهلها فماتوا تحتها ، و لم ينج منهم إلا قليل ، و وقع في هذا الحديث دابة الأرض قبل يأجوج و مأجوج و ليس كذلك ، فإن أول الآيات ظهور الدجال ، ثم نزول عيسى عليه السلام ، ثم خروج يأجوج و مأجوج ، فإذا قتلهم الله بالنغف في أعناقهم على ما يأتي ، و قبض الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام ، و خلت الأرض منا ، و تطاولت الأيام على الناس ، و ذهب معظم دين الإسلام أخذ الناس في الرجوع إلى عاداتهم و أحدثوا الأحداث من الكفر و الفسوق ، كما أحدثوه بعد كل قائم نصبه الله تعالى بينه و بينهم حجة عليهم ثم قبضه ، فيخرج الله تعالى لهم دابة من الأرض فتميز المؤمن من الكافر ليرتدع بذلك الكفار عن كفرهم و الفساق عن فسقهم و يستبصروا و ينزعوا عما هم فيه من الفسوق و العصيان ، ثم تغيب الدابة عنهم و يمهلون ، فإذا أصروا على طغيانهم طلعت الشمس من مغربها و لم يقبل ببعد ذلك لكافر و لا فاسق توبة و أزيل الخطاب و التكليف عنهم ، ثم كان قيام الساعة على أثر ذلك قريباً لأن الله تعالى يقول : و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون فإذا قطع عنهم التعبد لم يقرهم بعد ذلك في الأرض زماناً طويلاً . هكذا ذكره بعض العلماء .

و أما الدخان : فروي من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن من أشراط الساعة دخاناً يملأ ما بين المشرق و المغرب يمكث في الأرض أربعين يوماً .

فأما المؤمن : فيصيبه منه شبه الزكام . و أما الكافر : فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من أنفه و منخريه و عينيه و أذنيه و دبره و قيل : هذا الدخان من آثار جهنم يوم القيامة .

و روي هذا عن علي و ابن عمر و أبي هريرة و ابن عباس و ابن أبي مليكة و الحسن و هو معنى قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .

و قال ابن مسعود في هذه الآية : إنه ما أصاب قريشاً من القحط و الجهد حتى جعل الرجل يرى بينه و بين السماء كهيأة الدخان من الجهد حتى أكلوا العظام ، و قد مضت البطشة و الدخان و اللزام ، و الحديث عنه بهذا في كتابي مسلم و البخاري و غيرهما ، و قد فسر البطشة بأنها وقعة بدر .

قال أبو الخطاب ابن دحية : و الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين : إحدهما وقعت و كانت الأخرى ستقع و ستكون ، فأما التي كانت فالتي كانوا يرون فيها كهيأة دخان و هي الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور آيات التي هي من الأشراط و العلامات ، و لا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة ، و قول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و سلم إنما هو من تفسيره ، و قد جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلافه .

قال المؤلف رحمه الله : قد روي عن ابن مسعود أنهما دخانان . قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول : هما دخانان قد مضى أحدهما و الذي بقي يملأ ما بين السماء و الأرض و لا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة ، و أما الكافر فتثقب مسامعه فتبعث مسامعه فتبعث عند ذلك الريح الجنوب من اليمن فتقبض روح كل مؤمن و مؤمنة و يبقى شرار الناس .

و اختلف في البطشة و اللزام فقال أبي : هو القتل بالسيف يوم بدر . و إليه نجا ابن مسعود و هو قول أكثر الناس ، و على هذا تكون البطشة و اللزام شيئاً واحداً قال ابن مسعود : البطشة الكبرى وقعة بدر . و قيل : هي يوم القيامة و أصل البطش الأخذ بشدة وقع الألم . و اللزام في اللغة : الفصل في القضية . و فسره ابن مسعود بأن ذلك كان يوم بدر و هو البطشة الكبرى في قوله أيضاً .

و قيل : إن اللزام هو المذكور في قوله تعالى فسوف يكون لزاماً و هو العذاب الدائم . و أما الدجال فيأتي ذكره في أبواب أخرى ، و أما الدابة فهي التي قال الله تعالى و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم .

و ذكر أهل التفسير أنه خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد ، فتسم المؤمن فتنير وجهه و يكتب بين عينيه كافر . و روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن هذه الدابة هي الجساسة على ما يأتي ذكره في خبر الدجال ، و روي عن ابن عباس أنها الثعبان الذي كان يبئر الكعبة فاختطفه العقاب . و سيأتي بيانه .

و أما قوله : و آخر ذلك نار تخرج من اليمن ، و في الرواية الأخرى من قعر عدن . و في الرواية الأخرى من أرض الحجاز قال القاضي عياض ، فلعلهما ناران تجتمعان لحشر الناس أو يكون ابتداء خروجهما من اليمن فظهورهما من الحجاز .

قلت : أما النار التي تخرج من أرض الحجاز فقد خرجت على ما تقدم القول فيها ، و بقيت النار التي تسوق الناس إلى المحشر و هي التي تخرج من اليمن و قد مضى القول في الحشر، و يأتي القول في طلوع الشمس من مغربها .

فأما قوله الله تعالى : اقتربت الساعة و انشق القمر فقد روي أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم آية فأراهم القمر منشقاً نصفين و الجبل بينهما فقال اشهدوا . ثبت في الصحيحين و غيرهما .

و من العلماء مكن قال : إنه ينشق كقوله تعالى أتى أمر الله أي يأتي . قال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : فإن كان هذا فقد أتى و رأيت ببخاري الهلال و هو ابن ليلتين منشقاً نصفين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ، و ما زلت أنظر إليهما حتى اتصلا كما كانا ، و لكنهما في شكل واحد شكل أترجة ، و لم أمل طرفي عنهما إلى أن غابت و كان معي ليلتئذ كتيبة من شريف وفقيه و غيرهما من طبقات الناس و كلهم رأى ما رأيت ، و أخبرني من وثقت به أنه رأى الهلال و هو ابن ثلاث منشقاً نصفين : قال الحليمي : فقد ظهر أن قول الله و انشق القمر إنما خرج على الانشقاق الذي هو من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله آية لرسوله صلى الله عليه و سلم .

باب ما جاء أن الآيات بعد المائتين

ابن ماجه عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الآيات بعد المائتين . و عن زيد الرقاشي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر و تقوى ، ثم الذين يلونهم إلى عشرين و مائة سنة أهل تراحم و تواصل ، تم الذين يلونهم إلى ستين و مائة أهل تدابر و تقاطع ، ثم الهرج الهرج النجا النجا . و في رواية عن أبي معن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاماً ، فأما طبقتي و طبقة أصحابي فأهل علم و إيمان، و أما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر و تقوى ثم ذكر نحوه .

باب ما جاء فيمن يخسف به أو يمسخ

أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا أنس إن الناس يمصرون أمصاراً و إن مصراً منها يقال لها البصرة أو البصيرة ، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك و سباخها و كلأها و سوقها و باب أمرائها و عليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف و رجف ، و قوم يبيتون فيصبحون قردة و خنازير .

و خرج ابن ماجه عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر فقال : إن فلاناً يقرأ عليك السلام فقال له: بلغني أنه قد أحدث فإن كان أحدث فلان فلا تقرئه السلام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يكون في أمتي أو في هذه الأمة خسف مسخ و قذف و نحوه .

عن سهل بن سعد و قد تقدمت الأخبار و الأحاديث في خسف الجيش الذي يقصد مكة لقتال المهدي . خرجهما مسلم و غيره .

و كذلك تقدم حديث البخاري و غيره في باب إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة ، و ذكر الثعالبي في تفسيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : تبنى مدينة بين دجلة و دجيل و قطربل و السراة يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبي إليها الخزائن و يخسف بها . و في رواية : يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة يقال إنها بغداد و قد تقدم و الله أعلم .