باب ذكر الدجال و صفته و نعته التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب ـ ذكر الدجال و صفته و نعته

ذكر الدجال و صفته و نعته و من أين يخرج و ما علامة خروجه و ما معه إذا خرج و ما ينجى منه و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيى الموتى .

قال ابن دحية قال العلماء : الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه :

الأول : أن الدجال الكذاب قاله الخليل و غيره و أنها دجلة بسكون الخيم ، و دجلة بفتحها كذبة لأنه يدجل الحق بالباطل ، و جمعه دجالون و دجاجلة في التكسير و قد تقدم .

الوجه الثاني : أن الدجال مأخوذ من الدجل ، و هو طلاء البعير بالقطران سمي بذلك لأنه يغطي الحق و يستره بسحره و كذبه ، كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة و هي القطران يهنأ به البعير و اسمه إذا فعل به ذلك المدجل قاله الأصمعي .

الوجه الثالث : إنما سمي بذلك لضربه في نواحيه الأرض و قطعه لها يقال : دجل الرجل إذا فعل ذلك .

الوجه الرابع : أنه من التغطية لأنه يغطي الأرض بمجموعه ، و الدجل التغطية . قال دريد : كل شيء غطيته فقد دجلته و منه سميت دجلة لانتشارها على الأرض و تغطية ما فاضت عليه .

الوجه الخامس : سمي دجالاً لقطعه الأرض إذ يطأ جميع البلاد إلا مكة و المدينة . و الدجالة الدفقة العظيمة .

و أنشد ابن فارس في المجمل :

دجالة من أعظم الرقاق .

الوجه السادس : سمي دجالاً ، لأنه يغر الناس بشره كما يقال لطخني فلان بشره .

الوجه السابع : الدجال : المخرق .

الوجه الثامن : الدجال : المموه قاله ثعلب و يقال سيف مدجل إذ كان قد طلى بالذهب .

الوجه التاسع : الدجال : ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن باطله و داخله خزف أو عود سمي الدجال بذلك لأنه يحسن الباطل .

الوجه العاشر : الدجال : فرند السيف ، و الفرند جوهر السيف و ماؤه و يقال بالفاء و الباء إذ أصله عين صافية على ما تنلطق به العجم ، فعربته العرب ، و لذلك قال سبيويه و هو عندهم خارج عن أمثله العرب . و الفرند أيضاً الحرير . و أنشد ثعلب :

بحلية الياقوت و الفرندا مع الملاب و عبير أصردا

أي خالصاً . قال ابن الأعرابي يقال للزعفران الشعر و الملاب و العبير و المردقوش و الحشاد . ذكر هذه الأقوال العشرة الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله في كتاب مرج البحرين في فوائد المشرقين و المغربين .

مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال و في رواية : من آخر سورة الكهف .

أبو بكر بن أبي شيبة ، عن الفلتان بن عاصم ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض المنخر فيه الدفاء قوله فيه: دفا أي انحناء .

و عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة و نار فناره جنة و جنته نار و عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أعلم بما مع الدجال منه . معه نهرنان يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض و أحدهم الآخر رأي العين نار تأجج ، فأما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً و ليغمض و ليطأطئ رأسه فيشرب فإنه ماء بارد و أن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كذا عند جماعة . رواه مسلم فإما أدركن قال ابن دحية : و هو وهم فإن لفظه هو لفظ الماضي ولم أسمع دخول نون التوكيد على لفظ الماضي إلا ها هنا، لأن هذه النون لا تدخل على الفعل و صوابه ما قيده العلماء في صحيح مسلم منهم التميمي أبو عبد الله : فإما أدركه أحد.

و عن عبد الله بن عمر : قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال : : إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية .

قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء واضعاً يده على منكبي رجلين و هو يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هو المسيح بن مريم، و رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت من هذت قالوا هو المسيح الدجال .

أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الدجال أعور مدهجان أقمر كأن رأسه غضنة شجرة أشبه الناس بعبد العزي بن قطن الخزاعي فإما أهلك هلك فإنه أعور و أن الله ليس بأعور . .

أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما مسيح فإنه أعور العين أجلي الجبهة عريض المنحر فيه اندفاء مثل قطن بن عبد العزي ، فقال له الرجل : أيضر بي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم شبهه ؟ فقال : لا أنت مسلم هو كافر.

و خرج عن أبي بن كعب قال ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه و سلم أو قال ذكر النبي صلى الله عليه و سلم الدجال فقال : إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء و تعوذ بالله من عذاب القبر .

الترمذي ، عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الدجال ليخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة إسناده صحيح .

و ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر بن عن أبي هانئ العبدي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم السيجان و السيجان جمع الساج و هو طيلسان أخضر . و قال الأزهري هو المطيليل المقور بنسج كذلك .

الطبراني ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عنده الدجال فقال : إن قبل خروجه ثلاث أعوام تمسك السماء في العام الأول ثلث قطرها و الأرض ثلث نباتها ، و العام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها ، و العام الثالث تمسك السماء قطرها و الأرض نباتها حتى لا يبقى ذات ضرس و لا ذات ظلف إلا مات و ذكر الحديث .

خرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا هشام عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء و عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء .

و أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة ، و في بعض الروايات بعد قوله : و في السنة الثالثة يمسك الله المطر و جميع النبات فما ينزل من السماء قطرة و لا تنبت الأرض خضرة و لا نباتاً ، حتى تكون الأرض كالنحاس و السماء كالزجاج ، فيبقى الناس يموتون جوعاً و جهداً ، و تكثر الفتن و الهرج ، و يقتل الناس بعضهم بعضاً ، و يخرج الناس بأنفسهم و يستولي البلاء على أهل الأرض ، فعند ذلك يخرج الملعون الدجال من ناحية أصبهان من قرية يقال لها اليهودية و هو راكب حماراً أبتر يشبه البغل ما بين أذني حماره أربعون ذراعاً و من نعت الدجال : أنه عظيم الخلقة طويل القامة جسيم أجعد قطط أعور العين اليمنى كأنها لم تخلق ، و عينه الأخرى ممزوجة بالدم و بين عينيه مكتوب : كافر يقرؤه كل مؤمن بالله فإذا خرج يصيح ثلاث صيحات ليسمع أهل المشرق و المغرب .

و يروى أنه إذا كان في آخر الزمان تخرج من البحر امرأة ذات حسن و جمال بارع ، فتدعو الناس إلى نفسها و تخترق البلاد فكل من أتاها كفر بالله ، فعند ذلك يخرج الله عليكم الدجال ، و من علامة خروجه فتح القسطنطينية لأن الخبر ورد أن بين خروجه و فتح القسطنطينية سبعة أشهر و قد تقدم هذا .

و ذكر أبو داود الطيالسي قال : حدثنا الحشرج بن نباتة قال : حدثنا سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنه لم يكن نبي إلا و قد أنذر أمته الدجال . ألا و إنه أعور العين بالشمال و باليمين ظفرة غليظة . بين عينيه كافر يعني مكتوب كافر يخرج معه واديان أحدهما جنة و الآخر نار ، فناره جنة و جنته نار فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيي و أميت و معه ملكان يشبهان نبيين من الأنبياء إني لأعرف اسمهما و اسم آبائهما لو شئت أن أسميهما سميتهما أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول : ألست بربكم أحيي و أميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت فلا يسمعه من الناس أحد إلا صاحبه ، و يقول الآخر : صدقت و ذلك فتنة ثم يسير حتى يأتي المدينة فيقول هذه قرية ذاك الرجل فلا يؤذن له أن يدخلها ، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق .

و خرجه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي في الجزء العاشر من مختصر المعجم له بمعناه فقال : حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال : حدثنا حشرج عن سعيد ابن جمهان عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه لم يكن نبي قبل إلا و قد حذر أمته من الدجال إنه أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن بالله معه واديان : أحدهما جنة و الآخر نار ، و معه ملكان يشبهان نبين من الأنبياء، و لو شئت سميتهما بأسماء و أسماء آبائهما ، أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فيقول الدجال : ألست بربكم أحيي و أميت فيقول أحد الملكين : كذبت فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، فيقول له صدقت ، فيسمعه الناس فيظنون أنه صدق الدجال فذلك فتنة ثم يسير الدجال حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيقول هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة افيق .

قال ابن برجان في كتاب الإرشاد له : و الذي يغلب على ظني أن النبيين المشبه بها أحدهما المسيح ابن مريم و الآخر محمد صلى الله عليه و سلم ، و لذلك ما أنذرا بذلك و وصيا .

و خرج أبو داود في سننه ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إني كنت حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز و جل ليس بأعور .

فصل

وصف النبي صلى الله عليه و سلم الدجال وصفاً لم يبق معه لذي لب إشكال ولتك الأوصاف كلها ذميمة تبين لكل ذي حاسة سليمة ، لكن من قضى الله عليه بالشقاوة تبع الدجال فيما يدعيه من الكذب و الغباوة و حرم اتباع الحق و نور التلاوة ، فقوله عليه الصلاة و السلام إنه أعور و أن الله ليس بأعور تبيين للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصاً في ذاته عاجزاً عن إزالة نقصه لم يصلح أن يكون إلها لعجزه و ضعفه ، و من كان عاجزاً عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره و عن مضرته . و جاء في حديث حذيفة : أعور العين اليسرى ، و في حديث ابن عمر : أعور العين اليمنى ، و قد أشكل الجمع بين الحديثين على كثير من العلماء ، قال : و حتى إن أبا عمر بن عبد البر ، ذكر ذلك في كتاب التمهيد له .

و في حديث سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : إن الدجال خارج و هو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة و أنه يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيىالموتى و يقول للناس : أنا ربكم فمن قال : أنت ربي فقد فتن و من قال : ربي الله عز و جل حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ، و لا فتنة عليه و لا عذاب فيلبث في الأرض ما شاء ، ثم يجيء عيسى عليه السلام من قبل المغرب مصدقاً بمحمد صلى الله عليه و سلم و علىملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة .

قال أبو عمر بن عبد البر ففي هذا الحديث أعور العين الشمال ، و في حديث مالك : أعور العين اليمنى . فالله أعلم . و حديث مالك أصح من جهةالإسناد لم يزد على هذا .

قال أبو الخطاب بن دحية ليس كما قال بل الطرق كلها صحيحة في العينين و قال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب المفهم له : و هذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما ، و قد تكلف القاضي عياض الجمع بينهما فقال : الجمع بين الروايتين عندي صحيح و هو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما إذ العور حقيقة في كل شيء العيب و الكلمة . العوراء هي المعيبة فالواحدة عوراء بالحقيقة و هي التي وصفت بالحديث بأنها ليست بحجراء و لا ناتئة و ممسوحة و مطموسة و طافية على رواية الهمز ، و الأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة أو كأنها كوكب دري أو كأنها عنبة طافية بغير همز ، و كل واحدة منهما يصح فيه الوصف بالعور بحقيقة العرف و الاستعمال أو بمعنى العور الأصلي . قال شيخنا وحاصل كلامه : أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء أحدهما بما أصاب حتى ذهب إدراكها ، و الثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة ، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء و صفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور ، فتأمله .

قلت: ما قاله القاضي عياض و تأويله صحيح ، و أن العور في العينين مختلف كما بيناه في الروايات ، فإن قوله : كأنها لم تخلق هو معنى الرواية الأخرى مطموس العين ممسوخها ليست بناتئة و لا حجراء ، و وصف الأخرى بالمزج بالدم و ذلك عيب عظيم لا سيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي هي عليها و هي جلدة غليظة تغشى العين . و على هذا فقد يكون العور في العينين سواء ، لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك فلا تبصر شيئاً فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريباً منه ، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة و في الشمال في حديث سمرة بن جندب . و قد يحتمل أن يكون كل عين عليها ظفرة غليظة ، فإن في حديث حذيفة : و إن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة و إذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى فتتفق الأحاديث ، و الله أعلم .

و قيل في الظفرة : إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة ، و قيده بعض الرواة بضم الظاء و سكون الفاء وليس بشيء قاله ابن دحية رحمه الله .

 

فصل ـ الإيمان بالدجال و خروجه حق

الإيمان بالدجال و خروجه حق ، و هذا مذهب أهل السنة و عامة أهل الفقه و الحديث خلافاً لمن أنكر أمره من الخوارج و بعض المعتزلة و وافقنا على إثباته بعض الجهنمية و غيرهم ، لكن زعموا أن ما عنده مخارق و حيل قالوا لأنها لو كانت أموراً صحيحة لكان ذلك إلباساً الكاذب بالصادق ، و حينئذ لا يكون الفرق بين النبي و المتنبي و هذا هذيان لا يلتفت إليه و لا يعرج عليه ، فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة و ليس كذلك فإنه إنما ادعى الإلهية ، و لهذا قال عليه الصلاة و السلام : إن الله ليس بأعور تنبيهاً للعقول على فقره و حدثه و نقصه و إن كان عظيماً في خلقه ، ثم قال : مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن و مؤمنة كاتب أو غير كاتب و هذا الأمر مشاهد للحس يشهد بكذبه و كفره .

و قد تأول بعض الناس : مكتوب بين عينيه كافر فقال : معنىذلك ما ثبت من سمات حدثه و شواهد عجزه و ظهور نقصه قال : و لو كان على ظاهره و حقيقته لاستوى في إدراك ذلك المؤمن و الكافر . و هذا عدول و تحريف عن حقيقة الحديث من غير موجب لذلك ، و ما ذكره من لزوم المساواة بين المؤمن و الكافر في قراءة ذلك لايلزم لأن الله تعالى يمنع الكافر من إدراكه ليغتر باعتقاده التجسيم حتى يوردهم بذلك نار الجحيم . فالدجال فتنة و محنة من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فيقول لهم : أنا ربكم فيقول المؤمنون : نعوذ بالله منك . حسب ما تقدم لا سيما و ذلك الزمان قد انخرقت فيه عوائد فليكن هذا منها ، و قد نص على هذا بقوله : يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب . و قراءة غير الكاتب خارقة للعادة . و أما الكافر فمصروف عن ذلك بغفلته و جهله و كما انصرف عن إدراك نقص عوره و شواهد عجزه ، كذلك يصرف عن قراءة سطور كفره و رمزه .

و أما الفرق بين النبي و المتنبي ، فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي لأنه لزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب و هو محال .

و قولهم : إن ما يأتي به الدجال حيل و مخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم من تلك الأمور حقائق و العقل لا يحيل شيئاً منها ، فوجب إبقاؤها على حقائقها . و سيأتي تفصيلها بعون الله تعالى .

باب ما يمنع الدجال أن يدخله من البلاد إذ خرج

البخاري و مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة و المدينة و ذكر الحديث .

و في حديث فاطمة بنت قيس : فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة و طيبة هما محرمتان علي كلتهاهما الحديث و سيأتي .

و ذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبد الله بن عمرو إلا الكعبة و بيت المقدس زاد أبو جعفر الطحاوي : و مسجد الطور . رواه من حديث جنادة بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم .

و في بعض الروايات : فلا يبقى له موضع إلا و يأخذه غير مكة و المدينة و بيت المقدس و جبل الطور ، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع .

 

 

باب منه و ما جاء أنه إذا خرج يزعم أنه الله و يحصر المؤمنين في بيت المقدس

أبو بكر بن أبي شيبة ، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم و ذكر الدجال قال : و إنه متى يخرج فإنه يزعم أنه الله فمن آمن به و اتبعه و صدقه فليس ينفعه صالح من عمل سلف ، و من كفر به و كذبه فليس يعاقب بشيء من عمل سلف ، و أنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحزم و بيت المقدس و أنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس .

قال : فيهزمه الله و جنوده حتى إذا جدر الحائط و أصل الشجرة ينادي : يا مؤمن هذا كافر يستتر بي فقال : اقتله . قال : و لن يكون قولك حتى تبدو أمور يتفاج شأنها في أنفسكم تتساءلون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً و حتى تزول جبال من مراتبها على أثر ذلك القبض .

باب منه و في عظم خلق الدجال و عظم فتنته

و سبب خروجه و صفة حماره و سعة خطوه و في حصره المسلمين في جبال الدخان و كم ينكث في الأرض وفي نزول عيسى عليه السلام وقت السحر لقتل الدجال و من اتبعه

مسلم عن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال و في رواية : امرؤ بدل خلق .

و في حديث تميم الداري قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً و أشده وثاقاً ، الحديث و سيأتي .

وعن ابن عمر أنه لقى ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة و قد بلغها فقالت : يرحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها و سيأتي من أخبار ابن صياد ما يدل عليه أنه هو الدجال إن شاء الله تعالى و ذكر قاسم بن أصبغ .

وخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم بن طهيمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال في خفقة من الدين و إدبار من العلم أي قلة من أهله . و له أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة و اليوم منها كالشهر و اليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه و له حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً فيقول للناس : أنا ربكم و هو أعور و إن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب يرد كل ماء و منهل إلا المدينة و مكة حرمهما الله تعالى عليه و قامت الملائكة بأوابهما و معه جبال من خبز و الناس في جهد إلامن اتبعه ، و معه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول له : الجنة و نهر يقول له : النار فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار ، و من أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال : و تيعث معه شياطين تكلم الناس و معه فتنة عظيمة بأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس و يقتل نفساً ثم يحييها فيما يرى الناس فيقول للناس : أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب فيفر الناس إلى جبل الدخان و هو بالشام ، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم و يجهدهم جهداً شديداً ، ثم ينزل عيسى عليه السلام فيأتي في السحر فيقول : يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون : هذا رجل فينطلقون فإذا هم بعيسى بن مريم عليهما السلام فيقام للصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله فيقول : ليتفضل إمامكم فليصل بكم فإذا صلوا صلاة الصبح خرجوا إليه فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيقتله حتى إن الشجر و الحجر ينادي : يا روح الله هذا يهودي فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله .

قوله : ينماث كما ينماث الملح في الماء أي يذهب و ينحل و يتلاشى .

و في بعض الروايات : و ذكر أن حماره حين يخطو من خطوة إلى خطوة ميل و لا يبقى له سهل و لا وغز إلا يطؤه و لا يبقى موضع إلا يأخذه غير مكة و المدينة حسبما تقدم ويأتي الكلام أبو حنيفة في حكم أيامه .

و ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن ابن خيثم ، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة و الجمعة كاليوم و اليوم كالساعة والساعة كاضطرام السعفة في النار و الصحيح أنه يمكث أربعين يوماً كما في حديث جابر ، و كذلك في صحيح مسلم على ما يأتي في الكتاب بعد هذا .

باب منه آخر في خروج الدجال و ما يجيء به من الفتن و الشبهات

و سرعة سيره في الأرض و كم يلبث فيها ، و في نزول عيسى عليه السلام و نعته كم يكون في الأرض يومئذ من الصلحاء و في قتله الدجال و اليهود و خروج يأجوج و مأجوج و موتهم ، و في حج عيسى و تزويجه و مكثه في الأرض و أين يدفن إذامات صلى الله عليه و سلم

و قد تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه أن له جنة و ناراً فجنته نار و ناره جنة .

أبو داود عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه و هو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات .

مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال فيتوجه قبل رجال من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له : أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الرجل الذي خرج فيقولون له : أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا حقاً ، فيقولون : اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس ربكم قد نهاكم أن تقتلوا أحداً دونه ؟ قال : فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فيأمر به الدجال فيشج فيقول : خذوه و شجوه فيوجع ظهره و بطنه ضرباً قال : فيقول : أما تؤمن بي ؟ فيقول : أنت المسيح الكذب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال : ثم يمشي بين القطعتين ثم يقول قم فيستوي قائماً فيقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول : يا أيها الناس إنه يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، قال : فيأخذ بيديه و رجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه إنما قذف به في النار و إنما ألقي به في الجنة .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين .

قال أبو إسحاق السبيعي يقال : إن هذا الرجل هو الخضر و في رواية : قال يأتي و هو محرم عليه أن يدخل المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثه فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . قال : فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه : و الله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلطه الله عليه . خرجه البخاري.

و عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس من بلد إلاسيطؤه الدجال إلا مكة و المدينة و ليس نقب من أنقابها إلا عليها الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف ثلاث رجفات يخرج إليه كل كافر و منافق و في رواية : كل منافق و منافقة خرجه البخاري .

و عن النواس بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الدجال ذات غداة فخفض فيه و رفع حتى ظنناه في طائفة النخل فقال : ما غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج و أنا منكم فأنا حجيجه دونكم ، و إن يخرج و لست فيكم فامرؤ حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم . إنه شاب قطط عيناه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فلقرأ عليه سورة الكهف إنه خارج حلة بين الشام و العراق فعاث يميناً و شمالاً يا عباد الله فاثبتوا قلنا : يا رسول الله و ما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً يوم كسنة و يوم كشهر و يوم كجمعة و سائر أيامه كأيامكم فقلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله و ما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به و يستجيبون له قال : فيأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت و تروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا و أسبغة ضروعاً و أمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم و يمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ستهلل و جهه يضحك ، فبينا هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل بكافر يجد نفسه إلا مات و نفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ، ثم يأتي عيسى عليه السلام قوم قد عصمهم الله منه فيمسح على وجوههم و يحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور ، و يبعث الله يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها و يمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء و يحضر نبي الله عيسى و أصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى و أصحابه فيرسل الله النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى و أصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم و نتنهم فيرغب عيسى و أصحابه ، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكون منه بيت مدر و لا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة و يستظلون بقحفها . و يبارك الله في الرسل أي اللبن حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، و اللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، و اللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيباً فتأخذ بهم تحت آباطهم فيقبض روح كل مؤمن و كل مسلم و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها كتهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة . زاد في أخرى بعد قوله مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر و هو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً أخرجه الترمذي في جامعه . و ذكر رمى يأجوج و مأجوج بنشابهم متصلة بالحديث . فقال : ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من الأرض فهلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محمراً دماً و يحاصر عيسى بن مريم الحديث . و قال بدل قوله : فيطرحهم حيث شاء الله قال : فتحملهم فتطرحهم بالنهبل قال: و يستوقد المسلمون من قسيهم و نشابهم سبع سنين قال : ويرسل الله عليهم مطراً . الحديث إلى آخره في غير الترمذي فيطرحهم في المهيل و المهيل البحر الذي عند مطلع الشمس .

و خرجه ابن ماجه في سننه أيضاً ، كما خرجه مسلم و لم يذكر الزيادة التي ذكرها مسلم متصلة و لا الترمذي متصلة من حديث النواس بن سمعان ، و إنما ذكرها من حديث أبي سعيد الخدري ، و سيأتي . و ذكر ما ذكره الترمذي ، فقال حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا ابن جابر عن يحيى بن جابر الطائي قال : حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يستوقد المسلمون من قسي يأجوج و مأجوج و نشابهم و أترستهم سبع سنين .

قال : و حدثنا علي بن محمد قال : حدثنا عبد الرحمن المجاربي ، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع ، عن ابي عمر الشيباني زرعة عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال و حذرناه و كان من قوله أن قال : إنه لم يكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله تعالى آدم صلى الله عليه و سلم أعظم من فتنة الدجال ، و إن الله عز و جل لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال ، و أنا آخر الأنبياء و أنتم آخر الأمم و هو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج و أنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج كل مسلم ، و إن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه و الله خليفتي على كل مسلم و إنه يخرج من حلة بين الشام و العراق ، فيعبث يميناً و يعبث شمالاً . يا عباد الله أيها الناس فاثبتوا فإن سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي إنه يبدو فيقول : أنا نبي الله . و لا نبي بعدي ثم يثني فيقول : أنا ربكم . و لا ترون ربكم حتى تموتوا و إنه أعور و إن ربكم ليس بأعور و أنه مكتوب بين عينيه : كافر يقرؤه كل مؤمن من كاتب و غير كاتب ، و إن من فتنته أن معه جنةً و ناراً ، فمن ابتلي بناره فليستعذ بالله و ليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً و سلاماً كما كانت النار على إبراهيم ، و إن فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت . إن أحييت لك أباك و أمك أتشهد أني ربك فيقول : نعم ، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه و أمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك ، و أن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها فينشرها بالمنشار حتى يلقى نصفين ثم يقول : انظروا إلى عبدي فإني أبعثه الآن ، ثم يزعم أنه له ربا غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث : من ربك ؟ فيقول : رب الله و أنت عدو الله أنت الدجال و الله ما كنت بعد أسد بصيرة بك مني اليوم .

قال أبو الحسن الطنافسي : فحدثنا المحاربي قال : حدثنا عبد الله بن الوليد الرصافي ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة قال : قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله .

قال المحاربي : ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال : و إن من فتننته أن يأمر السماء أن تمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت ، و إن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقوه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من بيوتهم ذلك أسمن ما كانت و أعظمه و أمده خواصر و أدره ضروعاً ، و أنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه و ظهر عليه إلا مكة و المدينة فإنه لا يأتي من نقب من أنقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف المصلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا بقى منافق و لا منافقة إلا خرج إليه ، فينفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد و يدعى ذلك اليوم يوم الخلاص .

فقالت أم شريك بنت أبي العسكر : يا رسول الله فأين العرب ؟ قال : هم قليل و جلهم ببيت المقدس و إمامهم رجل صالح قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام ، فيرجع ذلك الإمام ينكص القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى عليه السلام يده على كتفه ثم يقول له : تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح و وراءه الدجال و معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى و سلاح ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء و انطلق هارباً ، و يقول عيسى عليه السلام : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند الباب اللد الشرقي فيضربه فيقتله فيهزم الله اليهود و لا يبقى شيء مما خلقه الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء و لا حجر و لا شجر و لا حائط و لا دابة إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن من أيامه أربعون سنة السنة كنصف سنة و السنة كالشهر و الشهر كالجمعة و آخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي .

فقيل : يا رسول الله : كيف نصلي في تلك الأيام القصار ؟ قال : تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً و عدلاً و غماماً مقسطاً يدف الصلب و يذبح الخنزير و يضع الجزية و يترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة و لا بعير و ترفع الشحناء و التباغض و ترفع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره و تغز الوليدة الأسد فلا يضرها ، و يكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، و تملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، و تكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله و تضع الحرب أوزارها ، و تسلب قريش ملكها ، و تكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم عليه السلام ، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم و يجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، و يكون الثور بكذا و كذا من المال و تكون الفرس بالدريهمات .

قيل يا رسول الله و ما يرخص الفرس ؟ قال : لا يركب الحرب أبداً فقيل له : يا رسول الله و ما يغلي الثور ؟ قال : تحرث الأرض كلها و إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب بها الناس جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ، و يأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ، ثم يأمر الله السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها و يأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تمطر قطرة و يأمر الأرض فتحبس نباتها فلا تنبت خضراً و لا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس إلا هلكت إلا ما شاء الله فقيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان ؟ قال : التهليل و التكبير و التسبيح و التحميد و يجزي ذلك عنهم مجزى الطعام .

قال ابن ماجه : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول : ينبغي أن يرفع هذا الحديث للمؤدب حتى يعلمه للصبيان في المكتب .

و في حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية قالوا : يا رسول الله ذكرت الدجال فو الله إن أحدنا ليعجن عجينة فما يخبز حتى يخشى أن يفتن و أنت تقول : الأطعمة تزوي إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يكفي المؤمن يومئذ ما يكفي الملائكة . فقالوا فإن الملائكة لا تأكل و لا تشرب و لكنها تقدس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم طعام المؤمنين يومئذ بالتسبيح.

و ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن شهر حديث حوشب ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : قال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي فذكر الدجال فقال : إن بين يديه ثلاث سنين : سنة تمسك السماء ثلث مطرها و الأرض ثلث نباتها و الثانية تمسك السماء ثلثي قطرها و الأرض ثلثي نباتها ، و الثالثة تمسك السماء قطرها كله و الأرض نباتها كله ، فلا يبقى ذات ظلف و لا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت و إن من أشد فتنته أنه يأتي لأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيمثل الشيطان له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعاً و أعظمه سمنة قال : و يأتي الرجل مات أخوه و مات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أخاك و أحييت لك أباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى فيتمثل الشيطان نحو أبيه و أخيه . قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاجته ثم رجع و القوم في اهتمام و غم مما حدثهم به قالت فأخذت بجنبتي الباب فقال : مهيم يا أسماء قلت : يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال : إن يخرج و أنا حي فأنا حجيجه و إلا فإن ربي خليفة على كل مؤمن قالت أسماء : فقلت يا رسول الله و إنا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح و التقديس .

و خرج مسلم و ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب و ليقتلن الخنزير و ليضعن الجزية و ليتركن القلاص فلا يسعى عليها ، و ليذهبن الشحناء و التباغض و التحاسد و ليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد .

وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم و إمامكم منكم و في رواية فأمكم منكم قال ابن أبي ذئب : تدري ما إمامكم منكم ؟ قلت تخبرني : قال : فأمكم بكتاب ربكم عز و جل و سنة نبيكم صلى الله عليه و سلم قال و الذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما .

و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليدركن المسيح بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منك يقول ذلك ثلاث مرات . ذكره ابن برجان في كتاب الارشاد له .

و روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم على ثمانمائة رجل و أربعمائة امرأة خيار من على الأرض يومئذ و كصلحاء من مضى .

وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ينزل عيسى بن مريم فيتزوج و يولد له ولد و يمكث خمساً و أربعين سنة و يدفن معي في قبري ، فأقوم أنا و عيسى من قبر واحد بين أبي بكر وعمر ذكره الميانشي أبو حفص و يقال : إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال و تلد له بنتاً فتموت ثم يموت هو بعد ما يعيش سنتين ذكره أبو الليث السمرقندي و خالفه كعب في هذا و أنه يولد له و لدان و سيأتي .

و في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده قال حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة ، و بهذا السند عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى و دينهم واحد و أنا أولى بالناس بعيسى بن مريم ، لأنه لم يكن بيني و بينه نبي فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة و البياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر و لم يصبه بلل ، و أنه يقتل الخنزير و يكسر الصليب و يفيض المال حتى يهلك في زمانه الملك كلها غير الإسلام ، و حتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، و تقع الأمنة في الأرض حتى يرعى الأسد مع الإبل و النمر مع البقر و الذئب مع الغنم ، و يلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضاً يبقى في الأرض أربعين سنة ثم يموت و يصلي عليه المسلمون و يدفنونه و في بعض الروايات : أنه يمكث أربعاً و عشرين سنة .

و في حديث عبد الله بن عمر : ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عدواة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام الحديث خرجه مسلم و قد تقدم بكماله ، و هذا يدل على أنه يمكث في الأرض سبع سنين و الله أعلم .

و قال كعب الأحبار : إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة و يكثر الخير على يديه ، و تنزل البركات في الأرزاق حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته و يفضل ، و القطف من العنب يأكل منه الجمع الغفير و الخلق الكثير ، حتى إن الرمانة لتثقل الجمل ، و حتى إن الحي لعبر بالميت فيقول : قم فانظر ما أنزله الله من البركة ، و أن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان و يرزق منها و لدين فيسمى أحدهما محمد و الآخر موسى و يكون الناس معه على خير و في خير زمان و ذلك أربعين سنة ، ثم يقبض الله روح عيسى و يذوق الموت و يدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه و سلم في الحجرة و يموت خيار الأمة و يبقى شرارها في قلة من المؤمنين فذلك قوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريباً و سيعود غريباً كما بدأ و قيل : إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء .

فصل :

ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى و ينهاهم ، و هذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناه من حديث أبي هريرة و بقوله تعالى : و خاتم النبيين و قوله عليه الصلاة و السلام : لانبي بعدي و قوله و أنا العاقب يريد آخر الأنبياء و خاتمهم ، و إذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبياً بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه و سلم ، بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه و سلم كما أخبر صلى الله عليه و سلم حيث قال لعمر : لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي .

و قد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعالى صل بنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء لكرامة الله لهذه الأمة خرجه مسلم في صحيحه و غيره . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقرراً لهذه الشريعة و مجدداً لها إذ هي آخر الشرائع ، و محمد صلى الله عليه و سلم آخر الرسل فينزل حكماً مقسطاً و إذا صار حكماً فإنه سلطان يومئذ للمسلمين و لاإمام و لاقاضي و لامفتي قد قبض الله تعالى و خلا الناس منه ، فينزل و قد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس و العمل به في نفسه ، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه و يحكمونه على أنفسهم إذ لا أحد يصلح لذلك غيره، و لأن تعطيل الحكم غير جائز . و أيضاً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض الله الله على ما يأتي ، و هذا واضح .

فصل

فإن قيل : فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :

أحدها : يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله و صلبه و جرى أمرهم معه على ما بينه الله تعالى في كتابه و هم أبداً يدعون أنهم قتلوه و ينسبونه في السحر و غيره إلى ما كان الله يراه و نزهه منه ، و لقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام و أظهره راية، و لا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان و لا قوة و لا شوكة ، و لا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة فيظهر الدجال و هو أسحر السحرة و يبايعه اليهود فيكون يومئذ جندة مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه و أبرزه لهم و لغيرهم من المنافقين و المخالفين حياً و نصره على رئيسهم و كبيرهم المدعي الربوبية فقتله و هزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين فلا يجدون يومئذ مهرباً و إن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه : يا روح الله ها هنا يهودي حتى يوقف عليه . . فإما أن يسلم و إما أن يقتل ، و كذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر .

و الوجه الثاني : و هو أنه يحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى فينزله الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه و يسمع به من نأى عنه ، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره و يصلون عليه و يدفن حيث دفن الأنبياء الذين أمه مريم من نسلهم و هي الأرض المقدسة ، فينشر إذا نشر معهم ، فهذا سبب إنزاله غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد . هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك و كان الدجال قد بلغ من فتنته أنه ادعى الربوبية و لم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقلتهم كان هو أحق بالتوجه إليه و يجري قتله على يديه إذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته ، و أنزل عليه كتابه و جعله و أمه آية ، فعلى هذا الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصداً .

و الوجه الثالث : أنه وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه و سلم حسب ما قال و قوله الحق ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل فدعا الله عز و جل أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه و سلم فاستجاب الله تعالى دعاءه و رفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة و السلام فوافق خروج الدجال فقتله .

و لا يبد على هذا أن يقال : إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث إنه إذا حصل بين ظهراني الناس و هم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم و هو أحدهم لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره ، فذلك يقوم به و ذلك داخل في اتباع نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، و بالله التوفيق .

و اختلف حيث يدفن فقيل : بالأرض المقدسة ذكره الحليمي . و قيل : يدفن مع النبي صلى الله عليه و سلم على ما ذكرناه في الأخبار .

 

فصل في الاختلاف في لفظة المسيح حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل

و اختلف في لفظة المسيح على ثلاثة و عشرين قولاً ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين و قال : لم أر من جمعها قبلي ممن رحل و جال و لقى الرجال .

القول الأول : و هو مسيح بسكون السين و كسر الياء على وزن مفعل ، فأسكنت الياء و نقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء .

القول الثاني : قال ابن عباس : كان لا يمسح ذا عامة إلا برىء ، و لا ميتاً إلا حيى فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين مسيح بمعنى ماسح .

القول الثالث : قال إبراهيم النخعي المسيح : الصديق و قاله الأصمعي و ابن الأعرابي .

القول الرابع : قال أبو عبيد : أظن هذه الكلمة [ هاما شيحا ] بالشين المعجمة فعربت إلى [ مسياً ] و كذلك تنطق به اليهود .

القول الخامس : قال ابن عباس أيضاً في رواية عطاء عنه : سمي مسيحاً لأنه كان أمسح الرجل ليس لرجله أخمص، و الأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل ، فإذا لم يكن للقدم أخمص قيل فيه قدم رحاء و رجل رحاء و رجل أرح و امرأة رحاء .

القول السادس : قيل مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن .

القول السابع : قيل سمي مسيحاً لأنه مسح عند ولادته بالدهن .

القول الثامن : قال الإمام أبو إسحاق الجواني في غريبه الكبير : هو اسم خصه الله تعالى به أو لمسح زكريا .

القول التاسع : قيل : سمي بذلك لحسن وجهه إذ المسيح في اللغة الجميل الوجه . يقال على وجهه مسعة من جمال و حسن ، و منه ما يروى في الحديث الغريب الضعيف : يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك .

القول العاشر : المسيح في اللغة : قطع الفضة و كذلك المسيحة : القطعة من الفضة ، و كذلك كان المسيح بن مريم أبيض مشرب حمرة من الرجال عريض الصدر جعداً ، و الجعد ها هنا اجتماع الخلق و شدة الأسر .

القول الحادي عشر : المسيح في اللغة : عرق الخيل : و أنشد اللغويون :

إذا الجياد فضن بالمسيح .

يعني العرق .

ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي كعب : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قد غشيتني ضرب في صدري ففصدت عرقاً و كأني أنظر إلى الله عز و جل فرقاً ذكره الخطابي في شرحه بالصاد و الضاد . و أنشد العجاج :

إذا الجياد فضن بالمسيح .

يعني العرق .

القول الثاني عشر : المسيح : الجماع يقال مسحها إذا جامعها . قاله المجمل لابن فارس .

القول الثالث عشر : المسيح : السيف . قاله أبو عمرو المطرز .

القول الرابع عشر : المسيح : المكاري .

القول الخامس عشر : المسيح : الذي يمسح الأرض أي يقطعها . قاله الثقة اللغوي أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب ، و لذلك سمي عيسى مسيحاً كان تارة بالشام و تارة بمصر و تارة على سواحل البحر و في المهامة و القفار . و المسيح الدجال كذلك سمياً بذلك لجولانهما في الأرض .

القول السادس عشر : ذكره بسنده إلى أبي الحسن القابسي ، و قد سأله الحافظ النقري أبو عمرو الداني : كيف يقرأ المسيح الدجال ؟ فقال : بفتح الميم و تخفيف السين مثل المسيح بن مريم لأن عيسى عليه السلام مسح بالبركة و هذا مسحت عينه .

قال أبو الحسن : و من الناس من يقرؤه بكسر الميم و تثقيل السين فيعرف بذلك و هو وجه . و أما أنا فلا أقرؤه إلا كما أخبرتك . قال ابن دحية : و حكى الأزهري أنه يقال : مسيح بالتشديد على وزن فعيل قال : فرقاً بينه و بين عيسى عليه السلام ، ثم أسند عن شيخه أبا القاسم بن بشكوال ، عن أبي عمران بن عبد الرحمن قال : سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البر يقول : و منهم من قال ذلك بالخاء عني المعجمة و ذلك كله عند أهل العلم خطأ لا فرق بينهما و كذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نطق به و نقله الصحابة المبلغون عنه .

و أنشد في ذلك أهل اللغة قول عبد الله بن قيس الرقيات :

و قالوا : دع رقية و اجتنبها فقلت لهم : إذا خرج المسيح

يريد إذا خرج الدجال هكذا فسره و لذلك ذكرناه .

قال الراجز :

إذا المسيح قتل المسيحا

يعني عيسى بن مريم عليه السلام يقتل الدجال بنبزك . قرأته في المجلد الأول من شرح ألفاظ الغريب من الصحيح لمحمد بن إسماعيل تأليف القاضي الإمام المفتى أبي الأصبغ بن سهل .

القول السابع عشر : قيل سمي الدجال مسيحاً ، لأن المسيح الذي لا عين له و لا حاجب . قال ابن فارس : و المسيح أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له و لا حاجب ، و لذلك سمي الدجال مسيحاً ، ثم أسند عن حذيفة مستدلاً عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة خرجه مسلم .

القول الثامن عشر : : المسيح الكذاب : و هذا يختص به الدجال لأنه يكذب فيقول : أنا الله فهذا كذب البشر و لذلك خصه الله بالشوه و العار .

القول التاسع عشر : المسيح : المارد و الخبيث و هو التمسيح أيضاً عن ابن فارس ، و يقال هو الكذاب و كذلك التمساح بألف .

القول العشرون : قيل : الدجال : المسيح لسياحته وهو فعيل بمعنى فاعل ، و الفرق بين هذا و بين ما تقدم في الخامس عشر أن ذلك يختص بقطع الأرض و هذا بقطع جميع البلاد في أربعين ليلة أو مكة و المدينة .

القول الحادي و العشرون : المسيح : الدرهم الأطلس بلا نقش . قاله ابن فارس و ذلك مطابق لصفة الأعور الدجال إذ أحد شقي وجهه ممسوح و هو أشوه الرجال .

القول الثاني و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من تأليفه : سمي ابن مريم مسيحاً لأن الله مسح الذنوب عنه .

القول الثالث و العشرون : قال الحافظ أبو نعيم في الكتاب المذكور : و قيل : سمي ابن مريم مسيحاً لأن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة و هو قوله تعالى وجعلني مباركا أين ما كنت .

فصل في بيان ما وقع في الحديث من الغريب

قوله : فيشج أي يمد و الميشار ، مفعال من أيشرت و وشرت أشراً و وشراً ، و يقال منشار بالنون أيضاً و الوجهين في الحديث و هو مفعال أيضاً من نشرت .

و قوله : فخفض و رفع بتخفيف الفاء أي أكثر من الكلام فيه ، فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد ، و تارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان ، و هذه حالة الكثر في الكلام و روي بتشديد الفاء على التضعيف . و التكثير .

و قوله : إنه خارج محلة . يروي بالخاء المعجمة و بالحاء المهملة المهملة قاله الهروي ، و الخلة موضع حزن وضجور و الحلة ما بين البلدين .

و قال الحافظ ابن دحية : و رواه هامان و الحميدي حله بفتح الحاء المهملة و ضم اللام و كأنه يريد حلوله ، قال : وقرأت في أصل القطيعي من مسند الإمام أحمد بن حنبل و أنه يخرج حيله ، و لا أعلم روى ذلك أحد غيره ، و قد سقطت هذه اللفظة لأكثر رواة مسلم و بقي الكلام أنه خارج بين الشام و العراق .

و جاء في حديث الترمذي أنه يخرج بخراسان ، و في الرواية الآخرى : من ناحية أصبهان من قرية تسمى اليهودية، و في حديث ابن ماجه و مسلم بين الشام و العراق و وجه أم مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق و الشام ، و الله أعلم .

و عاث بالعين المهملة و الثاء المثلثة و التنوين على أنه اسم فاعل ، و روى بفتح الثاء على أنه فعل ماض ، و وقع في حديث أبي أمامة على الفعل المستقبل و الكل بمعنى الفساد عادت يعيث عيثاً ، فهو عاث عثى يعثي ، عثلا يعثو لغتان ، و في التنزيل : و لا تعثوا في الأرض مفسدين .

و قوله : يا عباد الله فاثبتوا . يعني على الإسلام يحذرهم من فتنته لأنه يأمر السماء فتمطر و الأرض فتنبت .

و قوله : فاقدروا له قدره ، قال القاضي عياض : هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ، و لو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عن الأوقات المعروفة في غيره من الأيام .

قلت : و كذلك الأيام القصار الحكم فيها أيضاً ما حكمه صاحبه الشرع . و قد حمل بعض العلماء أن هذه الأيام الطوال ليست على ظاهرها ، و إنما هي محمولة على المعنى . أي يهجم عليكم غم عظيم لشدة البلاء و أيام البلاء طوال ، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني ثم يتناقص في اليوم الثالث ، ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل : اليوم عندي سنة و منه قولهم :

و ليل المحب بلا آخر

و قال آخر :

و أيام لنا غير طوال عصينا الملك فيها أن ندينا

و هذا القول يرده قولهم : أتكفنا فيه صلاة يوم و ليلة قال : لا ، اقدروا له قدره . و المعنى قدروا الأوقات للصلوات ، و كذلك لا التفات لطعنه في صحة هذه الألفاظ ، أعني قوله : أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره فقال : هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا ، و لو كان صحيحاً لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال ، و لو كان لقوي اشتهاره و لكان أعظم و أفظع من طلوع الشمس من مغربها . و الجواب : أن هذه الألفاظ صحيحة حسب ما ذكره مسلم و حسبك به إماماً ، و قد ذكرها الترمذي من حديث النواس أيضاً و قال : حديث حسن صحيح ، و خرجها أبو داود أيضاً و ابن ماجه من حديث أبي أمامة ، و قاسم بن أصبغ من حديث جابر ، و هؤلاء أئمة أجلة من أئمة أهل الحديث ، و تطرق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم و التحرز و الثقة بعيد لا يلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد ، ثم إن ذلك في زمن خرق العادات و هذا منها .

و قوله : ممحلين أي مجدبين ، و يروى : أزلين و المحل و الأزل و القحط و الجدب بمعنى واحد ، و يعاسيب النحل فحولهما ، و أحدهما يعسوب ، و قيل : امراؤها . و وجه التشبيه أن يعاسب النحل يتبع كل واحد منهم طائفة من النحل فتراها جماعات في تفرقة ، فالكنوز تتبع الدجال كذلك .

و قوله : بين مهروتين أي بين شقي ثوب ، و الشقة نصف الملاءة أو في حلتين مأخوذ من الهرد بفتح الهاء و سكون الراء و هو الشق و القطع .

قال ابن دريد : إنما سمي الشق هرداً للإفساد لا للإصلاح . و قال يعقوب : هرد القصار الثوب ، و هردته بالتاء و المثناة باثنتين من فوق إذا أحرقه و خرقه .

وقال أكثرهم : في ثوبين مصبوغين بالصفرة و كأنه الذي صبغ بالهرديء و وقع في بعض الروايات بدل مهرودتين ممصرتين كذلك ، ذكره أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة ، و الممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة . والجمان ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر و هو تشبيه واقع و ليست بالمشبعة .

وقال ابن الأنباري : مهرودتان بدال مهملة و ذال معجمة معاً أي ممصرتين كما جاء في الحديث الآخر . و قال غيره : الهرود الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها الهرد بضم الهاء ، و قال الهروي : هرد ثوبه بالهرد و هو صبغ يقال له العروق ، و قال القتبي : إن كان المحفوظ بالدال فهو مأخوذ من الهرد . و الهرد و الهرت : الشق و معناه بين شقين و الشقة نصف الملاءة و قال : و هذا عندي خطأ من النقلة ، و أراد مهرودتين أي صفراوين يقال : هرت العمامة ألبستها صفراً و كان الثلاثي منه هروت ، فخالف الجماعة من أهل اللغة فيما قالوه ، و قد خطأه ابن الأنباري و قال : إنما يقول العرب هريت الثوب لا هروت و لو كان من ذلك لقيل مهراة لا مهروة ، و اللغة نقل و رواية لا قياس ، و العرب إنما تجوز ذلك في العمامة خاصة لا في الشقة و لا يجوز قياس الشقة على العمامة . و أما رواية الذال المعجمة فهو إبدال من الدال المهملة فإن الذال و الدال قد يتعاقبان فيقال رجل مدل بالدال المهملة و مذل بالذال المعجمة إذا كان قيل اللحم خفي الشخص .

و الجمان : ما استدار من اللؤلؤ و الدر شبه قطرات العرق بمستدير الجوهر ، و هو تشبيه حسن .

و قوله : فحرز عبادي إلى الطور ، أي ارتحل بهم إلى جبل بحرزون فيه أنفسهم . و الطور: الجبل بالسريانية .

قال الحافظ بن دحية : قيدناه في صحيح مسلم جوز بالجيم و الواو و الزاي كذا قيدناه في جامع الترمذي ، و قيدناه أيضاً حدر بدال مهملة ، فأما حرز فهو الذي رواه أكثرهم و صحح بعضهم رواية حدر و كلاهما صحيح ، لأن ما خير فقد أحرز و كذلك جوز بالجيم . و أما حدر بدال مهملة فمعناه أنزلهم إلى جهة الطور من حدرت الشيء فانحدر إذا أرسلته في صبب و حدر .

و النغف : جمع نغفة و هي الدود الذي يكون في أنوف الإبل و الغنم . و فرسى أي هلكى و هو جمع فريس يعني مفروس مثل قتيل و قتلى و صريع و صرعى و أصله من فرس الذب الشاة و أفرسها أي قتلها كأن تلك النغف فرستهم .

و يروى فيصحبون موتى . و الزهم : النتن . و البخت : إبل غلاظ الأعناق عظام الأجسام . و الزلفة : المصففة الممتلئة و الجمع زلف .

قال ابن دحية : قيدناه في صحيح مسلم بالفاء و القاف و هو المرآة كذا فسره ابن عباس و قاله اللغويان : أبو زيد الأنصاري و أبو العباس الشيباني .

و اللقحة : الناقة الحلوب . و الغيام : الجماعة من الناس . و الفخذ : دون القبيلة و فوق البطن. و الفاثور بالفاء : الخوان يتخذ من الرخام و نحوه . قال الأغلب العجيلي

إذا نجلى فاثور عين الشمس يقال هم على فاتور واحد أي على مائدة واحدة منزلة واحدة و الفاثور أيضاً : موضع . قاله الجوهري . و الله أعلم .