باب ما جاء في أن حواري عيسى عليه السلام إذا نزل هم أصحاب الكهف و في حجهم معه التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب ما جاء في أن حواري عيسى عليه السلام ـ إذا نزل ـ هم أصحاب الكهف و في حجهم معه

حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا ابن أبي أويس قال : حدثنا كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه و سلم الحديث و قد تقدم . و فيه : و لا تقدم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم عبد الله و رسوله حاجاً أو معتمراً أو ليجمعن الله ذلك له قال كثير : فحدثت بهذا الحديث محمد بن كعب القرظي قال : ألا أرشدك في حديثك هذا ؟ قلت : بلى . فقال : كان رجل يقرأ التوراة و الإنجيل فأسلم و حسن إسلامه فسمع هذا الحديث من نص بعض القوم فقال : ألا أبشركم في هذا الحديث ؟ فقالوا : بلى فقال: إني أشهد أنه لمكتوب في التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام و أنه مكتوب في الانجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم عليه السلام عبد الله و رسوله و أنه يمر بالروحاء حاجاً أو معمتراً أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم ، فيمرون حجاجاً فإنهم لم يحجوا و لم يموتوا .

باب ما جاء أن عيسى إذا نزل يجد في أمة محمد صلى الله عليه و سلم خلقاً من حواريه

ذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول في الأصل الثالث . و العشرين و المائة قال :

حدثنا الفضل بن محمد الواسطي قال : حدثنا إبراهيم بن الوليد الدمشقي قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الملك بن عقبة الإفريقي ، عن أبي يونس مولى أبي هريرة ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : بعثني خالد بن الوليد بشيراً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مؤته فلما دخلت عليه قلت : يا رسول الله فقال : على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد حتى قتل رحم الله زيداً ، ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل جعفر حتى قتل رحم الله جعفراً ، ثم أخذ اللواء عبد الله ابن رواحة فقاتل حتى قتل رحم الله عبد الله بن رواحة ، ثم أخذ اللواء خالد ففتح الله لخالد فخالد سيف من سيوف الله فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم حوله فقال : ما يبكيكم ؟ قالوا : و ما لنا لا نبكي و قد قتل خيارنا و أشرافنا و أهل الفضل منا فقال : لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتنب رواكبها و هيأ مساكبها و حلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً ، ثم عاماً فوجاً فلعل آخرها عاماً طعماً يكون أجودها قنوانا و أطولها شمراخا ، و الذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلقاً من حواريه .

حدثنا علي بن سعيد بن مرزوق الكندي قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن صفوان بن عمرو السكسكي ، عن عبد الرحمن بن حسين ، عن جبير بن نفير الحضري قال : لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أصيب مع زيد ابن حارثة يوم مؤته قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات و لن يخزى الله أمة أنا أولها و المسيح آخرها . و الله أعلم .

باب ما جاء أن الدجال لا يضر مسلماً

البزار عن حذيفة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الدجال فقال : لفتنة من بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ليس من فتنة صغيرة و لا كبيرة إلا تضع لفتنة الدجال ، فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها و الله لا يضر مسلماً . مكتوب بين عينيه : كافر .

فصل

قلت : : إن قيل : كيف قال في هذا الحديث لا يضر مسلماً ، و قد قتل الرجل الذي خرج إليه من المدينة و نشره بالمنشار و ذلك أعظم الضرر ؟ قلنا : ليس المراد ذلك و إنما المعنى أن المسلم المحقق لا يفتنه الدجال فيرده عن دينه لما يرى عليه من سيماء الحدث ، و من لم يكن بهذه الصفة فقد يفتنه و يتبعه لما يرى من الشبهات كما في الحديث المذكور في الباب قبل هذا. و يحتمل أن يكون عموماً يخصه ذلك الحديث و غيره ، و الله أعلم .

باب ما ذكر من أن ابن صياد : الدجال و اسمه صاف و يكنى أبا يوسف و سبب خروجه و صفة أبويه و أنه على دين اليهود

البزار عن محمد بن المنكدر قال : رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد : الدجال فقلت له : أتحلف على ذلك ! قال : إني سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينكر النبي صلى الله عليه و سلم و أخرجه أبو داود في سننه .

و عن نافع قال : كان ابن عمر يقول : و الله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد أخرجه أبو داود أيضاً و إسناده صحيح .

مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا حجاجاً أو عماراً و معنا ابن صياد قال فنزلنا منزلاً فتفرق الناس و بقيت أنا و هو فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه قال : و جاء بمتاعه فوضعه على متاعي فقلت : إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة قال ففعل فرفعت لنا غنم فانطلق بعس فقال : اشرب أبا سعيد فقلت : إن الحر شديد و اللبن حار ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده أو قال : آخذه عن يده فقال : أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خفي عليكم مشعر الأنصار ألست من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ! أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو كافر و أنا مسلم ، أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يدخل المدينة و لا مكة فقد أقبلت من المدينة و أنا مكة ! و في رواية : و قد حججت قال أبو سعيد : حتى كدت أنيأعذره ثم قال : أما و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن . قال : قلت له : تباً لك سائر اليوم و في رواية : قال أبو سعيد و قيل له أيسرك أنك ذاك الرجل أي الدجال قال : فقال لو عرض علي ما كرهت .

و عن ابن عمر قال : لقيت ابن صياد مرتين ، فقلت لبعضهم ، هل تحدثون أنه هو ؟ قال : لا و الله . قال : قلت كذبتني و الله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالاً و ولداً ، فكذلك هو زعموا اليوم ، قال : فتحدثنا ثم فارقته قال فلقيته لقية أخرى و قد نفرت عينه قال : فقلت متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال : لا أدري . قال : قلت : لا تدري و هي في رأسك . قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال : فنخر كأشد نخير حمار سمعت قال : فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت ، و أما أنا فو الله ما شعرت قال : و جاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضبه يغضبه ، و عنه قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صيد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل و هو يحتل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة ، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يتقى بجذوع النخل فقالت لابن صياد : يا صاف و هم اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو تركته بين .

و في رواية : ثم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني قد خبأت لك خبثاً فقال ابن صياد : هو الدخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اخسأ فلن تعدو قدرك ، فقال عمر بن الخطاب : ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يكنه فلن تسلط عليه و إن لم يكنه فلا خير في قتله أبو داود عن جابر بن عبد الله قال : فقدنا ابن صياد يوم الحسرة .

الترمذي عن أبي بكرة قال : قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمكث أبو الدجال و أمه ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد ، ثم يولد لهما ولد أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عينه و لا ينام قلبه ، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه فقال : أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار و أمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين ، قال أبو بكر : فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا و الزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه ، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهما فقلنا : هل لكما ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد ثم لنا غلام أعور أضر شيء و أقله منفعة تنام عيناه و لا ينام قلبه ، قال : فخرجنا من عندهما ، فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة و له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : و هل سمعت ما قلنا ؟ قال : نعم تنام عيناي و لا ينام قلبي . قال : حديث حسن غريب روى نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة .

قلت : خرجه أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه .

و روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه و سلم الحديث بطوله . و في آخره: فأخبرني عن الدجال أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس ؟ قال: هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس و أنه على دينكم معشر اليهود ، و ذكر الحديث .

و قيل : إنه لم يولد بعد . و سيولد في آخر الزمان و الأول أصح لما ذكرنا ، و بالله توفيقنا .

و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد ، و الله أعلم .

فصل في اختلاف الناس في ابن صياد

قال أبو سليمان الخطابي : و قد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً و أشكل أمره حتى قيل فيه كل قول و قد يسأل عن هذا فيقال : كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه و سلم من يدعى النبوة كاذباً و يتركه بالمدينة يساكنه في داره و يجاوره فيها و ما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان ، و قوله بعد ذلك : اخسأ فلن تعدو قدرك .

قال أبو سليمان و الذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهود و حلفاءهم ، و ذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه و بينهم كتاباً و صالحهم فيه على أن لا يهاجروا و أن يتركوا على أمرهم ، و كان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم و كان يبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبره و ما يدعيه من الكهانة و يتعاطاه من الغيب ، فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره فلما كلمه علم أنه معطل و أنه من جملة السحرة و الكهنة يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به ، فلما سمع منه قول الدخ زجره و قال : اخسأ و لن تعدو قدرك يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان ، و أجراه على لسانه ، و ليس ذلك من قبل الوحي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب و لا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم و يصيبون بنور قلوبهم الحق ، و إنما كانت له تارات يصيب في بعضها و يخطئ في بعض و ذلك معنى قوله : يأتي صادق و كاذب . فقال له عند ذلك خلط عليك .

و الحكمة في أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة ، و قد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم و هلكوا و نجا من هداه الله و عصمه منهم ، و قد اختلف الروايات في أمر ابن صياد في ما كان من شأنه بعد كبره ، فروي أنه تاب عن ذلك القول ، ثم إنه مات بالمدينة و أنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس و قيل لهم اشهدوا . قال الشيخ : الصحيح خلاف هذا لحلف جابر و عمر أن ابن صياد الدجال . و روي أن أبا ذر كان يقول هو الدجال ، و روي ذلك عن ابن عمر ، و قال ابن جابر فقدناه يوم الحرة هذا و ما كان مثله يخالف رواية من روى أنه مات بالمدينة ، و الله أعلم .

و سيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أن الدجال ابن صياد عند كلامنا على خبر الجساسة إن شاء الله تعالى .

باب في ما جاء في نقب يأجوج و مأجوج السد و خروجهم و صفتهم و في لباسهم و طعامهم و بيان قوله تعالى فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً

ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن يأجوج و مأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فتستحفرونه غداً، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم و أراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فتستحفرونه غداً إن شاء ، فيرجعون إليه و هو كهيئته حين تركوه فيحفرونه و يخرجون على الناس فينشفون الماء و يتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون سهامهم إلى السماء فيرجع إليها الدم ، الذي أحفظ فيقولون : قهرنا أهل الأرض ، و علونا أهل السماء فيبعث الله نغفاً في أقفائهم ، فيقتلون . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده إن دواب الأرض تسمن و تشكر شكراً من كثرة ما تأكل من لحومهم .

قال الجوهري : شكرت الناقة تشكر شكراً فهي شكرة و اشتكر الضرع امتلأ .

قال كعب الأحبار : إن يأجوج و مأجوج ينقرون بمناقرهم السد حتى إذا كادوا أن يخرجوا قالوا : نرجع إليه غداً و قد عاد كما كان ، فإذا بلغ الأمر الأمر ألقى على بعض أن يقولوا نرجع إن شاء الله غداً فنفرغ منه ، قال : فيرجعون إليه و هو كما تركوه فيخرقونه و يخرجون ، فيأتي أولهم البحيرة فيشربون ما فيها من ماء ، و يأتي أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من طين ، و يأتي آخرهم فيقولون : قد كان ها هنا ماء ثم يرمون بنبالهم نحو السماء فيقولون : قد قهرنا من في الأرض و ظهرنا على من في السماء قال : فيصب الله عليهم دواب يقال له النغف فيأخذ في أقفائهم فيقتلهم النغف حتى تنتن الأرض من ريحهم ، ثم يبعث الله عليهم طيراً فتنقل أبدانهم إلى البحر فيرسل الله السماء أربعين ، فتنبت الأرض حتى إن الرمانة لتشبع السكن . قيل لكعب : و ما السكن ؟ قال : أهل البيت . قال : ثم يسمعون الصيحة .

و خرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يفتح يأجوج و مأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى : و هم من كل حدب ينسلون ، فيعمون الأرض و ينحاز منهم المسلمون حتى يصير بقية المسلمين في مدائنهم و حصونهم ، و يضمون إليهم مواشيهم حتى إنهم ليمرون بالنهر فيشربونه حتى ما يذروا فيه شيئاً فيمر آخرهم على أثرهم فيقول قائلهم : لقد كان بهذا المكان مرة ماء و يظهرون على الأرض فيقول قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم لننازلن أهل السماء حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم ، فيقولون : قد قتلنا أهل السماء فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم دواب كنغف الجراد ، فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضاً . فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حساً . فيقولون : هل من رجل يشتري نفسه و ينظر ما فعلوا ، فينزل إليهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى ، فيناديهم ألا أبشروا فقد هلك عدوكم فيخرج الناس و يخلون سبيل مواشيهم فما يكون لهم مرعى إلا لحومهم فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط.

و خرج ابن ماجه أيضاً و أبو بكر بن أبي شيبة و اللفظ لابن ماجة ، عن عبد الله بن مسعود قال : لما كان ليلة أسري برسول الله لقي إبراهيم و موسى و عيسى عليهما السلام فتذاكروا الساعة فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده علم منها ، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده علم منها فردوا الحديث إلى عيسى قال : قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله فذكروا خروج الدجال ، قال فأنزلوا إليه فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج مأجوج و هم من كل حدب ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوه و لا شيء إلا أفسدوه فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء فتحملهم فتلقيهم في البحر ، ثم تنسف الجبال و تمد الأرض مد الأديم فعهد إلي إذا كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل التي لا يدري أهلها متى تعجلهم بولادتها . قال ابن أبي شيبة : ليلاً أو نهاراً .

قال العوام : و وجه تصديق ذلك في كتاب الله تعالى : حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون ، فلا يمرون بماء إلا شربوه و لا شيء إلا أفسده زاد ابن أبي شيبة : و اقترب الوعد الحق .

و روي عن عمر بن العاص قال : إن يأجوج و مأجوج ذرء ليس فيهم صديق ، و هم على ثلاثة أصناف : على طول الشبر ، و على طول الشبرين ، و ثلث منهم طوله و عرضه سواء، و هم من ولد يافث بن نوح عليه السلام .

و روي عن عطية بن حسان أنه قال : يأجوج و مأجوج أمتان في كل أمة أربعمائة ألف ليس منها أمة تشبه بعضها بعضاً .

و روي عن الأوزاعي أنه قال : الأرض سبعة أجزاء ، فستة أجزاء منها : يأجوج و مأجوج، و جزء فيه سائر الخلق.

و روي عن قتادة أنه قال : الأرض أربعة و عشرون ألف فرسخ يعني الجزء الذي فيه سائر الخلق غير يأجوج و مأجوج ، فإثنا عشر للهند والسند ، و ثمانية آلاف للصين و ثلاثة آلاف للروم و ألف فرسخ للعرب .

و ذكر علي بن معبد ، عن أشعث ، عن شعبة ، عن أرطأة بن المنذر قال : إذا خرج يأجوج و مأجوج أوحى الله تبارك و تعالى إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجت خلقاً من خلقي لا يطيقهم أحد غيري فمر بمن معك إلى جبل الطور و معه من الذراري اثنا عشر ألفاً ، قال : يأجوج و مأجوج ذرء في جهنم ، و هم على ثلاث أثلاث : ثلث على طول الأرز و ثلث مربع طوله و عرضه واحد و هم أشد ، و ثلث يفترش إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى ، و هم من ولد يافث بن نوح .

و يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير ، و كذلك مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده ، صنف منهم كالأرز ، و صنف منهم طوله مائة و عشرون ذراعاً ، و صنف منهم يفترش أذنه و يلتحف بالأخرى ، لا يمرون بفيل و لا خنزير إلا أكلوه و يأكلون من مات منهم ، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق و بحيرة طبرية ، فيمنعهم الله من مكة و المدينة و بيت المقدس .

و يروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات و العقارب و كل ذي روح مما خلق الله في الأرض ، و ليس لله خلق ينمي كنمائهم في العام الواحد و لا يزداد كزيادتهم و لا يكثر ككثرتهم ، يتداعون تداعي الحمام و يعوون عواء الكلاب و يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا: صح أصله في كتاب القصد و الأمم في أنساب العرب و العجم قال : و منهم من له قرن و ذنب و أنياب بارزة يأكلون اللحوم نيئة .

و قال كعب الأحبار : خلق الله يأجوج و مأجوج على ثلاثة أصناف : صنف أجسامهم كالأرز، و صنف أربعة أذرع طولاً و أربعة أذرع عرضاً ، و صنف يفترشون آذانهم و يلتحفون بالأخرى فيأكلون مشائم نسائهم . ذكره أبو نعيم الحافظ و ذكره عبد الملك بن حبيب أنه قال في قول الله عز و جل في قصة ذي القرنين : فأتبع سبباً يعني منازل الأرض و معاليها و طرقها حتى إذا بلغ بين السدين يعني الجبلين اللذين خلفهم يأجوج و مأجوج وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً أي كلاماً قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض .

قال عبد الملك : و هما أمتان من ولد يافث بن نوح مد الله لهما في العمر و أكثر لهما في النسل ، حتى ما يموت الرجل من يأجوج و مأجوج حتى يولد له ألف ولد ، فولد آدم كلهم عشرةأجزاء : يأجوج و مأجوج منهم تسعة أجزاء، و سائر ولده كلهم جزء واحد .

قال عبد الملك : كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرض القوم الذين هم قريب منهم فلا يدعون لهم شيئاً إذا كان إذا أخضر إلا أكلوه و لا يابساً إلا حملوه ، فقال أهل تلك الأرض لذي القرنين : هل لك أن نجعل خرجاً يعني جهلاً على أن تجعل بيننا و بينهم سداً قال : ما مكني فيه ربي خير من جعلكم و لكن أعينوني بقوة أجعل بينكم و بينهم ردماً قالوا له و ما تريد ؟ قال : آتوني زبر الحديد أي قطع الحديد فوضع بعضها على بعض كهيئة البناء فيما بين السدين و هما جبلان حتى إذا ساوى بين الصدفين يعني جانبي الجبلين قال انفخوا أي أوقدوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا أي من تحته . و قال عبد الملك في قوله أفرغ عليه قطراً يعني نحاساً ليلتصق فأفرغه عليه فدخل بعضه في بعض قال فإذا جاء وعد ربي جعله دكا .

و في تفسير الحوفي أبي الحسن : أن ذا القرنين لما عاين ذلك منهم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما و هو في منقطع الترك مما يلي مشرق الشمس ، فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ فلما أنشأ في عمله حفر له أساساً حتى إذا بلغ الماء جعل عرضه خمسين فرسخاً ، و جعل حشوه الصخور و طينه النحاس يذاب ثم يصب عليه ، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثم علاه و شرفه بزبر الحديد و النحاس المذاب ، و جعل خلاله عرقاً من نحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس و جمرته و سواد الحديد ، فلما فرغ منه و أحكمه انطلق عائداً إلى جماعة الإنس و الجن . انتهى كلام الحوفي .

و عن علي رضي الله عنه قال : و صنف منهم في طول شبر لهم مخالب و أنياب كالسباع و تداعي الحمام و تسافد البهائم و عواء الذئب ، و شعور تقيهم الحر و البرد و آذان عظام إحداهما و برة يشتون فيها ، و الأخرى جلدة يصيفون فيها .

و عن ابن عباس رضي الله عنه قال : الأرض ستة أجزاء فخمسة أجزاء يأجوج و مأجوج ، و جزء فيه سائر الخلق.

و قال كعب الأحبار : احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك . قال علماؤنا : و هذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم و سلامه لا يحتلمون .

و قال الضحاك : هم من الترك .

و قال مقاتل : هم من ولد يافث بن نوح و هذا أشبه كما تقدم . و الله أعلم .

و قرأ عاصم يأجوج و مأجوج بالهمزة فيهما ، و كذلك في الأنبياء على أنهما مشتقان من أجة الحر و هي شدته و توقده ، و منه أجيج النار . و من قولهم : ملح أجاج فيكونا عربيين من أج و مج و لم يصرفا لأنهما جعلا اسمين فهما مؤنثتان معرفتان ، و الباقون بغير همز جعلوهما لقبيلتين أعجميتين و لم يصرفا للعجمة و التعريف

 

باب ذكر الدابة و صفتها و متى تخرج و من أين تخرج

و كم لها من خرجة و صفة خروجها و ما معها إذا خرجت و حديث الجساسة و ما فيها من ذكر الدجال قال الله تعالى : و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم

و ذكر أبو بكر البزار قال : حدثنا عبد الله بن يوسف : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن موسى بن عبيدة ، عن صفوان بن سليم ، عن ابن لعبد الله بن مسعود ، عن أبيه رضي الله عنه قال : أكثروا من زيادة هذا البيت من قبل أن برفع و ينسى الناس مكانه ، و أكثروا من تلاوة القرآن من قبل أن يرفع . قالوا يا أبا عبد الرحمن : هذه

المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : يصبحون فيقولون : قد كنا نتكلم بكلام و نقول قولاً فيرجعون إلى شعر الجاهلية و أحاديث الجاهلية و ذلك حين يقع القول عليهم .

قال العلماء : معنى وقع القول عليهم : أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان و العقوق و الطغيان و إعراضهم من آيات الله و تركهم تدبرها و النزول على حكمها ، و انتهابهم في المعاصي إلى ما لا ينجع معه فيهم موعظة و لا يصرفهم عن غيهم تذكرة يقول عز من قائل ـ فإذا صاروا كذاك : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلم أي دابة تعقل و تنطلق ـ و ذلك و الله أعلم ليقع لهم العلم بأنه آية من قبل الله تعالى ضرورة فإن الدواب في العادة لا كلام لها و لا عقل .

ابن ماجه ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال ذهب بي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى موضع البادية قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا فتر في شبر قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنتين فأرانا عصا له فإذا هو بعصاي هذا و كذا الفتر ما بين السبابة و الإبهام إذا فتحتها قاله الجوهري .

و خرج ابن ماجه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تخرج الدابة و معها خاتم سليمان بن داود ، و عصا موسى بن عمران ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا و تختم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فتقول هذا يا مؤمن و تقول هذا يا كافر . و أخرجه الترمذي و قال : حديث حسن .

و ذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر : فتخرج في أقصى البادية و لا يدخل ذكرها القرية مكة ، ثم تكمن زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية و يدخل ذكرها القرية يعني مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها و أكرمها على المسجد الحرام لن تدعهم إلا و هي ترغو بين الركن و المقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى و معاً ، و تثبت عصابة من المؤمنين و عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكواكب الدري و ولت في الأرض لا يدركها طالب و لا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول له يا فلان : الآن تصلي فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق و يشترك الناس في الأموال و يصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول : يا كافر اقض حقي و حتى إن الكافر يقول يا مؤمن اقض حقي و قد قيل : إنها تسم وجوه الفريقين بالنفخ فتنقش في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر.

قال المؤلف رحمه الله : و لا يبعد أن تظهر السمة و تتبين بالنفخ فتجمع عليه الأمرين و على هذا لا تعارض و الله أعلم .

و ذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا علي بن الجعد ، عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأعز : و سئل عنه يحيى بن معين فقال : ثقة .

عن عطية العوفي عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها .

و ذكر الميانشي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : دابة الأرض تخرج من جياد فيبلغ صدرها الركن و لم يخرج ذنبها بعد و هي دابة ذات وبر و قوائم .

فصل : هذه الأحاديث و ما تقدم من ذكر العلماء في الدابة و يأتي . يرد قول من قال من المفسرين المتأخرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع و الكفر و يجادلهم ليتقطعوا ، فيهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة . قال شيخنا أبو العباس : و على هذا لا يكون فيها آية خاصة خارقة للعادة و لا يكون من جملة العشر آيات المذكورة في الحديث ، لأن وجود المناظرين و المحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة ينبغي أن يذكر من العشر .

قلت : فساد ما قاله هذا المتأخر واضح و أقوال المفسرين بخلافه .

و روى من حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصنعاني ، عن رباح بن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بئس الشعب جياد قالوا : و فيم ذلك يا رسول الله ؟ قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين لم يتابع رباح على هذا أخرج الحديث أبو أحمد بن عدي الجرجاني رحمه الله.

وعن عمرو بن العاص قال : تخرج الدابة من مكة من شجرة و ذلك في أيام الحج فيبلغ رأسها السحاب و ما خرجت رجلاها بعد من التراب ذكره القتبي في عيون الأخبار له .

و أصح أقوال المفسرين بخلاف ما قال : و أنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه و تكتب بين عينيه : مؤمن ، و تسم الكافر فيسود وجهه و تكتب بين عينه كافر .

و قال عبد الله بن عمر : تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه و قال عبد الله بن عمرو و نحوه ، و قال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت . و روي عن قتادة أنها تخرج من تهامة . و روي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث نار تنور نوح، و قيل : من أرض الطائف . و روي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين و هي في السحاب و قوائمها في الأرض .

و روي عن ابن الزبير : أنها جمعت من خلق كل حيوان . فرأسها رأس ثور ، و عينها عين خنزير ، و أذنها أذن فيل ، و قرنها قرن أيل ، و عنقها عنق نعامة ، و صدرها صدر أسد ، و لونها لون نمر ، و خاصرتها خاصرة هر ، و ذنبها ذنب كبش ، و قوائهما قوائم بعير . بين كل مفصل و مفصل اثنا عشر ذراعاً . ذكره الثعلبي . و الماوردي و غيرهما .

و حكى النقاش عن ابن عباس : أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعاها العقاب حتى أرادت قريش بناء الكعبة ، و يروى أنها دابة مزعبة شعراً ذات قوائم طولها ستون ذراعاً . و يقال إنها الجساسة في حديث فاطمة بنت قيس الحديث الطويل . و خرجه مسلم و ذكره الترمذي و أبو داود مختصراً و السياق لمسلم و فيه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : إني و الله ما جمعتكم لرغبة و لا لرهبة و لكنني جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فبايع و أسلم و حدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال . حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم و جذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حيث مغرب الشمس ، قال : فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر .

و قال الترمذي : إن ناساً من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر ، فإذا هم بداية لباسة ناشرة شعرها ، فقالوا : من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة و ذكر الحديث . راجع سياق مسلم فقالوا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة . قالوا و ما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال لما سمعت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة . قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا هو أعظم إنسان رأيناه خلقاً و أشد وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد . و قال الترمذي : فإذا رجل موثق بسلسلة .

قال أبو داود : فإذا الرجل يجر شعره مسلسلاً في الأغلال ينزو فيها بين السماء و الأرض . قلنا : ويلك ما أنت : قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم . قالوا : نحن ناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر قد اغتلم فلعب الموج بنا شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر . فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة فقلنا و ما الجساسة؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا و فزعنا منها و ما نأمن أن تكون شيطانة . فقال : أخبروني عن نخل بيسان.

و قال الترمذي : الذي بين الأردن و فلسطين . قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل تثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما أنها يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة طبرية . قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء أما أن ماؤها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر . قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال هل في العين ماء و هل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا : نعم هي كثيرة الماء و أهلها يزرعون من مائها . قال أخبرني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة و نزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب و أطاعوه . قال لهم قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم قال أما إن ذلك هو خير لهم أن يطيعوه و إني مخبركم عني أنا المسيخ الدجال . و إني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة و طيبة هما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها و أن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و طعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم . قال : فإنه أعجبني حديث تميم الداري فإنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه و عن المدينة و مكة ، إلا أنه في بحر الشام و بحر اليمن لا بل من قبل المشرق و ما هو من قبل المشرق ، و أومأ بيده إلى المشرق قال : حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و قد خرج ابن ماجه حديث فاطمة بنت قيس : قالت قام رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و صعد المنبر و كان لا يصعد عليه مثل ذلك اليوم إلا يوم الجمعة ، فاشتد ذلك على الناس فمن بين قائم و جالس فأشار إليهم بيده أن اقعدوا ، فو الله ما قمت مقامي إلا لأمر ينفعكم لا رغبة و لا رهبة ، و لكن تميم الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح و قرة العين ، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم صلى الله عليه و سلم إلا أن ابن عم لتميم الداري أخبرني أن الريح ألجأتهم إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فخرجوا بها فإذا هم بشيء أهدب أسود كثير الشعر . قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة . قالوا : أخبرينا . قالت : ما أنا مخبرتكم شيئاً و لا سائلكتم ، و ليكن هذا الدير قد رهقتموه فائتوه فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تخبروه و يخبركم فأتوه فدخلوه عليه ، فإذا هم بشيخ موثق شديد الوثاق مظهر الحزن شديد التشكي قال لهم : من أين ؟ فقالوا : من الشام . فقال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب عم تسأل ؟ قال : ما فعل الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خيراً أتى قوماً فأظهره الله عليهم ، فأمرهم اليوم جميع إلههم واحد و دينهم واحد و نبيهم واحد . قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : خيرا يسقون منها لزروعهم و يستقون منها لشعبهم . قال : ما فعل نخل بين عمان و بيسان ؟ قالوا : يطعم ثمره كل عام . قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ قالوا تدفق بجنباتها من كثرة الماء . قال : فزفر ثلاث زفرات ثم قال : لو انفلت من وثاقي هذا لم أدع أرضاً إلا وطئتها برجلي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سبيل .

قال النبي صلى الله عليه و سلم : إلى هذا انتهى وحيى هذه طيبة و الذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق و لا واسع و لا سهل و لا جبل إلا و عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة .

قال المؤلف رحمه الله : هذا حديث صحيح ، و قد خرجه مسلم و الترمذي و أبو داود و غيرهم رضي الله عنهم .

و قد قيل : إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام ، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له حجر فدخل فيه ثم انطبق عليه ، فهو فيه إلى وقت خروجه حتى يخرج بإذن الله تعالى .

قلت : و يدل على هذا القول حديث حذيفة المذكور في هذا الباب و فيه : و هي ترغو و الرغال إنما هو للإبل و الله أعلم .

و لقد أحسن من قال :

و اذكر خروج فعيل ناقة صالح يسم الورى بالكفر و الإيمان

فصل : و قد استدل من قال من العلماء : إن الدجال ليس ابن صياد بحديث الجساسة و ما كان في معناه ، و الصحيح أن ابن صياد هو الدجال بدلالة ما تقدم و ما يبعد أن يكون بالجزيرة ذلك الوقت ، و يكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر إلى أن فقدوه يوم الحرة ، و في كتاب أبي داود في خبر الجساسة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: شهد جابر أنه هو ابن صياد قلت فإنه قد مات قال : و إن مات . قلت : فإنه قد أسلم قال و إن أسلم . قلت : فإنه قد دخل المدينة . قال : و إن دخل المدينة .

و ذكر سيف بن عمر في كتاب الفتوح و الردة : و لما نزل أبو سبرة في الناس على السوس و أحاط المسلمون بها و عليهم الشهربان أخو الهرمزان ناوشوهم القتال . كل ذلك يصيب أهل السوس من المسلمين . فأشرف عليهم يوما الرهبان و القسيسيون فقالوا : يا معشر العرب إن مما عهد علماؤنا و أوائلنا أنه لا يفتح السوس إلا ال أو قوم فيهم الدجال . فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فستفتحونها و إن لم يكن فيكم فلا تعنوا أنفسكم بالحصار. قال وصاف ابن صياد يومئذ مع النعمان في جند فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله و قال: انفتح فطار فتقطعت السلاسل و تكسرت الأغلاق و تفتحت الأبواب و دخل المسلمون ، و قصته مع أبي سعيد ، و قوله : و الله إني لأعرفه و أعرف مولده و أين هو الآن . و قال الترمذي : و أين هو الساعة من الأرض و أعرف والده كالنص في أنه هو و احتجاجه بأنه مسلم و ولد له و دخل المدينة و هو يريد مكة تلبس منه ، و أنه سيكفر إذا خرج ، و حينئذ لا يولد له و لا يدخل مكة و المدينة ، و الله أعلم .

و قوله : ارفأوا : أي الجأوا إلى جزيرة لجأوا مرفأ السفينة حيث ترسي ، يقال : أرفأت السفينة إذا قربتها من الشط ، و ذلك الموضع مرفأ ، و أرفأت إليه لجأت إليه ، و أقرب السفينة هي القوارب الصغار يتصرف بها ركاب السفينة و الواحد قارب على غير قياس .

قال الخطابي و الماذري : و المهلب : الشعر الغليظ ، و قال : أهلب على معنى الحبوان أو الشخص و لو راعى اللفظ لقال هلبا كأحمر و حمر . و الأهلب أيضاً عند بعض أهل اللغة : الذي لا شعر عليه و هو من الأضداد و استفهامهم منها : ظناً منهم أنها ممن لا تعقل ، فلما كلمتهم ، فرقوا : أي فزعوا . و اغتلام البحر : هيجانه و تلاطم أمواجه و بيسان و زغر : موضعان بالشام بين الأردن و فلسطين . كما في حديث الترمذي .

قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية : كانت بيسان مدينة و فيها سوق كبيرة و عين تسمى عين فلوس يسقى منها ، و بحيرة طبرية هي بحيرة عظيمة طولها عشرة أميال و عرضها ستة أميال و موجها في سور قلعتها و هي عميقة تجري فيها السفن و يصاد منها السمك و ماؤها حلو فرات ، و بين بحيرة طبرية و بيت المقدس نحو من مائة ميل و هي من الأردن و لزمتها هي لصغيرة بحرة و لا بحر ، لأن البحر مذكر ، و تصغيره بحيرة ، و عين زغر بضم الزاي و فتح الغين و امتناع صرفه للعلمية و العدل لأنه معدول عن زاغر كعمر معدول عن عامر ، و زعم الكلبي أن زغر اسم امرأة نسبت هذه العين إليها ، فإن كان ما قاله حقاً فلأن هذه المرأة استنبطتها و اتخذت أرضها داراً لها. فنسبت إليها . ذكره ابن دحية في كتاب البشارات و الإنذارات له من تأليفه .

و قوله عليه الصلاة و السلام : إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن . شك أو ظن منه عليه الصلاة و السلام أو قصد على الإبهام على السامع ، ثم نفى ذلك و أضرب عنه بالتحقيق فقال: لا بل من قبل المشرق ، ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي فما زائدة لا نافية ، فاعلم ذلك .