باب طلوع الشمس من مغربها و إغلاق باب التوبة و كم يمكث الناس بعد ذلك ؟ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة

 

باب طلوع الشمس من مغربها و إغلاق باب التوبة و كم يمكث الناس بعد ذلك ؟

مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها ، و الدجال ، و دابة الأرض .

و خرج الترمذي و الدارقطني . عن صفوان بن عسال المرادي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

و قال سفيان : [ قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات و الأرض مفتوحاً يعين التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

و ذكر أبو إسحاق الثعلبي و غيره من المفسرين في حديث فيه طول ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ما معناه : أن الشمس تحبس على الناس حتى تكثر المعاصي في الأرض و يذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، و يفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد مقدار ليلة تحت العرش كلما سجدت و استأذنت ربها عز و جل من أين تطلع لم يحر إليها جواب ، حتى يوافيها القمر فيسجد معها و يستأذن من أين يطلع فلا يجر إليه جواب ، حتى يجلسا مقدار ثلاث ليالي للشمس و ليلتين للقمر ، فلا يعرف ما طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض ، و هم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين ، فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام ، فيقول : إن الرب سبحانه و تعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، و أنه لا ضوء لكما عندنا و لا نور فيطلعان من مغاربهما أسودين لا ضوء للشمس و لا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك ، فذلك قوله تعالى و جمع الشمس و القمر و قوله إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين و الفرسين ، فإذا ما بلغ الشمس و القمر سرة السماء و هي نصفها جاءهما جبريل فأخذ بقرونها و ردهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما ، و لكن يغربهما من باب التوبة ، ثم يرد المصراعين ثم يلتئم بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع ، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة و لم تنفعه حسنة يعملها من كان قبل ذلك محسناً ، فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ، فذلك قوله تبارك و تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً .

ثم إن الشمس و القمر يكسبان بعد ذلك الضوء و النور ، ثم يطلعان على الناس و يغربان كما كان قبل ذلك يطلعان و يغربان و ذكر الميانشي و قال عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم و يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين و مائة سنة .

فصل

قال العلماء : و إنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، و تفتر كل قوة من قوى البدن ، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم و بطلانها من أبدانهم ، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت .

قال صلى الله عليه و سلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه و ذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة و مقعده من النار ، فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . و على هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ، لأن علمه بالله تعالى و بنبيه صلى الله عليه و سلم و بوعده قد صار ضرورة ، فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان و لا يتحدثون عنه إلا قليلاً ، فيصير الخبر عنه خاصاً و ينقطع التواتر عنه ، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه ، و الله أعلم .

و قد قيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمرود : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر و إن الملحدين و المنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك و يقولون : هو غير كائن فيطلعها الله تعالى يوماً من المغرب ليرى المنكرين لذلك قدرته من أن الشمس في قدرته إن شاء أطلعها من المشرق و إن شاء أطلعها من المغرب ، و على هذا يحتمل أن يكون رد التوبة و الإيمان على من آمن و تاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه و سلم ، فأما المصدق فإنه تقبل توبته و ينفعه إيمانه قبل ذلك ، و الله أعلم .

و روي عن ابن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل و لا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيراً يومئذ فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل منه و من كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قبل منه .

و روي عن عمران بن حصين أنه قال : إنمالم تقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ، فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت ثم هلك لم تقبل توبته ، و من تاب بعد ذلك قبلت توبته . ذكره الليث السمرقندي في تفسيره .

فصل

و اختلفت الروايات في أول الآيات ، فروي أن طلوع الشمس من مغربها أولها على ما وقع حديث مسلم في هذا الباب . و قيل : خروج الدجال . و هذا القول أولى القولين و أصح لقوله عليه الصلاة و السلام : إن الدجال خارج فيكم لا محالة الحديث بطوله .

فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى عليه السلام ، و لو لم ينفعهم لما صار الدين واحداً بإسلام من أسلم منه .

و قد تقدم القول مبيناً في هذا ، و أن أول الآيات الخسوفات ، فإذا نزل عيسى عليه السلام و قتل الدجال خرج حاجاً إلى مكة ، فإذا قضى حجة انصرف إلى زيارة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فإذا وصل إلى قبر الرسول صلى الله عليه و سلم أرسل الله عند ذلك ريحاً عنبرية فتقبض روح عيسى عليه السلام و من معه من المؤمنين ، فيموت عيسى عليه السلام و يدفن مع النبي صلى الله عليه و سلم في روضته ، ثم تبقى الناس حيارى سكارى فيرجع أكثر أهل الإسلام إلى الكفر و الضلالة و تستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام ، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها ، و عند ذلك يرفع القرآن من صدور الناس و من المصاحف ، ثم تأتي الحبشة إلى بيت الله فينقضونه حجراً حجراً و يرمون بالحجارة في البحر، ثم تخرج حينئذ دابة الأرض تكلمهم ، ثم يأتي دخان يملأ ما بين السماء و الأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، و أما الكافر و الفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم و يضيق أنفاسهم ، ثم يبعث الله ريحاً من الجنوب من قبل اليمن مسها مس الحرير و ريحها ريح المسك ، فتقبض روح المؤمن و المؤمنة ، و تبقى شرار الناس و يكون الرجال لا يشبعون من النساء و النساء لا يشبعن من الرجال ، ثم يبعث الله الرياح فتلقيهم في البحر . هكذا ذكر بعض العلماء الترتيب في الأشراط و فيه بعض اختلاف ، و قد تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم ، و الله أعلم .

و قيل : إذا أراد الله انقراض الدنيا و تمام لياليها و قربت النفخة خرجت نار من قعر عدن لتسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم و تقيل معهم حتى يجتمع الخلق بالمحشر الإنس و الجن و الدواب و الوحوش و السباع و الطير و الهوام و خشاش الأرض و كل من له روح ، فبينما الناس قيام في أسواقهم يتبايعون و هم مشتغلون بالبيع و الشراء إذا هم بهدة عظيمة من السماء يصعق منها نصف الخلق فلا يقومون من صعقتهم مدة ثلاثة أيام ، و النصف الآخر من الخلق تذهل عقولهم فيبقون مدهوشين قياماً على أرجلهم ، و هو قوله تعالى ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فبينما هم كذلك إذا هدة أخرى أعظم من الأولى غليظة فظيعة كالرعد القاصف ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد إلا مات . كما قال ربنا جل و علا و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله فتبقى الدنيا بلا آدمي و لا جني و لا شيطان ، و يموت جميع من في الأرض من الهوام و الوحوش و الدواب و كل شيء له روح ، و هو الوقت المعلوم الذي كان بين الله تعالى و بين إبليس الملعون .

باب خراب الأرض و البلاد قبل الشام

ما جاء في خراب الأرض و البلاد قبل الشام و مدة بقاء المدينة خراباً قبل يوم القيامة و في علامة ذهاب الدنيا و مثالها و في أول ما يخرب ما يخرب منها .

روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و يبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر ، و مصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة ، و خراب البصرة من العراق ، وخراب مصر من جفاف النيل ، و خراب مكة من الحبشة ، و خراب المدينة من الجوع ، و خراب اليمن من الجراد، و خراب الأيلة من الحصار ، و خراب فارس من الصعاليك ، و خراب الترك من الديلم ، و خراب الديلم من الأرمن ، و خراب الأرمن من الخزر ، و خراب الخزر من الترك ، و خراب الترك من الصواعق و خراب السند من الهند ، و خراب الهند من الصين ، و خراب الصين من الرمل، و خراب الحبشة من الرجفة ، و خراب الزوراء من السفياني ، و خراب الروحاء من الخسف ، و خراب العراق من القحط . ذكره أبو الفرج الجوزي رحمه الله في كتاب روضة المشتاق و الطريق إلى الملك الخلاق و سمعت أن خراب الأندلس من الريح العقيم . و الله أعلم.

و ذكر أبو نعيم الحافظ ، عن أبي عمران الجوني و أبي هارون العبدي أنهما سمعا نوفا البكالي يقول : إن الدنيا مثلت على طير ، فإذا انقطع جناحاه وقع و إن جناحي الأرض مصر و البصرة ، فإذا خربتا ذهبت الدنيا . و ذكر أبو زيد عمر بن شبة ، حدثنا موسى ابن إسماعيل قال : حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير قال : ذكر لي عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أما و الله يا أهل المدينة لتتركها قبل يوم القيامة أربعين . و قال كعب : ستخرب الأرض قبل الساعة بأربعين سنة ، و ليهاجرن الرعد و البرق إلى الشام حتى لا تكون رعدة و لا برقة إلا ما بين العريش و الفرات .

و يروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : قال الله تعالى : إني إذا أردت أن أخرب الدنيا بدت ببيتي فأخربه ، ثم أخرب الدنيا على أثره قد تقدم أن الذي يخربه ذو السويقتين على ما تقدم ، و الله أعلم .

باب لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله

مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله .

و في رواية أخرى : لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله .

فصل

قال علماؤنا رحمة الله عليهم : قيد الله برفع الهاء و نصبها فمن رفعها فمعناه ذهاب التوحيد ، و من نصبها فمعناه انقطاع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . أي لا تقوم الساعة على أحد يقول : اتق الله .

قال المؤلف رحمه الله : و يدل على صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة و السلام في حديث حذيفة : لتقصدنكم نار هي خامدة الحديث و فيه هم شر من الحمر يتسافدون تسافد البهائم و ليس فيهم رجل يقول : مه مه . و قد قيل : إن هذه الإسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام و لم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا ، و قد قال قوم نوح : و لو شاء الله لأنزل ملائكة الآية ، و قال قوم هود : أجئتنا لنعبد الله وحده ، و قالوا إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً إلى غير ذلك . و قال : و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين و انتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين و فجأهم عند ذلك الحق اليقين ، و هو قوله عليه الصلاة و السلام : لا تقوم الساعة و على الأرض من يقول : الله .

و في الخبر : إن الله تعالى يقول لإسرافيل عليه السلام : إذ سمعت قائلاً يقول : لا إله إلا الله فأخر النفخة أربعين سنة إكراماً لقائلها . و الله أعلم .

باب على من تقوم الساعة ؟

مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال : كنت عند مسلمة بن مخلد و عنده عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال عبد الله : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق و هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم ، فبينما هم كذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له ابن شماسة يا عقبة : اسمع ما يقول عبد الله ، فقال عقبة : هو أعلم ، و أما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة و هم على ذلك فقال عبد الله : أجل . ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها كمس الحرير لا تترك نفساً في قلبها مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها ثم تبقى شرار الناس ، عليهم تقوم الساعة .

و في حديث عبد الله بن مسعود : لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس من لا يعرف معروفاً و لا ينكر منكراً يتهارجون كما تتهارج الحمر .

قال الأصمعي : قوله يتهارجون يقول : يتسافدون يقال : بات فلان يهرج . و الهرج في غير هذا : الاختلاط و القتل.

و خرج مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تذهب الليالي و الأيام حتى تعبد اللات و العزى ، فقلت : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون أن ذلك عام . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث ار ريحاً طيبة فتتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم . و الله أعلم .

فصل

ذكر أبو الحسن بن بطال رحمه الله في هذا الحديث في شرح البخاري له مبيناً لحديث البخاري عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة الحديث و قد تقدم و قال : هذه الأحاديث و ما جاء فيها معناها الخصوص و ليس المراد بها أن الدين كله ينقطع في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ، لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف و يعود غريباً كما بدأ .

روى حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ، و كان مطرف يقول هم أهل الشام .

قلت : ما ذكره من أن الدين لا ينقطع و أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة يرده حديث عائشة و عبد الله بن عمرو ، و ما ذكره من حديث عمران بن حصين و قد تقدم أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال و يخرج يأجوج و مأجوج و يموتون و يبقى عيسى عليه السلام و دين الإسلام لا يعبد في الأرض غير الله كما تقدم ، و أنه يحج و يحج معه أصحاب الكهف فيما ذكره المفسرون ، و قد تقدم أنهم حوارية إذا نزل فإذا توفي عيسى عليه السلام بعث الله تعالى عند ذلك ريحاً باردة من قبل الشام ، فتأخذ تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن و كل مسلم ، و يبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة كذا في حديث النواس بن سمعان الطويل ، و قد تقدم .

و في حديث عبد الله بن عمرو : ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو دخل أحدكم في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذكر الحديث . و قد تقدم بكماله . و فيه ذكر النفخ و الصعق و البعث ، فهذا غاية في البيان في كيفية انقراض هذا الخلق و هذه الأزمان ، فلا تقوم الساعة و في الأرض من يعرف الله و لا من يقول : الله الله .

و ذكر أبو نعيم عن أبي الزهراية ، عن كعب الأحبار قال : يمكث الناس بعد خروج و يأجوج و مأجوج في الرخاء و الخصب و الدعة عشر سنين ، حتى إن الرجلين ليحملان الرمانة الواحدة بينهما و يحملان العنقود الواحد من العنب ، فيمكثون على ذلك عشر سنين ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فلا تدع مؤمناً إلا قبضت روحه ، ثم تبقى الناس بعد ذلك يتهارجون تهارج الحمر في المروج حتى تأتيهم أمر الله و الساعة و هم على ذلك .

نسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم ، أن يتوفانا مسلمين ، و أن يلحقنا بالشهداء و الصالحين ، و أن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين ، و يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم ، بمنه و كرمه ، و أن ينفعنا به و والدينا ، و غفر الله لصاحب هذا الكتاب ، و لوالديه ، و لسائر المسلمين أجمعين . آمين يا رب العالمين .

تم الكتاب و ربنا محمود و له المكارم و العلا و الجود

و على النبي محمد صلواته ما ناح قمري و أورق عود

و وافق الفراغ من نسخه ، في منتصف شهر رمضان المعظم قدره ، من شهور سنة اثنتين و سبعين و سبعمائة .

على يد أقل عباد الله و أحوجهم إلى لطفة الخفي .

الحسين بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي .

غفر الله له و لوالديه ، و لمن قرأ فيه ، و دعا له بالتوبة النصوح ، و المغفرة و الرحمة يا رب العالمين ، و لسائر المسلمين أجمعين ، و صلى الله على سيدنا محمد ، و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً . حسبنا الله و نعم الوكيل .