الباب السابع: في النوادب والتعازي والمراثى

طبائع النساء

ابن عبد ربه الأندلسي

الباب السابع في النوادب والتعازي والمراثى

قال الحكماء أعظم المصائب كلها انقطاع الرجاء وقالوا كل شيء يبدو صغيرا ثم يعظم إلا المصيبة فإنها تبدو عظيمة ثم تصغر قيل لأعرابى ما بال المراثي أشرف أشعاركم قال لأننا نقولها وقلوبنا محترقة مع الفطن الذكية والألفاظ الشجية التى ترق القلوب القاسية وتذيب الدموع الجامدة مع النوادب المراثى والتعازى مع ابن عبد ربه  في النوادب والتعازى المراثى قال أحمد بن محمد بن عبد ربه ونحن قائلون بعون الله في النوادب المراثى والتعازى بأبلغ ما وجدناه من الفطن الذكية والألفاظ الشجية التى ترق القلوب القاسية وتذيب الدموع الجامدة مع اختلاف النوادب عند نزول المصائب فنادبة تثير الحزن من ربضته وتبعث الوجد من رقدته بصوت كترجيع الطير وتقطع أنفاس المآتم يترك صدعا فى القلوب الجلامد ونادبة تخفض من نشيجها وتقصد فى نحيبها وتذهب مذهب الصبر والأستسلام والثقة بجزيل الثواب قال عمرو بن ذر سألت أبى ما بال الناس إذا وعظتهم بكوا وإذا وعظهم غيرك لم يبكوا قال يا بنى ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة وقال الأصمعة قلت الأعرابي ما بال المراثى أشرف أشعاركم قال لأننا نقلها وقلوبنا محترقة وقال الحكماء أعظم المصائب كلها انقطاع الرجاء وقالوا كل شيء يبدو صغيرا ثم يعظم إلا المصيبة فإنها تبدو عظيمة ثم تصغر البكاء على الميت لإبراهيم الشعبى عن إبراهيم قال لا يكون البكاء إلا من فضل فإذا اشتد الحزن ذهب البكاء وأنشد

فلئن بكيناه لحق لنا ولئن تركنا ذاك للصبر فلمثله جرب العيون دما ولمثله جمدت فلم تجر الأحنف وباكية مر الأحنف بامرأة تبكى ميتا ورجل ينهاها فقال له دعها فإنها تندب عهدا قريبا وسفرا بعيدا النبي وباكيات من الأنصار ولما بكت نساء أهل المدينة على قتلى أحد قال النبى لكن حمزة لا باكية له ذلك اليوم فسمع ذلك أهل المدينة فلم يقم لهم مأتم إلى اليوم إلا ابتدأن فيه البكاء على حمزة وقال النبي لولا أن يشق على صفية ما دفنته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع القول عند الموت الرسول في قبضه حماد بن سلمة عن ثابت بن مالك قال كانت فاطمة جالسة عند رسول الله فتواكدت عليه كرب الموت فرفع رأسه وقال واكرباه فبكت فاطمة وقالت واكرباه لكربك يا ابتاه قال لا كرب على أبيك بعد اليوم فاطمة رضى الله عنها مع أبيها عند قبضه الرياشى عن عثمان بن عمر عن إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ما رأيت أحدا من خلق الله اشبه حديثا وكلاما برسول الله من فاظمة وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده فقبلتها فدخلت عليه فى مرضه الذى توفى فيه فأسر إليها فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت كنت أحسب لهذه المرأة فضلا على النساء فإذا هى واحدة منهن بينما هم تبكى إذ هى تضحك فلما توفى الرسول سألتها فقالت أسر إلى فأخبرنى أنه ميت فبكيت ثم أسر إلى أنى أول أهل بيته لحوقا به فضحكت عائشة رضى الله عنها مع أبيها فى احتضاره القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها دخلت على ابيها فى مرضه الذى مات فيه فقالت له يا أبت اعهد إلى خاصتك وأنفذ رأيك فى عامتك وانقل من دار جهازك إلى دار مقامك وإنك محضور ومتصل بقلبى لوعتك وأرى تخاذل اطرافك وانتقاع لونك فإلى الله تعزينى عنك ولديه ثواب حزنى عليك ارقأ فلا أرقأ وأشكو فلا أشكى فرفع راسه فقال يا بنية هذا يوم يحل فيه عن غطائى وأعاين جزائى إن فرحا فدائم وإن نوحا فمقيم إنى اضلعت بإمامة هؤلاء القوم حيث كان النكوص أضاعة والحذر تفريطا فشهيدى الله ما كان بقلبى إلا إياه فتبلغت بصحفتهم وتعللت بدرة لقحتهم وأقمت صلاى معهم لا مختالا أشرا ولا مكابرا بطرا لم أعد سدا لجوعة وتورية لعورة طوى ممغص تهفو له الأحشاء وتجب له الأمعاء واضطررت إلى ذلك اضطرار الجرض إلى المعيف الآجن فإذا أنا مت فردى إليهم صحفتهم ولقحتهم وعبدهم ورحالهم ودثارة ما فوقى اتقيت بها أذى البرد ودثارة ما تحتى اتقيت بها أذى الأرض كان حشوهما قطع السعف عمر وعائشة رضى الله عنهما مع أبى بكر فى احتضاره ودخل عليه عمر فقال يا خليفة رسول الله لقد كلفت القوم بعدك تعبا ووليتهم نصبا فهيهات من شق غبارك وكيف باللحاق بك وقالت عائشة وأبوها يغمض وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل فنظر إليها وقال ذلك رسول الله ثم أغمى عليه فقالت لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

قالت فنظر إلى كالغضبان وقال لى وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ثم قال انظروا ملاءتى فاغسولهما وكفنونى فيهما فإن الحى أحوج إلى الجديد من الميت لمعاوية فى النساء وقال معاوية وذكر عنده النساء ما مرض المرضى ولا ندب الموتى مثلهن الوقوف على القبور والقول عند الموت لفاطمة على قبر أبيها وقفت فاطمة رضى الله عنها على قبر أبيها فقالت إنا فقدناك فقد الأرض وابلها وغاب مذغبت عنا الوحى والكتب فليت قبلك كان الموت صادفنا لما نعيت وحالت دونك الكثب حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال لما فرغنا من دفن رسول الله أقبلت على فاطمة فقالت يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله التراب ثم بكت ونادت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه من ربه ما أدناه  يا أبتاه من ربه ناداه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه قال ثم سكتت فما زادت شيئا عائشة رضى الله عنها على قبر أبى بكر ووقفت عائشة على قبر أبى بكر فقالت نضر الله وجهك وشكر لك صالح سعيك فقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها وكنت للآخرة معزا بإقبالك عليها ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله رزؤك وأعظم المصائب بعده فقدك إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر فيك وحسن العوض منك فأنا أتنجز موعود الله وأستعيض منك بالإستغفار لك فعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك ثم انصرفت لعلى فى فاطمة المدائنى قال لما دفن على بن أبى طالب كرم الله وجهه فاطمة عليها السلام تمثل عند قبرها فقال لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذى دون الممات قليل وإن افتقادى واحد بعد واحد دليل على ألا يدوم خليل

امرأة الحسن على قبره لما مات الحسن بن على عليهما السلام ضربت امرأته فسطاطا على قبره وأقامت حولا ثم انصرفت إلى بيتها فسمعت قائلا يقول أدركوا ما طلبوا فأجابه مجيب بل ملوا فانصرفوا نائلة على قبر عثمان ابن الكلبى قال وقفت نائلة بنت الفرافصة الكلبية على قبر عثمان فترحمت عليه ثم قالت ومالى لا أبكى وتبكى صحابتى وقد ذهبت عنا فضول أبى عمرو ثم انصرفت إلى منزلها فقالت إنى رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب وقد خفت أن يبلى حزن عثمان فى قلبى فدعت بفهر فهشمت فاها وقالت والله لا قعد منى رجل مقعد عثمان أبدا لأعرابية وقفت أعرابية على قبر أبيها فقالت يا أبت إن فى الله تبارك وتعالى من فقدك عوضا وفى رسول الله من مصيبتك أسوة ثم قالت اللهم نزل بك عبدك مقفرا من الزاد مخشوشن المهاد غنيا عما فى العباد فقيرا إلى ما فى يديك يا جواد وأنت أى رب خير من نزل به المؤملون واستغنى بفضله المقلون وولج فى سعة رحمته المذنبون اللهم فليكن قرى عبدك منك رحمتك ومهاده جنتك ثم انصرفت لأعرابية فى رثاء ابنها قال عبد الرحمن بن عمر دخلت على امرأة من نجد بأعلى الأرض فى خباء لها وبين يديها بنى لها نزل به الموت فقامت إليه فأغمضته وعصبته وسجنته وقالت يا بن أخى قلت ما تشائين قالت ما أحق من ألبس النعمة وأطيلت به النظرة أن لا يدع التوثق من نفسه قبل حل عقده والحلول بعفو ربه والمحالة بينه وبين نفسه قال وما يقطر من عينها دمعة صبرا واحتسابا ثم نظرت إليه فقالت والله ما كان ماله لبطنه ولا أمره لعرسه ثم أنشدت رحيب الذراع بالتى لا تشينه وإن كانت الفحشاء بها ذرعا

لجارية على قبر أبيها سمع الحسن من جارية واقفة على قبر أبيها وهى تقول يا أبت مثل يومك لم أره قال الذي والله لم يرمثل يومه أبوك أبيات قيل إنها لأبى نواس وجد على قبر جارية إلى قبر أبى نواس ثلاثة أبيات فقيل إنها من قول أبى نواس وهى أقول لقبر زرته متلثما سقى الله برد العفو صاحبة القبر لقد غيبوا تحت الثرى قمر الدجى وشمس الضحى بين الصفائح والعفر عجبت لعين بعدها ملت البكا وقلب عليها يرتجى راحة الصبر أعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها ما أحسن عزاءك قالت إن فقدى إياه آمننى كل فقد سواه وإن مصيبتى به هونت على المصائب بعده ثم أنشأت تقول من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر كنت السواد لناظرى فعمى عليك الناظر ليت المنازل الديا ر حفائر ومقابر إنى وغيرى لا محالة حيث صرت لصائر

وقالت أعرابية ترثى ولدها يا فرحة القلب والأحشاء والكبد يا ليت أمك لم تحبل ولم تلد لما رأيتك قد أدرجت فى كفن مطيبا للمنايا آخر الأبد أيقنت بعدك أنى غير باقية وكيف يبقى ذراع زال عن عضد وقالت أعرابية أبنى غيبك المحل الملحد إما بعدت فأين من لا يبعد أنت الذى فى كل ممسى ليلة تبلى وحزنك فى الحشا يتجدد وقالت فيه لئن كنت لى لهوا لعين وقرة لقد صرت سقما للقلوب الصحائح وهن حزنى يومك مدركى وأنى غدا من أهل تلك الضرائح أبو عبيد البجلى قال وقفت أعرابية على قبر ابن لها يقال له عامر فقالت أقمت أبكيه على قبره من لى من بعدك يا عامر تركتنى فى الدار لى وحشة قد ذل من ليس له ناصر وقالت فيه هو الصبر والتسليم لله والرضا إذا نزلت بى خطة لا أشاؤها إذا نحن أبنا سالمين بأنفس كرام رجت أمرا فخاب رجاؤها فأنفسنا خير الغنيمة إنها تئوب ويبقى ماؤها وحياؤها ولا بر إلا مادون ما بر عامر ولكن نفسا لا يدوم بقاؤها هو ابنى أمسى أجره لى وعزنى على نفسه رب إليه ولاؤها فإن أحتسب أوجر وإن ابكه أكن كباكية لم يحى ميتا بكاؤها لهذلية فى رثاء إخوة وابن الشيبانى قال كانت امرأة من هذيل وكان لها عشرة إخوة وعشرة أعمام فهلكوا جميعا فى الطاعون وكانت بكرا لم تتزوج فخطبها ابن عم لها فتزوجها فلم تلبث أن اشتملت على غلام فولدته فنبت نباتا كأنما يمد بناصيته وبلغ فزوجته وأخذت فى جهازه حتى إذا لم يبق إلا البناء أتاه أجله فلم تشق لها جيبا ولم تدمع لها عين فلما فرغوا من جهازه دعيت لتوديعه فأكبت عليه ساعة ثم رفعت رأسها ونظرت إليه وقالت ألا تلك المسرة لا تدوم ولا يبقى على الدهر النعيم ولا يبقى على الحدثان غفر بشاهقة له أم رؤوم ثم أكبت عليه أخرى فلم تقطع نحيبها حتى فاضت نفسها فدفنا جميعا لشيبانية فى حزنها على أهلها خليفة بن خياط قال ما رأيت أشد كمدا من امرأة من بنى شيبان قتل ابنها وأبوها وزوجها وأمها وعمتها وخالتها مع الضحاك الحرورى فما رأيتها قط ضاحكة ولا متبسمة حتى فارقت الدنيا وقالت ترثيهم

من لقلب شفة الحزن ولنفس مالها سكن ظعن الأبرار فانقلبوا خيرهم من معشر ظعنوا صبروا عند السيوف فلم ينكلوا عنها ولا جبنوا رثاء أخت النضر له قال ابن إسحق صاحب المغازى لما نزل رسول الله الصفراء وقال ابن هشام الأثيل أمر على بن أبى طالب بضرب عنق النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف صبرا بين يدى الرسول فقلت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق بلغ به ميتا فإن تحية ما إن تزال بها الركائب تخفق منى إليك وعبرة مسفوحة حادت بوكفها وأخرى تخنق هل يسمعنى النضر إن ناديته أم كيف يسمع ميت لا ينطق أمحمد يا خير ضنء كريمة من قومه والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق فالنضر أقرب من أسرت قرابة وأحقهم إن كان عنقا يعتق ظلت سيوف بنى أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق صبرا يقاد إلى المنية متعبا رسف المقيد هو عان موثق عمر بن الخطاب والخنساء فى أخويها الأصمعى قال نظر عمر بن الخطاب إلى خنساء وبها نودب في وجهها فقال ما هذه الندوب يا خنساء قالت من طول البكاء على أخوى قال لها أخواك فى النار قالت ذلك أطول لحزنى عليهما إنما كنت أشفق عليهما من القتل وأنا اليوم أبكى لهما من النار وأنشدت تقول

وقائلة والنفس قد فات خطوها لتدركه يا لهف نفسى على صخر ألا ثكلت أم الذين غدوا به إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر عائشة والخنساء فى صدار كانت تلبسه دخلت خنساء على عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها وعليها صدار من شعر قد استشعرته إلى جلدها فقالت لها ما هذا يا خنساء فوالله لقد توفى رسول الله فما لبسته قالت إن له معنى دعانى إلى لباسه وذلك أن أبى زوجنى سيد قومه وكان رجلا متلافا فأسرف فى ماله حتى أنفده ثم رجع فى مالى فأنفده ايضا ثم التفت إلى فقال إلى أين يا خنساء قلت إلى أخى صخر قالت فأتيناه فقسم ماله شطرين ثم خيرنا فى أحسن الشطرين فرجعنا من عنده فلم يزل زوجى حتى أذهب جميعه ثم التفت إلى فقال لى إلى أين يا خنساء فقلت إلى أخى صخر قالت فرحلنا إليه ثم قسم ماله شطرين وخيرنا فى أفضل الشطرين فقالت له زوجته أما ترضى أن تشاطرهم مالك حتى تخيرهم بين الشطرين فقال والله لا أمنحها شرارها فلو هلكت قددت خمارها واتخذت من شعر صدارها وهى حصان قد كفتنى عارها فآليت ألا يفارق الصدار جسدى ما بقيت من رثت زوجها قالت أسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين رضى الله عنها ترثى زوجها الزبير بن العوام وكان قتله عمرو بن جرموز المجاشعى بوادى السباع وهو منصرف من وقعه الجمل وتروى هذه الأبيات لزوجته التى تزوجها بعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم الهياج وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشا رعش الجنان ولا اليد ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد لبانة زوجة الأمين ترثيه الهلالى قال تزوج محمد بن هارون الرشيد لبانة بنت على بن ريطة وكانت من اجمل النساء فقتل محمد عنها ولم يبن بها فقالت ترثيه أبكيك لا للنعيم والأنس بل للمعالى والرمح والفرس يا فارسا بالعراء مطرحا خانته قواده مع الحرس أبكى على سيد فجعت به أرملنى قبل ليلة العرس أم من لبر أم من لعائدة أم من لذكر الإله فى الغلس من للحروب التى تكون لها إن أضرمت نارها بلا قبس وقالت أعرابية ترثى زوجها كنا كغصنين فى جرثومة سمقا حينا بأحسن ما يسمو له الشجر

حتى إذا قيل قد طالت فروعهما وطاب فيئاهى واستنظر الثمر أخنى على واحدى ريب الزمان وما يبقى الزمان على شيء ولا يذر كنا كأنجم ليل بينها قمر يجلو الدجى فهوى من دونها القمر الأصمعى وجارية على قبر زوجها الأصمعى قال دخلت بعض مقابر الأعراب ومعى صاحب لى فإذا جارية على قبر كأنها تمثال وعليها من الحلى والحلل مالم أر مثله وهى تبكى بعين غزيرة وصوت شجى فالتفت إلى صاحبى فقلت هل رأيت أعجب من هذا قال لا والله ولا أحسبنى أراه ثم قلت لها يا هذه إنى أراك حزينة وما عليك زى الحزن فأنشأت تقول فإن تسألانى فيم حزنى فإننى رهينة هذا القبر يا فتيان وإنى لأستحييه والترب بيننا كما كنت أستحييه حين يرانى أهابك إجلالا وإن كنت فى الثرى مخافة يوم أن يسوءك شانى ثم اندفعت فى البكاء وجعلت تقول يا صاحب القبر يا من كان ينعم بى بالا ويكثر فى الدنيا مواساتى قد زرت قبرك فى حلى وفى حلل كأننى لست من أهل المصيبات أردت آتيك فيما كنت أعرفه أن قد تسر به من بعض هيئاتى فمن رآنى رأى عبرى مولهة عجيبة الزى تبكى بين أموات وقال رأيت بصحراء جارية قد ألصقت خدها بقبر وهى تبكى وتقول خدى يقيك خشونة اللحد وقليلة لك سيدى خدى يا ساكن القبر الذى بوفاته عميت على مسالك الرشد أسمع أبثك علتى ولعلنى أطفى بذلك حرقة الوجد من رثى جاريته كان لمعلى الطائى جارية يقال لها وصف وكانت أديبة شاعرة فأخبرنى محمد بن وضاح قال أدركت معلى الطائى بمصر وأعطى بجاريته وصف أربعة آلاف دينار فباعها فلما دخل عليها قالت له بعتنى يا معلى قال نعم قالت والله لو ملكت منك مثل ما تملك منى ما بعتك بالدنيا وما فيها فرد الدنانير واستقال صاحبه فأصيب بها إلى ثمانية أيام فقال يرثيها يا موت كيف سلبتنى وصفا قدمتها وتركتنى خلفا هلا ذهبت بنا معا فلقد ظفرت يداك فسمتنى خسفا وأخذت شق النفس من بدنى فقبرته وتركت لى النصفا

فعليك بالباقى بلا أجل

فالموت بعد وفاتها أعفى

ياموت ما أبقيت لي أحدا

لما رفعت إلى البلى وصفا

هلا رحمت شباب غانية

ريا العظام وشعرها الوحفا

ورحمت عينى ظبية جعلت

بين الرياض تناظر الخشفا

تغض إذا انتصبت فرائصه

وتظل ترعاه إذا أغفى

فإذا مشى اختلفت قوائمه

وقت الرضاع فينطوى ضعفا

متحيرا في المشى مرتعشا

يخطو فيضرب ظلفه الظلفا

فكأنها وصف إذا جعلت

نحوى تحير محاجرا وطفا

ياموت أنت كذا لكل أخى

إلف يصون ببره الإلفا

خليتنى فردا وبنت بها

ما كنت قبلك حاملا وكفا

فتركتها بالرغم في جدث

للريح تنسف تربه نسفا

دون المقطم لا ألبسها

من زينة قرطا ولا شنفا

أسكنتها في قعر مظلمة

بيتا يصافح تربه السقفا

بيتا إذا مازاره أحد

عصفت به أيدى البلى عصفا

لا نلتقى أبدا معانية

حتى نقوم لربنا صفا

لبست ثياب الحتف جارية

قد كنت ألبس دونها الحتفا

فكأنها والنفس زاهقة

غصن من الريحان قد حفا

يا قبر أبق على محاسنها

فلقد حويت البر والظرفا

مروان بن محمد وجارية له لما هرم مروان بن محمد وخرج نحو مصر كتب إلى جارية له خلفها بالرملة وما زال يدعوني إلى الصد ما أرى فآبى ويثنيني الذي لك في صدرى وكان عزيزا أن تبيني وبيننا حجاب فقد أمسيت منك على عشر وأنكاهما للقلب والله فاعلمي إذا ازددت مثليها فصرت على شهر وأعظم من هذين والله أنني أخاف بألا نلتقي آخر الدهر سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة ولا طالبا بالصبر عاقبة الصبر وقال حبيب الطائي يرثي جارية اصيب بها جفوف البلى أسرع في الغصن الرطب وخطب الردى والموت أبرحت من خطب لقد شرقت فى الشرق بالموت غادة تبدلت منها غربة الدار فى القرب وألبسنى ثوبا من الحزن والأسى هلال عليه نسج ثوب من الترب وكنت أرجي القرب وهى بعيدة فقد نقلت بعدى عن البعد والقرب أقول وقد قالوا استراحت لموتها من الكرب روح الموت شر من الكرب لها منزل تحت الثرى وعهدتها لها منزل بين الجوانح والقلب وقال يرثيها ألم ترني خليت نفسى وشأنها ولم احفل الدنيا ولا حدثانها لقد خوفتنى النائبات صروفها ولو أمنتنى ما قبلت أمانها وكيف على نار الليالي معرس إذا كان شيب العارضين دخانها أصبت بخود سوف أغبر بعدها حليف أسى ابكى زمانا زمانها

عنان من اللذات قد كان فى يدي فلما قضى الإلف استردت عنانها منحت المها هجري فلا محسناتها أريد ولا يهوى فؤادى حسانها يقولون هل يبكى الفتى لخريدة إذا ما أراد اعتاض عشرا مكانها وهل يستعيض المرء من خمس كفه ولو صاغ من حر اللجين بنانها وقال أعرابي يرثى امرأته فوالله ما أدرى إذا الليل جننى وذكرنيها أينا هو أوجع أمنفصل عنه ثرى أم كريمة أم العاشق النابى به كل مضجع وقال محمود الوراق يرثى جاريته نشو ومنتصح يردد ذكر نشو على عمد ليبعث لى اكتئابا اقول وعد ما كانت تساوى سيحسب ذاك من خلق الحسابا عطيته إذا أعطى سرورا وإن أخذ الذى اعطى اثابا فأى النعمتين أعم نفعا وأحسن فى عواقبها إيابا أنعمته التى أهدت سرورا أم الأخرى التى أهدت ثوابا بل الأخرى وإن نزلت بحزن أحق بشكر من صبر احتسابا محب وجارية له ماتت أبو جعفر البغدادى قال كان لنا جار وكانت له جارية جميلة وكان شديد المحبة لها فماتت فوجد عليها وجدا شديدا فبينما هو ذات ليلة نائم إذا أتته الجارية فى نومه فأنشدته هذه الأبيات جاءت تزور وسادى بعد ما دفنت فى النوم ألثم خدا زانه الجيد فقلت قرة عينى قد نعيت لنا فكيف ذا وطريق القبر مسدود قالت هناك عظامى فيه ملحدة تنهش منها هوام الأرض والدود وهذه النفس قد جاءتك زائرة فاقبل زيارة من فى القبر ملحود فانتبه وقد حفظها وكان يحدث الناس بذلك وينشرهم فما بقى بعدها إلا أياما يسيرة حتى لحق بها رثاء ابنة لأحد بنى حميد قال البحترى يعزي أبا نهشل محمد بن حميد الطوسى عن ابنته ظلم الدهر فيكم وأساء فعزاء بنى حميد عزاء أنفس ما تكاد تفقد فقدا وصدور ما تبرح البرجاء أصبح السيف داءكم وهو الد اء الذى ما يزال يعيى الدواء وانتحى القتل فيكم فبكينا بدماء الدموع تلك الدماء يا أبا القاسم المقسم فى النجدة والجود والندى أجزاء والهزبر الذى إذا دارت الحر ب به صرف الردى كيف شاء الاسى واجب على الحر إما نية حرة وإما رياء وسفاه أن يجزع الحر مما كان حتما على العباد قضاء أنبكى من لا ينازل بالسيف مشيحا ولا يهز اللواء والفتى من رأى القبور لما طا ف به من بناته أكفاء لسن من زينة الحياة كعد الله منها الأموال والأبناء قد ولدن الأعداء قدما وورث ن التلاد الأقاصى البعداء لم يئد تربهن قيس تميم عيلة بل حمية وإباء

وتغشى فى مهلهل الذل فيهن وقد أعطى الأديم حباء وشقيق بن فاتك حذر العا ر عليهن فارق الدهناء وعلى غيرهن أحزن يعقو ب وقد جاءه بنوه عشاء وشعيب من أجلهن رأى الوحنة ضعفا فاستأجر الأنبياء واستزل الشيطان آدم فى الجنة لما أغرى به حواء وتلفت إلى القبائل فانظر أمهات ينسبن أم آباء ولعمرى ما العجز عندى إلا أن تبيت الرجال تبكى النساء للإسكندر يعزى أمه عن فقده ولما حضرت الإسكندر الوفاة كتب إلى أمه أن اصنعى طعاما يحضره الناس ثم تقدمى إليهم ألا يأكل منه محزون ففعلت فلم يبسط أحد إليه يده فقالت ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك تقدمت إلينا أن لا يأكل منه محزون وليس منا إلا من قد أصيب بحميم أو قريب فقالت مات والله ابنى وما أوصى إلى بهذا إلا ليعزينى به