من سورة الأعراف إلى سورة النحل

سُورَة الْأَعْرَاف

119 - قَوْله {قَالَ مَا مَنعك} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي ص {قَالَ يَا إِبْلِيس مَا مَنعك} وَفِي الْحجر {قَالَ يَا إِبْلِيس مَا لَك} بِزِيَادَة {يَا إِبْلِيس} فِي السورتين لِأَن خطابه قرب من ذكره فِي هَذِه السُّورَة وَهُوَ قَوْله {إِلَّا إِبْلِيس لم يكن من الساجدين} {قَالَ مَا مَنعك} فَحسن حذف حرف النداء والمنادى وَلم يقرب فِي ص قربه مِنْهُ فِي هَذِه السُّورَة لِأَن فِي ص {إِلَّا إِبْلِيس استكبر وَكَانَ من الْكَافرين} بِزِيَادَة {استكبر} فَزَاد حرف النداء والمنادى فَقَالَ {يَا إِبْلِيس} وَكَذَلِكَ فِي الْحجر فَإِن فِيهَا {إِلَّا إِبْلِيس أَبى أَن يكون مَعَ الساجدين}

31 - بِزِيَادَة أَبى فَزَاد حرف النداء والمنادى فَقَالَ {يَا إِبْلِيس مَا لَك}

120 - قَوْله {أَلا تسْجد} وَفِي ص {أَن تسْجد} وَفِي الْحجر {مَا لَك أَلا تكون} فَزَاد فِي هَذِه السُّورَة {لَا} وللمفسرين فِي {لَا} أَقْوَال قَالَ بَعضهم {لَا} صلَة كَمَا فِي قَوْله {لِئَلَّا يعلم} وَقَالَ بَعضهم الْمَمْنُوع من الشَّيْء مُضْطَر إِلَى مَا منع وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ مَا الَّذِي جعلك فِي مَنْعَة من عَذَابي وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهُ من قَالَ لَك أَلا تسْجد وَقد ذكرت ذَلِك وأخبرت بِالصَّوَابِ فِي كتابي (لباب التَّفْسِير) وَالَّذِي يَلِيق بِهَذَا الْكتاب أَن نذْكر مَا السَّبَب الَّذِي خص هَذِه السُّورَة بِزِيَادَة {لَا} دون السورتين

قلت لما حذف مِنْهَا {يَا إِبْلِيس} وَاقْتصر على الْخطاب جمع بَين لفظ الْمَنْع وَلَفظ {لَا} زِيَادَة فِي النَّفْي وإعلاما أَن الْمُخَاطب بِهِ إِبْلِيس خلافًا للسورتين فَإِنَّهُ صرح فيهمَا باسمه

وَإِن شِئْت قلت جمع فِي هَذِه السُّورَة بَين مَا فِي ص وَمَا فِي الْحجر فَقَالَ مَا مَنعك أَن تسْجد مَالك أَلا تسْجد فَحذف {أَن تسْجد} وَحذف {مَالك} لدلَالَة الْحَال وَدلَالَة السورتين عَلَيْهِ فَبَقيَ {مَا مَنعك أَلا تسْجد} وَهَذِه لَطِيفَة فاحفظها

121 - قَوْله {أَنْظرنِي إِلَى يَوْم يبعثون} وَفِي الْحجر وص {رب فأنظرني} لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لما اقْتصر فِي السُّؤَال على

الْخطاب دون صَرِيح الِاسْم فِي هَذِه السُّورَة اقْتصر فِي الْجَواب أَيْضا على الْخطاب دون ذكر المنادى وَأما زِيَادَة الْفَاء فِي السورتين دون هَذِه السُّورَة فَلِأَن دَاعِيَة الْفَاء مَا تضمنه النداء من أَدْعُو أَو أنادى نَحْو {رَبنَا فَاغْفِر لنا} أَي أَدْعُوك وَكَذَلِكَ دَاعِيَة الْوَاو فِي قَوْله {رَبنَا وآتنا} فَحذف المنادى فِي هَذِه السُّورَة فَلَمَّا حذفه انحذفت الْفَاء

122 - قَوْله {إِنَّك من المنظرين} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي السورتين {قَالَ فَإنَّك} لِأَن الْجَواب يبْنى على السُّؤَال وَلما خلا فِي هَذِه السُّورَة عَن الْفَاء خلا الْجَواب عَنهُ وَلما ثبتَتْ الْفَاء فِي السُّؤَال فِي السورتين ثبتَتْ فِي الْجَواب وَالْجَوَاب فِي السُّور الثَّلَاث إِجَابَة وَلَيْسَ باستجابة

123 - قَوْله {فبمَا أغويتني} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي ص {فبعزتك لأغوينهم} وَفِي الْحجر {رب بِمَا أغويتني} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة مُوَافق لما قبله فِي الِاقْتِصَار على الْخطاب دون النداء وَمَا فِي الْحجر مُوَافق لما قبله فِي مُطَابقَة النداء وَزَاد فِي هَذِه السُّورَة الْفَاء الَّتِي هِيَ للْعَطْف ليَكُون الثَّانِي مربوطا بِالْأولِ وَلم تدخل فِي الْحجر فَاكْتفى بمطابقة النداء لِامْتِنَاع النداء مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي يستدعيه النداء فَإِن ذَلِك يَقع مَعَ السُّؤَال والطلب وَهَذَا قسم عِنْد أَكْثَرهم بِدَلِيل مَا فِي ص وَخبر عِنْد بَعضهم وَالَّذِي فِي ص على قِيَاس مَا فِي الْأَعْرَاف دون الْحجر لِأَن موافقتهما أَكثر على مَا سبق فَقَالَ

{فبعزتك} وَالله أعلم

وَهَذَا الْفَصْل فِي هَذِه السُّورَة برهَان لامع وَسَأَلَ الْخَطِيب نَفسه عَن هَذِه الْمسَائِل فَأجَاب عَنْهَا وَقَالَ إِن اقتصاص مَا مضى إِذا لم يقْصد بِهِ أَدَاء الْأَلْفَاظ بِأَعْيَانِهَا كَانَ اختلافها واتفاقها سَوَاء إِذا أدّى الْمَعْنى الْمَقْصُود وَهَذَا جَوَاب حسن إِن رضيت بِهِ كفيت مُؤنَة السهر إِلَى السحر

124 - قَوْله {قَالَ اخْرُج مِنْهَا مذؤوما مَدْحُورًا} لَيْسَ فِي الْقُرْآن غَيره لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لما بَالغ فِي الْحِكَايَة عَنهُ بقوله {لأقعدن لَهُم} الْآيَة بَالغ فِي ذمه فَقَالَ {اخْرُج مِنْهَا مذؤوما مَدْحُورًا} والذأم أَشد الذَّم

125 - قَوْله {فكلا} سبق فِي الْبَقَرَة

126 - قَوْله {وَلكُل أمة أجل فَإِذا جَاءَ أَجلهم} بِالْفَاءِ حَيْثُ وَقع إِلَّا فِي يُونُس فَإِنَّهُ هُنَا جملَة عطفت على جملَة بَينهمَا اتِّصَال وَتعقب فَكَانَ الْموضع مَوضِع الْفَاء وَمَا فِي يُونُس يَأْتِي فِي مَوْضِعه

127 - قَوْله {وهم بِالآخِرَة كافرون} مَا فِي هَذِه السُّورَة جَاءَ على الْقيَاس وَتَقْدِيره وهم كافرون بِالآخِرَة فَقدم بِالآخِرَة تَصْحِيحا

لفواصل الْآي وَفِي هود لما تقدم {هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم} ثمَّ قَالَ {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} وَلم يقل عَلَيْهِم وَالْقِيَاس ذَلِك وَلَو قَالَ لالتبس أَنهم هم أم غَيرهم فكرر وَقَالَ {وهم بِالآخِرَة هم كافرون} ليعلم أَنهم هم المذكورون لَا غَيرهم وَلَيْسَ {هم} هَهُنَا للتوكيد كَمَا زعم بَعضهم لِأَن ذَلِك يُزَاد مَعَ الْألف وَاللَّام ملفوظا أَو مُقَدرا

128 - قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي الرّوم بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل وَفِي الْفرْقَان وفاطر بِلَفْظ الْمَاضِي لِأَن مَا قبلهَا فِي هَذِه السُّورَة ذكر الْخَوْف والطمع وَهُوَ قَوْله {وادعوه خوفًا وَطَمَعًا} وهما يكونَانِ فِي الْمُسْتَقْبل لَا غير فَكَانَ {يُرْسل} بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل أشبه بِمَا قبله وَفِي الرّوم قبله {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات وليذيقكم من رَحمته ولتجري الْفلك بأَمْره} فجَاء بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل لفقا لما قبله

وَأما فِي الْفرْقَان فَإِن قبله {كَيفَ مد الظل} الْآيَة وَبعد الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم} و {مرج} و {خلق} فَكَانَ الْمَاضِي أليق بِهِ

وَفِي فاطر مَبْنِيّ على أول السُّورَة {الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا أولي أَجْنِحَة} وهما بِمَعْنى الْمَاضِي لَا غير فَبنى على ذَلِك فَقَالَ {أرسل} بِلَفْظ الْمَاضِي ليَكُون الْكل على مُقْتَضى اللَّفْظ الَّذِي خص بِهِ

129 - قَوْله {لقد أرسلنَا نوحًا} فِي هَذِه السُّورَة بِغَيْر وَاو وَفِي هود 25 وَالْمُؤمنِينَ 23 وَلَقَد بِالْوَاو لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم فِي هَذِه السُّورَة ذكر رَسُول فَيكون هَذَا عطفا عَلَيْهِ بل هُوَ اسْتِئْنَاف كَلَام وَفِي هود تقدم ذكر الرَّسُول مَرَّات وَفِي الْمُؤمنِينَ تقدم ذكر نوح ضمنا فِي قَوْله {وعَلى الْفلك} لِأَنَّهُ أول من صنع الْفلك فعطف فِي السورتين بِالْوَاو

130 - قَوْله {أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ} بِالْفَاءِ فِي هَذِه السُّورَة وَكَذَلِكَ فِي الْمُؤمنِينَ فِي قصَّة نوح {فَقَالَ} وَفِي هود فِي قصَّة نوح {إِنِّي لكم} بِغَيْر {قَالَ} وَفِي هَذِه السُّورَة فِي قصَّة عَاد بِغَيْر فَاء لِأَن إِثْبَات الْفَاء هُوَ الأَصْل وَتَقْدِيره أرسلنَا نوحًا فجَاء فَقَالَ فَكَانَ فِي هَذِه السُّورَة وَالْمُؤمنِينَ على مَا يُوجِبهُ اللَّفْظ

وَأما فِي هود فالتقدير فَقَالَ إِنِّي فأضمر قَالَ وأضمر مَعَه الْفَاء وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم} أَي فَيُقَال لَهُم أكفرتم فأضمر الْفَاء وَالْقَوْل مَعًا

وَأما قصَّة عَاد فالتقدير وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد أَخَاهُم هودا فَقَالَ فأضمر {أرسلنَا} وأضمر الْفَاء لِأَن دَاعِي الْفَاء أرسلنَا

131 - قَوْله {قَالَ الْمَلأ} بِغَيْر فَاء فِي قصَّة نوح وَهود فِي هَذِه السُّورَة وَفِي سُورَة هود وَالْمُؤمنِينَ فَقَالَ بِالْفَاءِ لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة فِي السورتين لَا يَلِيق بِالْجَوَابِ وَهُوَ قَوْلهم لنوح {إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين} وَقَوْلهمْ لهود {إِنَّا لنراك فِي سفاهة وَإِنَّا لنظنك من الْكَاذِبين} بِخِلَاف السورتين فَإِنَّهُم أجابوا فيهمَا بِمَا زَعَمُوا أَنه جَوَاب

132 - قَوْله {أبلغكم رسالات رَبِّي وأنصح لكم} فِي قصَّة نوح وَقَالَ فِي قصَّة هود {وَأَنا لكم نَاصح أَمِين} لِأَن مَا فِي هَذِه الْآيَة {أبلغكم} بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل فعطف عَلَيْهِ {أنصح لكم} كَمَا فِي الْآيَة الْأُخْرَى {لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي وَنَصَحْت لكم} فعطف الْمَاضِي لَكِن فِي قصَّة هود قَابل باسم الْفَاعِل على قَوْلهم لَهُ {وَإِنَّا لنظنك من الْكَاذِبين} ليقابل الِاسْم بِالِاسْمِ

133 - قَوْله {أبلغكم} فِي قصَّة نوح وَهود بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل وَفِي قصَّة صَالح وَشُعَيْب {أبلغتكم} بِلَفْظ الْمَاضِي لِأَن فِي قصَّة نوح وَهود وَقع فِي ابْتِدَاء الرسَالَة وَفِي قصَّة صَالح وَشُعَيْب وَقع فِي آخر الرسَالَة ودنو الْعَذَاب أَلا تسمع قَوْله {فَتَوَلّى عَنْهُم} فِي الْقصَّتَيْنِ

134 - قَوْله {رسالات رَبِّي} فِي جَمِيع الْقَصَص إِلَّا فِي قصَّة صَالح فَإِن فِيهَا {رِسَالَة} على الْوَاحِدَة لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حكى عَنْهُم بعد الْإِيمَان بِاللَّه وَالتَّقوى أَشْيَاء أمروا قَومهمْ بهَا إِلَّا فِي قصَّة صَالح فَإِن فِيهَا ذكر النَّاقة فَصَارَ كَأَنَّهَا رِسَالَة وَاحِدَة وَقَوله {برسالاتي وبكلامي} مُخْتَلف فِيهَا

135 - قَوْله {فَكَذبُوهُ فأنجيناه وَالَّذين مَعَه فِي الْفلك وأغرقنا الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا} وَفِي يُونُس {فَكَذبُوهُ فنجيناه وَمن مَعَه فِي الْفلك} لِأَن أنجينا ونجينا للتعدي لَكِن التَّشْدِيد يدل على الْكَثْرَة وَالْمُبَالغَة فَكَانَ فِي يُونُس {وَمن مَعَه} وَلَفظ {من} يَقع على كَثْرَة مِمَّا يَقع عَلَيْهِ {الَّذين} لِأَن من يصلح للْوَاحِد والتثنية وَالْجمع والمذكر والمؤنث بِخِلَاف الَّذين فَإِنَّهُ لجمع

 الْمُذكر فَحسب فَكَانَ التَّشْدِيد مَعَ من أليق

136 - قَوْله فِي هَذِه السُّورَة {وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب أَلِيم} وَفِي هود {وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب قريب} وَفِي الشُّعَرَاء {وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب يَوْم عَظِيم} لِأَنَّهُ فِي هَذِه السُّورَة بَالغ فِي الْوَعْظ فَبَالغ فِي الْوَعيد فَقَالَ {عَذَاب أَلِيم} وَفِي هود لما اتَّصل بقوله {تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} وَصفه بِالْقربِ فَقَالَ {عَذَاب قريب} وَزَاد فِي الشُّعَرَاء ذكر الْيَوْم لِأَن قبله {لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم} فالتقدير لَهَا شرب يَوْم مَعْلُوم فختم الْآيَة بِذكر الْيَوْم فَقَالَ {عَذَاب يَوْم عَظِيم}

137 - قَوْله {فَأَخَذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} على الْوحدَة وَقَالَ {وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جاثمين} حَيْثُ ذكر الرجفة وَهِي الزلزلة وحد الدَّار وَحَيْثُ ذكر الصَّيْحَة جمع لِأَن الصَّيْحَة كَانَت من السَّمَاء فبلوغها أَكثر وأبلغ من الزلزلة فاتصل كل وَاحِد بِمَا هُوَ لَائِق بِهِ

138 - قَوْله {مَا نزل الله بهَا من سُلْطَان} فِي هَذِه السُّورَة {نزل} وَفِي غَيرهَا {أنزل} لِأَن أفعل كَمَا ذكرت آنِفا للتعدي وَفعل للتعدي والتكثير فَذكر فِي الْموضع الأول بِلَفْظ الْمُبَالغَة ليجري مجري ذكر الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل وَذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فَيكون الأول كالجنس وَمَا سواهُ كالنوع

139 - قَوْله {وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي غَيرهَا {من الْجبَال} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدمه {من سهولها قصورا} فَاكْتفى بذلك

140 - قَوْله {وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي غَيرهَا {فسَاء مطر الْمُنْذرين} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة وَافق مَا بعده وَهُوَ قَوْله {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين}

141 - قَوْله {ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتأتون الْفَاحِشَة} بالاستفهام وَهُوَ اسْتِفْهَام تقريع وتوبيخ وإنكار وَقَالَ بعده {إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال} فَزَاد مَعَ الِاسْتِفْهَام {إِن} لِأَن التقريع والتوبيخ وَالْإِنْكَار فِي الثَّانِي أَكثر وَمثله فِي النَّمْل {أتأتون} وَبعده {أئنكم لتأتون الرِّجَال}

29 - فَجمع بَين إِن وأئن وَذَلِكَ لموافقة آخر الْقِصَّة فَإِن فِي الآخر {إِنَّا منجوك} {إِنَّا منزلون} فَتَأمل فِيهِ فَإِنَّهُ صَعب الْمُسْتَخْرج

142 - قَوْله {بل أَنْتُم قوم مسرفون} فِي هَذِه السُّورَة بِلَفْظ الِاسْم وَفِي النَّمْل {قوم تجهلون} بِلَفْظ الْفِعْل لِأَن كل إِسْرَاف جهل وكل جهل إِسْرَاف ثمَّ ختم الْآيَة بِلَفْظ الِاسْم مُوَافقَة لرءوس الْآيَات الَّتِي تقدّمت وَكلهَا أَسمَاء {الْعَالمين} {الناصحين} {جاثمين} {الْمُرْسلين} {كافرون} {مُؤمنُونَ} {مفسدين}

وَفِي النَّمْل وَافق مَا قبلهَا من الْآيَات وَكلهَا أَفعَال {يبصرون} {يَتَّقُونَ} {تعلمُونَ}

143 - قَوْله {وَمَا كَانَ جَوَاب قومه} بِالْوَاو فِي هَذِه السُّورَة وَفِي غَيرهَا {فَمَا} بِالْفَاءِ لِأَن مَا قبله اسْم وَالْفَاء للتعقيب والتعقيب يكون مَعَ الْأَفْعَال فَقَالَ فِي النَّمْل {تجهلون} {فَمَا كَانَ} وَكَذَلِكَ فِي العنكبوت فِي هَذِه الْقِصَّة {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر فَمَا كَانَ}

وَفِي هَذِه السُّورَة {مسرفون} {وَمَا كَانَ}

وَفِي هَذِه السُّورَة {أخرجوهم} وَفِي النَّمْل {أخرجُوا آل لوط} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة كِنَايَة فَسرهَا فِي السُّورَة الَّتِي بعْدهَا وَفِي النَّمْل قَالَ الْخَطِيب سُورَة النَّمْل نزلت قبل هَذِه السُّورَة فَصرحَ فِي الأولى وكنى فِي الثَّانِيَة

144 - قَوْله {كَانَت من الغابرين} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي النَّمْل {قدرناها من الغابرين} أَي كَانَت فِي علم الله من الغابرين فقدرناها من الغابرين وعَلى وزن قَول الْخَطِيب قدرناها من الغابرين فَصَارَت من الغابرين وَكَانَ بِمَعْنى صَار وَقد فسر {كَانَ من الْجِنّ} بِالْوَجْهَيْنِ

145 - قَوْله {بِمَا كذبُوا من قبل} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي يُونُس {بِمَا كذبُوا بِهِ} لِأَن أول الْقِصَّة فِي هَذِه السُّورَة {وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا} وَفِي الْآيَة {وَلَكِن كذبُوا فأخذناهم} وَلَيْسَ بعْدهَا الْبَاء فختم الْقِصَّة بِمثل مَا بَدَأَ بِهِ وَكَذَلِكَ فِي يُونُس وَافق مَا قبله {فَكَذبُوهُ فنجيناه} {كذبُوا بِآيَاتِنَا} فختم بِمثل ذَلِك فَقَالَ {بِمَا كذبُوا بِهِ}

وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى أَن مَا فِي حق الْعُقَلَاء من التَّكْذِيب فبغير الْبَاء نَحْو قَوْله {فكذبوا رُسُلِي} و {كذبوه} وَغَيره وَمَا فِي حق غَيرهم

بَاء نَحْو {كذبُوا بِآيَاتِنَا} وَغَيرهَا وَعند الْمُحَقِّقين تَقْدِيره فكذبوا رسلنَا برد آيَاتنَا حَيْثُ وَقع

146 - قَوْله {كَذَلِك يطبع الله} هَهُنَا وَفِي يُونُس {نطبع} بالنُّون لِأَن فِي هَذِه السُّورَة قدم ذكر الله سُبْحَانَهُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة فَجمع بَينهمَا فَقَالَ {ونطبع على قُلُوبهم} بالنُّون وَختم الْآيَة بِالصَّرِيحِ فَقَالَ {كَذَلِك يطبع الله} وَأما فِي يُونُس فمبني على مَا قبله من قَوْله {فنجيناه} وجعلناهم 73 ثمَّ بعثنَا 74 بِلَفْظ الْجمع فختم بِمثلِهِ فَقَالَ {كَذَلِك نطبع على قُلُوب الْمُعْتَدِينَ}

147 - قَوْله {قَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن إِن هَذَا لساحر عليم} وَفِي الشُّعَرَاء {قَالَ للملإ حوله} لِأَن التَّقْدِير فِي هَذِه الْآيَة قَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن وَفرْعَوْن بعض لبَعض فَحذف فِرْعَوْن لاشتمال الْمَلأ من آل فِرْعَوْن على اسْمه كَمَا قَالَ {وأغرقنا آل فِرْعَوْن} أَي آل فِرْعَوْن وَفرْعَوْن فَحذف فِرْعَوْن لِأَن آل فِرْعَوْن اشْتَمَل على اسْمه فالقائل هُوَ فِرْعَوْن وَحده بِدَلِيل الْجَواب وَهُوَ {قَالُوا أرجه وأخاه} بِلَفْظ التَّوْحِيد وَالْمَلَأ هم الْمَقُول لَهُم إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَة مخاطبون بقوله {يخرجكم من أَرْضكُم} غَيرهم فَتَأمل فِيهِ فَإِنَّهُ برهَان لِلْقُرْآنِ شاف

148 - قَوْله {يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم فَمَاذَا تأمرون} وَفِي الشُّعَرَاء {من أَرْضكُم بسحره} لِأَن الْآيَة الأولى فِي هَذِه السُّورَة بنيت على الِاقْتِصَار وَكَذَلِكَ الْآيَة الثَّانِيَة وَلِأَن لفظ السَّاحر يدل على السحر

149 - قَوْله {وَأرْسل} وَفِي الشُّعَرَاء {وَابعث} لِأَن الْإِرْسَال يُفِيد معنى الْبَعْث ويتضمن نوعا من الْعُلُوّ لِأَنَّهُ يكون من فَوق فخصت هَذِه السُّورَة بِهِ لما الْتبس ليعلم أَن الْمُخَاطب بِهِ فِرْعَوْن دون غَيره

150 - قَوْله {بِكُل سَاحر عليم} وَفِي الشُّعَرَاء {بِكُل سحار} لِأَنَّهُ رَاعى مَا قبله فِي هَذِه السُّورَة وَهُوَ قَوْله {إِن هَذَا لساحر عليم} وراعى فِي الشُّعَرَاء الإِمَام فَإِنَّهُ فِيهِ {بِكُل سحار} بِالْألف وَقُرِئَ فِي هَذِه السُّورَة {سحار} أَيْضا طلبا للْمُبَالَغَة وموافقة لما فِي الشُّعَرَاء

151 - قَوْله {وَجَاء السَّحَرَة فِرْعَوْن قَالُوا} وَفِي الشُّعَرَاء {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون} لِأَن الْقيَاس فِي هَذِه السُّورَة فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن قَالُوا أَو فَقَالُوا لَا بُد من ذَلِك لَكِن أضمر فِيهِ {فَلَمَّا} فَحسن حذف الْفَاء وَخص هَذِه السُّورَة بإضمار فَلَمَّا لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة وَقع على الِاخْتِصَار والاقتصار على مَا سبق وَأما تَقْدِيم فِرْعَوْن وتأخيره فِي الشُّعَرَاء فَلِأَن التَّقْدِير فيهمَا فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن قَالُوا لفرعون فأظهر الأول فِي هَذِه السُّورَة لِأَنَّهَا الأولى وأضمر الثَّانِي فِي الشُّعَرَاء لِأَنَّهَا الثَّانِيَة

152 - قَوْله {قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ لمن المقربين} وَفِي الشُّعَرَاء {إِذا لمن المقربين} لِأَن إِذا فِي هَذِه السُّورَة مضمرة مقدرَة لِأَن إِذا جَزَاء وَمَعْنَاهُ إِن غلبتم قربتكم وَرفعت منزلتكم وَخص هَذِه السُّورَة بالإضمار اختصارا

153 - قَوْله {إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون نَحن الملقين} وَفِي طه {إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى} رَاعى فِي السورتين أَو أخر الْآي وَمثله {فألقي السَّحَرَة ساجدين} فِي السورتين وَفِي طه {سجدا} وَفِي السورتين أَيْضا {آمنا بِرَبّ الْعَالمين} وَلَيْسَ فِي طه {رب الْعَالمين} وَفِي السورتين {رب مُوسَى وَهَارُون} وَفِي هَذِه {فَسَوف تعلمُونَ} {لأقطعن} وَفِي الشُّعَرَاء {فلسوف تعلمُونَ} {لأقطعن} وَفِي طه {فلأقطعن} وَفِي السورتين {لأصلبنكم أَجْمَعِينَ} وَفِي طه {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} وَهَذَا كُله مُرَاعَاة لفواصل الْآي لِأَنَّهَا مرعية تنبنى عَلَيْهَا مسَائِل كَثِيرَة

154 - قَوْله فِي هَذِه السُّورَة {آمنتم بِهِ} وَفِي السورتين {آمنتم لَهُ} لِأَن الضَّمِير هُنَا يعود إِلَى رب الْعَالمين وَهُوَ الْمُؤمن بِهِ سُبْحَانَهُ وَفِي

السورتين يعود إِلَى مُوسَى وَهُوَ الْمُؤمن لَهُ لقَوْله {إِنَّه لكبيركم} وَقيل آمنتم بِهِ وآمنتم لَهُ وَاحِد

155 - قَوْله {قَالَ فِرْعَوْن} وَفِي السورتين {قَالَ آمنتم} لِأَن هَذِه السُّورَة متعقبة على السورتين فَصرحَ فِي الأولى وكنى فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهُوَ الْقيَاس قَالَ الْخَطِيب لِأَن فِي هَذِه السُّورَة بعد عَن ذكر فِرْعَوْن بآيَات فَصرحَ وَقرب فِي السورتين من ذكره فكنى

156 - قَوْله {ثمَّ لأصلبنكم} وَفِي السورتين {ولأصلبنكم} لِأَن ثمَّ تدل على أَن الصلب يَقع بعد التقطيع وَإِذا دلّ فِي الأولى علم فِي غَيرهَا وَلِأَن مَوضِع الْوَاو تصلح لَهُ ثمَّ

157 - قَوْله {إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} وَفِي الشُّعَرَاء {لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} بِزِيَادَة {لَا ضير} لِأَن هَذِه السُّورَة اختصرت فِيهَا هَذِه الْقِصَّة وأشبعت فِي الشُّعَرَاء وَذكر فِيهَا أول أَحْوَال مُوسَى مَعَ فِرْعَوْن إِلَى آخرهَا فَبَدَأَ بقوله {ألم نربك فِينَا وليدا} وَختم بقوله {ثمَّ أغرقنا الآخرين} فَلهَذَا وَقع فِيهَا زَوَائِد لم تقع فِي الْأَعْرَاف وطه فَتَأمل وتدبر تعرف إعجاز الْقُرْآن

158 - قَوْله 6 {يسومونكم سوء الْعَذَاب يقتلُون} بِغَيْر وَاو على الْبَدَل وَقد سبق

159 - قَوْله {من يهد الله فَهُوَ الْمُهْتَدي} بِإِثْبَات الْيَاء على

الأَصْل وَفِي غَيرهَا بِغَيْر يَاء على التَّخْفِيف

160 - قَوْله {قل لَا أملك لنَفْسي نفعا وَلَا ضرا إِلَّا مَا شَاءَ الله} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي يُونُس {قل لَا أملك لنَفْسي ضرا وَلَا نفعا إِلَّا مَا شَاءَ الله} لِأَن أَكثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من لَفْظِي الضّر والنفع مَعًا جَاءَ بِتَقْدِيم لفظ الضّر على النَّفْع لِأَن العابد يعبد معبوده خوفًا من عِقَابه أَولا ثمَّ طَمَعا فِي ثَوَابه ثَانِيًا يقويه قَوْله {يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا} وَحَيْثُ تقدم النَّفْع على الضّر تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا وَذَلِكَ فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع ثَلَاثَة مِنْهَا بِلَفْظ الِاسْم وَهِي هَهُنَا والرعد وسبأ وَخَمْسَة بِلَفْظ الْفِعْل وَهِي فِي الْأَنْعَام {ينفعنا وَلَا يضرنا} وَآخر فِي يُونُس {مَا لَا ينفعك وَلَا يَضرك} وَفِي الْأَنْبِيَاء {مَا لَا ينفعكم شَيْئا وَلَا يضركم} وَالْفرْقَان {مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم} وَفِي الشُّعَرَاء {ينفعونكم أَو يضرون}

أما فِي هَذِه السُّورَة فقد تقدمه {من يهد الله فَهُوَ الْمُهْتَدي وَمن يضلل} فَقدم الْهِدَايَة على الضَّلَالَة وَبعد ذَلِك {لاستكثرت من الْخَيْر وَمَا مسني السوء} فَقدم الْخَيْر على السوء فَلذَلِك قدم النَّفْع على الضّر

وَفِي الرَّعْد {طَوْعًا وَكرها} فَقدم الطوع وَفِي سبأ {يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} فَقدم الْبسط

وَفِي يُونُس قدم الضّر على الأَصْل ولموافقة مَا قبلهَا {مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} وفيهَا {وَإِذا مس الْإِنْسَان الضّر} فَيكون فِي الْآيَة ثَلَاث مَرَّات وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ بِلَفْظ الْفِعْل فلسابقة معنى يتَضَمَّن فعلا

أما سُورَة الْأَنْعَام فَفِيهَا {لَيْسَ لَهَا من دون الله ولي وَلَا شَفِيع وَإِن تعدل كل عدل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} ثمَّ وَصلهَا بقوله {قل أندعو من دون الله مَا لَا ينفعنا وَلَا يضرنا} وَفِي يُونُس تقدمه قَوْله {ثمَّ ننجي رسلنَا وَالَّذين آمنُوا كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ} ثمَّ قَالَ {وَلَا تدع من دون الله مَا لَا ينفعك وَلَا يَضرك} وَفِي الْأَنْبِيَاء تقدم قَول الْكفَّار لإِبْرَاهِيم فِي المجادلة {لقد علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون} {قَالَ أفتعبدون من دون الله مَا لَا ينفعكم شَيْئا وَلَا يضركم} وَفِي الْفرْقَان تقدمه قَوْله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} وعد نعما جمة فِي الْآيَات ثمَّ قَالَ {ويعبدون من دون الله مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم} فَتَأمل فَإِنَّهُ برهَان الْقُرْآن

161 - قَوْله {وخيفة} ذكرت فِي الْمُتَشَابه وَلَيْسَت مِنْهُ لِأَنَّهَا من الْخَوْف {وخفية} من قَوْله تَعَالَى {تَدعُونَهُ تضرعا وخفية} من خَفِي الشَّيْء إِذا استتر

سُورَة الْأَنْفَال

162 - قَوْله {وَمَا جعله الله إِلَّا بشرى} وَقَوله {وَمن يُشَاقق الله} وَقَوله {وَيكون الدّين كُله لله} وَقد سبق

163 - قَوْله {كدأب آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم كفرُوا بآيَات الله} ثمَّ قَالَ بعد آيَة {كدأب آل فِرْعَوْن وَالَّذين من قبلهم كذبُوا بآيَات رَبهم} قَالَ الْخَطِيب قد أجَاب فِيهَا بعض أهل النّظر بِأَن قَالَ ذكر فِي الْآيَة الأولى عُقُوبَته إيَّاهُم عِنْد الْمَوْت كَمَا فعله بآل فِرْعَوْن وَمن قبلهم من الْكفَّار وَذكر فِي الثَّانِيَة مَا يفعل بهم بعد الْمَوْت كَمَا فعله بآل فِرْعَوْن وَمن قبلهم فَلم يكن تَكْرَارا

قَالَ الْخَطِيب وَالْجَوَاب عِنْدِي أَن الأول إِخْبَار عَن عَذَاب لم يُمكن الله أحدا من فعله وَهُوَ ضرب الْمَلَائِكَة وُجُوههم وأدبارهم عِنْد نزع أَرْوَاحهم وَالثَّانِي إِخْبَار عَن عَذَاب مكن النَّاس من فعل مثله وَهُوَ الإهلاك والإغراق

قلت وَله وَجْهَان آخرَانِ محتملان أَحدهمَا كدأب آل فِرْعَوْن فِيمَا فعلوا وَالثَّانِي كدأب آل فِرْعَوْن فِيمَا فعل بهم فهم فاعلون على الأول ومفعولون فِي الثَّانِي

وَالْوَجْه الآخر أَن المُرَاد بِالْأولِ كفرهم بِاللَّه وَبِالثَّانِي تكذيبهم بالأنبياء لِأَن تَقْدِير الْآيَة كذبُوا الرُّسُل بردهمْ آيَات الله

وَله وَجه آخر وَهُوَ أَن يَجْعَل الضَّمِير فِي {كفرُوا} لكفار قُرَيْش على تَقْدِير كفرُوا بآيَات الله كدأب آل فِرْعَوْن وَكَذَلِكَ الثَّانِي كذبُوا بآيَات رَبهم كدأب آل فِرْعَوْن

164 - قَوْله {الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي هَذِه السُّورَة بِتَقْدِيم {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم} وَفِي بَرَاءَة بِتَقْدِيم {فِي سَبِيل الله} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم ذكر المَال وَالْفِدَاء وَالْغنيمَة فِي قَوْله {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم} أَي من الْفِدَاء {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم} فَقدم ذكر المَال وَفِي بَرَاءَة تقدم ذكر الْجِهَاد وَهُوَ قَوْله {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} وَقَوله {كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله} فَقدم ذكر الْجِهَاد فِي هَذِه الْآي فِي هَذِه السُّورَة ثَلَاث مَرَّات فأورد فِي الأولى {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} وَحذف من الثَّانِيَة {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم} اكْتِفَاء بِمَا فِي الأولى وَحذف من الثَّالِثَة {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم} وَزَاد حذف {فِي سَبِيل الله} اكْتِفَاء بِمَا فِي الْآيَتَيْنِ قبلهَا

سُورَة التَّوْبَة

165 - قَوْله {وَاعْلَمُوا أَنكُمْ غير معجزي الله} لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول للمكان وَالثَّانِي للزمان وَقد تقدم ذكرهمَا فِي قَوْله {فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر}

166 - قَوْله {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول فِي الْكفَّار وَالثَّانِي فِي الْيَهُود فِيمَن حمل قَوْله {اشْتَروا بآيَات الله ثمنا قَلِيلا} على التَّوْرَاة وَقيل هما فِي الْكفَّار وَجَزَاء الأول تخلية سبيلهم وَجَزَاء الثَّانِي إِثْبَات الْأُخوة لَهُم وَالْمعْنَى بِإِثْبَات الله الْقُرْآن

167 - قَوْله {كَيفَ يكون للْمُشْرِكين عهد عِنْد الله وَعند رَسُوله} ثمَّ ذكر بعده {كَيفَ وَإِن يظهروا عَلَيْكُم لَا يرقبوا فِيكُم إِلَّا وَلَا ذمَّة} وَاقْتصر عَلَيْهِ فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه تكْرَار للتَّأْكِيد وَاكْتفى بِذكر {كَيفَ} عَن الْجُمْلَة بعده لدلَالَة الأولى عَلَيْهِ وَقيل تَقْدِيره كَيفَ لَا تقتلونهم فَلَا يكون من التّكْرَار فِي شَيْء

168 - قَوْله {لَا يرقبوا فِيكُم إِلَّا وَلَا ذمَّة} وَقَوله {لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة} الأول للْكفَّار وَالثَّانِي للْيَهُود وَقيل ذكر الأول وَجعل جَزَاء للشّرط ثمَّ أعَاد ذَلِك تقبيحا لَهُم فَقَالَ {سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ} {لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة} فَلَا يكون تكْرَار مُحصنا

169 - قَوْله {الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم} إِنَّمَا قدم فِي سَبِيل الله فِي هَذِه السُّورَة لموافقة قَوْله قبله {وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله} وَقد سبق ذكره فِي الْأَنْفَال وَقد جَاءَ بعده فِي موضِعين {بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} ليعلم أَن الأَصْل ذَلِك وَإِنَّمَا قدم هَهُنَا لموافقة مَا قبله فَحسب

170 - قَوْله {كفرُوا بِاللَّه وبرسوله وَلَا يأْتونَ} بِزِيَادَة بَاء وَبعده {إِنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وماتوا} بِغَيْر بَاء فيهمَا لِأَن الْكَلَام فِي الْآيَة الأولى إِيجَاب بعد نفي وَهُوَ الْغَايَة فِي بَاب التَّأْكِيد وَهُوَ قَوْلهم {وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم إِلَّا أَنهم كفرُوا بِاللَّه} فأكد الْمَعْطُوف أَيْضا فالباء ليَكُون الْكل فِي التَّأْكِيد على منهاج وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِك الْآيَتَانِ بعده فَإِنَّهُمَا خلتا من التَّأْكِيد

171 - قَوْله {فَلَا تعجبك أَمْوَالهم} بِالْفَاءِ وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {وَلَا تعجبك أَمْوَالهم} بِالْوَاو لِأَن الْفَاء تَتَضَمَّن معنى الْجَزَاء وَالْفِعْل الَّذِي قبله مُسْتَقْبل يتَضَمَّن معنى الشَّرْط وَهُوَ قَوْله {وَلَا يأْتونَ الصَّلَاة إِلَّا وهم كسَالَى وَلَا يُنْفقُونَ إِلَّا وهم كَارِهُون} أَي إِن يكن مِنْهُم ذَلِك فَمَا ذكر جزاؤهم فَكَانَ الْفَاء هَهُنَا أحسن موقعا من الْوَاو وَالَّتِي بعْدهَا جَاءَ قبلهَا {كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وماتوا} بِلَفْظ الْمَاضِي وَبِمَعْنَاهُ والماضي لَا يتَضَمَّن معنى الشَّرْط وَلَا يَقع من الْمَيِّت فعل فَكَانَ الْوَاو أحسن

172 - قَوْله {وَلَا أَوْلَادهم} بِزِيَادَة {لَا} وَقَالَ فِي الْأُخْرَى {وَأَوْلَادهمْ} بِغَيْر لَا لِأَنَّهُ لما أكد الْكَلَام الأول بِالْإِيجَابِ بعد النَّفْي وَهُوَ الْغَايَة وعلق الثَّانِي بِالْأولِ تَعْلِيق الْجَزَاء بِالشّرطِ اقْتضى الْكَلَام الثَّانِي من التوكيد مَا اقْتَضَاهُ الأول فأكد معنى النَّهْي بتكرار {لَا} فِي الْمَعْطُوف

173 - قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم} وَقَالَ فِي الْأُخْرَى {أَن يعذبهم} لِأَن {إِن} فِي هَذِه الْآيَة مقدرَة وَهِي الناصبة للْفِعْل فَصَارَ فِي الْكَلَام هَهُنَا زِيَادَة كزيادة الْبَاء وَلَا فِي الْآيَة

174 - قَوْله {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى {فِي الدُّنْيَا} لِأَن الدُّنْيَا صفة الْحَيَاة فِي الْآيَتَيْنِ فَأثْبت الْمَوْصُوف وَالصّفة فِي الأولى وَحذف بِذكرِهِ فِي الأولى وَلَيْسَ الْآيَتَانِ مكررتين لِأَن الأولى فِي قوم وَالثَّانيِة فِي آخَرين وَقيل الأولى فِي الْيَهُود وَالثَّانيِة فِي الْمُنَافِقين

وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن الْمَفْعُول فِي هَذِه الْآيَة مَحْذُوف أَي أَن يزِيد فِي نعمائهم بالأموال وَالْأَوْلَاد ليعذبهم بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآيَة الْأُخْرَى إِخْبَار عَن قوم مَاتُوا على الْكفْر فتعلقت الْإِرَادَة بِنَا هم فِيهِ وَهُوَ الْعَذَاب

175 - قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله} وَفِي الصَّفّ {ليطفئوا} هَذِه الْآيَة تشبه قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله أَن يعذبهم} و {ليعذبهم} حذف اللَّام من الْآيَة الأولى لِأَن مُرَادهم إطفاء نور الله بأفواههم وَالْمرَاد الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول بِهِ فِي الصَّفّ مُضْمر تَقْدِيره وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله الْكَذِب ليطفئوا نور الله وَاللَّام لَام الْعلَّة وَذهب بعض النُّحَاة إِلَى أَن الْفِعْل مَحْمُول على الْمصدر أَي إرادتهم لإطفاء نور الله

176 - قَوْله {ورضوان من الله أكبر ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} هَذِه الْكَلِمَات تقع على وَجْهَيْن أَحدهمَا {ذَلِك الْفَوْز} بِغَيْر {هُوَ} وَهُوَ فِي الْقُرْآن فِي سِتَّة مَوَاضِع فِي بَرَاءَة موضعان وَفِي يُونُس وَالْمُؤمن وَالدُّخَان وَالْحَدِيد وَمَا فِي بَرَاءَة أَحدهمَا بِزِيَادَة الْوَاو وَهُوَ قَوْله {فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمُؤمن بِزِيَادَة الْوَاو

وَالْجُمْلَة إِذا جَاءَت بعد جملَة من غير تراخ بنزول جَاءَت مربوطة بِمَا قبلهَا إِمَّا بواو الْعَطف وَإِمَّا بكناية تعود من الثَّانِيَة إِلَى الأولى وَإِمَّا بِإِشَارَة فِيهَا إِلَيْهَا وَرُبمَا يجمع بَين الْإِثْنَيْنِ مِنْهَا وَالثَّلَاثَة للدلالة على مُبَالغَة فِيهَا فَفِي بَرَاءَة {خَالِدين فِيهَا ذَلِك الْفَوْز} {خَالِدين فِيهَا أبدا ذَلِك الْفَوْز} وفيهَا أَيْضا {ورضوان من الله أكبر ذَلِك هُوَ الْفَوْز} فَجمع بَين اثْنَيْنِ وَبعدهَا {فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} فَجمع بَين الثَّلَاثَة تَنْبِيها على أَن الاستبشار من الله تَعَالَى يتَضَمَّن رضوانه والرضوان يتَضَمَّن الخلود فِي الْجنان

قلت وَيحْتَمل أَن ذَلِك لما تقدمه من قَوْله {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن}

111 - وَيكون كل وَاحِد مِنْهَا فِي مُقَابلَة وَاحِد وَكَذَلِكَ فِي الْمُؤمن تقدمه {فَاغْفِر} {وقهم} {وأدخلهم} فَوَقَعت فِي مُقَابلَة الثَّلَاثَة

177 - قَوْله {وطبع على قُلُوبهم} ثمَّ قَالَ بعده {وطبع الله} لِأَن قَوْله {وطبع} مَحْمُول على رَأس الْمِائَة وَهُوَ قَوْله {وَإِذا أنزلت سُورَة} مَبْنِيّ للْمَجْهُول وَالثَّانِي مَحْمُول على مَا تقدم من ذكر الله تَعَالَى مَرَّات فَكَانَ اللَّائِق {وطبع الله} ثمَّ ختم كل آيَة بِمَا يَلِيق بهَا فَقَالَ فِي الأولى {لَا يفقهُونَ} وَفِي الثَّانِيَة {لَا يعلمُونَ} لِأَن الْعلم فَوق الْفِقْه وَالْفِعْل الْمسند إِلَى الله فَوق الْمسند إِلَى الْمَجْهُول

178 - قَوْله {وسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله ثمَّ تردون} وَقَالَ فِي الْأُخْرَى {فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون وستردون} لِأَن الأولى فِي الْمُنَافِقين وَلَا يطلع على ضمائرهم إِلَّا الله تَعَالَى ثمَّ رَسُوله بإطلاع الله إِيَّاه عَلَيْهَا كَقَوْلِه {قد نبأنا الله من أخباركم} وَالثَّانيَِة فِي الْمُؤمنِينَ وطاعات الْمُؤمنِينَ وعباداتهم ظَاهِرَة لله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ سقط وَختم آيَة الْمُؤمنِينَ بقوله {وستردون} لِأَن وعد فبناه على قَوْله {فسيرى الله}

179 - قَوْله {إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح} وَفِي الْأُخْرَى {إِلَّا كتب لَهُم} لِأَن الْآيَة الأولى مُشْتَمِلَة على مَا هُوَ من عَمَلهم وَهُوَ قَوْله {وَلَا يطؤون موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا ينالون من عَدو نيلا} وعَلى مَا لَيْسَ من عَمَلهم وَهُوَ الظمأ وَالنّصب والمخمصة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بفضله أجْرى ذَلِك مجْرى عَمَلهم فِي الثَّوَاب فَقَالَ {إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح} أَي جَزَاء عمل صَالح وَالثَّانيَِة مُشْتَمِلَة على المشاق وَقطع المسافات فَكتب لَهُم ذَلِك بِعَيْنِه وَكَذَلِكَ ختم الْآيَة بقوله {لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ} لَكِن الْكل من عَمَلهم فَوَعَدَهُمْ أحسن الْجَزَاء عَلَيْهِ وَختم الْآيَة بقوله {إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} حَتَّى ألحق مَا لَيْسَ من عَمَلهم بِمَا هُوَ من عَمَلهم ثمَّ جازاهم على الْكل أحسن الْجَزَاء

سُورَة يُونُس

180 - قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ مرجعكم} وَفِي هود {إِلَى الله مرجعكم} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة خطاب للْمُؤْمِنين والكافرين جَمِيعًا يدل عَلَيْهِ قَوْله بعده {ليجزي الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات بِالْقِسْطِ وَالَّذين كفرُوا} الْآيَة وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَائِدَة {مرجعكم جَمِيعًا} لِأَنَّهُ خطاب للْمُؤْمِنين والكافرين بِدَلِيل قَوْله {فِيهِ مُخْتَلفُونَ} وَمَا فِي هود خطاب للْكفَّار يدل عَلَيْهِ {وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير}

181 - قَوْله {وَإِذا مس الْإِنْسَان الضّر} بِالْألف وَاللَّام لِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى مَا تقدم من الشَّرّ فِي قَوْله {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ} فَإِن الضّر وَالشَّر وَاحِد وَجَاء الضّر فِي هَذِه السُّورَة بِالْألف وَاللَّام وبالإضافة وبالتنوين

182 - قَوْله {وَمَا كَانُوا ليؤمنوا} بِالْوَاو لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله {ظلمُوا} من قَوْله {لما ظلمُوا وجاءتهم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ} وَفِي غَيرهَا بِالْفَاءِ للتعقيب

183 - قَوْله {فَمن أظلم} بِالْفَاءِ لموافقة مَا قبلهَا وَقد سبق فِي الْأَنْعَام

184 - قَوْله {مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} سبق فِي الْأَعْرَاف

185 - قَوْله {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فِي هَذِه السُّورَة وَفِي غَيرهَا {فِيمَا هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} بِزِيَادَة {هم} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم {فَاخْتَلَفُوا} فَاكْتفى بِهِ عَن إِعَادَة الضَّمِير

186 - وَفِي الْآيَة {بِمَا لَا يعلم فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} بِزِيَادَة {لَا} وتكرار {فِي} لِأَن تكْرَار {لَا} مَعَ النَّفْي كثير حسن فَلَمَّا كرر {لَا} كرر {فِي} تحسينا للفظ بِالْألف لِأَنَّهُ وَقع فِي مُقَابلَة {أنجيتنا} وَمثله فِي سبأ فِي موضِعين وَالْمَلَائِكَة

187 - قَوْله {فَلَمَّا أنجاهم} بِالْألف لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة {أنجيتنا}

188 - قَوْله {فَأتوا بِسُورَة مثله} وَفِي هود {بِعشر سور مثله} لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة تَقْدِيره سُورَة مثل سُورَة يُونُس فالمضاف

مَحْذُوف فِي السورتين وَمَا فِي هود إِشَارَة إِلَى مَا تقدمها من أول الْفَاتِحَة إِلَى سُورَة هود وَهُوَ عشر سور

189 - قَوْله {وَادعوا من اسْتَطَعْتُم} فِي هَذِه السُّورَة وَكَذَلِكَ فِي هود 13 وَفِي الْبَقَرَة {شهداءكم} لِأَنَّهُ لما زَاد فِي هود السُّور زَاد فِي المدعوين وَلِهَذَا قَالَ فِي سُبْحَانَ {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} مقترنا بقوله {بِمثل هَذَا الْقُرْآن} وَالْمرَاد بِهِ كُله

190 - قَوْله {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} بِلَفْظ الْجمع وَبعده {وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك} بِلَفْظ الْمُفْرد لِأَن المستمع إِلَى الْقُرْآن كالمستمع إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَاف النّظر فَكَانَ فِي المستمعين كَثْرَة فَجمع ليطابق اللَّفْظ الْمَعْنى ووحد {ينظر} حملا على اللَّفْظ إِذا لم يكثر كثرتهم

191 - قَوْله {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا} فِي هَذِه الْآيَة فَحسب لِأَن قَوْله قبله {وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا} وَقَوله {إِلَيْهِ مرجعكم جَمِيعًا} يدلان على ذَلِك فَاكْتفى بِهِ

192 - قَوْله {لكل أمة أجل إِذا جَاءَ أَجلهم فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة} لِأَن التَّقْدِير فِيهَا لكل أمة أجل فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة إِذا جَاءَ أَجلهم فَكَانَ هَذَا فِيمَن قتل ببدر وَالْمعْنَى لم يستأخروا

193 - قَوْله {أَلا إِن لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ذكر بِلَفْظ {مَا} فِي هَذِه الْآيَة وَلم يكرره لِأَن معنى {مَا} هَهُنَا المَال فَذكر بِلَفْظ {مَا} دون {من} وَلم يكررها اكْتِفَاء بقوله قبله {وَلَو أَن لكل نفس ظلمت مَا فِي الأَرْض}

194 - قَوْله {أَلا إِن لله من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} ذكر بِلَفْظ {من} وَكرر لِأَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي قوم آذوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل فيهم {وَلَا يحزنك قَوْلهم} فَاقْتضى لفظ {من} وَكرر لِأَن المُرَاد من فِي الأَرْض هَهُنَا لكَوْنهم فِيهَا لَكِن قدم ذكر {من فِي السَّمَاوَات} تَعْظِيمًا ثمَّ عطف {من فِي الأَرْض} على ذَلِك

195 - قَوْله {مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} ذكر بِلَفْظ {مَا} وَكرر لِأَن بعض الْكفَّار قَالُوا {اتخذ الله ولدا} فَقَالَ سُبْحَانَهُ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} فَكَانَ الْموضع مَوضِع {مَا} وَمَوْضِع التّكْرَار للتَّأْكِيد والتخصيص

196 - قَوْله {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون} وَمثله فِي النَّمْل وَفِي الْبَقَرَة ويوسف وَالْمُؤمن {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يشكرون} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} فوافقه وَفِي غَيرهَا جَاءَ بِلَفْظ الصَّرِيح

197 - وفيهَا أَيْضا قَوْله {فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} فَقدم الأَرْض لكَون المخاطبين فِيهَا وَمثله فِي آل عمرَان وَإِبْرَاهِيم وطه وَالْعَنْكَبُوت

198 - وفيهَا {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يسمعُونَ} بِنَاء على قَوْله {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} وَمثله فِي الرّوم {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يسمعُونَ} 23 - فَحسب

199 - قَوْله {قَالُوا اتخذ الله ولدا} بِغَيْر وَاو وَلَو لِأَنَّهُ اكْتفى بِالْفَاءِ عَن الْوَاو العاطف وَمثله فِي الْبَقَرَة على قِرَاءَة ابْن عَامر {قَالُوا اتخذ الله ولدا}

200 - قَوْله {فنجيناه} سبق وَمثله فِي الْأَنْبِيَاء وَالشعرَاء

201 - قَوْله {كذبُوا} سبق وَقَوله {نطبع على} قد سبق

202 - قَوْله {من فِرْعَوْن وملئهم} بِالْجمعِ وَفِي غَيرهَا {ملئه} لِأَن الضَّمِير فِي هَذِه السُّورَة يعود إِلَى الذُّرِّيَّة وَقيل يعود إِلَى الْقَوْم وَفِي غَيرهَا يعود إِلَى فِرْعَوْن

203 - قَوْله {وَأمرت أَن أكون من الْمُؤمنِينَ} وَفِي النَّمْل {من الْمُسلمين} لِأَن مَا قبله فِي هَذِه السُّورَة {الْمُؤمنِينَ} فوافقه وَفِي النَّمْل وَافق مَا قبله وَهُوَ قَوْله {فهم مُسلمُونَ} وَقد تقدم فِي يُونُس {وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين}

سُورَة هود

204 - قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لكم فاعلموا} بِحَذْف النُّون وَالْجمع وَفِي الْقَصَص {فَإِن لم} بِإِثْبَات النُّون {لَك فَاعْلَم} على الْوَاحِد عدت هَذِه الْآيَة من الْمُتَشَابه فِي فصلين أَحدهمَا حذف النُّون من {فَإِن لم} فِي هَذِه السُّورَة وإثباتها فِي غَيرهَا وَهَذَا من فعل الْخط وَقد ذكرته فِي كِتَابَة الْمَصَاحِف وَالثَّانِي جمع الْخطاب هَهُنَا وتوحيده فِي الْقَصَص لِأَن مَا فِي هَذِه السُّورَة خطاب للْكفَّار وَالْفِعْل يعود لمن اسْتَطَعْتُم وَمَا فِي الْقَصَص خطاب للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِعْل للْكفَّار

205 - قَوْله {وهم بِالآخِرَة هم كافرون} سبق

206 - قَوْله {لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون} وَفِي النَّحْل {هم الخاسرون} لِأَن هَؤُلَاءِ صدوا عَن سَبِيل الله وصدوا غَيرهم فضلوا فهم الأخسرون يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب وَفِي النَّحْل صدوا فهم الخاسرون قَالَ الْخَطِيب لِأَن مَا قبلهَا فِي هَذِه السُّورَة {يبصرون} {يفترون} لَا يعتمدان على ألف بَينهمَا وَفِي النَّحْل {الْكَافِرُونَ} و {الغافلون} فللموافقة بَين الفواصل جَاءَ فِي هَذِه السُّورَة {الأخسرون} وَفِي النَّحْل {الخاسرون}

207 - قَوْله {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه إِنِّي لكم نَذِير} بِالْفَاءِ وَبعده {فَقَالَ الْمَلأ} بِالْفَاءِ وَهُوَ الْقيَاس وَقد سبق

208 - قَوْله {وآتاني رَحْمَة من عِنْده} وَبعده {وآتاني مِنْهُ رَحْمَة}

63 - وبعدهما {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} لِأَن {عِنْده} وَإِن كَانَ ظرفا فَهُوَ اسْم فَذكر الأولى بِالصَّرِيحِ وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة بِالْكِنَايَةِ لتقدم ذكره فَلَمَّا كنى عَنهُ قدمه لِأَن الْكِنَايَة يتَقَدَّم عَلَيْهَا الظَّاهِر نَحْو ضرب زيد عمرا فَإِن كنيت عَن عمر قَدمته نَحْو عَمْرو ضرب زيد وَكَذَلِكَ زيد أَعْطَانِي درهما من مَاله فَإِن كنيت عَن المَال قلت المَال زيد أَعْطَانِي مِنْهُ درهما

قَالَ الْخَطِيب لما وَقع {وآتاني رَحْمَة} فِي جَوَاب كَلَام فِيهِ ثَلَاثَة أَفعَال كلهَا مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين لَيْسَ بَينهمَا حَائِل بجار ومجرور وَهُوَ قَوْله {مَا نرَاك إِلَّا بشرا مثلنَا} {وَمَا نرَاك اتبعك} {بل نظنكم كاذبين} أجْرى الْجَواب مجْرَاه فَجمع بَين المفعولين من غير حَائِل

وَأما الثَّانِي فقد وَقع فِي جَوَاب كَلَام قد حيل بَينهمَا بجار ومجرور وَهُوَ قَوْله {قد كنت فِينَا مرجوا} لِأَن خبر كَانَ بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول كَذَلِك حيل فِي الْجَواب بَين المفعولين بالجار وَالْمَجْرُور

209 - قَوْله {وَيَا قوم لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ مَالا إِن أجري إِلَّا على الله} فِي قصَّة نوح وَفِي غَيرهَا {أجرا إِن أجري} لِأَن فِي قصَّة نوح وَقع بعْدهَا {خَزَائِن} وَلَفظ المَال بالخزائن أليق

210 - قَوْله {وَلَا أَقُول إِنِّي ملك} وَفِي الْأَنْعَام {وَلَا أَقُول لكم إِنِّي ملك} لِأَن فِي الْأَنْعَام آخر الْكَلَام فِيهِ جَاءَ بِالْخِطَابِ وَختم بِهِ وَلَيْسَ فِي هَذِه السُّورَة آخر الْكَلَام بل آخِره {تزدري أعينكُم} فَبَدَأَ بِالْخِطَابِ وَختم بِهِ فِي السورتين

211 - قَوْله {وَلَا تضرونه شَيْئا} وَفِي التَّوْبَة {وَلَا تضروه شَيْئا} ذكر هَذَا فِي الْمُتَشَابه وَلَيْسَ مِنْهُ لِأَن قَوْله {وَلَا تضرونه شَيْئا} عطف على قَوْله {ويستخلف رَبِّي} فَهُوَ مَرْفُوع وَفِي التَّوْبَة مَعْطُوف على {يعذبكم} {يسْتَبْدل} وهما مجزومان فَهُوَ مجزوم

212 - قَوْله {وَلما جَاءَ أمرنَا نجينا هودا} فِي قصَّة هود وَشُعَيْب بِالْوَاو وَفِي قصَّة صَالح وَلُوط {فَلَمَّا} بِالْفَاءِ لِأَن الْعَذَاب فِي قصَّة هود وَشُعَيْب تَأَخّر عَن وَقت الْوَعيد فَإِن فِي قصَّة هود {فَإِن توَلّوا فقد أبلغتكم مَا أرْسلت بِهِ إِلَيْكُم ويستخلف رَبِّي قوما غَيْركُمْ} وَفِي قصَّة شُعَيْب {سَوف تعلمُونَ} والتخويف قارنه التسويف فجَاء بِالْوَاو الْمُهْملَة وَفِي قصَّة صَالح وَلُوط وَقع الْعَذَاب عقيب الْوَعيد فَإِن فِي قصَّة صَالح {تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} وَفِي قصَّة لوط {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} فجَاء الْفَاء للتعجيل والتعقيب

213 - قَوْله {وأتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة} وَفِي قصَّة مُوسَى {فِي هَذِه لعنة} لِأَنَّهُ لما ذكر فِي الْآيَة الأولى الصّفة والموصوف اقْتصر فِي الثَّانِيَة على الْمَوْصُوف للْعلم والاكتفاء بِمَا قبله

214 - قَوْله {إِن رَبِّي قريب مُجيب} وَبعده {إِن رَبِّي رَحِيم ودود} لموافقة الفواصل وَمثله {لحليم أَواه منيب} وَفِي التَّوْبَة {لأواه حَلِيم} للروي فِي السورتين

215 - قَوْله {وإننا لفي شكّ مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ مريب} وَفِي إِبْرَاهِيم {وَإِنَّا لفي شكّ مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ مريب} لِأَنَّهُ فِي السورتين جَاءَ على الأَصْل وتدعونا خطاب مُفْرد وَفِي إِبْرَاهِيم لما وَقع بعده {تدعوننا} بنونين لِأَنَّهُ خطاب جمع حذف مِنْهُ النُّون استثقالا للْجمع بَين النونات وَلِأَن فِي إِبْرَاهِيم اقْترن بضمير قد غير مَا قبله بِحَذْف الْحَرَكَة وَهُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي قَوْله {كفرنا} فَغير مَا قبله فِي إننا بِحَذْف النُّون وَفِي هود اقْترن بضمير لم يُغير مَا قبله وَهُوَ الضَّمِير الْمَنْصُوب وَالضَّمِير الْمَجْرُور فِي قَوْله {فِينَا مرجوا قبل هَذَا أتنهانا أَن نعْبد مَا يعبد آبَاؤُنَا} فصح كَمَا صَحَّ

216 - قَوْله {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} ثمَّ قَالَ {وَأخذت الَّذين ظلمُوا} التَّذْكِير والتأنيث حسنان لَكِن التَّذْكِير أخف فِي الأولى بِحَذْف حرف مِنْهُ وَفِي الْأُخْرَى وَافق مَا بعْدهَا وَهُوَ {كَمَا بَعدت ثَمُود}

قَالَ الْخَطِيب لما جَاءَت فِي قصَّة شُعَيْب مرّة {الرجفة} وَمرَّة {الظلة} وَمرَّة {الصَّيْحَة} ازاداد التَّأْنِيث حسنا

217 - قَوْله {فِي دِيَارهمْ} فِي موضِعين فِي هَذِه السُّورَة لِأَنَّهُ اتَّصل بالصيحة وَكَانَت من السَّمَاء فازدادت على الرجفة لِأَنَّهَا الزلزلة وَهِي تخْتَص بِجُزْء من الأَرْض فَجمعت مَعَ الصَّيْحَة وأفردت مَعَ الرجفة

218 - قَوْله {إِن ثَمُود} بِالتَّنْوِينِ ذكر فِي الْمُتَشَابه فَقلت ثَمُود من الثمد وَهُوَ المَاء الْقَلِيل جعل اسْم قَبيلَة فَهُوَ منصرف من وَجه وَغير منصرف من وَجه فصرفوه فِي حَال النصب لِأَنَّهُ أخف أَحْوَال

الِاسْم وَلم يصرفوه فِي حَال الرّفْع لِأَنَّهُ أثقل أَحْوَال الِاسْم وَجَاز الْوَجْهَانِ فِي الْجَرّ لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الخفة والثقل

219 - قَوْله {وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا مصلحون} وَفِي الْقَصَص {مهلك الْقرى} لِأَن الله تَعَالَى نفى الظُّلم عَن نَفسه بأبلغ لفظ يسْتَعْمل فِي النَّفْي لِأَن هَذِه اللَّام لَام الْجُحُود وَتظهر بعْدهَا أَن وَلَا يَقع بعْدهَا الْمصدر وتختص بكان مَعْنَاهُ مَا فعلت فِيمَا مضى وَلَا أفعل فِي الْحَال وَلَا أفعل فِي الْمُسْتَقْبل فَكَانَ الْغَايَة فِي النَّفْي وَمَا فِي الْقَصَص لم يكن صَرِيح ظلم فَاكْتفى بِذكر اسْم الْفَاعِل وَهُوَ أحد الْأَزْمِنَة غير معِين ثمَّ نَفَاهُ

220 - قَوْله {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} وَفِي الْحجر {بِقطع من اللَّيْل وَاتبع أدبارهم وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد} اسْتثْنى فِي هَذِه السُّورَة من الْأَهْل قَوْله {إِلَّا امْرَأَتك} وَلم يسْتَثْن فِي الْحجر اكْتِفَاء بِمَا قبله وَهُوَ قَوْله {إِلَى قوم مجرمين} {إِلَّا آل لوط إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ} {إِلَّا امْرَأَته} فَهَذَا الِاسْتِثْنَاء الَّذِي تفردت بِهِ سُورَة الْحجر قَامَ مقَام الِاسْتِثْنَاء من قَوْله {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل} وَزَاد فِي الْحجر {وَاتبع أدبارهم} لِأَنَّهُ إِذا ساقهم وَكَانَ من ورائهم علم بنجاتهم وَلَا يخفى عَلَيْهِ حَالهم

سُورَة يُوسُف

221 - قَوْله تَعَالَى {إِن رَبك عليم حَكِيم} لَيْسَ فِي الْقُرْآن غَيره

أَي عليم علمك تَأْوِيل الْأَحَادِيث حَكِيم باجتنابك للرسالة

222 - قَوْله {بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا فَصَبر جميل} فِي هَذِه السُّورَة فِي موضِعين لَيْسَ بتكرار لِأَنَّهُ ذكر الأول حِين نعى إِلَيْهِ يُوسُف وَالثَّانِي لما رفع إِلَيْهِ مَا جرى على بنيامين

223 - قَوْله {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَمثلهَا فِي الْقَصَص فِي قصَّة مُوسَى وَزَاد فِيهَا {واستوى} لِأَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أوحى إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْبِئْر ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أوحى إِلَيْهِ بعد أَرْبَعِينَ سنة وَقَوله {واستوى} إِشَارَة إِلَى تِلْكَ الزِّيَادَة وَمثله {وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة} بعد قَوْله {حَتَّى إِذا بلغ أشده} وَالْخلاف فِي أشده قد ذكر فِي مَوْضِعه

224 - قَوْله {معَاذ الله} فِي هَذِه السُّورَة فِي موضِعين لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول ذكر حِين دَعَتْهُ إِلَى المواقعة وَالثَّانِي حِين دعى إِلَى تَغْيِير حكم السّرقَة فَلَيْسَ بتكرار

225 - قَوْله {قُلْنَ حاش لله} فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَحدهمَا فِي حَضْرَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام حِين نفين عَنهُ البشرية بزعمهن وَالثَّانِي بِظهْر الْغَيْب حِين نفين عَنهُ السوء فَلَيْسَ بتكرار

226 - قَوْله {إِنَّا نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} فِي موضِعين

لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول من كَلَام صَاحِبي السجْن ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام وَالثَّانِي من كَلَام إخْوَة يُوسُف ليوسف

227 - قَوْله {يَا صَاحِبي السجْن} فِي موضِعين الأول مِنْهُمَا ذكره يُوسُف حِين عدل عَن جوابهما إِلَى دعائهما إِلَى الْإِيمَان وَالثَّانِي حِين دعياه إِلَى تَعْبِير الرُّؤْيَا لَهما تَنْبِيها على أَن الْكَلَام الأول قد تمّ

228 - قَوْله {لعَلي أرجع إِلَى النَّاس لَعَلَّهُم يعلمُونَ} كرر لَعَلَّ رِعَايَة لفواصل الْآي إِذْ لَو جَاءَ بِمُقْتَضى الْكَلَام لقَالَ لعَلي أرجع فيعلموا بِحَذْف النُّون على الْجَواب وَمثله فِي هَذِه السُّورَة سَوَاء قَوْله {لَعَلَّهُم يعرفونها إِذا انقلبوا إِلَى أهلهم لَعَلَّهُم يرجعُونَ} فَمُقْتَضى الْكَلَام لَعَلَّهُم يعرفونها فيرجعوا

229 - قَوْله {تالله} فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول يَمِين مِنْهُم أَنهم لَيْسُوا سارقين وَأَن أهل مصر بذلك عالمون وَالثَّانِي يَمِين مِنْهُم أَنَّك لَو واظبت على الْحزن تصير حرضا أَو تكون من الهالكين وَالثَّالِث يَمِين مِنْهُم أَن الله فَضله عَلَيْهِم وَإِنَّهُم كَانُوا خاطئين وَالرَّابِع مَا ذكره وَهُوَ قَوْله {قَالُوا تالله إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم} وَهُوَ يَمِين من أَوْلَاده على أَنه لم يزل على محبَّة يُوسُف

230 - قَوْله {وَمَا أرسلنَا من قبلك} وَفِي الْأَنْبِيَاء {وَمَا أرسلنَا قبلك} بِغَيْر {من} لِأَن {قبل} اسْم للزمان السَّابِق على مَا أضيف إِلَيْهِ و {من} تفِيد اسْتِيعَاب الطَّرفَيْنِ وَمَا فِي هَذِه السُّورَة للاستيعاب وَقد يَقع {قبل} على بعض مَا تقدم كَمَا فِي الْأَنْبِيَاء فِي قَوْله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة} ثمَّ وَقع عقيبها {وَمَا أرسلنَا قبلك} بِحَذْف {من} لِأَنَّهُ بِعَيْنِه {قَوْله} {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} بِالْفَاءِ وَفِي الرّوم 9 وَالْمَلَائِكَة 44 بِالْوَاو لِأَن الْفَاء تدل على الِاتِّصَال والعطف وَالْوَاو تدل على الْعَطف الْمُجَرّد وَفِي السُّورَة قد اتَّصَلت بِالْأولِ لقَوْله {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا} حَال من كذبهمْ وَمَا نزل بهم من الْعَذَاب وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الرّوم وَالْمَلَائِكَة

232 - قَوْله {ولدار الْآخِرَة خير} وَفِي الْأَعْرَاف {وَالدَّار الْآخِرَة خير} على الصّفة لِأَن فِي هَذِه السُّورَة تقدم ذكر السَّاعَة وَصَارَ التَّقْدِير ولدار السَّاعَة الْآخِرَة فَحذف الْمَوْصُوف وَفِي الْأَعْرَاف تقدم قَوْله {عرض هَذَا الْأَدْنَى} أَي الْمنزل الْأَدْنَى فَجعله وَصفا للمنزل وَالدَّار الدُّنْيَا وَالدَّار الْآخِرَة بِمَعْنَاهُ فَأجرى مجْرَاه تَأمل فِي هَذِه السُّورَة فَإِن فِيهَا برهانا لأحسن الْقَصَص

سُورَة الرَّعْد

233 - قَوْله تَعَالَى {كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} وَفِي سُورَة لُقْمَان {إِلَى أجل} لَا ثَانِي لَهُ لِأَنَّك تَقول فِي الزَّمَان جرى ليَوْم كَذَا وَإِلَى يَوْم كَذَا وَالْأَكْثَر اللَّام كَمَا فِي هَذِه السُّورَة وَسورَة الْمَلَائِكَة 13 وَكَذَلِكَ فِي يس {تجْرِي لمستقر لَهَا} لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة التَّارِيخ تَقول لَبِثت لثلاث بَقينَ من الشَّهْر وآتيك لخمس تبقى من الشَّهْر وَأما فِي لُقْمَان فَوَافَقَ مَا قبلهَا وَهُوَ قَوْله {وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله} وَالْقِيَاس لله كَمَا فِي قَوْله {أسلمت وَجْهي لله} لكنه حمل على الْمَعْنى أَي يقْصد بِطَاعَتِهِ إِلَى الله وَكَذَلِكَ {يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} أَي يجْرِي إِلَى وقته الْمُسَمّى لَهُ

234 - قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون} وَبعدهَا {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ} لِأَن بالتفكر فِي الْآيَات يعقل مَا جعلت الْآيَات دَلِيلا عَلَيْهِ فَهُوَ الأول الْمُؤَدِّي إِلَى الثَّانِي

235 - قَوْله {وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه} فِي هَذِه السُّورَة فِي موضِعين وَزَعَمُوا أَنه لَا ثَالِث لَهما لَيْسَ بتكرار مَحْض لِأَن المُرَاد بِالْأولِ آيَة مِمَّا اقترحوا نَحْو مَا فِي قَوْله {لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} وَالْمرَاد بِالثَّانِي آيَة مَا لأَنهم لم يهتدوا إِلَى أَن الْقُرْآن آيَة فَوق كل آيَة وأنكروا سَائِر آيَاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

236 - قَوْله {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَفِي النَّحْل {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة وَالْمَلَائِكَة} وَفِي الْحَج {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم} لِأَن {مَا} فِي هَذِه السُّورَة تقدم آيَة السَّجْدَة ذكر العلويات من الْبَرْق والسحاب وَالصَّوَاعِق ثمَّ ذكر الْمَلَائِكَة وتسبيحهم وَذكر بآخرة الْأَصْنَام وَالْكفَّار فَبَدَأَ فِي آيَة السَّجْدَة بِذكر من فِي السَّمَوَات لذَلِك وَذكر الأَرْض تبعا وَلم يذكر {من} فِيهَا اسْتِخْفَافًا بالكفار والأصنام

وَأما مَا فِي الْحَج فقد تقدم ذكر الْمُؤمنِينَ وَسَائِر الْأَدْيَان فَقدم ذكر من فِي السَّمَوَات تَعْظِيمًا لَهُم وَلها وَذكر من فِي الأَرْض لأَنهم هم الَّذين تقدم ذكرهم

وَأما فِي النَّحْل فقد تقدم ذكر مَا خلق الله على الْعُمُوم وَلم يكن فِيهِ ذكر الْمَلَائِكَة وَلَا الْإِنْس بِالصَّرِيحِ فاقتضت الْآيَة {مَا فِي السَّمَاوَات} فَقَالَ فِي كل آيَة مَا لَاق بهَا

237 - قَوْله {نفعا وَلَا ضرا} قد سبق

238 - قَوْله {كَذَلِك يضْرب الله الْحق وَالْبَاطِل} لَيْسَ بتكرار لِأَن التَّقْدِير كَذَلِك يضْرب الله الْحق وَالْبَاطِل الْأَمْثَال فَلَمَّا اعْترض بَينهمَا {فَأَما} {وَأما} وَأطَال الْكَلَام أعَاد فَقَالَ {كَذَلِك يضْرب الله الْأَمْثَال}

239 - قَوْله {لَو أَن لَهُم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه لافتدوا بِهِ} وَفِي الْمَائِدَة {ليفتدوا بِهِ} لِأَن لَو وجوابها يتصلان بالماضي فَقَالَ فِي هَذِه السُّورَة {لافتدوا بِهِ}

وَجَوَابه فِي الْمَائِدَة {مَا تقبل مِنْهُم} وَهُوَ بِلَفْظ الْمَاضِي وَقَوله {ليفتدوا بِهِ} عِلّة وَلَيْسَ بِجَوَاب

240 - قَوْله {مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} فِي موضِعين من هَذِه السُّورَة لَيْسَ بتكرار لِأَن الأول مُتَّصِل بقوله {يصلونَ} وَعطف عَلَيْهِ {ويخشون} وَالثَّانِي مُتَّصِل بقوله {يقطعون} وَعطف عَلَيْهِ {ويفسدون}

241 - قَوْله {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك} وَمثله فِي الْمُؤمن 78 لَيْسَ بتكرار قَالَ ابْن عَبَّاس عيروا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باشتغاله بِالنِّكَاحِ والتكثر مِنْهُ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية} بِخِلَاف مَا فِي الْمُؤمن فَإِن المُرَاد مِنْهُ لست ببدع من الرُّسُل {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك}

242 - قَوْله {وَإِمَّا نرينك} مَقْطُوع وَفِي سَائِر الْقُرْآن {وَأما} موصل وَهُوَ من اللهجات وَقد ذكر فِي مَوْضِعه

سُورَة إِبْرَاهِيم

243 - قَوْله {ويذبحون} بواو الْعَطف قد سبق وَالله أعلم

244 - قَوْله {وَإِنَّا} بنُون وَاحِدَة و {تدعوننا} بنونين على الْقيَاس وَقد سبق فِي هود

245 - قَوْله {فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ} وَبعده {فَليَتَوَكَّل المتوكلون} لِأَن الْإِيمَان سَابق على التَّوَكُّل لِأَن على من صفة الْقُدْرَة وَلِأَن {مِمَّا كسبوا} صفة لشَيْء وَإِنَّمَا قدم مِمَّا كسبوا فِي هَذِه السُّورَة لِأَن الْكسْب هُوَ الْمَقْصُود بِالذكر فَإِن الْمثل ضرب للْعَمَل يدل عَلَيْهِ مَا قبله {أَعْمَالهم كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف لَا يقدرُونَ مِمَّا كسبوا على شَيْء}

246 - قَوْله تَعَالَى {لَا يقدرُونَ مِمَّا كسبوا على شَيْء} وَقَالَ فِي الْبَقَرَة {لَا يقدرُونَ على شَيْء مِمَّا كسبوا} لِأَن الأَصْل مَا فِي الْبَقَرَة

247 - قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} وَفِي النَّمْل {وَأنزل لكم من السَّمَاء مَاء} بِزِيَادَة لكم لِأَن {لكم} فِي هَذِه السُّورَة مَذْكُور فِي آخر الْآيَة فَاكْتفى بِذكرِهِ وَلم يكن فِي النَّمْل فِي آخرهَا فَذكر فِي أَولهَا وَلَيْسَ قَوْله {مَا كَانَ لكم} يكفى عَن ذكره لِأَنَّهُ نفى وَلَا يُفِيد معنى الأول

سُورَة الْحجر

249 - قَوْله {لَو مَا تَأْتِينَا} وَفِي غَيرهَا {لَوْلَا} لِأَن {لَوْلَا} تَأتي على وَجْهَيْن أَحدهمَا امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره وَهُوَ الْأَكْثَر وَالثَّانِي بِمَعْنى هلا وَهُوَ للتحضيض وَيخْتَص بِالْفِعْلِ وَلَوْلَا بِمَعْنَاهُ وخصت هَذِه السُّورَة بلوما مُوَافقَة لقَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود} فَإِنَّهَا أَيْضا مِمَّا خصت بِهِ هَذِه السُّورَة

250 - قَوْله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي خَالق بشرا}

هُنَا وَفِي ص 71 وَفِي الْبَقَرَة {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل} وَلَا ثَالِث لَهما لِأَن جعل إِذا كَانَ بِمَعْنى خلق يسْتَعْمل فِي الشَّيْء يَتَجَدَّد ويتكرر كَقَوْلِه {خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} لِأَنَّهُمَا يتجددان زَمَانا بعد زمَان وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَة يدل لَفظه على أَن بَعضهم يخلف بَعْضًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وخصت هَذِه السُّورَة بقوله {إِنِّي خَالق بشرا} إِذْ لَيْسَ فِي لفظ الْبشر مَا يدل على التجدد والتكرار فجَاء فِي كل وَاحِدَة من السورتين مَا اقْتَضَاهُ مَا بعده من الْأَلْفَاظ

251 - قَوْله {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} فِي هَذِه وَفِي ص 73 لِأَنَّهُ لما بَالغ فِي السورتين فِي الْأَمر بِالسُّجُود وَهُوَ قَوْله {فقعوا لَهُ ساجدين} فِي السورتين بَالغ فِي الِامْتِثَال فيهمَا فَقَالَ {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} لتقع الْمُوَافقَة بَين أولاها وأخراها وَبَاقِي قصَّة آدم وإبليس سبق

252 - قَوْله فِي هَذِه السُّورَة لإبليس {وَإِن عَلَيْك اللَّعْنَة} بِالْألف وَاللَّام وَفِي ص {وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} بِالْإِضَافَة لِأَن الْكَلَام فِي هَذِه السُّورَة جرى على الْجِنْس من أول الْقِصَّة فِي قَوْله {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان} {والجان خلقناه} {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم}

كَذَلِك قَالَ {عَلَيْك اللَّعْنَة} وَفِي ص تقدم {لما خلقت بيَدي} فختم بقوله {عَلَيْك لَعْنَتِي}

253 - قَوْله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} وَزَاد فِي هَذِه السُّورَة {إخْوَانًا} لِأَنَّهَا نزلت فِي أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا سواهَا عَام فِي الْمُؤمنِينَ

254 - قَوْله فِي قصَّة إِبْرَاهِيم {فَقَالُوا سَلاما قَالَ إِنَّا مِنْكُم وجلون} لِأَن هَذِه السُّورَة مُتَأَخِّرَة فَاكْتفى بهَا عَمَّا فِي هود لِأَن التَّقْدِير فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام فَمَا لبث أَن جَاءَ بعجل حنيذ فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة قَالَ إِنَّا مِنْكُم وجلون فَحذف للدلالة عَلَيْهِ

255 - قَوْله {وَاتبع أدبارهم} قد سبق

256 - قَوْله {وأمطرنا عَلَيْهِم} وَفِي غَيرهَا {وأمطرنا عَلَيْهَا} قَالَ بعض الْمُفَسّرين عَلَيْهِم أَي على أَهلهَا وَقَالَ بَعضهم على من شَذَّ من الْقرْيَة مِنْهُم

قلت وَلَيْسَ فِي الْقَوْلَيْنِ مَا يُوجب تَخْصِيص هَذِه السُّورَة بقوله {عَلَيْهِم} بل هُوَ يعود على أول الْقِصَّة وَهُوَ {إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم مجرمين} ثمَّ قَالَ {وأمطرنا عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل} فَهَذِهِ لَطِيفَة فاحفظها

257 - قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} بِالْجمعِ وَبعدهَا {لآيَة للْمُؤْمِنين} على التَّوْحِيد

قَالَ الْخَطِيب الأولى إِشَارَة إِلَى مَا تقدم من قصَّة لوط وضيف إِبْرَاهِيم وَتعرض قوم لوط لَهُم طَمَعا فيهم وقلب الْقرْيَة على من فِيهَا وإمطار الْحِجَارَة عَلَيْهَا وعَلى من غَابَ مِنْهُم فختم بقوله {لآيَات للمتوسمين} أَي لمن تدبر السمة وَهِي مَا وسم الله بِهِ قوم لوط وَغَيرهم قَالَ وَالثَّانيَِة تعود إِلَى الْقرْيَة وَإِنَّهَا لسبيل مُقيم وَهِي وَاحِدَة فَوحد الْآيَة

قلت مَا جَاءَ من الْآيَات فلجمع الدَّلَائِل وَمَا جَاءَ من الْآيَة فلوحدانية الْمَدْلُول عَلَيْهِ فَلَمَّا ذكر عَقِيبه الْمُؤْمِنُونَ وهم المقرون بوحدانية الله تَعَالَى وحد الْآيَة وَلَيْسَ لَهَا نَظِير فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي العنكبوت وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ إِن فِي ذَلِك لآيَة للْمُؤْمِنين} فَوحد بعد ذكر الْجمع لما ذكرت وَالله أعلم

سُورَة النَّحْل

258 - قَوْله فِيهَا فِي موضِعين {إِن فِي ذَلِك لآيَات} بِالْجمعِ وَفِي خمس مَوَاضِع {إِن فِي ذَلِك لآيَة} على الْوحدَة أما الْجمع فلموافقة قَوْله {مسخرات} فِي الْآيَتَيْنِ لتقع الْمُوَافقَة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَأما التَّوْحِيد فلتوحيد الْمَدْلُول عَلَيْهِ

وَمن الْخمس قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يذكرُونَ} وَلَيْسَ لَهُ نَظِير وَخص الذّكر لاتصاله بقوله {وَمَا ذَرأ لكم فِي الأَرْض مُخْتَلفا ألوانه} فَإِن اخْتِلَاف ألوان الشَّيْء وَتغَير أَحْوَاله يدل على صانع حَكِيم فَمَا يُشبههُ شَيْء فَمن تَأمل فِيهَا تذكر

وَمن الْخمس {إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يتفكرون} فِي موضِعين وَلَيْسَ لَهما نَظِير وخصتا بالتفكر لِأَن الأولى مُتَّصِلَة بقوله {ينْبت لكم بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل وَالْأَعْنَاب وَمن كل الثمرات} وأكثرها للْأَكْل وَبِه قوام الْبدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف بِهِ الْمُنعم عَلَيْهِ فيشكر وَالثَّانيَِة مُتَّصِلَة بِذكر النَّحْل وفيهَا أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها الْبيُوت على أشكال يعجز عَنْهَا الحاذق ثمَّ تتبعها الزهر والطل من الْأَشْجَار ثمَّ خُرُوج ذَلِك من بطونها لعابا هُوَ شِفَاء فَاقْتضى ذَلِك ذكرا بليغا فختم الْآيَة بالتفكير

259 - قَوْله {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ ولتبتغوا} مَا فِي هَذِه السُّورَة جَاءَ على الْقيَاس فَإِن الْفلك الْمَفْعُول الأول لترى ومواخر الْمَفْعُول الثَّانِي وَفِيه ظروف وَحقه التَّأَخُّر وَالْوَاو فِي {ولتبتغوا} للْعَطْف على لَام الْعلَّة فِي قَوْله {لتأكلوا مِنْهُ} وَأما فِي الْمَلَائِكَة فَقدم {فِيهِ} مُوَافقَة لما قبله وَهُوَ قَوْله {وَمن كل تَأْكُلُونَ لَحْمًا طريا} فَوَافَقَ تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور على الْفِعْل وَالْفَاعِل وَلم يزدْ الْوَاو على {لتبتغوا} لِأَن اللَّام فِي لتبتغوا هُنَا لَام الْعلَّة وَلَيْسَ بعطف على شَيْء قبله ثمَّ إِن قَوْله {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} فِي هَذِه السُّورَة {فِيهِ مواخر} فِي فاطر اعْتِرَاض فِي السورتين يجْرِي مجْرى الْمثل وَلِهَذَا وحد الْخطاب فِيهِ وَهُوَ

قَوْله {وَترى} وَقَبله وَبعده جمع وَهُوَ قَوْله {لتأكلوا} {وتستخرجوا} ولتبتغوا {وَالْمَلَائِكَة} {تَأْكُلُونَ} {تستخرجون} وَمثله فِي الْقُرْآن كثير {كَمثل غيث أعجب الْكفَّار نَبَاته ثمَّ يهيج فتراه مصفرا} وَكَذَلِكَ {تراهم ركعا سجدا} {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} وَأَمْثَاله أَي لَو حصرت أَيهَا الْمُخَاطب لرأيته بِهَذِهِ الصّفة كَمَا تَقول أَيهَا الرجل وكلكم ذَلِك الرجل فَتَأمل فَإِن فِيهِ دقيقة

260 - قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين} وَبعده {وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا} إِنَّمَا رفع الأول لأَنهم أَنْكَرُوا إِنْزَال الْقُرْآن فعدلوا عَن الْجَواب فَقَالُوا {أساطير الْأَوَّلين} وَالثَّانِي من كَلَام الْمُتَّقِينَ وهم مقرون بالوحى والإنزال فَقَالُوا {خيرا} أَي أنزل خيرا فَيكون الْجَواب مطابقا

وَخيرا نصب بأنزل وَإِن شِئْت جعلت خيرا مفعول القَوْل أَي قَالُوا خيرا وَلم يَقُولُوا شرا كَمَا قَالَت الْكفَّار وَإِن شِئْت جعلت خيرا صفة مصدر مَحْذُوف أَي قَالُوا قولا خيرا وَقد ذكرت مثله مَا زَاد فِي موضعهَا

261 - قَوْله {فلبئس مثوى المتكبرين} لَيْسَ لَهُ فِي الْقُرْآن نَظِير الْفَاء للْعَطْف على فَاء التعقيب فِي قَوْله {فادخلوا أَبْوَاب جَهَنَّم} وَاللَّام للتَّأْكِيد يجْرِي مجْرى الْقسم مُوَافقَة لقَوْله {ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ} وَلَيْسَ لَهُ نَظِير وَبَينهمَا {ولدار الْآخِرَة خير}

262 - قَوْله {فَأَصَابَهُمْ سيئات مَا عمِلُوا} هُنَا وَفِي الجاثية 33

وَفِي غَيرهمَا {مَا كسبوا} لِأَن الْعَمَل أَعم من الْكسْب وَلِهَذَا قَالَ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} وخصت هَذِه السُّورَة لموافقة مَا قبله وَهُوَ قَوْله {مَا كُنَّا نعمل من سوء بلَى إِن الله عليم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} ولموافقة مَا بعده وَهُوَ قَوْله {وَتوفى كل نفس مَا عملت} وَفِي الزمر 70 وَلَيْسَ لَهَا نَظِير

263 - قَوْله {لَو شَاءَ الله مَا عَبدنَا من دونه من شَيْء} قد سبق

264 - قَوْله {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات} قد سبق

265 - قَوْله {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات} قد سبق أَيْضا

266 - قَوْله {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ} وَمثله فِي الرّوم 34 وَفِي العنكبوت {وليتمتعوا فَسَوف يعلمُونَ} بِاللَّامِ وَالْيَاء أما التَّاء فِي السورتين فبإضمار القَوْل أَي قل لَهُم تمَتَّعُوا كَمَا فِي قَوْله {قل تمَتَّعُوا فَإِن مصيركم إِلَى النَّار} وَكَذَلِكَ {قل تمتّع بكفرك قَلِيلا} وخصت هَذِه بِالْخِطَابِ لقَوْله {إِذا فريق مِنْكُم} وَألْحق مَا فِي الرّوم بِهِ

وَأما فِي العنكبوت فعلى الْقيَاس عطف على اللَّام قبله وَهِي للْغَائِب

267 - قَوْله {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك عَلَيْهَا من دَابَّة} وَفِي الْمَلَائِكَة {بِمَا كسبوا مَا ترك على ظهرهَا} الْهَاء فِي هَذِه

السُّورَة كِنَايَة عَن الأَرْض وَلم يتَقَدَّم ذكرهَا وَالْعرب تجوز ذَلِك فِي كَلِمَات مِنْهَا الأَرْض تَقول فلَان أفضل من عَلَيْهَا وَمِنْهَا السَّمَاء تَقول فلَان أكْرم من تحتهَا وَمِنْهَا الْغَدَاء {تَقول} إِنَّهَا الْيَوْم لباردة وَمِنْهَا الْأَصَابِع تَقول وَالَّذِي شقهن خمْسا من وَاحِدَة يَعْنِي الْأَصَابِع من الْيَد وَإِنَّمَا جوزوا ذَلِك لحصولها بَين يَدي كل مُتَكَلم وسامع

وَلما كَانَ كِنَايَة عَن غير مَذْكُور وَلم يزدْ مَعَه الظّهْر لِئَلَّا يلتبس بالدابة لِأَن الظّهْر أَكثر مَا يسْتَعْمل فِي الدَّابَّة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهرا أبقى

وَأما فِي الْمَلَائِكَة فقد تقدم ذكر الأَرْض فِي قَوْله {أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} وَبعدهَا {وَلَا فِي الأَرْض} فَكَانَ كِنَايَة عَن مَذْكُور سَابق فَذكر الظّهْر حَيْثُ لَا يلتبس

قَالَ الْخَطِيب لما قَالَ فِي النَّحْل {بظلمهم} لم يقل على ظهرهَا احْتِرَازًا عَن الْجمع بَين الظاءين لِأَنَّهَا تقل فِي الْكَلَام وَلَيْسَت لأمة من الْأُمَم سوى الْعَرَب

قَالَ وَلم يجِئ فِي هَذِه السُّورَة إِلَّا فِي سَبْعَة أحرف نَحْو الظُّلم وَالنَّظَر والظل وظل وَجهه وَالظّهْر والعظم والوعظ فَلم يجمع بَينهمَا فِي جملتين معقودتين عقد كَلَام وَاحِد وَهُوَ لَو وجوا بِهِ

267 - م قَوْله {فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا} وَفِي العنكبوت {من بعد مَوتهَا} وَكَذَلِكَ حذف من قَوْله {لكيلا يعلم من بعد علم شَيْئا} وَفِي الْحَج {من بعد علم شَيْئا} لِأَنَّهُ أجمل الْكَلَام فِي هَذِه السُّورَة

وَفصل فِي الْحَج فَقَالَ {فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة} إِلَى قَوْله {ومنكم من يتوفى} فَاقْتضى الْإِجْمَال الْحَذف وَالتَّفْصِيل الْإِثْبَات فجَاء فِي كل سُورَة بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَال

268 - قَوْله {نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} وَفِي الْمُؤمنِينَ {فِي بطونها} لِأَن الضَّمِير فِي هَذِه السُّورَة يعود إِلَى الْبَعْض وَهُوَ الْإِنَاث لِأَن اللَّبن لَا يكون للْكُلّ فَصَارَ تَقْدِير الْآيَة وَإِن لكم فِي بعض الْأَنْعَام بِخِلَاف مَا فِي الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ عطف عَلَيْهِ مَا يعود على الْكل وَلَا يقْتَصر على الْبَعْض وَهُوَ قَوْله {وَلكم فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} {وَعَلَيْهَا} ثمَّ يحْتَمل أَن يكون المُرَاد الْبَعْض فأنث حملا على الْأَنْعَام وَمَا قيل من أَن الْأَنْعَام هَهُنَا بِمَعْنى النعم لِأَن الْألف وَاللَّام تلْحق الْآحَاد بِالْجمعِ وَفِي إِلْحَاق الْجمع بالآحاد حسن لَكِن الْكَلَام وَقع فِي التَّخْصِيص وَالْوَجْه مَا ذكرت وَالله أعلم

269 - قَوْله {وبنعمة الله هم يكفرون} وَفِي العنكبوت {يكفرون} بِغَيْر {هم} لِأَن فِي هَذِه السُّورَة اتَّصل {وَالله جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة ورزقكم من الطَّيِّبَات} ثمَّ عَاد إِلَى الْغَيْبَة فَقَالَ {أفبالباطل يُؤمنُونَ وبنعمة الله هم يكفرون} فَلَا بُد من تَقْيِيده بهم لِئَلَّا تَلْتَبِس الْغَيْبَة بِالْخِطَابِ وَالتَّاء بِالْبَاء

وَمَا فِي العنكبوت اتَّصل بآيَات استمرت على الْغَيْبَة فِيهَا كلهَا فَلم يحْتَج إِلَى تَقْيِيده بالضمير

270 - قَوْله {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم} كرر {إِن} وَكَذَلِكَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {ثمَّ إِن رَبك} لِأَن الْكَلَام لما طَال بصلته أعَاد إِن وَاسْمهَا وَثمّ وَذكر الْخَبَر وَمثله {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} أعَاد أَن وَاسْمهَا لما طَال الْكَلَام

271 - قَوْله {وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا} وَفِي النَّمْل {وَلَا تكن} بِإِثْبَات النُّون هَذِه الْكَلِمَة كثر دورها فِي الْكَلَام فَحذف النُّون مِنْهَا تَخْفِيفًا من غير قِيَاس بل تَشْبِيها بحروف الْعلَّة وَيَأْتِي ذَلِك فِي الْقُرْآن فِي بضع عشرَة موضعا تِسْعَة مِنْهَا بِالتَّاءِ وَثَمَانِية بِالْيَاءِ وموضعان بالنُّون وَمَوْضِع بِالْهَمْزَةِ وخصت هَذِه السُّورَة بالحذف دون النَّمْل مُوَافقَة لما قبلهَا وَهُوَ قَوْله {وَلم يَك من الْمُشْركين}

وَالثَّانِي إِن هَذِه الْآيَة نزلت تَسْلِيَة للنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قتل عَمه حَمْزَة وَمثل بِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَأَفْعَلَنَّ بهم ولأصنعن فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين} {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون}

فَبَالغ فِي الْحَذف ليَكُون ذَلِك مُبَالغَة فِي التسلي وَجَاء فِي النَّمْل على الْقيَاس وَلِأَن الْحزن هُنَا دون الْحزن هُنَاكَ